|
العالم يتغير.. ونحن نائمون فى العسل!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2769 - 2009 / 9 / 14 - 20:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل نحن أمة فى خطر أم أن الأمور مستقرة والمشاكل الموجودة مسألة طبيعية وتحدث فى "أحسن الجمهوريات" ويمكن حلها "تدريجيا" من خلال عملية "الإصلاح" الجارية؟! السؤال تطرحه –بشدة- التطورات المحلية والإقليمية والدولية، وليست له إجابة واحدة وإنما إجابات متعددة، يمكن اختصارها فى فئتين: فئة تضع يدها فى المياه الباردة وترى ان كل شيء على ما يرام، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وإذا كانت هناك أوجه قصور هنا أو هناك فإن هذه هى "سنة الحياة" وأن الكمال لله وحده، وأن الاستمرار فى تبنى حزمة السياسات النابعة من "الفكر الجديد" للإصلاحيين فى الحزب الوطنى كفيل بسد الثغرات بل وتحويل مصر إلى "نمر على ضفاف النيل". أما الفئة الأخرى- التى تضم العديد من الفئات الفرعية المختلفة فى منطلقاتها وأهدافها- فلا تشعر بهذه الطمأنينة، ولا ترى لها سببا فى الواقع الذى يزداد تدهوراً يوما بعد آخر. بل ترى أن بث هذا الشعور بالطمأنينة الزائفة هو نوع من الغفلة التى يمكن أن تكلفنا الكثير وندفع لها ثمنا باهظا فى المستقبل القريب. وكاتب هذه السطور ينتمى إلى الفئة الثانية، ليس من باب عشق التشاؤم والنظرة السوداوية التى تؤدى إلى اليأس، وإنما من باب الواقعية وتوخى الموضوعية التى تؤدى إلى وضع جدول أعمال "نضالى" لتغيير الواقع واستشراف آفاق مستقبل يكون لبلادنا فيه موطئ قدم ومكان تحت الشمس. فماذا يقول لنا الواقع؟ محلياً: لا يكفى ان نقارن أنفسنا اليوم بما كنا عليه بالأمس، وإنما الواجب أن نقارن أنفسنا أمس واليوم بمن كانوا مثلنا أمس وأصبحوا اليوم نموراً حقيقية (على سبيل المثال كوريا الجنوبية التى كانت تصدر مثلنا فى الستينيات وأصبحت اليوم تصدر فى ثلاثة أيام اجمالى ما نصدره نحن فى سنة). فبمثل هذه المقارنة يتضح لنا أننا حتى إذا كنا نتطور مقارنة بما كنا عليه من عشر أو عشرين سنة، فأن الفجوة تتسع بيننا وبين العالم المتقدم. أى أننا نتخلف فى حقيقة الأمر، لأن تطورنا ليس بالسرعة المطلوبة، ولا بالشمول المنشود لقطاعات النمو الأساسية. ثم أن ثمار هذا التطور (البطئ والمحدود) تذهب فى الأغلب الأعم لحفنة محدودة من المحاسيب بينما تتسع قاعدة الفقر وعدد الفقراء لتضم شرائح كانت تنتمي فيما سبق إلى الطبقة الوسطى وتتمتع بـ "الستر"، وكانت نتيجة ذلك سلسلة من التشوهات الاجتماعية التى تنذر بقلاقل خطيرة. ويضاعف من هذه المخاطر الاجتماعية انسحاب الدولة من المجال العام واستقالتها من أدوارها الأساسية فى التعليم والصحة والتوظيف والضمان الاجتماعي، بل والرقابة أيضاً التى هى الحلقة الأولى فى سلسلة مكافحة الفساد الذى توحش وأصبحت رائحته تزكم الأنوف. هذه القنبلة الاجتماعية الموقوتة تتزامن مع "احتباس ديمقراطي" يسد أبواب اى إمكانية للانفراج وتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي. والاحتباس الديمقراطي الذى نتحدث عنه له ملفات كثيرة، من بينها مثلا ملف "الخلافة".. فمن الذى سيخلف الرئيس حسنى مبارك، من الذى سيحكم مصر بعده؟ هذا سؤال كبير جداً لا توجد عليه إجابة حتى الآن، فكيف نتصور استقرارا أو تنمية أو تقدماً فى ظل هذه "الريبة"؟! ملف داخلى آخر لا يقل خطورة – أيا كان شخص الرئيس القادم- هو مستقبل هذا البلد، وهل تكون الدولة المصرية دولة مدنية أم دولة دينية، وهل هناك طريقة لحسم العلاقة بين الدين والدولة ووضع نهاية للجدل المزمن حول هذه العلاقة الملتبسة التى أدى عدم حسمها الى تمهيد الأرض للفتنة الطائفية بكل ما تحمله من تهديد خطير لوحدتنا الوطنية، التى هى الشرط الضروري الأول لأى مشروع للنهضة والتنمية. ملف محلى ثالث خطورته تفوق كل ما سبق هو التغيرات المناخية التى تهددنا، فى غصون سنوات ليست بعيدة، بإغراق ثلث الدلتا بكل ما يعنيه ذلك من تهجير وتشريد ملايين السكان وفقدان لجزء غالى جدا ولا يعوض من الرقعة الزراعية وتفكيك ما يقرب من ثلث المصانع المصرية. *** وإقليميا: فان الأوضاع ليست أقل خطورة، بل إنها تحمل فى طياتها كوارث لم تكن فى الحسبان. • خذ على سبيل المثال سيناريو انخفاض حصة مصر من مياه النيل نتيجة الألاعيب التى يمكن ان تحدث – والتى بدأت تحدث فعلاً- فى اعالى النيل والأسافين التى بدأ دقها بين دول الحوض والأصابع الإسرائيلية التى تلعب بمهارة يجب الاعتراف بها فى هذا الخصوص. • خذ أيضا الى جانب ذلك تداعيات احتمالات تفكك دولة السودان، وانفصال الجنوب، ناهيك عن المستقبل الغامض لدارفور، وما سيترتب على هذا الزلزال من آثار جيو استراتيجية . • ولم نتحدث بعد عن الملف الأخطر.. ألا وهو الملف الفلسطيني – الإسرائيلي والرياح السامة التى تأتينا دائما من "البوابة الشرقية"، وتأثيرات وجود "دولة يهودية" و "إمارة إسلامية" على حدودنا الشرقية . **** وعالميا: نحن لا نعيش فى جزيرة منعزلة وإنما فى عالم يشهد ثالث ثورة، تعرفها البشرية بعد ثورة الزراعة وثورة الصناعة، هى ثورة المعلومات بكل توابعها السياسية والاقتصادية والثقافية، فى وقت ننشغل فيه فى مصر بإنشاء شرطة لتعقب المفطرين فى رمضان، وفى السودان بالسروال الذى ترتديه إحدى الصحفيات، وفى إمارة غزة الإسلامية بالحجاب الذى يجب أن ترتديه المحامية الفلسطينية التى تترافع أمام القضاء!! فما هو دورنا فى هذا العالم الذى تتغير فيه موازين القوى الدولية بصورة غير مسبوقة، حيث سينتهي انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على النظام الدولى وتبزغ أقطاب متعددة فى مقدمتها الصين والهند والاتحاد الأوروبي وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا. فى مثل هذا الوضع المتسم بالسيولة الشديدة تنشأ فرص غير مسبوقة وتحديات لم نتوقعها من قبل أيضاً.. وبين الفرص والتحديات ستنشأ تحالفات دولية وإقليمية لم تكن على البال أو الخاطر. **** فإذا وضعنا أوضاعنا المحلية التى أشرنا إلى بعضها فى السطور السابقة، فى سياق الملفات الإقليمية والعالمية فمن أين- إذن- تأتينا الطمأنينة إلى أن كل الأمور تمام وأنه لا شيء يستدعى القلق؟! إن الأخطار الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تلوح فى الأفق ولا تحتاج إلى نظارات معظمة أو مكبرة، ومع ذلك فان بعضنا يفضل دفن الرءوس فى الرمال أمامها، رغم أن هذا لن يمنع من أن يقع الفأس فى الرأس. وبالمقابل فان هدفنا من إطلاق صفارات الإنذار للتنبه إلى هذه الأخطار الوشيكة ليس التخويف أو الترويع، وإنما هدفه بالاحرى هو اليقظة والاستعداد للتعامل مع هذه المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية بصورة رشيدة. وهذه الصورة الرشيدة لا يحتكرها شخص بعينه، وتلك الحكمة لا يمتلكها فصيل بمفرده، كما أنها ليست روشتة جاهزة يمكن أن "نستوردها" من صندوق النقد الدولى، أو البنك الدولي أو من هذه العاصمة العالمية أو تلك. بل لن نحصل عليها إلا بالحوار الديمقراطي والصريح والنزيه، بين "جميع" فصائل الجماعة الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فهذا مصير وطن وأمة وليس شانا خاصا بفرد أو جماعة أو فئة. ولذلك.. فان القلق مشروع.. والدعوة إلى اليقظة والتنبه إلى المخاطر المحدقة بالبلاد والعباد مسوغة.. لكن الأهم هو تحويل هذه الدعوة إلى برنامج عمل بدلاً من المماحكات التى لا تقدم وإنما تؤخر.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا دكتور حاتم الجبلى.. تكلم!
-
عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!
-
الحياة.. بدون محمود عوض!
-
الفتنة الصحفية.. الكبري!
-
حسب الله الكفراوى يتحدي .. فهل من مبارز؟!
-
العشوائيات .. بعيون غير عشوائية 2-2
-
مبادرة -القلعة-.. هل من مزيد؟!
-
في عام 2002 دق »تقرير التنمية الإنسانية العربية« نواقيس الخط
...
-
أسماء .. الفلسطينية!
-
العشوائيات .. بعيون غير عشوائية
-
قراءة سريعة في تقرير مهم (3 3)
-
وهم حوار الحضارات
-
سيد القمني.. وجائزته الملغومة
-
قراءة سريعة في تقرير مهم (2):
-
وصمة عار وشعاع أمل:لبنى .. السودانية
-
قراءة سريعة في تقرير محترم (1)التقرير السنوي السادس للتنافسي
...
-
ما رأى بشير عقيل؟!حسنة وأنا سيدك!
-
مروه.... -النوبية-
-
أيها المصريون: اعقلوا قليلا!
-
جنيه 2005 العجيب
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|