|
حرية العقيدة و التخبط المفاهيمي : في الحاجة إلى العلمانية
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 2778 - 2009 / 9 / 23 - 07:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظات حقوقية
هذه مداخلة اسلامي ع الحفيظ عضو اللجنة الادارية للجمعية المغربية لحقوق الانسان 18 شتنبر 2009
بصدد مبادرة "حركة مالي" للدفاع عن الحريات الفردية
تقديم : إن الدول التي لم تنخرط كلية و وفق مشروع مجتمعي في المرجعية الكونية و الشمولية لحقوق الإنسان تظل حتى و هي تردد في الكثير من خطاباتها على تبني هذه المرجعية حبيسة النظرة الانتقائية النفعية التوفيقية بين مقتطفات من المرجعية الحقوقية التي تفرضها طبيعة الالتزامات الدولية و تطلعات المجتمع المنظم و الناطق بحقوقه و الجمعيات الحقوقية من جهة. و الإرادة الرجعية للقوى الاجتماعية النافذة في الحفاظ على الأوضاع السياسية و المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية كما هي بدون تغييرات جوهرية تذكر و في الحفاظ في نفس الوقت على الخطاب الحقوقي كخطاب إيديولوجي مائع بدون إعمال هدفه تبيان أن النظام الحالي بما أنه منخرط حتى النخاع في ليبرالية اقتصادية متوحشة من موقع الضعف إرضاء لصانعي توصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدول و مختلف مراكز القرار الامبريالية فهو كذلك منخرط في "ليبرالية سياسية و فكرية"(اللبرلة) من خلال استعارة شعار "الدولة الديمقراطية الحداثية" و العمل به لقطع الطريق على كل إمكانية للتغيير الديمقراطي الحقيقي و في نفس الوقت الذي يحافظ فيه على الطابع الثيوقراطي (الأصولية المخزنية) و الأوتوقراطي (الحكم الفردي المطلق) لنظام الحكم , هذه الازدواجية الملازمة للنظام القائم و التي تعنون بشعار متحايل و مكرور و تمويهي" الأصالة و المعاصرة " يشكل وعاء مائع لاستيعاب الطابع التاريخي الهجين للمرجعية السياسية و الثقافية للكتلة الطبقية السائدة و لطابع الانفصام الملازم لسلوكيات الكثير من الأحزاب و المثقفين والنخب و حتى الكثير من المواطنين الذين لا يتبنون مشروعا اجتماعيا يضعهم في قطيعة مع المرجعية الهجينة المذكورة أعلاه . و يمكن من تأبيد سيطرة كتلة طبقية معادية لحقوق الإنسان في شموليتها و كونيتها تتقن فن تمييع المرجعيات و الخلط الإيديولوجي و اللعب على الخطابات المتعددة و المتناقضة. يفسر هذا التقديم لماذا لم تذهب الدولة المغربية بعيدا في الانخراط في المرجعية الكونية لحقوق الإنسان سواء من جهة التنصيص دستوريا على سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين المحلية وملائمة هذه القوانين مع المرجعية الكونية . و من جهة أخرى المصادقة على الاتفاقيات و البروتوكولات الدولية ذات الصلة باحترام و حماية وإعمال الحقوق المدنية و السياسية و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بما فيها المصادقة على كافة اتفاقيات منظمة العمل الدولية و البروتوكولات الملحقة بالعهدين الدوليين. و إدراج التربية عليها بشكل استراتيجي بدل إخضاع المرجعية الكونية و الشمولية لحقوق الإنسان للمرجعية الأصولية و الظلامية في بناء المضامين و المحتويات الإعلامية و التعليمية و الدراسية . و إعطاء مكانة للتربية الدينية و إعادة إنتاج الكادر الديني بشكل لا تحضا به حتى العلوم الحقة و العلوم الإنسانية في بلد يعاني من معوقات التنمية الشاملة و العادلة. إن الدولة و الثقافة السائدة استطاعت أن تضع يدها و تهيمن ليس على الحقول التي هيمنت عليها تقليديا بل حتى على الحقول التي لم تستطع الهيمنة عليها – رغم المحاولات- إلى حدود بداية التسعينات مع انبطاح و هرولة و خيانة القوى المحسوبة على ما يسمى باليسار التقليدي لكل برنامج ديمقراطي و انخراطها الكامل في المخزنة. 1- الأحداث : • قرر مجموعة من الشباب و الشابات المنتسبين إلى حركة سموها " الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية " و المعروفة ب حركة " مالي " تنفيذ "عملية إفطار جماعي علني" بضواحي مدينة المحمدية يوم الأحد 13 شتنبر 2009 / 25 رمضان 1430 . و قد بدأت هذه المبادرة من على صفحات الفايس بوك المعروفة و سطرت أولوياتها في الدفاع عن حرية التفكير و الضمير و الدين أي حرية تغيير الديانة و المعتقد كما أكدت أنها تهتم كذلك بالحريات السياسية في المغرب التي تعرف تراجعا كبيرا و أكدت على أنها ليست ضد الصيام... و كان لمبادرة هذه الحركة تداعيات و تعليقات مختلفة لدى الرأي العام. • كما تم اعتقال بعض أعضاء هذه الحركة و يبدو أنهم في حالة متابعة و فق الفصل 222 من القانون الجنائي و منهم الصحافي عزيز اليعقوبي و عبد الرحيم مقتفي و الصحافية الناطقة باسم الحركة زينب الغزوي و صلاح أبراح و نزار بنامت.... • الفصل 222 من القانون الجنائي ينص على أن " كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي و جاهر بالإفطار في شهر رمضان في مكان عمومي دون إذن شرعي يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من اثنتي عشر إلى مائة و عشرين درهما " • قامت الأجهزة المخزنية بتجنيد الأصولية الرسمية و الشبه الرسمية و الأحزاب الموالية و العديد من الأقلام الصحافية لمهاجمة هذه الحركة . 2- التعليقات : • أول التعليقات جاءت من السلطات المحلية التي حضرت بعين المكان – حسب قصاصات الصحف- لحصار و منع "مبادرة الإفطار" هذه. • اعتبر المجلس العلمي الأعلى بالمحمدية و هو مؤسسة أصولية رسمية في بيان له أن هذه الخطوة "...عملا شنيعا يدخل في تحدي الله و رسوله و تترتب عنه في الشرع عقوبة صارمة..." و اعتبر اصطحاب المبادرة "جماعة من الفتانين" و أكد البيان على أن " المغرب لا يمكنه أن يقبل المجاهرة بالمعصية , لأنه يعتبر تلم المجاهرة تشجيعا على المعصية بل و تحريضا عليها..." كما اعتبر هذه المحاولة تدخل في إطار"محاولة إبطال فريضة الصيام" و اعتبر هذا العمل "يدخل ضمن مخططات المغرضين" • تيار المستقبل للشبيبة الاتحادية كان من أول المنددين) من بدل الأحول !!!) بهذه الحركة و اعتبرها " حماقة مرتكبة من طرف أقلية سحيقة من الشباب" و أن الوقفة " تدخل ضمن أجندات أطراف أجنبية تتربص بمشروع المغرب الديمقراطي الحداثي الوطني " و حذر الشباب من " هذه البذور العقيمة التي تهدد بالأساس ضرب المغرب في معتقداته و هويته".(هي نفس اللغة التي كانت تستعملها القوى الظلامية ضد الشبيبة الاتحادية حينما كانت تقدمية) • مصطفى الرميد القيادي بحزب العدالة و التنمية نفا إمكانية تغيير الفصل 222 من ق.ج ما لم يصبح الإفطار جهرا أمام العموم عاديا و لم يفسر كيف يمكن أن يتحول الإفطار جهرا إذا لم يحذف الفصل 222. و اعتبر "أن القاعدة القانونية تأخذ مادتها من المجتمع فما حرمه هذا الأخير و اعتبر القيام به مسا لشعوره وجب منه بالقانون و ما يجيزه المجتمع و لا يستنكره طبيعي أن تكون هناك الإباحة له" " لا يمكن أن نقبل أشخاص مسلمين يفطرون رمضان جهارا , لذلك المشرع لا يمكن أن يغفل الاهتمام بمشاعر 99.99 % من المغاربة لإرضاء 0.01% فقط لأنهم يريدون الإفطار في نهار رمضان علانية " كما أكد أن لا مانع لديه في إفطارهم سرا . و تسائل "هل يمكن تجاوز أن الإسلام هو الدين الرسمي في المغرب" • عبد الباري الزمزمي رئيس الجمعية المغربية للدراسات و البحوث في فقه النوازل قال " أن شعار المملكة هو الله الوطن الملك لذا يجب احترام الدين الإسلامي و الحديث عن الحرية الفردية التي لا تقيم وزنا لمشاعر المسلمين سيدفع حتما لاحتماء البعض بهذا العذر لإبداء عدم الاحترام إزاء الوطن و كذا المؤسسة الملكية " (أين هي حدود السياسة و حدود الدين ?)و دعا إلى معاقبتهم وفقا للقوانين الجاري بها العمل لأنهم يستفزون مشاعر المسلمين. • مصطفى المعتصم المستشار الملكي يدعو الأحزاب للتحرك "للتصدي لمحاولات المس بعقيدة المغاربة" و اعتبر المحركون "هم نفس الجهات التي سبق و إن حركت قضايا سياسية كالوحدة الترابية و أحداث سيدي افني صفرو و غيرهما..." !!!و أن عمل هذه الجهات أصبح في السنوات الأخيرة يركز على قضايا تهم التنصير و التشيع و الشذوذ الجنسي و إحداث جمعية "كيف كيف" و ما شابه ذلك حيث أصبح أنصارها يحاولون فرضها داخل المجتمع . • إسماعيل العلوي أمين عام حزب التقدم و الاشتراكية وصف عمل الإفطار بأنه "عمل صبياني بشكل متميز و أنها لا تخدم قضية الحريات و لا تطور البلاد نحو الأحسن" و أن المحاولة تؤدي إلى" نشر الفتنة في وقت المغرب ليس في غنى عنها" • اعتبر بعض الصحفيين و بعض زعماء الأحزاب أن هذه الحركة مثلها مثل ظاهرة المثليين و والمتنصرين و الشيعة وأعداء الوحدة الترابية و أحداث أيفني و صفرو... و غيرها المفتعلة بفعل يد أجنبية مخابراتية استعمارية جديدة و خاصة الاسبانية لخلق فتنة أخلاقية و دينية و دستورية كما أن بعض أعضاء هذه الحركة يحملون الجنسية المزدوجة فرنسية مغربية و قد يكونوا تابعين للمخابرات الفرنسية !!!و هدفه استفزاز مشاعر المغاربة : و يدخل هذا المنطق ضمن نظرية المؤامرة وسياسة النعامة و ايديولوجية الإجماع الوطني و تمتين الجبهة الداخلية و الدفاع عن المقدسات المخزنية ;و هلم جرا : رشيد نيني مدير جريدة المساء/ حزب الحركة الشعبية / حزب الأصالة و المعاصرة / المجلس العلمي الأعلى بالمحمدية / مصطفى معتصم المستشار الملكي / عبد الإله بنكيران أمين عام العدالة و التنمية/ محمد الأبيض الأمين العام للاتحاد الدستوري...و غيرهم. • علي أنوزلا مدير الجريدة الأولى المعروف بمواقفه الجدية و المساندة لحقوق الإنسان عنون ركن أول الكلام بحدود الحرية و طالب بعدم تحدي القانون بل بالاكتفاء بالمطالبة بتغييره و اعتبر أن " لا علاقة بين الإفطار العلني و ممارسة الحرية الفردية للشخص" و تحدث عن أنه لا بد من التوازن بين الحقوق و الواجبات( لا أعرف ماذا جرى للسيد أنزولا المحترم هذه المرة فلأول مرة أراه يتحدث بلغة للحرية حدود !! يجب الانضباط القوانين الجاري بها العمل !! الحريات الفردية لا تعني عدم الصيام !! أكيد إنها لغة فقيه و لكن لا يمكن أن تكون لغة فقيه في الحريات. • خديجة الرويسي رئيسة جمعية بيت الحكمة ( و هي تنتمي لحزب الأصالة و المعاصرة الذي أدان حركة مالي) وصفت الفصل 222 بالجائر و القانون الذي يتدخل في القناعات الشخصية للأفراد"إن الإيمان قناعة , و لا يمكن فرض قناعة ما على كل الأفراد بالقوة , لان هذا أمر يخالف حقوق الإنسان و روح الدين الإسلامي". • أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان استغربت " كيف يمكن لأقلية أن تزعزع إسلام الأغلبية و استقرار الدولة لمجرد أنها تخرج عن صف الإجماع و دعت على ضرورة فتح نقاش عميق حول القوانين التي تتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان و إعادة النظر في المنطق المعتمد (حماية إيمان المواطنين)" و دعت إلى " إلغاء تحريك المتابعة القضائية في حق المعنيين و العمل على وضع الأسس لتدبير العلاقة بين حرية العقيدة كما تنص عليها المواثيق و العهود الدولية و بين الحرية الفردية التي لا تتعارض مع النظام العام . و هذا نقاش مجتمعي" كما دعت إلى تجاوز النفاق العام و اعتبرت أن الذين لا يقيمون فريضة الصيام كثيرون. • احمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية اعتبر أن الأشخاص " عبروا عن قناعاتهم الشخصية و لكنهم بالمقابل كان عليهم مراعاة الشعور العام للآخرين , و هو ما يسمى بأخلاق الآداب العامة" و اعتبر أن النقاش ليس دينيا فحسب و إنما يجب النظر إلى الموضوع من زاوية المبادئ الاجتماعية حيث لا يجب استفزاز مشاعر الآخرين ... • الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أصدرت بيانا باسم المكتب المركزي يدين الاعتقال و المتابعة و التحريض و الهجومات المغرضة و يدعو إلى احترام حرية التعبير والعقيدة و يدعو إلى ملائمة القوانين المغربية و ضمنها الدستور مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. 1- في الحقوق الشخصية و حرية العقيدة : • ما أن تظهر حركة ما لبعض الشباب تأتي بالجديد حتى تنبري الأقلام الصحفية المأجورة من اليمين و كذا من بعض الأقلام المحسوبة زورا على اليسار و الأقلام الظلامية و المجالس العلمية و أجهزة الأمنية و بعض الأحزاب المخزنية في شن حملة تشبه بل تفوق في ديماغوجيتها و لخبطتها و قبحها الفكري حملات التفتيش في العصور الوسطى . و هي الأقلام نفسها التي لا تنفك تتحدث عن حقوق الإنسان – بعد لي عنقها طبعا- على طريقة الأنظمة الغير الديمقراطية المعهودة حين ترى ذلك يشكل لها نفعا انتهازيا أو تأثيثا لخطاب يدعي الحداثة و الديمقراطية ... • إن ما يجب التذكير به أن ديباجة الدستور الحالي تنص على انخراط المغرب في حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا و هذه العبارة تعني حقوقيا الانخراط في كونية حقوق الإنسان و شموليتها و رفض أية تجزئة لهذه الحقوق باسم الخصوصية المفترى عليها و التي تتقن الأنظمة الغير الديمقراطية استعمالها للاعتراض على حقوق الإنسان أو على أجزاء منها . فماذا تقول المواثيق الدولية في حرية العقيدة , إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة 18 على المبادئ التالية المتعلقة بالمعتقدات : - لكل شخص الحق في حرية الفكر و الوجدان و الدين - حق كل شخص في تغيير دينه أو معتقده - حريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد و ممارسة الشعائر و التعليم بمفرده أو مع جماعة و أمام الملأ أو على حدة. و تنص المادة 19 على المبادئ التالية : - حق كل شخص في التمتع بحرية الرأي و التعبير , و يشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة و في التماس الأنباء و الأفكار و تلقيها و نقلها إلى الآخرين بأية وسيلة و دونما اعتبار للحدود. - و تنص المادة 30 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي - ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أي دولة أو جماعة أي حق في القيم بأي نشاط أو أي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق و الحريات المنصوص عليها فيه. - و نفس الحريات مكفولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و خصوصا في المادتين 18 و 19. • إن إعادة التذكير بهذه النصوص يهدف إلى فضح الترهات التي تردد بصدد حقوق الإنسان و التي لها مرجعية أخرى بعيدا كل البعد عن المرجعية الحقوقية مثل : - القول بضرورة امتثال الأغلبية للأقلية في ما يتعلق بالمعتقدات هو قول منافي للمرجعية الكونية لحقوق الإنسان لان حرية المعتقد هي حرية فردية أولا و ليست من الناحية الحقوقية مقيدة بمجارات العامة و أمزجتها و حساسيتها . - أن منطق الحريات المدنية و الشخصية و خصوصا حرية الرأي و التعبير و المعتقد و تغييره لا علاقة لها إطلاقا بمفاهيم الأغلبية و الأقلية التي تستعملها الكثير من الأقلام في غير موضعها عن جهل أو عن سوء نية أو عن عدم التشبع بكونية و شمولية حقوق الإنسان مثلا : كان نتهم من يقوم ببعض الشعائر المخالفة للمذهب الإسلامي السائد أو المخالفة لشعائر المسلمين بأنه لا يحترم العقائد الشائعة ! . أن الآمر فيه لبس و خلط جاهل فلا يمكن أن نتهم مغربي ليس على المذهب المالكي يقوم بالإفطار بيوم قبل عيد الفطر انسجاما مع قناعته المذهبية بأنه لا يحترم عقائد "الأغلبية الحقيقية أو المزعومة" كما لا يمكن أن نتهم مسلما يصلي أو يصوم في بلد فيه 99,99 من الغير المسلمين بأنه لا يحترم شعائر سكان البلد !. إن الأمر له علاقة بالحرية و احترام الحريات و المعتقدات الذي لا يخضع للمساومة التي يريد أعداء الحريات المدنية و السياسية أن يقزموها لكي يستمروا و باسم المقدس في تكميم الأفواه و الحريات و لا علاقة لذلك بتاتا بالمنطق المغلوط للأقلية و الأغلبية. - إن أغلب هذه الأقلام التحريضية عادة ما تصور المسلمين خاصة و المغاربة عامة كأنهم كائنات غريزية غير عاقلة ;و غير متسامحة تصيبها الفتنة الجنسية لمجرد سفور فتاة أو فتنة العصاب الديني لمجرد تعبير بعض الشباب عن إرادة المساهمة في جعل الشارع و الفضاء العام فضاء للمواطنة بمفهومها الكوني و ليس فضاء لرعايا يعيدون إنتاج العصاب الديني . و يصورون أن هؤلاء المسلمين و المغاربة لا يؤمنون بحرية المعتقد و بالتسامح العقدي و الديني كمفهوم حقوقي أو ليسوا مؤهلين لذلك . إن مصادرة أراء المواطنين من طرف أقلام معينة يؤكد من جهة رغبة هذه الأقلام في تأبيد العصاب الديني الموجود لدى الأصولية الرسمية و شبه الرسمية و لدى بعض النخب من جهة أو لدى بعض الجمهور و إقصاء الرأي العام المنادي بحرية المعتقد و تغييبه من الوجود , و هذه المصادرة هي نفسها المصادرة التي استعملت لضرب العديد من الحريات المدنية ( الرجوع إلى النقاش الدائر إبان مناقشة قانون الأسرة) وهي تمشي في الاتجاه المعاكس لإقرار مجتمع المواطنة الكاملة الغير منقوصة و مجتمع حقوق الإنسان حيث هناك دائما من يرفع سيف "الأغلبية" "الهوية الإسلامية" "إرادة الشعب المغربي" "إرادة الأمة" "استفزاز الشعور العام " "زعزعة عقيدة مسلم" للتمويه , و بدون أي أساس علمي لهذه المفاهيم فما هو الاستفتاء الشعبي النزيه والحر الذي أكد أن 99.99 من المغاربة مسلمين على الطريقة المفسرة مخزنيا أو أصوليا أو على مزاج الأحزاب الملتفة حول الدستور الممنوح التي ترتكز في أطروحاتها على خلفية بيولوجية في تحديد المسلم من المسلم المختلف من غير المسلم (هذا ما وجدنا عليه أبائنا !!! ) في الوقت التي تتشدق فيه يوميا بالحديث عن المرجعية الكونية و الشمولية لحقوق الإنسان . التي لا تعترف بأية هوية بيولوجية وراثية للمعتقدات ( و التي هي مرجعية الأطروحات الفاشية و النازية العرقية والأصولية الصهيونية الدينية ) بل تضعها في خانة الحريات الإرادية بفعل القناعات أي تنتج عن التفكير الحر في بلد الحريات (بلد الإنسان الحر المالك لعقله و جسده و ليس الإنسان المستلب الإرادة) و التي يمكن للإنسان حسب حقوق الإنسان أن يغيرها أي القناعات في كل وقت يريد. - الفضاء العمومي هو فضاء للمواطنة و ليس فضاء للأقلية أو للأغلبية : حق أي إنسان في ممارسة معتقداته علانية بمفرده أو في إطار جماعة معينة . إن الإعلان عن المعتقدات و الآراء حتى و إن كانت تخالف المعتقدات السائدة هي صفة لازمة للمجتمع الديمقراطي / مجتمع المواطنة الحقة الذي يحترم حقوق الإنسان و هي شرط لازم لخلق فضاء للمواطنة الحقة التي تحترم التعدد و التنوع و الاختلاف بين البشر و ترفض كل مصادرة لهذا الحق بدعاوى تعود إلى العصور الوسطى حيث المواطنون رعايا يخضعون لسلطة مستبدة و جائرة مثل القول بأن "التعبير" عن هذه المعتقدات يجب أن يكون سرا و ليس علنا !!!, هذا المنطق الكاريكاتوري للحريات يشبه من يقول بأنه " لك كامل الحرية في التعبير عن أفكارك و قناعاتك لكن بدون كتابتها آو نشرها أو قولها للعموم !!! " وهذا يذكرنا بالتهديد الذي أصدره السلطان محمد بن ع الرحمن لقارئي كتب الفلسفة في القرن 19 (مغرب العصور الوسطى ما قبل دخول فكرة الحريات )حيث حذرهم من افتتان العامة بأفكارهم و كتبهم و ألزمهم بقراءتها في منازلهم و بعدم ترويج هذه الكتب و الأفكار. ما أشبه اليوم بالأمس مع فارق لصالح الأمس هو أن الجميع الآن يتشدق بحقوق الإنسان. - أكيد أنه يجب التمييز بين التعبير عن الرأي و الحق في ممارسته و بين السب و القذف المرفوضين حقوقيا لما لهما من مس بالكرامة الشخصية و الإنسانية. 2- القوانين في حاجة إلى المراجعة و ليس إلى التنفيذ فقط لان هناك العديد من الحريات الفردية لا يجب أن تحد منها المرجعيات الإيديولوجية للقرون الوسطى و لا التفسيرات المبتسرة/المحافظة على القوانين القائمة : • القوانين القائمة جائرة من منطلق حقوقي : إن منطق الحرية لا يستند فقط إلى القوانين القائمة (الدستور – القانون الجنائي – قانون الصحافة – قوانين الحريات العامة كالحق في التجمع و التظاهر و تأسيس الجمعيات – مدونة الأسرة...) بل يستند إلى التزامات الدول بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان لهذا السبب نجد الجمعيات الحقوقية تطالب ب - إعمال مبدأ سمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية . - تغيير الدستور و تجاوز الدساتير الممنوحة و المطالبة بفصل السلط بما في ذلك الفصل بين الدين و الدولة و إقرار العلمانية . - ملائمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان و حذف التحفظات و إلغاء المواد المتنافية مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان و هذه المطالب هي نفسها التي يرفعها الصحافيون للمطالبة بتغيير القوانين التي تحد من حرية الصحافة فكيف يطالب بعض الصحفيين بالشيء و نقيضه !!! - المطالبة بتجاوز منطق الراعي و الرعية و إقرار المواطنة الكاملة الغير المنقوصة , و جعل المجتمع فضاء عام لتفتق المواطنة الحقة والحريات الحقيقية و لزرع قيم التسامح و نبذ التعصب الديني أو غيره و تجاوز إيديولوجية النفاق و الشخصية المزدوجة من خلال إقرار العلمانية و من خلال الفصل الحقيقي للدين عن الدولة و تجاوز المرجعية الأصولية التأسيسية للدولة المغربية القروسطية منخلال إقرار الدستور بشكل ديمقراطي كمدخل للحديث عن الدولة الحديثة , أليست هذه مقدمات "المجتمع الديمقراطي الحداثي" المبشر به زورا ?. 3- من الناحية الحقوقية يجب حذف كل القوانين النافية لحرية العقيدة و لممارسة القناعات و الحريات الشخصية : - إن الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان عن قناعة و ليس عن ديماغوجية و موالاة عليهم التخلص من العجين المفاهيمي المصطنع لتمييع هذه المرجعية و أن يتخلصوا من دور الكومبارس المخزني للعب الأدوار الفكرية الغير النظيفة. - من الناحية الحقوقية فإن مطلب حذف كل القوانين التي تحد من الحريات و من ضمنها حرية العقيدة بما فيها حرية تغيير المعتقدات و ممارستها علنية ليست مقتصرة على الفصل 222 (قانون ليوطي !!!الذي يحمي الهوية العقدية للمغاربة !!! كما يدعي البعض) بل تمس كل المواد و الفصول التي تحد من حرية المعتقد كما تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (و ليس حقوق الإنسان كما تتخيلها النزعات التلفيقية) انطلاقا من الدستور الذي يجب تغييره لإقرار العلمانية و فصل الدين عن الدولة . إن الدولة ليست مهمتها حماية دين أو مذهب بل دورها يتجلى في حماية الحريات بما فيها حرية ممارسة المعتقدات من طرف الأفراد و الجماعات سواء أكانوا أغلبيات أم أقليات أفراد أم جماعات )إن هذا مجرد تذكير لدعاة المجتمع الديمقراطي الحداثي حول نظرية الدولة الديمقراطية و مفهوم الدولة كحامية للحريات مقابل الدولة المعادية للحريات / الغير الديمقراطية). - من يستطيع أن يؤكد علميا بأن القوانين المغربية ناتجة عن الإرادة التعاقدية للشعب المغربي و ليس عن الهيمنة المخزنية الفوقية , فالدساتير التي عرفها المغرب كلها ممنوحة و استفتاءاتها مزورة و الحكومات في المغرب لا تحكم و البرلمان لا يشرع و الانتخابات مزورة و متحكم فيها عن قرب و القضاء غير مستقل كسلطة . و الحريات العامة لا تحترم...و المطالبة بتغيير القوانين بالطرق السلمية مرفوضة . 4- انطلاقا من هذه الملاحظات أؤكد من جديد ما يلي : - رفض كل أساليب التحريض الرخيص الضمني و العلني و تجنيد الأقلام و خلق السيناريوهات حول "المؤامرة الأجنبية" المكرورة و المضحكة لأن الأمر يتعلق بقضايا حقيقية يفكر فيها المواطنون المغاربة و الشباب يوميا فكل الهزات و الانتفاضات الاجتماعية و النضالات التي عرفها المغرب نسبت إلى مؤامرات خارجية و كأن المغاربة كتلة جامدة لا يمكن أن تحركها سوى الأيادي الأجنبية و هذا فيه احتقار للمجتمع المغربي و لقدرته على طرح قضاياه الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و المدنية و فيه إعادة إنتاج للأساليب البائدة في مواجهة الحركات المعارضة . - التضامن مع الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية من منطلق أن حقوق الإنسان كونية شاملة , و غير قابلة للتجزئة , و مترابطة , و متداخلة , و متساوية في الأهمية بالنسبة إلى الكرامة الإنسانية. - أن المسألة الدينية و الحريات الدينية يجب أن تحضيا بنقاش جدي في المغرب هذا النقاش الذي يجب أن يفضي في النهاية إلى إقرار مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية / دولة الحريات و المواطنة الكاملة الغير منقوصة. - ضرورة الكف عن توظيف الأصولية الرسمية و شبه الرسمية في إصدار بيانات تحت الطلب في قضايا مجتمعية و إشكالات ذات طبيعة مجتمعية و سياسية وفكرية و حقوقية و ليست ذات طبيعة عقدية بالضرورة. لأن ذلك يثير الشفقة خصوصا و أن الأصولية الرسمية تسكت عن قضايا مهمة تهم نهب المال العام و فساد السلطة و الاستبداد و التعذيب و غيرها من الأمور الملتبسة. - النضال من أجل ترسيخ التربية الإستراتيجية على حقوق الإنسان في كونيتها و شموليتها في الإعلام العمومي و في البرامج الدراسية و في مختلف معاهد تكوين موظفي و أطر الدولة. - التفكير في خلق جبهة أو شبكة للدفاع عن العلمانية في المغرب و فصل الدين عن الدولة و فصل الدين عن السياسة كبعد ملازم لكل برنامج يدافع عن الديمقراطية الحقيقية .
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشر سنوات من -العهد الجديد-: الحصيلة و الآفاق
-
لازلنا في مرحلة محاربة الأمية العتيقة
-
عندما أصبحوا يصعدون إلى المنبر، أصبحت الدروس خاوية على عروشه
...
-
خبايا، طرائف وكواليس الدروس الحسنية في عهد الحسن الثاني
-
دعم ليبيا ل -لبوليساريو- دون التفريط في العلاقات مع المغرب
-
حوار مع علي سالم ولد التامك/ فاعل حقوقي صحراوي
-
اقترح عليه الرئيس بومدين رئاسة -الجمهورية الصحراوية- فغادر ا
...
-
المغرب في الإعلام الخارجي
-
نمو اقتصاد الدول المغاربية لن يتجاوز 4 بالمائة في 2010
-
قضاؤنا نقطة سوداء و فشل الحكومة -مستدام-
-
لغة سنوات الرصاص
-
صيف -الفياسكو-
-
من يمثل 15 مليون مغربي؟
-
الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني لازلت حيا، رغم رحيلك عنا
-
الملك -الروك- الوحيد الذي نمّى ثروته هذه السنة
-
استعمال المرأة و جسدها من طرف المخابرات
-
اعتماد المخابرات ومصالح الأمن على -المرأة- لإسقاط السياسيين
...
-
الجزائر تصطاد في مياه المغرب العربي العكرة
-
قد تسير الجزائر نحو المجهول وعلى المغرب أن يستعد
-
حقوق الإنسان بالريف ، تقرير يرسم صورة قاتمة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|