|
ولوج البرجوازية العربية من باب الحارة
عيسى ربضي
الحوار المتمدن-العدد: 2776 - 2009 / 9 / 21 - 14:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا ادري اذا كان مخرج وكاتب مسلسل باب الحارة ارادا الارتقاء في في المسلسل لدرجة متابعة التطور التاريخي لنمو البرجوازية العربية من خلال تصوير الدور الدخيل للقادم الجديد " مأمون بيك". سواء اراد ذلك ام لم يرد فقد اظهر جانب من جوانب التطور التاريخي الذي اعقب الحقبة الكولونيالية في بلاد الشام ومشرق ومغرب الدول العروبية بطريقة سلسة صور بها المناخ الذي هييء لهذه البرجوازيات ليس فقط الاندماج في المجتمعات بل واستلام زمام السلطة فيها. ان التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية التي أبّدها الاستعمار الكولنيالي لم تكن لتوفر المناخ المناسب لتطور الرأسمالية المحلية نمواً طبيعياً لتصبح بدورها تشكيلة رأسمالية الا بفئتها الخدماتية التبعية كونها ستحافظ على المصالح الرأسمالية للمركز الرأسمالي وتلقي اعباء وتكلفة هذه التشكيلة الاستغلالية على البرجوازية المحلية بل وتخفف من عبء التشكيلة في مركزها لتتمحور في محيطها. وهذا ما سيؤدي لاحقاً لتطور بيئة ثورية عنيفة في المحيط ومن ضمنها الدول العربية مقابل استقرار وهدوء نسبي في المركز الرأسمالي وهو ما دعى بعض الباحثين الى التنبىء بالثورة في المحيط الأقل تطوراً على خلاف ما تنبأ به ماركس وانجلز من حتمية تطورها في المركز الأكثر تطوراً بسبب توفر الشروط الموضوعية. لن اناقش هنا اسباب طرح كل تحليل لكني اردت الاشارة له لتوضيح اختلاف النظريات حول حتمية الثورة الاشتراكية وتوضيح مسببات تنامي القوة البرجوازية في المحيط وطريقة هذا التطور. ان شروط تطور البرجوازية العربية تنامت مع تزايد نهب خيرات البلاد العربية بالطريقة الوحشية المعهودة للرأسمالية وتزايد وتيرة الانتفاضات والعصيانات المتقطعة هنا وهناك مقابل ضعف تنظيم الحركات الثورية وضعف قدرة اليسار على وجه الخصوص على تحليل المعطيات ولعب دوره الطبيعي بقيادة الحركة الثورية وبالتالي فسح المجال للحركات القومية والبرجوازية للولوج الى قيادة الحركة الوطنية بتسهيل وتسامح من القوى الاستعمارية الرأسمالية التي وجدت في هذه البرجوازيات " الوطنية" مناخاً محتملاً للعب دور الحاضنة التي تحتوي حركة التحرر الوطنية وتوجهها في اتجاه يخدم مصالح المركز الرأسمالي ويعزز سلطته ومكاسبه مقابل تخفيض تكاليف واعباء قمعه المباشر للشعوب. وفي نفس الوقت يضمن المركز الرأسمالي بقاء هذه الدول دائرة في فلكها بعيداً عن المعسكر الاشتراكي في حربهما الباردة. سنعود الى باب الحارة ونطرح أسباب ربطي للمسلسل برؤية تطور البرجوازية العربية في العالم العربي وتحديداً بلاد الشام. اولاً: موعد ظهور مأمون بيك او عودته في مرحلة قمة أزمة القوة الاستعمارية الرأسمالية في مواجهة المقاومة ليشكل منقذ لها من الخروج بهزيمة نكراء وفي مرحلة كانت الرأسمالية المركزية تعاني من ازمة لا بد من تحويلها لدول المحيط فكان لا بد من ظهور ذيل للمركز الرأسمالي ينتفع منه وبنفس الوقت يمرر له اجندته ويحافظ على بقاء المحيط محيط ليبقى المركز مركزاً وبالتالي يزيد غنى المركز وفقر المحيط. لقد احسن المخرج لحظة اظهار القيادة الجديدة للحارة على حساب القيادة الثورية العشوائية التي اسلمت مصيرها وأورثت شعبيتها وقوتها للبرجوازية الصاعدة. في هذه المرحلة كانت القوى الاستعمارية الرأسمالية تعيد ترتيب اوراقها وقد بدأت تدرك مدى تكلفة مشروعها الكولنيالي وبدأت تبحث في خيارات جديدة لا شك ان احد اهم هذه الخيارات كان ايجاد قيادات محلية متواطئة مع ان طبيعة النظام الرأسمالي لا تثق بالتفويض لقيادات محلية الا ان القيادة الممثلة بمأمون بيك بحارة الضبع والبرجوازية العربية عموماً قد ارتبطت مصالحياً بقوى الاستعمار بشكل وثيق ومن منطلق فهمنا لطبيعة البرجوازية المحلية نفهم استحالة تنفيذها لبرنامج تحرري ثوري كون هذا البرنامج يعرض مصالحها للخطر. يمكن لنا ان نتابع حركة التحرر العربي التي ارتهنت للبرجوازية العربية وسلمت قيادتها لها لنرى بوضوح محدودية الفعل الثوري مقابل الفعل التفاوضي من موقف الضعف بحيث يكون الشعار الدائم للمرحلة: احصل على اكثر ما تقدر بأقل تكلفة وطبعاً اكثر ما تقدر بالنسبة للبرجوازية هو اكثر ما تقدر من منافع ومصالح وسلطات وليس اكثر ما تقدر من حقوق واستقلال اقتصادي وسياسي واجتماعي. ثانياً: سلوكيات البرجوازية العربية في هذا الجانب سأتناول بعض اهم السلوكيات التي ظهرت في المسلسل واتطرق لبعض السلوكيات التي لم تظهر. - الانتساب للسلف الشريف: كمعظم البرجوازيات المحلية يحاول قيادات البرجوازية الانتساب الى سلف صالح او سلف محبوب مثل الزعيم ابو صالح بباب الحارة وهذا ما فعلته البرجوازيات في الشام والعراق وفلسطين والاردن والمغرب وغيرها. من هذا النسب اكتسبت البرجوازية العربية حقها بلعب دور القيادة مع انها بالعادة لم تدفع ثمن هذا الحق فهي بالعادة لم تكن بين صفوف الجماهير المسحوقة ولم تتعرض مثلها للاضطهاد المباشر ولم تحمل السلاح في وجه القوى المعتدية باستثناء بعض الحالات الفردية لكن على العموم ما يميز البرجوازيات المحلية انها لم تصل الى موقعها الطبقي كنتاج لعلاقات الانتاج بل كنتاج لتفاعلات داخل المركز الرأسمالي الكولنيالي وتغييرات في سياسات القوى الاستعمارية. مأمون بيك جاء بصك النسب لأهم شخصية بالحارة فنسب نفسه للزعيم مع ان هذا النسب مشكوك بأمره الا ان سكان الحارة قد صدقوه وقبلوا به وبالتالي حصل على أول نقطة تمهد له الحق في القيادة. - موقع الوسيط: لعب مأمون بيك دور الوسيط بين المستعمر الفرنسي والثوار وكأنه ليس طرفاً في الصراع بل هو جسم محايد موضوعي وهذا ما تقوم به البرجوازية العربية حيث تلعب دور الوسيط الموضوعي ظاهراً المنحاز للقوى الاستعمارية فعلاً. فمصالح البرجوازية هنا تفرض عليها ان تلعب دوراً منحازاً – وان لم يظهر دائماً على السطح – للرأسمالية التي ترتبط كل مصالحها بها ويعتمد وجودها الهش في القيادة على مدى دعم القوى الرأسمالية لها. ظهر الدور المنحاز لمأمون بيك جلياً في مفاوضاته مع الثوار ولاحقاً في تبليغه عن البؤر الثورية هنا وهناك وان كان قد حقق بعض الانجازات السريعة والمهمة بنفس الوقت مثل ادخال المؤن للحارة تعبيراً عن الرخاء الاقتصادي الآني والعفو عن الثوار من ابناء الحارة الذين وافقوا فعلياً على القاء السلاح مقابل سلامة الذات بينما بقي الثوار الذين لم يلقوا السلاح خارج اطار هذا العفو. كل هذه الانجازات السريعة التي تمت بواسطة البرجوازية - مأمون بيك – تمت بموافقة ودعم المركز الرأسمالي للقوة الجديدة التي دخلت للحارة لتعزز سلطتها وتعزز التفاف الناس من حولها وتسحب القيادة من أيدي الحركة الثورية المسلحة لصالح البرجوازية المتعاونة. - الانجازات السريعة: كما اشرت مسبقاً فقد انجز مأمون بيك العديد من الانجازات السريعة التي ساعدته على تبوء مكانة مرموقة في الحارة فقد ظهر في المراحل الأولى لتسلم البرجوازية العربية للسلطة في العديد من الدول رخاء اقتصادي آني اعتمد على اساس توزيع بعض الخيرات لكن هذا الرخاء كان لابد له من الاندثار سريعاً كونه ليس قائماً على انتاج مادي ولا مستند لخطة تطوير استثمارية ولا حتى لدى البرجوازية النية او القدرة على التطور الرأسمالي بحيث تكون البرجوازيات المحلية قادرة على التطور الصناعي بسبب منع المركز الرأسمالي لدول المحيط من تحقيق هذا التطور الذي يضمن لدول المحيط الاستقلال الاقتصادي وبالتالي التحول لدول مركز تشارك بتقاسم الارباح بدل ان تكون محيطاً لتسويق الفساد والكساد والأزمات التي بالمركز. من ناحية ثانية تم انجاز فتح باب الحارة وتحديد دخول الجنود اليها وهو انجاز سياسي تعبيراً عن الاستقلال الوهمي الذي توهم به الشعب لدى تسلم البرجوازية العربية للسلطة بعد " الاستقلال" وهو ايضاً انجاز ساعد البرجوازية العربية على تمتين سلطتها السياسية. - الشرعية الشعبية: بعد ان حصلت البرجوازية العربية على الشرعية السياسية من قبل الاستعمار اولاً والقيادات الثورية ثانياً كان لابد من الحصول على الشرعية الشعبية المتحققة اصلاً من خلال النسب الشريف الذي يعبر عن انتساب هذه البرجوازية لأصول مقبولة على الشعب مثل الانتساب للنبي او الصحابة او الزعيم بحالة حارة الضبع. ثم تحقق الشرعية الشعبية من خلال تحقيق الانجازات التي تهم الشعب وتؤثر على حياته مثل فك الحصار والسماح بالتجارة والعمل وفتح باب الحارة وتحقيق بعض الأمان للسكان...الخ. كل هذا اعطى للقيادة الجديدة دوراً سلطوياً مترافقاً بشرعية شعبية هتف الشعب بأسم المنقذ الكبير فحقق له الشرعية الشعبية المطلوبة. - دعم الدين ورجال الدين له: لا شك ان قوة رجل الدين توفر للقيادة الجديدة الشرعية الدينية في مجتمع يهمه رأي الدين ويخشى ويحترم رجاله ويعتبرهم مصادر ثقة. مع ان المسلسل لم يصور الا شكل رجل الدين المجاهد الثوري ولم يظهر أي تناقض بينه وبين البرجوازية الا ان البرجوازية العربية واجهت نوعان من رجال الدين احدهما سائد وهو التابع للسلطة والمنفذ لأمرها والمحقق لمصالحها والثاني الثوري الذي لم يلتحق بركب السلطة وشكل نقيضاً لها. بكل الأحوال نرى استغلال البرجوازية للدين لتعزيز سلطتها وشرعيتها فتتحقق بذلك شرعية الدين بعد الشرعية الرسمية والشعبية - كسب القيادات المحلية الصغيرة: لا شك ان "عضاوات" باب الحارة لم يكونوا قادرين مجتمعين على تحدي زعامة مأمون بيك الذي انتسب لزعيمهم وكسر الحصار عن حارتهم بل ووزع المعونة على فقرائهم وخصوصاً ان مأمون بيك ليس جسماً غريباً كالمستعمر الفرنسي بل هو "منهم وعليهم". لقد استقطبت البرجوازية العربية القيادات الصغيرة من خلال الترغيب والترهيب وهو ما لم يظهر جلياً في باب الحارة وكأن المخرج او الكاتب اراد السير في مسار آمن ليحقق الحبكة الدرامية لكن ما يهمنا ان مأمون بيك ممثلاً للبرجوازية استفرد بالقيادات واحداً واحد في محاولة لكسب ثقتهم فحاول تحقيق مصالح محدودة لبعض القيادات وهو ما يحصل حين ترشو البرجوازية السلطوية البرجوازية الصغيرة من خلال بعض التسهيلات والسلطات المجزأة هنا وهناك. ما ظهر جلياً الدور الذي تلعبه البرجوازية الكبيرة في تفتيت البرجوازيات الصغيرة من خلال تعزيز سلطات البعض على البعض وتحريض البعض على البعض الأخر وقد يكون ذلك ظهر بأكبر تجلياته من خلال تعزيز دور معتز كعقيد الحارة مقابل سلطة ابو حاتم الذي تزعم العمل الفدائي بعد غياب ابو شهاب مما سيخلق توتر وصراع بين معتز وابو حاتم كممثلان عن البرجوازية الصغيرة والحركة الثورية المحلية البدائية. لنتمكن من فهم هذه العلاقة لا بد من الاشارة الى ان الحركة الثورية الشعبية التي قادها رجال حارة الضبع كانت حركة عفوية غير منظمة وغير مؤدلجة وجاءت رداً على الظلم والذل اليومي وهي تعبر عن طبيعة الحركة الثورية عموماً التي تميزت بانتفاضات متفرقة ومتباعدة سرعان ما اندثرت بسبب عدم انتظامها وفقدانها لقيادة ثورية مؤدلجة. من هنا اوقف رجال حارة الضبع قتالهم مقابل سلامتهم الشخصية وان حاول الكاتب اظهارهم بمظهر المنتصر حين تحققت مطالبهم من خلال الوسيط المدعوم فرنسياً لكن هذا التصوير يعيد للأذهان بعض التحليلات بعيد حرب العام 1967 حين اعتقد البعض ان الكيان الصهيوني فشل في تحقيق مأربه في القضاء على البرجوازية العربية!!!! - تعزيز الموقع الاقتصادي: تسعى البرجوازية الى تعزيز قوتها الاقتصادية من خلال السيطرة على وسائل الانتاج والممتلكات وتعزيز نفوذها في السوق. وهو ما بدأ مأمون بيك القيام به من خلال السيطرة على املاك الزعيم وشراء بعض الممتلكات في الحارة ومع انه بدا كمن يوزع هذه الاملاك على الفقراء لكن بالحقيقة هو يقوم باعادة توزيع هذه الاملاك بالطريقة التي تخدم اهدافه ومصالحه وهذا ما بدا لدى ارسال مأمون بيك لأبو هلال خارج الحارة وقوله انه لن يعود بحيث يظهر ان البيت الذي اشتراه له مأمون بيك سيعود ليمتلكه مجدداً وان مرحلة خدمة ابو هلال له قد انتهت ليحل مكانه اشخاص اخرين او فئات جديدة بحالة باب الحارة كان ابو ساطور هو الخادم الجديد لمصالح البرجوازية لحين يتم استنفاذ دوره واتباعه بأبو هلال. لا شك ان الموقع الاقتصادي يكسب الشخص احتراماً وتقديراً اكبر في المجتمع العربي لكن الأهم انه يكسبه قوة ونفوذاً ويزيد من منافعه وهذا ينطبق على البرجوازية ضمن فهمنا لدورها وموقعها الطبقي. - تعزيز السلطة: من اهم ما تقوم به البرجوازية قبيل وبعد استلامها للسلطة هو تعزيز اتباعها وضم عناصر القوة والنفوذ لها. مأمون بيك انتقى حاشيته من الفئات الطفيلية ومن العصابات التي لا اصل ولا تاريخ لها بل وتحظى برفض الناس لها واحياناً بخوف الناس منها وهو تعبير عن ارادة البرجوازية باستخدام العصا جنباً الى جنب مع الأموال أي الترغيب جنباً الى جنب مع الترهيب لتعزيز سلطتها. هذا التشكيل لحاشية القيادة البرجوازية له ما يبرره ويجعل الناس غير قادرة على رفضه فهم من ناحية يخشون بطش اولئك العصبجية ومن ناحية ثانية تستند البرجوازية الى شرعية الدين التي تعطي للبرجوازية مساحة للتحرك وتوظيف هذه الحاشية تحت غطاء اصلاحهم وهو ما استغله مأمون بيك بطريقة ذكية كما فعلت البرجوازية العربية من خلال توظيف قيادات العصابات والزعامات القبلية وغيرها. ثم حاول مأمون بيك رشوة الأمن ممثلاً بأبو فارس بالحارة وابو جودت فقام بتوزيع الاموال ودعم السلطات لقيادات الأمن ليضمن كسب ثقتها ومساندتها وبالتالي ليضمن لجوء الناس اليه لدى أي مشكلة مع الأمن مثلما حصل لدى اعتقال معتز – العقيد – حيث لجاء الناس ممثلين بأبو حاتم له ونجح في الافراج عنه معززاً بذلك سلطته وفارضاً هيبته على الجميع بما فيهم العقيد. - توزيع السلطات: لا شك ان دفع معتز الشاب قليل الخبرة والمغتر بذاته لموقع قيادة الحارة ودعمه على حساب القيادة الأكبر سناً والأكثر خبرة الممثلة بأبو حاتم كان واضحاً وهو ما تقوم به البرجوازية الكبيرة في محاولة لتعزيز سلطتها فتقوم بتعزيز مواقع قليلي الخبرة من ناحية وتعزيز الصراعات بين فئات البرجوازية المحلية الصغيرة من ناحية ثانية لتكتسب البرجوازية الكبيرة مزيداً من السلطة والنفوذ من خلال ضمان تفتت القوى الأقرب للثورية وانشغالها بصراعات داخلية بعيداً عن الهدف الأهم وهو بهذه الحالة تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي المنجز. لقد لعب مأمون بيك دور صانع الأهداف وقام بألقاء الكرة المفخخة في ملعب مليء بلاعبين لا يدركون قوانين اللعبة ولا يعرفون حقبتها التاريخية فأصبح هو المتحكم بمصائر الشعب والقيادات المحلية للشعب ولا بد ان من يفكر بمعاداته سيفكر مرات ومرات قبل ان يقدم على هذه " المغامرة". - دعم الرأسمالية الاستعمارية: لا شك ان دعم الاستعمار الفرنسي لمأمون بيك بدا واضحاً كما اسلفت سابقاً لكن هنا لابد من الاشارة الى الثمن الذي يدفعه مأمون بيك مقابل هذا الدعم حيث انه لا بد ان يعمل على تحقيق مصالح هذا المستعمر وتبرير استغلاله للحارة ولو كان من خلال جمع المعلومات وتسليم الثوار ونشر عيونه بين الناس لنشر وتعزيز الشائعات...الخ. ان هذا الثمن يدفعه مأمون بيك على حساب الحركة الثورية فيحقق مصلحتين معاً يدفع ثمن دعم الاستعمار له ويقضي على قوة منافسة له تتمثل بالحركة الثورية التي يعتبرها مغامرة ومضرة بمصالحه الطبقية والنفعية. ثالثاً: قام المسلسل بابراز دور المعارضة المبكرة لسلطة مأمون بيك من خلال ابو محمود وهو رجل يقول عنه اهل الحارة خرفان بمعنى انه لا يفقه ما يقول وهو من كان يشكك بشرعية مأمون بيك وحقيقة انتسابه للزعيم وبالتالي يعارض دوره في قيادة الحارة. ابو محمود ظهر بشكل عابر يكاد يكون غير ملحوظ واذا قصد به الكاتب المعارضة المبكرة للبرجوازية فقد احسن الوصف حيث ان هذه المعارضة كانت ضعيفة وبالعادة اتهمت بالسباحة ضد التيار او السذاجة السياسية وهو ما مثله ابو محمود الخرف. لم يستطع المسلسل ابراز دور ابو محمود في استقطاب مؤيدين مستقبليين له ولو من خلال الشك بشرعية مأمون بيك وهم ما حصل فعلاً في تاريخ البرجوازية العربية حيث كان هناك معارضة مبكرة ضعيفة تمكنت من رفع نسبة الشك بهذه القيادة وان فشلت في دحرها والتغلب عليها لأسباب كثيرة ليست في مسار موضوعنا هذا. المتابع للكتابات التي انتشرت في بدايات القرن العشرين يرى بوضوح تيارات ثلاث على الأقل لم يبرزها المسلسل تشكل معارضة مبكرة او شكل من أشكال التوعية وفي احيان اخرى شكل من أشكال المنافسة وهذه القوى الثلاث هي القومية واليسارية الشيوعية والدينية الاسلامية التي ظهرت بتجليات مختلفة ولأهداف مختلفة لكنها شكلت صرخة مبكرة للتشكيك في سلطة البرجوازية مع انها فشلت في رؤية الدور الحقيقي لها ولاحقاً حين نمت قوة هذه التيارات تحالفت مع البرجوازية الكبيرة واحياناً انصهرت بها ففشلت بلعب دور الطليعة المعارضة. ام جوزيف- تحرك الشعب: لقد اعطيت ام جوزيف دوراً مزدوجاً بل ثلاثياً، اولاً هي مسيحية عربية تقارع الاحتلال كتعبير ساذج – برأيي – عن وحدة اصحاب الأديان في الشام وبالتالي كسب تعاطف فئات مختلفة من الناس. لكن الدور الأكثر عمقاً الذي رأيته لدور ام جوزيف تمثل بتعزيز دور الشعب في المشاركة بالفعل الثوري وعدم اقتصاره على الثوار في الجبال او الغوطة وقد اسهم وجود ابو احمد الثائر مع ام جوزيف في تعزيز الدور الذي لعبه بعض الطليعيين من الثوار بالانخراض بين صفوف الجماهير وتعزيز البؤر الثورية المسلحة من بين صفوف الجماهير فنقل بذلك الفعل الفدائي من المحيط الى مركز الحياة اليومية للناس وقد يكون استشهاد ام جوزيف – بحال انها استشهدت حيث انه لم يتأكد ذلك – يكون نفي لنية الكاتب تمثيل دور للشعب من خلال ام جوزيف وبالتالي نكون قد اعطينا للموضوع اكبر من حجمه. بكل الأحوال ما زلت ارى – حتى لو لم يقصد الكاتب اظهار ذلك – ان دور الشعب في تبني الفعل الفدائي نقل الثورة الى مركز الأحداث بعد ان كانت متركزة في هجمات مبعثرة وأعطى عمقاً حامياً للثوار والحركة الثورية داخل القرى والمدن ساعدها على تعزيز قوتها ولكن بنفس الوقت سهل نقل القيادة الى البرجوازية الكبيرة في المدن التي مثلت الاحزاب السياسية والتي فاوضت بأسم الشعب وحققت فقط مصالحها. الدور الثالث الذي نزع الكاتب لتعزيزه من خلال دور ام جوزيف هو دور المرأة في النضال التحرري بعد ان بدأه بدور نساء حارة الضبع المحدود بمواجهة المحتل ونقله لدور ام جوزيف المقاتل والمشارك في الفعل الفدائي بفعالية وان كان دوراً بدائياً للمرأة الا انه بلا شك طليعياً بنفس الوقت.
لقد حاولت التطرق لبعض من المعطيات التي جعلتني اعتقد ان القيادة البرجوازية العربية التي استلمت زمام السلطة في العديد من البلدان العربية قد ولجت من باب الحارة ممثلة بمأمون بيك لتحتل موقع القيادة التي لا تستحقها فتحقق مصالحها الآنية على حساب حرية الشعب واستقلاله الحقيقي وتستمتع بنتائج الفعل الفدائي بسبب غياب التنظيم والأدلجة عنه وضعف قيادته في التحليل وانعدام الرؤية المستقبلية المؤسسة على نظرية علمية جدلية قادرة على انجاز التحرر السياسي والطبقي والاجتماعي.
#عيسى_ربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة العنف على الشاشة العربية
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|