أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين تملالي - هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟














المزيد.....

هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 2772 - 2009 / 9 / 17 - 07:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في 2 أيلول / سبتمبر الماضي، وفي أحد أحياء العاصمة الجزائرية، احتجزت الشرطة شاباً وشابة طوال ليلة كاملة ثم أودعهما المدعي العام السجن تمهيداً لمحاكمتهما بتهمة «التعريض بالإسلام ومبادئه»، التي يعاقب عليها قانون العقوبات في مادته 144ــــ2ــــ2 بالسجن من 3 إلى 5 سنوات. هل شتم هذان الشابان الله أو الرسول؟ لا. هل هزئا على الملأ بمقدسات الجزائريين الدينية؟ لا. سُجِنا لأن دورية شرطة باغتتهما وهما يفطران في رمضان، في سيارتهما، بعيداً عن العيون. وحسب ما أوردته جريدة «الوطن» الجزائرية، لولا تدخل «شخصية مهمة في النظام» لكان مصيرهما المصير ذاته لشبان غيرهم، حُكم عليهم في 2008 بالسجن 3 سنوات لإفطارهم في شهر الصيام، ثم برّأتهم محكمة النقض مكتفية بتوبيخهم على «استهتارهم بمشاعر الصائمين».
يحدث هذا في بلد نجا وما كاد من شبح الدولة الدينية ودفع ثمن ذلك حرباً أهلية ضروساً أنهكت قواه ودمرته أيما تدمير. يحدث في الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، وهي رسمياً دولة مدنية دستورها، على نقائصه الكثيرة، يحمي الحريات الفردية (ومنها حرية المعتقد)، ولا ينص أي من قوانينها على تجريم الإفطار في رمضان، اللهم إلا إذا اعتبرنا قمع «التعريض بمبادئ الإسلام» في قانون العقوبات أمراً لغير الصائمين بالتخفي عن الأنظار أو مغادرة البلاد.
قد يُقال إن مثل هذه الوقائع «حوادث» شاذة لا يقاس عليها وإن الجزائر بمنأى عن التحول إلى دولة تنتهك حرية الاعتقاد. والحقيقة أن غيرها من الأدلة كثير على أن مشروع «أسلمة المجتمع» الذي فشلت «جبهة الإنقاذ الإسلامية» بين 1989 و1992 في تحقيقه قطع أشواطاً على طريق التجسيد في السنوات الأخيرة. لنذكر كل الجزائريين المسيحيين الذين اعتقلوا بتهمة ممارسة التبشير لا لشيء سوى أن الشرطة عثرت في حوزتهم على نسخ من الإنجيل. لنذكر العوائق التي وضعها البرلمان في سبيل ممارسة غير المسلمين لشعائر دينهم. لنذكر إقالة مدير المكتبة الوطنية، أمين الزاوي، في تشرين الأول / أكتوبر 2008، لا لسبب سوى أن أحد ضيوفه، أدونيس، أدان (كعادته في كل ندوة منذ عشرات السنين) «الأثقال الثيولوجية التي ينوء بحملها الفكر العربي». لنذكر أن جمعية العلماء المسلمين (وهي منظمة كانت تحتضر قبل مجيء الرئيس بوتفليقة إلى الرئاسة) باركت اعتقال «المبشرين» المزعومين والتضييق على حريات غير المسلمين، ناهيك عن إقالة أمين الزاوي، بما يليق من الكلام بمحاكم التفتيش.
كل هذه «الحوادث» تؤكد أن دعاة الدولة الدينية المتسترين تحت غطاء «الدفاع عن الإسلام» (كجمعية العلماء ومختلف المنظمات المنبثقة عن تيار الإخوان المسلمين) هي في طور القيام بانقلاب تدريجي هادئ على مبدأ مدنية الدولة، وهو مبدأ ما فتئ يتآكل منذ بداية الثمانينيات بفعل تنازلات السلطة للحركات الدينية طمعاً في تحجيمها والاستئثار بقواعدها.
ويمكن القول إن خطاب جمعية العلماء المهووس بمشكلة متخيلة هي «انسلاخ الجزائريين من دينهم»، يمثّل السند الأيديولوجي لانتهاكات الحريات الفردية والدينية خلال العشرية الأخيرة، من ملاحقة للشباب في الحدائق في 2002 بتهمة «خدش الحياء العام»، إلى التصويت على قانون يضيق ممارسة غير المسلمين لشعائر أديانهم في شباط / فبراير 2006، وأخيراً توقيف المفطرين في رمضان بتهمة التعريض بالإسلام.
«أسلمة المجتمع» الذي فشلت «جبهة الإنقاذ» بتحقيقه، قطع أشواطاً كبيرة

ويمكن القول إن رئيس هذه المنظمة، عبد الرحمن شيبان (وزير الأوقاف والشؤون الدينية خلال فترة حكم الرئيس الشاذلي بن جديد) أصبح اليوم، بعدما كاد يخمد ذكره، شخصية يحسب لها ألف حساب، فلا يمر أسبوع دون أن يهاجم «العلمانيين» (وكما لو كانوا الآمرين الناهين في الجزائر) أو يحذّر من «مخاطر انتشار النصرانية» أو ينتقد «مظاهر التحلل الأخلاقي» لدى الشباب. ولا مبالغة إن قلنا إنه تحول إلى «مفتي الجمهورية» الرسمي، في بلد ليس فيه ما يشبه هيئة الإفتاء.
والمثير للانتباه أنّ جمعية العلماء (مثلها في ذلك مثل حركة مجتمع السلم المنبثقة عن «الإخوان المسلمين»، وهي أحد أعضاء الائتلاف الحكومي) تنأى بنفسها ما استطاعت عن التطرق إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري الذي تمر به البلاد، ناهيك عن تحميل السلطة مسؤوليته. لا اهتمام لجريدتها «البصائر» بانتشار الفقر والبطالة وخزائن الدولة تفيض بمليارات الدولارات، ولا حديث لها عن الفضائح المجلجلة التي تبين كل يوم تهافت التسيير الحكومي. كل ما تنشره، إن لم يكن فخراً بماضيها التليد خلال الحقبة الاستعمارية أو استحضاراً لذكرى مؤسسيها عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي، فهو «دفاع عن الدين» ضد أعداء وهميين، كما لو كانت الجزائر دولة ملحدة والمسلمون فيها أقلية صغيرة مقموعة.
ما أسعد النظام بمثل هذا التيارات التي تلزم الصمت عن سياسته، وبدل انتقاده، تنتقد المجتمع لأنه «غير متدين بما فيه الكفاية». لذا نراه يبوّئها مكانة حامي حمى الدين ويستجيب لمطالبها المتعلقة بـ«أسلمة مظاهر الحياة العامة» بإغلاق محال بيع الكحول، ومحاكمة من يشتبه في تنصره بتهمة ممارسة التبشير، وسجن كل من سوّلت له نفسه الإفطار في رمضان. وما أسعده بهذه الصفقة التي طالما حلم بعقدها مع «جبهة الإنقاذ» في أواخر الثمانينيات: له أن «يعولم» الجزائر حتى آخر رمق فيها، وللإسلاميين، بعونه ومساعدته، أن يؤسلموا المجتمع ما طاب لهم ذلك.
* صحافي جزائري



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»
- اغتيال مروة الشربيني والحرية الدينية لدى المتزمتين
- عدم الانحياز بين الأمس واليوم
- 1964-2009 : -عدم الانحياز- من القاهرة عاصمة حركات التحرر إلى ...
- باراك أوباما ووهم -العالم الإسلامي-
- ساركوزي وإيران وعصر «ازدواجية الخطاب»
- السودان على ضوء البترول
- أسطورة -المغرب العربي الكبير- وواقع الحدود
- نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية
- مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر
- المهاجرون الأفارقة ضحايا «المصالحة الإيطاليّة الليبيّة»


المزيد.....




- طريقة تثبيت تردد طيور الجنة الجديد على النايل سات والعرب سات ...
- حدث طيور الجنة بييبي على ترددها الجديد 2025 النايل سات وعرب ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى.. وتوسعات استيطانية للاحتلال ...
- ماذا نعرف عن الأفكار الدينية لوزير الدفاع الأميركي؟
- صار عنا بيبي جديد..تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 على نايل س ...
- منظمات الهيكل المتطرفة تدعم تكاليف المواصلات للراغبين في اقت ...
- كيف حارب الشيخ محمد رشيد رضا انحطاط الأمة الإسلامية؟
- مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال
- برجر كينج توزع قسائم على جنود الاحتلال بعد تسوية دعوى طعام م ...
- اسلامي: قادرون على بناء مفاعلات بحثية ومفاعلات للطاقة محلية ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين تملالي - هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟