|
الخلل في الأنانية الفلسطينية وليس الورقة المصرية
أحمد أبو مطر
الحوار المتمدن-العدد: 2774 - 2009 / 9 / 19 - 09:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يكاد من الصعب إحصاء عدد جولات الحوار الفلسطيني التي رعتها مصر بإشراف الفريق عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري و مساعديه ، وتتابع هذه الجولات رغم فشلها الواحدة تلو الأخرى ، يدلّ على رغبة وإصرار مصريين في أن لا تترك الساحة الفلسطينية مهددة باستمرار الانقسام والتحارب ، اللذين أوقعا من الخسائر الفلسطينية ليس أقل من الخسائر على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي . كما أن الإصرار مرده إلى أن مصر وجهاز مخابراتها أدرى من كافة الدول والأجهزة العربية بنسيج المجتمع الفلسطيني في القطاع ، لكون القطاع كان يدار من قبل الإدارة العسكرية المصرية منذ عام 1948 وحتى عام 1967 ، وغالبية التنظيمات الفلسطينية التي نمت في القطاع بدأت بذورها الفكرية والتنظيمية في تلك المرحلة . انطلاقا من هذا الإصرار جاءت الورقة المصرية الأخيرة التي قدمت للتنظيمات الفلسطينية ، كإطار جديد للتفاوض حولها وصولا للمصالحة الفلسطينية المنشودة من الشعب الفلسطيني . وقد بدأت تتوالى ردود فعل هذه الفصائل على الورقة المصرية هذه ، دون أية إشارات إيجابية من هذه الفصائل توحي أن المصالحة ستتم والإنقسام سينتهي ، بينما أجلت حماس ردها النهائي لما بعد عطلة عيد الفطر.
بنود هذه الورقة
الملاحظ أن هذه الورقة قد حاولت تقديم إطار جمعي عام لا يعبر عن مخططات أي تنظيم فلسطيني ، بقدر ما إنها تهدف إلى أن يكون هذا الإطار مدخلا توافقيا عاما من منطلق عدم منطقية الانقسام والتقاتل في أي مجتمع ودولة ، لمجرد الخلاف في وجهات النظر حول بعض المسائل الداخلية ذات الطابع الإجرائي التي لا قيمة لها ، مقابل وحدة شعب وسعيه لتحقيق طموحات وطنية يعمل من أجلها منذ ستين عاما .
الانتخابات التشريعية والرئاسية اقترحت الورقة المصرية أن " تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في النصف الأول من العام المقبل ( 2010 ) ، على أن تكون انتخابات المجلس الوطني بالنظام النسبي الكامل ، وتكون انتخابات التشريعي بالنظام المختلط 25 في المائة نسبي ، وأن يجري تقسيم الوطن إلى 16 دائرة انتخابية 11 في الضفة و 5 في القطاع " .
ولأن كافة المنظمات الفلسطينية تنظر لما ستحققه كتنظيمات من هذه الانتخابات بما يعني مصلحتها التنظيمية أولا ، فقد توالت ردود الفعل على هذا البند من الورقة المصرية من منطلقات غير وطنية عامة في الغالب ، بقدر ما هي تنظيمية مصلحية ضيقة ، يعتقد كل تنظيم أنها ستحقق له الفوز في تلك الانتخابات . فلمجرد تسجيل موقف ولو لا معنى له ، أعلن عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح " فيما يتعلق بالانتخابات نوافق أن تجري الانتخابات كما يقول الإخوة المصريون ، ولكن بما لا يتجاوز النصف الأول من العام القادم ) . ماذا أضاف من جديد تصريح عباس زكي ، عندما تنصّ الورقة المصرية على إجراء الانتخابات ( في النصف الأول من العام المقبل ) ؟.أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فترى " في مقترح النظام الانتخابي المختلط ( 25 % دوائر و 75 % نسبي خروجا عما تم التوافق الجماعي عليه في حوار القاهرة في مارس 2009 ، وترفض عدم تحديد موعد دقيق لعقد الانتخابات ، وترى في ذلك سببا لاستمرار الانقسام ). وما يثير الغرابة والدهشة أن حركة الجهاد الإسلامي ( المنشقة سابقا عن حركة حماس ) تطالب أيضا بتحديد موعد للانتخابات رغم أنها لم تشارك في انتخابات سابقة كان متفقا عليها بين فتح وأمها الشرعية ( حماس ) . وموقف حماس أكثر غرابة فهي ترفض الدخول في أية تفاهمات قبل إنهاء ملف معتقليها في سجون السلطة الفلسطينية ، بينما لا يهمها موضوع معتقلي فتح في سجونها أو عودة كوادر فتح الهاربين من قمعها ومطارداتها . وهكذا فكل تنظيم له أجندته المصلحية الخاصة الضيقة التي لن تؤدي لتوافق أو تفاهم على موضوع الانتخابات التسريعية والرئاسية ، لأن هناك تنظيمات مثل حماس يوافق مصلحتها مسألة تأجيل الانتخابات إذ ربما تتمكن من التمديد للمجلس التشريعي الحالي الذي لها فيه الأغلبية لمدة سنتين جديدتين ، بينما حركة فتح غير متأكدة من امكانية فوزها بأغلبية تمكنها من دحر حماس دستوريا ، وباقي الفصائل مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد ، فلا يتوفر لها قاعدة جماهيرية تمكنها من الفوز بالعدد الذي يؤهلها لأن تكون رقما داخل المجلس التشريعي ، بدليل أن الحوار الفلسطيني يجري منذ سنوات بين حركتي فتح وحماس فقط ، وباقي المنظمات والفصائل التي يزيد عددها على عشرة مجرد بيانات صحفية في المناسبات التي لا تنتهي . والأهم هو هل ستقبل حركتا فتح وحماس بنتائج الانتخابات إن كانت دحرر واحدة منهما مما يعني انهاء سيطرتها المطلقة في القطاع أو الضفة؟. اللجنة الأمنية العليا تنص الورقة المصرية على ( تشكيل لجنة أمنية عليا بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس ، ويجرى الاتفاق على ضباط مهنيين بالتوافق يخضعون لإشراف مصري ، وتتولى هذه اللجنة مهمة إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أساس مهني بمساعدة وإشراف مصري ). وهذا البند رغم وضوحه في الورقة المصرية ، فتنفيذه مرهون بالنوايا الفلسطينية ، فهل تقبل حماس بلجنة أمنية تتشكل بناء على مرسوم رئاسي من الرئيس عباس الذي تعتبره غير شرعي ولا تعترف برئاسته ، الذي هو بدوره لا يعترف بحكومة حماس الحالية في القطاع ، لأنه سبق أن أصدر مرسوما بإقالتها وتشكيل حكومة بديلة برئاسة سلام فياض . كما أن تشكيل هذه اللجنة الأمنية العليا يعني عمليا إنهاء وتفكيك القوة التنفيذية التابعة لحماس ، وكافة أجهزتها الأمنية ، وإن تمّ استيعاب بعضهم أو كلهم في التشكيل الجديد الذي نصّت الورقة المصرية على استيعاب ثلاثة ألاف عنصر من الشرطة والدفاع المدني والأمن الوطني فيه ، على ( أن يكون هناك ضمان وظيفي لكل الموظفين العموميين ) ، مما يعني ضمان رواتب من لا تستوعبهم التشكيلات الجديدة . وهكذا فالكرة أيضا فيما يتعلق بهذا البند في الملعب الفلسطيني ، فهل تقبل حركتا فتح وحماس بهذا التشكيل الجماعي المشترك لأجهزة الأمن ، أم تريد حماس استمرار قوتها التنفيذية في القطاع ، وترغب فتح في سيطرة أمنها الوقائي في الضفة ؟. المعتقلون لدى كل طرف لم تتجاهل الورقة المصرية موضوع المعتقلين الفتحاويين والحماسيين لدى الطرف الآخر ، ونصّت على ( تحديد قوائم المعتقلين فور توقيع الاتفاق وفق الوضع الحالي ، وتسليم القوائم لمصر ومؤسسات حقوقية وقانونية ، ويقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين المتواجدين لديه ، على أن يسلّم كل طرف قائمة بالأسماء التي يتعذر الافراج عنها ) . ورغم هذا الوضوح الملازم لرفض عمليات الاعتقال الانتقامية المتبادلة بين الحركتين ، إلا أنّ حماس تشترط الإفراج أولا عن معتقليها قبل توقيع الاتفاق ، وهو شرط تعجيزي في سياق عدم ذكرها لمعتقلي فتح لديها. أما رد منظمة التحرير الفلسطينية فهو مجرد روتيني لا قيمة له ، لأن منظمات مثل حماس والجهاد الإسلامي غير ممثلة في المنظمة ، وتعتبرها مجرد ملحق من ملاحق السلطة الفلسطينية خاصة بعد الخلافات الأخيرة بين قيادات فتح ، التي نجم عنها تجميد الدائرة السياسية للمنطمة التي يرأسها فاروق القدومي ، وإحالة الموظفين فيها للسفارة الفلسطينية في تونس . لذلك فإن الخلل ليس في الورقة المصرية ، بل في الأنانية الفلسطينية التي ينجم عنها تغليب كل تنظيم لمصلحته الخاصة على المصلحة الوطنية لشعب بكامله .
#أحمد_أبو_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الثامنة لغزوة نيويورك
-
من بعرف ماذا تريد حماس
-
إخوان الأردن: حزب سياسي في دولة أم دويلة داخل دولة
-
كيف تمت سرقة شهر رمضان؟
-
ماذا لو كانت الجرائم ضد أشرف من الأمريكان أو الإسرائيليين؟
-
دلالات غضب الملك عبد الله الثاني
-
ظواهر عربية بامتياز
-
صعود ملامح إمارة حماس الطالبانية
-
لماذا نلوم الاحتلال فقط؟
-
صائب عريقات
-
خطبة رفسنجاني
-
فاروق القدومي
-
هل هذا السودان أم طالبان؟
-
التطبيع كيف يفهمه كتاب ومفكرون عرب
-
ما هو مفهوم التطبيع مع دولة إسرائيل
-
ديكتاتور ملوك أفريقيا في مواجهة الصحافة المغربية
-
خطاب مشعل الأخير
-
دروس الانتفاضة الإيرانية الأخيرة
-
استحالة الموافقة على الوطن البديل فلسطينيا وأردنيا
-
خامئني في خطبة الجمعة
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|