أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - -أخلاق- رمضان















المزيد.....

-أخلاق- رمضان


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2778 - 2009 / 9 / 23 - 17:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثمة مفارقات يعيشها المغاربة دون أن تصبح موضوعا للتفكير أو للنقاش، و منها بعض الظواهر التي يعرفها المجتمع خلال شهر رمضان، و هي ظواهر على العموم سلبية و لا إنسانية ، غير أنها يتم السكوت عنها و تمريرها على حساب شهر الصيام الذي يجتهد الكل في إظهاره بمظهر الشهر "المبارك" و "الفضيل" و "الكريم" إلى غير ذلك من الصفات الإيجابية التي تخفي واقعا هو على النقيض مما يتم التصريح به.
أولى هذه الظواهر هي المزاج السيئ للصائمين، فالصائم يعطي نفسه الحق في العبوس و سوء معاملة الغير و التلفظ بغليظ الكلام و النظر إلى الآخرين بخشونة، بمبرر الصيام، و لهذا نجد نسبة هامة من المواطنين على استعداد تام للعراك و الخصام على الطريقة البدوية لأتفه الأسباب، و الكل يعتبر ذلك أمرا طبيعيا بسبب الصيام، حتى أن المغاربة أبدعوا معجما خاصا بهذه العادات السيئة مثل كلمة "مرمضن" التي تعني الحالة المشارة إليها.
من هذه الظواهر أيضا الكسل و الخمول و الهروب من العمل، و خاصة في المؤسسات العمومية حيث يشيع مناخ مقرف من التراخي يذكر بقيلولة اليمنيين وقت مضغ "القات"، و هو ما يجعل نسبة من الشلل تصيب الدولة بكاملها و مردودية الموظفين و الموظفات تنزل إلى الحضيض، و كل ذلك بذريعة أداء الفريضة الدينية للشهر "الفضيل". و الحقيقة أن هذا الشهر هو الذي يقل فيه وخز "الضمير المهني" لدى الموظفين، و تقوى فيه مظاهر التطبيع مع التسيّب و اللامسؤولية، فالصلاة مثلا في وقت العمل بالنسبة لبعض الموظفين تصبح واجبة في المسجد لا في أماكن العمل، و هو ما ينجم عنه تعطيل مصالح المواطنين ليضمن الموظف "المؤمن" مكانا له في الجنة ، و لو على حساب غيره بالطبع.
و من هذه المظاهر أيضا عدم التسامح مع غير الصائم و معاملته بعدوانية، فالصائم يعتبر الشخص المختلف عنه "مستفزا لمشاعره" و مسيئا إلى "الجماعة" ( !؟ ) مما يبرر الإنتقام منه إما بالعنف اللفظي أو المادي أو بالوشاية لدى السلطة التي تمنح الصائم هذا الحق بحكم وصايتها على إيمان الناس و حراستها له، و لهذا فقد يجد الشخص الذي يأكل في رمضان نفسه محكوما بالسجن لبضعة أشهر، و ترى السلطة في ذلك "حماية له" من الصائمين كي لا يبطشوا به، كما ترى في سلوكها حماية لحق الجماعة في الرقابة على الفرد و تطبيقا لالتزام الدولة بـ "حماية الدين" و "حفظه" و لو على حساب حريات الآخرين الذين ليست لهم "مشاعر" أو حقوق مثل المؤمنين .
و من مظاهر الأخلاق الرمضانية شيوع النفاق و المداراة و الإفتعال في الخطاب اليومي، فالصائمون يتواطئون في تعداد مناقب رمضان و فضله رغم أنهم يشعرون بخلاف ذلك في عدد من الأمور، فالأكل عند الفجر و النوم بعد ذلك ثم الإستيقاظ في حالة سيئة هو أمر غير محمود من الناحية الصحية ما في ذلك شك، غيرأن الكثيرين لا يستطيعون الإعتراف بذلك، و الذين يقرون بوجود المشكل يعتبرون "تأخير السحور" أمرا غير ملزم . كما أن الشراهة و الإنشغال المرضي بشهوات البطن و تناول الوجبات المتتالية يجعل من رمضان شهر الإحتفاء بالأكل حدّ المرض، لا شهر شعائر دينية أو تجارب روحية، مما يخلق بونا شاسعا بين الخطاب الفقهي الوعظي و بين انشغالات الناس الشعبية و الحقيقية.
و مثلما يقبل الناس على شهوات البطن في رمضان تجلبهم كذلك "شهوة الفرج" بشكل هستيري، يدلّ على ذلك الإقبال الملحوظ على اللذات الجنسية الحسية بعد الإفطار، فحدّة التحرش الجنسي تزداد في رمضان في الشوارع المكتظة، كما أنّ المومسات تجدن زبائن أكثر في غياب أية رعاية أو رقابة طبية منظمة.
و من السلبيات الخطيرة لأخلاق رمضان شيوع نزعة انتحارية لا عقلانية باسم الإيمان و العبادة، فرغم أن الصيام يشكل خطرا على بعض المؤمنين من الناحية الطبية إلا أنهم يصرّون رغم ذلك على الإمساك عن الأكل معرضين أنفسهم للخطر، معتبرين تحملهم للألم و تفاقم المرض مجاهدة و احتسابا له أجر عظيم عند الله في الآخرة، و بما أن الدعاية لرمضان و للصيام تفوق بكثير التوعية الطبية العلمية و العقلانية سواء في وسائل الإعلام أو داخل الأسر في البيوت، فإن النتيجة يعرفها الجميع .
و يقبل الناس على صلاة التراويح في رمضان، بعضهم من باب الإيمان الصادق و بعضهم من جراء العادة و آخرون من باب المظاهر و النفاق الإجتماعي، و تنجم عن ذلك فوضى عارمة أبرز مظاهرها صلاة الناس وسط ممرات السيارات في الأزقة و الشوارع، و اختناق المساجد مما يجعل فضاءاتها غير صحية بالنسبة للمسنين على وجه الخصوص، الذين يضطرون لمعالجة آثار التراويح أسابيع و شهورا بعد رمضان، غيرأن الجهد الذي يبذل في صلاة التراويح لا يقابله جهد ملموس في تحسين العلاقات الإنسانية في المجتمع و احترام الناس لبعضهم البعض، فالنفاق و الغش و مظاهر العنف الرمزي و المادي و أشكال اللامساواة و العنصرية تظل متفشية في رمضان مثلما يحدث قبله و بعده، و هو ما يحتاج إلى حهود أكبر في التوعية بالقانون و الإلتزام به و بتساوي الناس أمامه ، و إلى تدبير شؤون المجتمع من منطلق وعي عصري حداثي قوامه احترام الإنسان المواطن في حقوقه الأساسية، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو لغته أو دينه، و هي أمور قد لا يجدها المرء في صلاة التراويح و لا في الصيام، و لكنه قد يستوعبها بعمق من خلال ضوابط مؤسسات نظيفة تقوم بدورها في إطارالقانون، يدلّ على ذلك احترام المسلمين و التزامهم التام بالقانون في بلدان المهجر التي لا تقوم بأية دعاية دينية، و هو ما يفعلون خلافه بمجرد تخطيهم للحدود في اتجاه بلدهم الأصلي الذي يعاني من تضخم في الخطابات الدينية المزايدة على بعضها البعض .
إن رمضان ليس بحاجة إلى دعاية و استنفار، فهو فريضة دينية يؤدّيها المؤمنون بالإسلام بشكل تلقائي، و إنما المطلوب حملات التوعية و الإرشاد اليومي المرافقة لرمضان، و التي تعمل على لفت انتباه المؤمنين إلى ما في سلوكاتهم من تناقضات، و ما يعتور حياتهم الدينية من سلبيات، حتى لا تصبح الشعائر الدينية فرصا و ذرائع لخرق الحقوق و الإخلال بالواجبات، و لا أقصد بذلك الوعظ و الإرشاد الديني فقط، فهو غير كافي على الإطلاق لأسباب عديدة، و إنما المفصود التوعية بأساليب عصرية انطلاقا من القانون و إلزاميته، و في إطار مفاهيم المواطنة و الحق و الواجب التي لا تمييز فيها بين المواطنين بالدين أو غيره، لأن الوعظ الديني الرمضاني إنما يهتم بأخلاق "جماعة المسلمين" و ليس بغيرهم من مواطني الدولة، بينما تشمل قوانين الدولة جميع المواطنين من مسلمين و يهود و مسيحيين و كذا المواطنين غير المؤمنين بأي دين من الأديان.





#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنصرية بين العرب و إسرائيل
- أزمة الثقة في المؤسسات
- مهازل الخلط بين العلم و الدين
- حول ما سمّي -الظهير البربري- في الكتاب المدرسي، على هامش الح ...
- ملاحظات حول الكتاب الأخير لمرشد جماعة العدل و الإحسان
- عودة إلى موضوع التنصير و الأسلمة
- الإنفجار الديمغرافي الإسلامي في مواجهة تقدم الغرب: آخر ابتكا ...
- التبشير المسيحي و التبشير الإسلامي
- ملاحظات حول مفهوم -الأمن الروحي للمغاربة-
- عنصرية إسرائيل بين عصا البشير و عمامة نجاد
- مظاهر الميز ضد الأمازيغ و السود و اليهود بالمغرب إلى الوزير ...
- نداء من أجل الحرية
- أبعاد التواطؤ بين الإسلاميين و السلطة
- لماذا يعيش المغرب حالة بارانويا دينية ؟
- التضامن الإنساني و التضامن العرقي
- حين يباع الوطن و يهان المواطن
- 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين
- المفهوم اللاديمقراطي للديمقراطية
- الوطنية المغربية و الطابو التاريخي
- انتحار امرأة


المزيد.....




- فرحي أطفالك نزلي تردد قناة طيور الجنة بيبي بأعلى جودة بعد ال ...
- “أغاني ممتعة طول اليوم” بجودة HD استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- إشارة قوية ومحتوى جديد .. خطوات استقبال قناة طيور الجنة بيبي ...
- هاريس تغازل المسيحيين والعرب في ختام حملتها
- زمان يسرائيل: الفجوة الصحية بين العرب واليهود في إسرائيل مثي ...
- لبنان: نازحون مسيحيون من القرى الجنوبية يأملون بالعودة سريعا ...
- أغاني منوعات وأناشيد للبيبي على تردد قناة طيور الجنة 2024
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة هامعلاه بصلية صار ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة يسود هامعلاه بصلي ...
- كنيس يهودي يحتضن صلاة المسلمين كل جمعة.. ما قصته؟


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - -أخلاق- رمضان