أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أحمد الموصللي - مسؤولية الدولة القومية عن صعود الثقافة الأصولية















المزيد.....

مسؤولية الدولة القومية عن صعود الثقافة الأصولية


أحمد الموصللي

الحوار المتمدن-العدد: 168 - 2002 / 6 / 22 - 08:19
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


"النهار"

الجمعة21 حزيران 2002

الحاكــم القــوي إلهــاً... ضــد الإلــه الأصـولـي حاكمــاً

 

بعد مقالة علي نصار الاثنين الماضي والتي اعتبرت ان "الإحياء القومي" قادر على تقويم "الإحياء الديني" هنا مقالة الدكتور أحمد الموصللي التي تحمّل المسؤولية في الاتجاه المعاكس: مسؤولية عنف الدولة القومية وذهنيتها الإلغائية في التسبب بصعود الثقافة الأصولية.

 

دمر الاستعمار ثقافة الشعوب الاسلامية، ولهذا، فإن الوعي بالهزيمة الثقافية اصبح وعي النخبة المثقفة. كما أن رد الفعل ضد هذه الهزيمة كان من النخبة ذاتها. وهذا هو الاطار العام لمشكلة التأصيل والحداثة. ذلك ان الاستعمار لم يستطع تدمير الثقافة العربية الاسلامية او التراث الحي، لذا نشأت مشكلة الاصالة والمعاصرة. فالدعوة الى الأخذ بالتراث تشكل سلاحاً ايديولوجياً لمقاومة القوى المتسلطة وليست فقط اسلوباً للنهضة، كما كانت عليه الحال زمن الافغاني وعبده. كما انها تشكل الشعور بعمق الهوة التي تفصل بين التراث ومضامينه المعرفية والايديولوجية والمعيارية من جهة والفكر العالمي المعاصر ومنجزاته العلمية والتقنية ومعاييره العقلية والاخلاقية من جهة ثانية.

وهكذا نبعت ثنائية الاصالة والمعاصرة من مشكلة التسليم بتطور حركة التاريخ، وهي مقولة تسربت الى كل العلوم الاجتماعية المعاصرة والى كل الامور الثقافية حيث انها اعتبرت ان للتاريخ مساراً واحداً متصاعداً، فكل مرحلة تتقدم على سابقاتها وتشكل تطوراً لها. لذلك على كل المجتمعات ان تلحق بالمسار نفسه من اجل الالتحاق بركب التقدم. اذاً، من خلال هذا السياق تطور مفهوم الاصالة ليعبر عن السلوك والنظم التقليدية، وكذلك تطور مفهوم الحداثة ليعبر عن السلوك والنظم العصرية التي توصل اليها الغرب.

الا ان الدور الاستعماري ساهم في شكل اساسي في إضعاف الليبرالية، عبر ربط اقتصادات العالم العربي بالرأسمالية الغربية. وتحولت السلطة القومية العربية قامعاً لليبرالية الفكرية ومستورداً لليبرالية الاقتصادية. فأصبحت الدولة القومية مجتمعاً مندمجاً عضوياً في اقتصاد الغرب، لكن منفصلاً عن ثقافته. في هذا الجو، أُجهضت ايضاً الليبرالية الدينية، وتحول الدين اما تقليدية مسوّغة لاحكام السلطة وسياساتها، وإما اصولية معارضة لاحكام السلطة وسياساتها. وبهذا أُجتثت الاساس الفكري لليبرالية اسلامية وتيارها السياسي والاجتماعي.

لم تتمكن القومية والعلمانية والديموقراطية والكونية من الحلول مكان العشيرة والطائفية والاستبداد والقبيلة. فهذا المشروع النهضوي، ومعه المثقف، إنقطع عن واقعه وعن أسس فكره الغربي الاوروبي، فلم يترسخ في وعي الفرد وواقع المجتمع، بل سُيّس من جانب النخبة الحاكمة، لذلك نرى اليوم ان هناك بعض المفكرين يدعون الى ادانة عصر النهضة، والى رفض الفكر القومي، والى القطيعة مع الغرب.

ومما لا شك فيه ان المجتمعات العربية تتميز عن المجتمعات الغربية وعن بعضها ونشر النماذج السياسية الاوروبية لم ينتج نتائج طبق الاصل. كان نشوء الدولة الحديثة في العالم العربي مفروضاً عبر الضغوط الخارجية، ولم يكن نتيجة لتطورات طبيعية داخل المجتمع. ولا تزال الدولة حتى الآن توظف قوى خارجية من اجل المحافظة على الحكم في بيئة قمعية للبنى الاجتماعية.

وعلى نقيض من الدولة الغربية، تقوم الدولة العربية باستمداد قوتها ومصادر استمراريتها من خارج الوحدة الاجتماعية، وتفرض تالياً آراءها على المجتمع في محاولة لإزالة اي منافسة على السلطة ولتمزيق البنى الاجتماعية. كل هذا، يؤدي بالنخب الحاكمة الى زيادة قمعها للمجتمع وتدخلها فيه ومراقبته من اجل المحافظة على السلطة.

مثّلت الناصرية اساس النظام القومي العربي العلماني ضد  الوعي المدني وتقاليده المحاكية للغرب، مثل التعددية والحوار والانفتاح. فقامت حتى بمحاولة الغاء الصراع الاجتماعي، وتالياً الصراعات الفكرية والثقافية بالقوة. ووُحّدت الأمة حول الزعيم الذي مثل مصالح الأمة.

لقد عرقلت الدولة الوطنية القومية مسيرة تطور الفكر الاسلامي الليبرالي في السياق الحضاري الحديث والمعاصر، فوأدت تلك التجربة وحولتها عكسها، حولتها اصولية نصية. وهو ما فعلته مع الليبرالية العلمانية، اذ حولتها مسوغات "عقلانية وعلمانية" او اصولية علمانية لإفتراس حريات الافراد وتعددية المجتمع.

فعوض ان تتغلغل الليبرالية في التركيبات الاجتماعية والبنى الاقتصادية والمؤسسات السياسية، تحولت ايديولوجيا ما زالت توظف مع سلطوية سياسية لتصفية القوى الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تقف في وجه النخب الحاكمة او تعارضها. إن علمانية الدولة القومية السلطوية، او الاصولية العلمانية، هي من اهم العوامل التي أدت الى صعود الاسلام السياسي.

لا شك في ان هزيمة 1967 شكلت، على المستوى الفكري، فشلاً ذريعاً للتيارات الليبرالية والاشتراكية ومشاريع العقلنة والعلمنة والتحديث، وكذلك مشروع الدولة القومية والقطرية وايديولوجياتها القومية والعلمانية والاشتراكية، خصوصاً المشروع الناصري.

هذه الهزيمة اصابت المثقف النهضوي التنويري بأزمة حادة، وجدانية ومعرفية وسياسية، أدت الى لفظه مجتمعياً ومؤسسياً. ومن علامات هذا اللفظ صعود التيارات الاسلامية الاصولية، ولعب المفكر الايديولوجي الاصولي دور المثقف العضوي الجديد. فبعد وفاة الرئيس عبد الناصر، تمت تصفية الفكر القومي العربي بمظهره الناصري كإحدى ركائز الفكر العربي. ومع هذا تمت تصفية احتمالات قيام الدولة القومية العربية. ومع قيام الساداتية تمت تصفية المثقف القومي العربي واستبداله بالمثقف الاسلامي الاصولي.

كانت هذه العملية الوحدوية القومية تمر في خضم عملية الصراع العنيف والجذري، في كل المجالات الثقافية والعقلية والفكرية والاقتصادية والسياسية والحربية، ضد الهيمنة الامبريالية الغربية. ويمثل فكر أنور عبد الملك نموذج المفكر القومي الذي يُخضع جميع أوجه الحياة، الفكرية والثقافية، لمتطلبات الوحدة القومية. فالدين يتحول عنده درعاً واقياً من الحملات الاستعمارية، من الصليبية الى الامبريالية، فالصهيونية. فالفكر الوطني الاشتراكي لا يجعل اي شيء يعلو فوق صوت المعركة، مما سمح بالهيمنة السياسية للنخب الحاكمة وبالتضحية بالفكر المنفتح، الديني والعلماني، باسم الفكر الوحدوي. وبالتضحية بالعقلانية باسم نظرة شاملة الى تاريخ المجتمعات البشرية. فالمثقف القومي لم يلغِ النهضة من طريق التثقيف او نشر العقلانية، بل حولها مشروعاً سياسياً مؤدلجاً يسحق العلم ويتبنى التعسف. فالتنمية والاعمار والعقلانية والابداع اصبحت حكراً على القائد الجامع للجماهير حول الدولة.

ومنذ البدء اصبحت العلمانية العربية متحالفة مع الطبقات العليا والغرب المستعمر بينما إنطوت الاكثرية الشعبية على ذاتها لتحمي نفسها من الخطر الجديد. وكان التمسك بالقيم التقليدية يعني، عند بعض المفكرين، "إحياء روح التعاون الداخلي والذاتي ضد خطر تفكيك الوحدة الشعبية الذي يمثله دخول أنماط الحياة العصرية قبل دخول وسائل الانتاج العصرية، والتضامن ضد خطر تحطيم التوازن القومي الذي يمثله ضغط الغرب والقوى الاجنبية". وهذا ما رسم آفاق نمو الثقافة العربية الحديثة وحدد الوظيفة التي سيؤديها المثقفون. فبقدر ما تم دخولها من فوق ستحاول هذه الفئة الا تنقل الا القيم والمعايير التي تؤكد سيطرتها. وهكذا، تبدو "الفئة المثقفة العصرية العربية اليوم بمحدوديتها ونزعتها الفوقية كهيئة كهنوتية تملك وحدها الاسرار المقدسة لعلم الاولين وتحتكر القدرة على فهم اللعبة الدولية والتوسط بين الشعب الجاهل والغرب المتحضر، وبين السماء والارض".

لذلك، تحول فكر هذه النخبة فكراً استبعادياً، استبعد الاكثرية المطلقة من الشعب. وكل هذا افضى الى تقسيم المجتمع الى فئة نخبوية عصرية تحتكر السلطة والثروة والثقافة والى غالبية تقليدية محرومة من كل هذا. وهكذا، يخلص الدكتور برهان غليون الى ان عودة التيار الديني أقوى مما كان عليه لا تُنسب الى عقلانية الدين او لاعقلانيته، او الى ارتباطه بالخرافي او اللامنطقي، انما هي "الوظيفة الاجتماعية التي تلعبها هذه الثقافة او تلك هي التي تظهر عقلانيتها، اي ايضاً المستوى الذي تبرز فيه فاعليتها".

اذاً المشكلة المنطقية التي ميزت المرحلة السابقة من التفكير العربي تعكس الى حد كبير رغبة المثقفين في الاحتفاظ بدورهم الاول وسيطرتهم واندماجهم في الطبقات العليا، لان الثقافة السياسية التي تنجم عنها هي سياسة بناء العقل الخاص بنخبة متميزة، لا سياسة بناء قنوات التواصل والحوار والوحدة القومية للجماعة. لذا، بدا المثقف في قطيعة مع الايديولوجيات الشعبية والثقافية التقليدية الدينية، لكنه دخل السلطة من المواقع التقليدية باسم مشروع تغيير في الدولة والمجتمع.

وبهذا تحول المثقف خادماً للسلطة عند قبولها به، او عاد لخدمة عصبياته التقليدية. لقد أنتج فكر عصر النهضة وعياً زائفاً لم يتمكن من تجاوز ردود الفعل الوطنية المتعلقة بمسائل الهوية والكينونة. اما حرب الخليج الثانية، فقد أنزلت اشد الهزائم الوجدانية والاجتماعية والسياسية بالفكر القومي العلماني ودولته.

لقد ألغت الدولة القومية الحريات وتعددية المجتمع، فتحول الحاكم إلهاً ارضياً يتحكم بإطلاق بالمجتمع وأفراده والدولة ومؤسساتها دون شرعية شعبية، بل عبر شرعية نهضوية لكنها سلطوية. لقد تمكن الحاكم من تطويع المثقف والشيخ في آن واحد، واقام شرعيته على نهضوية علمانية مبرّرة اسلامياً في صورة توليفية أفقدت النهضة معناها الحقيقي. لقد استبدل الحاكم حاكمية النص بحاكمية المسدس المسلحة بالنص الديني المؤسسي.

وانتج معارضة لحاكمية المسدس باسم حاكمية النص المسلحة بالمسدس. فقد سحق الحاكم المثقف النهضوي باسم النهضة، والمثقف السلفي باسم الدين، والمثقف العلماني باسم العلمانية، فألغى الثقافة الا ثقافة الفرد الحاكم، وأخضع المجتمع لرؤيته المجتزأة لكل من الدين والدولة.

 

استاذ في الجامعة الاميركية في بيروت



#أحمد_الموصللي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
- زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص ...
- إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد ...
- تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
- لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
- الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
- لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال ...
- سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
- مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م ...
- فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أحمد الموصللي - مسؤولية الدولة القومية عن صعود الثقافة الأصولية