|
إنَّها -مفاجأة- أوباما الأولى!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 13:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"تخلَّت" إدارة الرئيس أوباما عن "الدرع الصاروخية"، التي قرَّرت إدارة الرئيس بوش الجمهورية السابقة إقامتها في أوروبا الشرقية (في بولندا وتشيكيا على وجه الخصوص).
قرار "التخلِّي"، أو "التراجع"، لم يكن بالمتوقَّع، وكان "مفاجأة"، ليس في توقيته فحسب، وإنَّما في حدِّ ذاته، فـ "الراصِد الإعلامي العالمي" لم يرَ، حتى قبل ساعات من إعلان القرار، أيَّ "غيم" في السماء حتى يتوقَّع هذه "المَطْرَة".
حتى في عالم السياسة، يمكن ويجب أن نفهم الأشياء على أنَّها "نتائج" تزول، أي يجب أن تزول، بزوال "أسبابها"؛ فهل زالت "الأسباب" التي حَمَلَت الولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس بوش على تقرير إقامة درعها الصاروخية المضادة للصواريخ الباليستية في جوار "الدب (النووي) الروسي"؟
لا شكَّ في أنَّ إجابة هذا السؤال تحتاج أوَّلاً إلى أن نكون على عِلْمٍ بـ "الأسباب (الحقيقية)" لذلك القرار الذي أعلنت إدارة الرئيس أوباما "تخليها" عنه.
موسكو (ميدفيدف ـ بوتين) رحبَّت بقرار أوباما، وأشادت به، معتبرةً إيَّاه إزالة لعقبة كبيرة من طريق قيام عهد جديد من العلاقة (الإستراتيجية) بينها وبين واشنطن؛ ولكنَّها حرصت على أن توضح أنَّها تفهم هذا القرار (الإيجابي) وتقوِّمه على أنَّه "تصحيح (قام به أوباما) لخطأ (ارتكبه بوش)"، ويُعَدُّ، بالتالي، "فضيلة"، ما دام تصحيح الخطأ، أو العدول عنه، "فضيلة".
من قبل، وحتى إعلان "قرار التخلِّي"، كان "السبب الحقيقي" لـ "لإقامة الدرع" مدار خلاف بين العاصمتين، فواشنطن، وفي عهد إدارة الرئيس بوش على وجه الخصوص، أصرَّت على أنَّ "التهديد الصاروخي الباليستي المتنامي (النووي مستقبلاً) الإيراني (في المقام الأوَّل)" هو وحده "السبب الحقيقي"؛ أمَّا موسكو فلم ترَ في هذا "التهديد" سوى "ذريعة"، معتبرةً أنَّ "السبب الحقيقي" هو النيل من "قوَّة الردع للترسانة النووية (الصاروخية) الروسية"، فتلك "الدرع الصاروخية"، وفي "صورتها المثالية"، يمكنها "مَنْع" الصواريخ النووية المنطلقة من الأراضي الروسية من الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة، وجَعْل "انتصار" واشنطن، بالتالي، في حرب نووية ضد موسكو أمراً ممكناً.
وكان على إدارة الرئيس أوباما أن تُعْلِن "قرار التخلِّي"، مستبقيةً، في الوقت نفسه، الذريعة نفسها، فزعمت أنَّ "الدرع" أُلْغِيَت؛ لأنَّ "سببها"، وهو ذلك "التهديد الباليستي الإيراني" قد زال. لقد زعمت ذلك إذ أعلنت أنَّ "تراجع التهديد الصاروخي" هو الذي حَمَلها على تقرير التخلِّي عن "الدرع الصاروخية (في أوروبا الشرقية)".
هل في الأمر "صفقة"؟ وهل فيه ما يدعو إلى توقُّع أن تُبادِل موسكو واشنطن تنازلاً بتنازل؟ وما هو هذا التنازل الروسي "المتوقَّع"، أو "المحتمل"؟
مع أنَّ واشنطن لم تَقُلْ رسمياً إنَّ موسكو ستقف إلى جانبها، بعد ذلك، وبفضل ذلك، في السعي إلى منع "البرنامج النووي الإيراني" من أن يثمر عاجلاً أو آجلاً قنابل نووية فإنَّ العاصمة الروسية حرصت على أن تعلن وتؤكِّد أن لا صلة بين قرار إدارة الرئيس أوباما و"البرنامج النووي الإيراني"، وأنَّها ما زالت تقف ضد تشديد "العقوبات الدولية" على إيران، وضدَّ القيام بأيِّ عمل عسكري ضدَّها، ملمِّحةً، مع ذلك، إلى أنَّها لا تقبل تحوُّل إيران إلى قوَّة نووية عسكرية، وإلى أنَّ طهران نفسها لا تعتزم ذلك.
إنَّ "تنازل" إدارة الرئيس أوباما عمَّا قرَّرته، وأصرَّت عليه، وسعت إليه، إدارة الرئيس بوش، وهو تلك "الدرع"، لن يكون أبداً بلا مقابِل روسي؛ وهذا "المقابِل" يمكن أن يتحقَّق "معظمه"، وليس "كله"، في اتِّفاق قريب بين روسيا والولايات المتحدة على إحداث مزيدٍ من التقليص في ترسانتيهما النوويتين، فإدارة الرئيس أوباما قطعت على نفسها عهداً بأن تبذل وسعها لقيام عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية.
أقول "معظمه" وليس "كله"؛ لأنَّ روسيا، وعلى ما يبدو، قد لبَّت (قبيل إعلان واشنطن قرار التخلِّي عن "درعها") مطلب نتنياهو ـ أوباما عدم تزويد إيران نظاماً صاروخياً متطوِّراً، كان في مقدوره أن يُصعِّب كثيراً مهمة ضرب وتدمير المنشآت النووية الإيرانية الإستراتيجية من الجوِّ.
ويمكن، بالتالي، أن أفْتَرِض أنَّ تلبية موسكو، على ما يبدو، لهذا المطلب هو ما يوضِّح معنى قول إدارة الرئيس أوباما إنَّ تخلِّيها عن "الدرع الصاروخية" قد جاء نتيجةً لـ "تراجع التهديد الصاروخي الإيراني"، فهذا التهديد كان يمكن أن ينمو ويَعْظُم لو تمكَّنت إيران من تحصين منشآتها النووية بذلك النظام الصاروخي الروسي المتطوِّر. لو تحقَّق لإيران ذلك لأصبح برنامجها النووي العسكري، على افتراض أنَّها تسعى سِرَّاً إلى صنع قنابل نووية، محمياً بتلك "الدرع الصاروخية الروسية"، ولأصبح تهديدها الصاروخي (الإقليمي ـ الدولي) تهديداً حقيقياً وجدِّياً وعظيماً، فالترسانة الصاروخية الإيرانية (المتنامية) لن تغدو، مهما تطوَّرت ونمت، على تلك الدرجة العالية من الخطورة إذا لم تُضمَّ إليها رؤوس نووية.
لقد قالت موسكو (ميدفيدف ـ بوتين) لواشنطن (أوباما) إنَّ درعكم الصاروخية في شرق أوروبا هي تهديد حقيقي وجدِّي للأمن القومي النووي الروسي، فإذا أصررتم على المضي قُدُماً في إقامتها فإنَّ بعضاً من ردِّنا المضاد سيتحقَّق من خلال إقامة درع صاروخية روسية حَوْل المنشآت النووية الإيرانية، فتخلُّوا عن تلك نتخلَّى عن هذه.
ولكن، هل يعني هذا أنَّ الطريق إلى ضرب إيران عسكرياً قد أصبحت سالكةً آمنةً؟
لن نجيب بـ "نعم" أو "لا"، وإنَّما بما قد يساعد في إجابة إيجابية أو سلبية.
أوَّلاً، أعلنت إدارة الرئيس أوباما وأوضحت أنَّ "التهديد الصاروخي الباليستي الإيراني" قد تراجع؛ فهل هذا يُرجِّح كفَّة ضرب إيران عسكرياً على كفَّة عدم ضربها؟
وفي ما هو أقرب إلى "الصلة السببية" منه إلى "التزامن"، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي باراك أنَّ إسرائيل ستقبل نزعاً للسلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط عندما يصبح جوارها الممتد من مراكش إلى بنغلادش شبيهاً بأوروبا؛ وهذا الإعلان الأوَّل من نوعه لقيادي إسرائيلي كبير إنَّما يعني أنَّ إسرائيل تعترف، ضمناً، بحيازتها أسلحة نووية، وأنَّها، في الوقت نفسه، لن تتخلَّى عن ترسانتها النووية، إذا ما تخلَّت، إلاَّ إذا أصبح العالم العربي ـ الإسلامي كأوروبا لجهة علاقته (بأوجهها كافة) بإسرائيل!
على أنَّ إعلان باراك لم يظل بما يشبه "اللا جواب"، فها هي الجمعية العمومية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تخرج عن المألوف، وتعرب عن "قلقها" من "الترسانة النووية الإسرائيلية"، وتدعو الدولة العبرية، في قرار غير ملزم، إلى الانضمام إلى معاهدة الحدِّ من انتشار الأسلحة النووية، وإلى إخضاع منشآتها النووية، بالتالي، لرقابة الوكالة وتفتيشها.
إذا كانت إسرائيل، في عهد حكومة نتنياهو، تريد تطبيعاً عربياً (يُعْتَدُّ به) للعلاقة معها في مقابل "تجميد ما" لنشاطها الاستيطاني، فها هي تعلن على الملأ أنَّ لديها ترسانة من الأسلحة النووية؛ ولكنَّها لن تتخلَّى عنها قبل أن يُعاد خلق العالم العربي ـ الإسلامي على صورة ومثال أوروبا!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!
-
-الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
-
أيلول 2009 يتربَّص بالفلسطينيين شرَّاً!
-
حكومة الذهبي -خصخصت- حتى -تخصخصت-!
-
-ثقافة قضائية- مستمدَّدة من -الأمِّية الديمقراطية-!
-
تسع سنوات من حرب -بن بوش بن لادن-!
-
-ظاهرة-.. في مؤسَّساتنا!
-
خيار -الدولة الواحدة-!
-
ليبرمان يقود من الحبشة -حرب المياه- ضدَّ مصر!
-
اعْرَف حقوقكَ!
-
ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!
-
-دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
-
عشاء في -السفارة في العمارة-!
-
المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
-
-الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
-
جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
-
نساؤنا في عهدهن -السيداوي-!
-
رمضان على الأبواب.. فَلْتُشْعِلوا نار الغلاء!
-
فلسطين لن تكون -إمارة رفح- ولا -إمارة أندورا-!
-
الأمير الشهيد الشيخ عبد اللطيف موسى!
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|