أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - علي بداي - -أيام بغداد- اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية!















المزيد.....


-أيام بغداد- اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية!


علي بداي

الحوار المتمدن-العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20 - 18:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


هذه القصة خيالية، رغم انها تمت بالفعل، لكني اجد نفسي لاكثر من الف سبب، عاجزا عن اثبات صحة حصولها، اول هذه الاسباب هو وثوقي من ان شهود الاثبات سيتوارون بسرعة فاقف وحيدا امام قاضي التحقيق متهما بالاساءة للدولة ورموزها ووزراءها ووكلاء وزراءها .
لكن في كل الاحوال، فان حكايتي هذه يجب ان لا تدخل في باب الادب الساخر، لانها ليست كذلك رغم السخرية المرة التي تقطر من بين سطورها،بل انها مستلة من بين تراص اجساد الناس، كما يستل سلك شائك مغروس بنسيج بشري ، تتركه امر مؤلم تستله امر اكثر ايلاما ،تماما كما يحصل هذه الايام حين تقول ان وضعنا فاسد جدا يقولون لك:" وهل كانت ايام صدام نقية صافية؟" تقول ان عهد صدام كان مزريا يقولون لك: "وهل ان عهد الاحتلال وحكم الملالي عصر ذهبي؟"
هذه القصة هي مشهد حي من التراجيكوميديا التي نعيشها في العراق يوميا، كنت ماشيا اتعثر ببقايا زجاج ونفايات، واحجار، وريش طيور منتوف، واكياس نايلون مطمورة ،عالم من الخراب يشير الى فوضى الحياة وعودتها الى بدايتها الاولى، في هذا الشارع الذي كان أانق شوارع بغداد ذات يوم، قادتني خطاي خارجا من بيت صديق قديم فارقته قبل 30عام باتجاه الوزارة .
في ذات البيت كنا نجتمع عصر كل خميس، نخطط انذاك، صديقي العتيق، انا والمجموعة، كيف سيخلق جيلنا المتعلم الوطني، العراق الاجمل، وكنا نضع حدا زمنيا لانتقال العراق الى مستوى البلدان المتطورة، عشر سنين، لا، اكثر قليلا ربما ، اتذكر كيف كان هذا الشارع الفسيح يعبق عصر كل يوم بضوع الليمون المتدلي من اشجار الحدائق الفارهة مختلطا بعطر شجيرات الياس التي كثيرا ما كنت افرك بضعة وريقات منها وامزجها بعصارة ورق الليمون باصابعي وامسح بها خصلات شعري فيظل عطر الياس والليمون عالقا بي لساعات ،رائحة عراقية خالصة لم استنشق مثلها في اي حديقة في اي بلد رايته لاحقا، كل شئ كان يشع اناقة ونضافة وجمالا ،كيف اختفت اشجار الليمون واغراس الياس والبرتقال؟ كيف اختفت البنات الانيقات المزهرات من هذا الشارع؟
لكم تغير كل شئ ياربي؟؟ كانت المياه طافحة، والشارع يغرق بلزوجة ليس الوحل سببها الوحيد ، شعرت بالاختناق ورحت استعيد كلام صديقي الذي ينصحني بالاقلاع عن فكرة مقابلة الوزير او اي مسؤول في الدولة، كانت قناعاته ممضة، محرقة تقطر ياسا ومرارة :
"أنت بطران ومازلت تعيش الاوهام.. يا أخي نحن قوم فاشلون على كل الصعد، ووفق كل المقاييس ، لم نتمكن خلال مئة عام من حل ابسط المشاكل رغم كلياتنا وجامعاتنا المتناسلة كالارانب وسوف لن نتمكن، وان حدث وجاد الزمان علينا بعبقري سنتحين الفرص لخنقه، وان صادف وان لمع بيننا عالم او اديب سنجمع كل تراب وغبار الدنيا لننثره حوله عل لمعانه يخفت، نحن نحول المعادن النفيسة الى خسيسة،عكس أجدادنا تماما .. مستعدون لاشعال الحرائق في الغيوم،وتلوين كل زهور الارض بالاسود، وتحويل الهزائم الى انتصارات باهرة عبر برامج التلفزيون، نحن قوم لانجيد سوى ثلاث صنع البكاء والكلام والهدم، اعماقنا تزخر بكم متلاطم من كائنات وعظايا مخيفة، عشائرية، ودينية، وعنصرية ، مخلفات من عصر نوح، وزمن الطوفان، وبعض من تراب معارك الاولين في سفين والجمل، اقوام تتعارك، وقصائد تركض خلف بعضها هاجية مرة ومادحة مرة اخرى ، كلام وكلام...وكلام ..وكلام....."
باغتني طفل وحدق بي مستغربا " عمو ليش تبكي؟؟" انتبهت لنفسي ها انا ابكي حقا ، قلت للطفل المتعاطف متلعثما بعد ان باغتني " عمو انا لاابكي هذه حساسية ، انظر لوساخة الجو وهذه الدبابات الامريكية التي تجأر" لم يقنع جوابي الطفل فتابع خطواته مبتعدا عني وهو يعيد عبارتي ساخرا" دبابات امريكية، صار سنين عايشين مع الدبابات ولانبكي" .

قبل ان ابلغ باحة الوزارة ،لاحت لي من بعيد بيارق وحراب تلمع ، تذكرت النشيد المدرسي الذي كان يصيبني بالغثيان "لاحت رؤوس الحراب...."، سالت رجلا يرتدي الملابس العربية التقليدية: مالخطب ياأخا العرب؟ قال مؤتمر عشيرة ال...... يااستاذ
اخ ياربي .. وماذا تفعل العشائر على باب وزارة كهذه؟ اجاب الرجل مستغربا: كيف؟ اليس الوزير من صلب هذه العشيرة؟
اخترقت كومة الدشاديش واللحى ورائحة الاجساد والبيارق بصعوبة واصوات الرجال تخرق اذني ها..ها..ها... تعقبها هوسات تهز الارض فيتصاعد التراب عاليا.
وبعد نصف ساعة من اجراءات التفتيش قدم رجل فرحب بي قائلا ان الوكيل يستعد لاداء الصلاة فهل ترغب بمقابلته في المصلى ام تنتظر في صالة الاستقبال؟ ، سألت : الا توجد مطبوعات تعرف بنشاط الوزارة ومشاريعها يمكن لي ان اطالعها الى ان يعود السيد الوكيل، قال تقصد المكتبة بلى، لدينا مكتبة وقادني الى ركن تراصت فيه كتيبات على ثلاثة رفوف بعرض مترواحد، مددت يدي اقلب الكتب جزء تبارك، اعوذ بالله لايمسه الا المطهرون ومن يضمن لي طهارتي وانا خضت بنصف اوحال بغداد؟ تفسير الجلالين، الارشاد لمن طلب الرشاد، ضياء الصالحين...
جاء الوكيل كان وجهه نورانيا وسيماءه على وجهه من كثرة السجود ابتسم لي كاشفا عن صف من اسنان مطلية بالذهب ،مادا كفا مسلحة بخواتم ثقيلة ومسبحته تتراقص بين اصابع يده اليسرى ،واكمام قميصة ملفوفة كاشفة عن ذراعين مشعرتين مازالتا مبللتين ، كان وجهه تاريخيا بلحية صهباء، ومنذ تلك اللحظة شعرت كما لو كنت ساقطا من حافة الكرة الارضية سابحا في الفضاء ، خيل الي انني رأيته في مكان ما، بين طيات كتاب ما،اين رأيته ؟ هل كان ذلك في معركة بدر الكبرى ؟ كلا في الصغرى بل في معركة احد ،بلى في معركة احد، أجل في احد كان من بين الفارين الذين تركوا رسول الله (ص) عرضة لنبال قريش ، رفعت يدي لامسك جلبابه واطرحه ارضا فرايته يعرف نفسة: عكرمة بن ابي خويلد الانصاري وكيل الوزارة، وافتتح اللقاء بالحمد والثناء على رب العالمين وصفق بيدية فهب غلام من بين الارائك لم اكن قد التفت الى وجوده وانحنى الغلام ليسمع مااراد سيده.

لم اعرف كيف التقط بداية الحديث فقلت مباشرة:كيف رايتم مقترحاتي ومشاريعي التي ارسلتها للوزارة؟ اجاب ا بن ابي خويلد الانصاري وكيل الوزارة، وهو يمرر يده على جبينه: اه ياستاذ رائعة والله يااستاذ، لقد بكيت والله !
-وماهو راي السيد الوزير بها؟
اجاب الوكيل: بكي هو الاخر !
احترت اول الامر وشعرت بالاحراج ،وقلت في نفسي ان الامر قد التبس على الوكيل فانا لم ارسل للوزارة استرحاما ،ولاقصة ارملة تطلب الاعانة بل دراسات هندسية فنية واستراتيجية لتحسين واقع الناس فما الذي ابكاهم ؟؟؟
ويبدو ان الوكيل كان مستعدا للرد وعارفا سبب حيرتي التي ارتسمت على وجهي فاردف:
كيف تريدنا ان لانبكي؟ فها انت تقطع كل هذه المسافات وتبذل كل هذه الجهود من اجل خدمة بلدك، وما انت بمحتاج لها بشئ، وفقك الله، وكثر من امثالك وصانك ذخرا لبلدك.....
-معنى ذلك انكم تناقشونها الان استعدادا للتنفيذ؟
-لا مع الاسف، مشكلتنا في الوزارة، او بالحقيقة قل معظلتنا، او قل كارثة وزارات الدولة كلها.. هي قلة التخصيصات!! فنحن بالكاد نتمكن من تسديد رواتب الموظفين..
وناولني سجلا كبيرا ، ولم اخذ الامر على محمل الجد وقتها ، وحتى اخفي الصدمة التي احدثتها كلماته في اعماقي بدات اقلب الملف فوقعت عيني على ىسلم الرواتب، راتب الوزير ورواتب اربعة عشر من افراد حمايته ومرافقيه وقد توسطها سطر معلم بالاحمر يضم حقلين لمخصصات الوزير ومخصصات الحماية.
نظرت الى الرقم المزين بالفوارز والاصفار، كمن اصابه مس ، قرع الرقم الطويل اذنى الوسطى ودلف الى الاذن الداخلية ثم الدماغ فاحدث دويا هائلا وطنينا وقفل راجعا وكأن الدماغ اراد تطمينا على صحة ماوصله من معلومات، احدثت عودة الرقم من تلافيف الدماغ تيبسا في حلقي، ويبدو ان عيني قد داهمهما الدمع فاحس الوكيل بالحرج قائلا :
لا حول ولا قوة الا بالله هل غصصت ، بيني وبينك هناك مقترح لالغاء الزيارات والمقابلات خلال شهر رمضان، واختصار الدوام الى ساعتين، فالانسان لايكاد يصل مكتبه من التعب والزحام والارهاق
قلت بحشرجة واضحة، المشكله، مشكلة، مخصصات، اذن؟
قال: اي والله !
قلت: محلولة ان شاء الله.
دهش عكرمة وفتح عيناه على اتساعهما ضانا ربما انني احمل امرا برصد مبالغ التنفيذ، قلت وانا اهم بالنهوض: اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية! وتابعت:
الم تقل ان الدراسات ستحل مشاكل الوزارة والبلد؟ الم تقل ان العائق الاساس قلة الموارد والتخصيصات؟ اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية، متطوع، ولانني لااملك شيئا، ولا اسير في الشوارع بفيلق حماية، فليس لاحد مصلحة في اغتيالي وهكذا سنوفر الملايين التي ساصرف مايزيد منها على تحسين حال الموظفين!

وكمن غاب عن الوعي أغمض عكرمة عينيه لحظات ثم فتحهما ثانية صائحا وقد غادره وقار الوكلاء:
ومن يجعلك؟...... لقد فات الزمان الذي كان فيه الوزير يعين بامر رئاسي، يااستاذ الان الناس تاتي بك وهي تطوح بك ارضا، الان زمان الديمقراطية والشفافية يااستاذ... وقام عكرمة بن ابي خويلد الانصاري دالفا الى عمق المخطوطات المغبرة مصطحبا معه الغلام .



#علي_بداي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الكريم اسكن الفقراء وبقي هو بلا بيت
- 1000 دولار مساهمتي لتاسيس فضائية اليسار العراقي
- عمائم.... وعشائر.... وشعر شعبي
- بسمه تعالى ....سنسرقكم
- كم يتقاضى قادة العراق الجديد؟
- ميثاق شرف لانقاذ العراق ....نداء للموقعين على نداء-مدنيون- و ...
- هل نحن امة عبيد ايها السيد المالكي؟؟
- شعب يعيش في المنافي وحكومته تستورد العمالة المصرية
- العراق ..من ارهاب البعث الصدامي الى الارهاب الديني
- عشرون غابة ورد على اجساد ضحايا حلبجة
- قصة رأس مطارد.... عبير والوحش
- بأسم الحسين
- قولوا لا للغزاة العثمانيين ، نعم لشرق اوسط ديموقراطي لاامريك ...
- بالسلامة يامالكي .. ولكن من لسليمة الخبازة؟؟؟؟؟
- هدية تركيا المسلمة الى جيرانها المسلمين بمناسبة العيد!!
- انا ..مع حزب العمال الكردستاني
- الخارجون من دين الله
- محقة احلام منصور ام لا؟؟
- فوز عراقي... على الطائفيين والمتخلفين
- ماذا يريد حكام تركيا من حزب العمال الكردستاني؟


المزيد.....




- مسؤول أمريكي: مؤشرات أولية على احتمال إسقاط طائرة أذربيجان ب ...
- قناة عبرية تنشر تفصيلا جديدا قد لا يخطر على البال حول عملية ...
- حكومة البشير في سوريا ما بعد الأسد.. من هم الوزراء وماذا نعر ...
- موزمبيق: اشتباكات عنيفة بعد فرار 6000 سجين من سجن شديد الحرا ...
- باكو تنطلق من فرضية صاروخ روسي أسقط طائرتها في كازاخستان
- بعد هيمنة نظام الأسد عليه: لبنان يتطلع لعلاقات أفضل مع سوريا ...
- هل إسرائيل قادرة على تدمير قدرات الحوثيين الصاروخية؟
- نيويورك تايمز: أوروبا غير قادرة على فرض عقوبات صارمة على روس ...
- إيران تعلق على اتهامها بالوقوف وراء الأحداث والاحتجاجات الأخ ...
- هروب 6 آلاف سجين في موزمبيق وسط أعمال عنف عقب الانتخابات


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - علي بداي - -أيام بغداد- اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية!