|
الكتابة بين المنطق والسياسة
مازن فيصل البلداوي
الحوار المتمدن-العدد: 2773 - 2009 / 9 / 18 - 01:18
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يحاول الكثير من الأخوة الكتّاب على صفحة الحوار المتمدّن ان يطرحوا قضايا المعاناة والأسى التي يعاني منها شعوبهم وكل حسب بلده وهمّه وأسبابه ومسبباته،اذ نستطيع ان نرى يوميا هذا الزخم الهائل من المقالات التي تنم عن ان كاتبها قد بذل جهدا كبيرا في صياغة طريقة طرح تلك المعاناة او هذه،وعلى الرغم من ان لاضمانات تذكر لعدد قرّاء كل مقال على حدة (وكنت قد أكّدت على استحداث آلية خاصة لهذا الأمر ضمن أحدى المقالات التي نشرت على صفحات هذا الموقع المتمدن) فأننا لانستطيع الجزم بأن موضوع طرح المعاناة او موضوع طرح مقترحات حل المشاكل القائمة والمسببة لتلكم المعاناة،لذا يبقى امامنا استنتاجين أثنين: أولهما : أما ان يكون عدد القرّاء المتصفحين لتلكم المقالات قليل بحيث لايؤتي المقال بثماره،أو ان يكون عنوان المقال لايدل على فحواه،أو ان يكون القرّاء هم صفوة مثقفة بعيدة عن القواعد الجماهيرية التي من أجلها طرح المقال وهذه الصفوة تطّلع على المقال كجزء من أدائها الثقافي اليومي.
ثانيهما: ان تكون المعايير والموازين والمفاهيم الفكرية التي يكتب بموجبها الكاتب بعيدة او مختلفة عن المفهوم السائد في الشارع الجماهيري ويصبح الموضوع أقرب الى ممارسة ترف فكري من شأنه ان يعرّف أسم الكاتب لدى المطلعين ويعتبر الأمر فيما بعد أشبه بالدعاية لهذا الكاتب او ذاك،أو بمعنى آخر، ان الكاتب في واد والناس في واد آخر. وحتى نكون أكثر وضوحا وأكثر وصولا الى الناس (على اعتبار ان الكتابات تمس حياة الناس ومستقبلهم) يجب علينا معالجة الخلل في آلية ايصال هذه الكتابات وفحواها ومحتواها،ليس بالضرورة ان تكون الكتابات الأنتقادية هي حالة من الخصام الفكري الشخصي بين الكاتب واي جهة من الجهات القاءمة على ادارة شؤون الناس،لا بالطبع ،لأن هذا الأمر لن يوصلنا او يوصل تلكم الجهات الى الغايات المنشودة من العمل المشترك بموجب مفهوم (التكاتف الوطني) كما سمّاه أحد الأخوة الأعزّاء في أحدى مقالاته. مايزعجني شخصيا ان يكون الأستنتاج الثاني المذكور أعلاه هو السبب الحقيقي وراء هذا الأنكفاء الفكري لدى قطاعات واسعة من الشارع الجماهيري،وبموجب هذا فمن الواجب علينا ألتوقف واعادة النظر بتلك المفاهيم والأسس الفكرية المنطقية التي نشأت منذ زمن بعيد ومن ثم عرضها على متطلبات الواقع الأجتماعي المحيط بالشارع الجماهيري لنرى ان كانت هذه المفاهيم توائم ام لاتوائم منطلقات وآليات عمل الشارع الجماهيري.لأنّه وحسب أعتقادي ،أن عمليات التغيير الديموغرافي التي طرأت على كثير من البلدان ومن حيث لايشعر الشارع الجماهيري هنا او هناك قد أسهمت فعلا بهذا الأنتكاس الثقافي والمعلوماتي بين أفراد الشارع الجماهيري مما أدى الى تردّي نوعية ومواصفات الشخصية المثقفة القادرة على ان تكون فاعلا ايجابيا بين الناس وبالتالي تستطيع أعادة بناء الشخصية الوطنية بحسّها العميق والمبني على مستوى ادراك عالي ووعي واسع لمتطلبات التطوير وضرورات التغيير،وهذا بالطبع هو أهم عناصر ومتطلبات التغيير التي يجب ان يعتمد عليها الشارع الوطني كي يستطيع ان يقف على رجليه ومواجهة الأجندات الداخلية والخارجية. المنطق والسياسة مفهومان لايستطيع احد أبدا ان يتنبأ بمدى ارتباطهما مع بعضهما البعض او متى يلتقيان ومتى يفترقان،لأن السياسة وكما يقال هي (فن الممكن) لكن المنطق ليس فيه ممكن وغير ممكن،لذا كان اعتماد السياسة على المنطق اعتمادا اساسيا وخاصة عند الحركات او عند الأنظمة السياسية المبتدئة او الناشئة كي تستطيع هذه الحركات ان تجذب اليها العدد الأكبر من الناس لترفد نشأتها وتمركزها الى حين ،ثم نرى ان البون بدأ يتسع مابين السياسة والمنطق بسبب ان المنطق قد أصبح يشكل عبئا على أكتاف السياسة،لذا فلعله من الخطأ أن يبقى كتاب المقالات يكتبون حول منطقية او لامنطقية أحداث تجري على ارض الواقع ويرفع الكثير منهم حواجبهم مستغربين لأمور تحدث خارج نطاق المنطق لكنها طبيعية الحدوث بمعيارية السياسة. لنأخذ مثالا بسيطا من منطقتنا العربية، وليكن العراق الحرب العراقية الأيرانية لم يكن أحد على الأطلاق يتصور بأنها ستدوم ثمان سنوا بموجب حسابات المنطق، لكن حساباتها السياسية جعلتها تدوم تلك الفترة الزمنية. الأحتلال الأميركي للعراق، لم يكن أحدا يتصور بأنه سيكون على هذه الشاكلة وعلى أبعد التقديرات، كما ان لم يكن أحد يتصور او يتوقع ان يكون رد فعل الجيش العراقي بتلك الصورة، ذلك الجيش الذي قال عنه هتلر ذات مرة...أعطني جنودا عراقيين وبسلاح ألماني وسأجعل أوروبا كلها تأتيني زاحفة على ركبتيها،كم يقول القائد الكوبي فيدل كاسترو (أن الأمريكان حمقى فقد أصطدموا بشعب لايكل ولايمل). أما اذا تناولنا موضوع فلسطين فالمصيبة أعظم.
من هنا وببساطة نستطيع ان نقرأ بأن المنطق لم يكن يفضي الى ماوصلت اليه الأمور في العراق ولكن السياسة ودهاليزها هي التي جعلت الأمر يصل الى هذه الحد، لذا فان معالجة اسقاطات الأمور السياسية يجب ان يكون بواسطة المعالجات السياسية والا فان تم معالجتها بالمنطق فأن هذا سيفضي الى تراكم التبعات السلبية للسياسات المرسومة، ومن هنا يجب على الأخوة الكتاب ان يوضحوا للشارع الجماهيري ماهية آليات التعامل السياسي مع الأحداث بعيدا عن منطقة المعالجات التي لن تفض الى نتائج طيبة. بطبيعة الحال فأن الشارع بعيد كل البعد عن أحداثيات المعالجة السياسية وعليه توجذب على قيادات الشارع ان تعي وتمحّص ماهية الخطوات الواجب اتخاذها في سبيل الأرتقاء بمستوى الشارع الى الحد الذي يجعله قارئا ممتازا وليس جيدا فحسب لمجريات السياسة على أرض الواقع كي يستطيع بموجب هذا الأدراك ان يختار من يمثله بشكل صحيح ولكي تتم عملية التكاتف الوطني وبكاريزما جماهيرية مجتمعة تجاه الوحوش المتربصة داخل وخارج البلدان الطيبة. هذا اذا تبين لنا بأن مفهم المنطق هو كما هو لم يتغير في ذهن الشارع وموجبات استنتاج نتائج الأفعال وتأثيراتها على الناس هي كما هي لم تتغير،،أما أذا طرأ اي تغير على مفهوم المنطق لدى الناس فأنه من الصعب جدا أعادة هذه المفاهيم المنطقية الى ماكانت عليه بسبب عدم وجود الظروف الملائمة لهذه الأعادة. أراجو ان لاأكزن متشائما في طرحي ولكن هذا مانستطيع ان نفرأه من فعاليات الحياة اليومية.
#مازن_فيصل_البلداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواصفات والمقاييس............وحقوق الأنسان....1
-
المواصفات والمقاييس..............وحقوق الأنسان
-
سؤال الى الأخوة العزّل في فلسطين....!
-
خلف بن أمين ...وكثرة الورثة!
-
هل أستوعبنا ماسنقوم به في السنوات الآتية ..!
-
هل حقا يعرفوك...!
-
مذبحة القرابين
-
العقل بين د. علي الوردي وصراع غزّة !!
-
جدار كتاباتي........!
-
هل نطلق لعقولنا العنان....!
-
هل سنطلق العنان لعقولنا..........!
-
الأسلحة وثقافة التسلّح الحربية...!
-
قرار صحيح وشجاع ومثل يقتدى به...!
-
تصرّف لاأخلاقي من مساعد المدرب....!
-
لوحة مائية
-
الى متى نبقى نجري وراء العناوين...!
-
أحلام اليقظة تتهاوى.......!
-
ال هايد بارك..........The Hyde Park
-
أنا ألعراق
-
جيفارا .......... ياعلما أحمر
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|