قاسم السكوري
الحوار المتمدن-العدد: 2767 - 2009 / 9 / 12 - 21:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان ظاهرة التدين ظاهرة بشرية بلامنازع,ولايمكن من الناحية التاريخية تحديد تاريخ تقريبي لبدأ تدين الإنسان.وحتى النظريات المتداولة حول الدوافع التي حملت الإنسان في العصور الغابرة على اتخاد آلهة للعبادة,و حول أشكال التدين البدائي,و رغم جدية هده النظريات,الا أنها وفي الكثير من التفاصيل تبقى مجرد فرضيات, بالنظر الى التمايز الدي يطبع الضاهرة كما لوحظ لدى مختلف الجماعات البشرية.لكنها بالمقابل تبرز المجهودالمبدول لفهم واحدة من أكبر الضواهر غرابة في الوجود الإنساني فوق كوكب الأرض.لقد أصبح مؤكدا أن جل الجماعات البشرية عرفت أنماطا من التدين و اتخدت لها آلهة ومارست طقوسا تعبدية.علاوة على دلك لوحظ لديهاارتباط وثيق بهده المعتقدات.يتعلق الأمر بكل الجماعات التي استوطنت العالم المعروف تاريخيا بمراكزه الحضارية الكبرى( البحر المتوسط,الشرق الأوسط,الهند,الصين...),التي أنتجت و أبدعت ثقافات مميزة ونسجت أنماط عيش متطورة بفضل الإكتشافات و الإختراعات الخلاقة,أو تلك الجماعات الكبرى نسبيا التي اكتشف الأربيون وجودها على قارات عملاقة كأمريكا و أستراليا وحتى تلك الجماعات الصغيرة المعزولة والمشتة في الجزر والأرخبيلات وسط االغابات و في قرون الجبال,.بل ان هده المعتقدات شكلت الخلفية الكبرى لنظمها الإقتصادية و السياسية ولسلوكها الإجتماعي العام.في السياق نفسه يلاحظ أن الضاهرة الدينية اتسمت عموما بالتعصب ,خاصة لدى الجماعات الكبرى ,وان المعتقدات كانت محورا لصراعت دموية ضارية سواء لدى جماعات وفرق الدين الواحد أوبين الديانات المستقلة.كل دين يستعدي الديانات الأخرى و يحط من قيمتها ويسعى لإخضاع أتباعها سواء باللين أو بالقوة,رغم أن القوة هي التي حسمت جل الصراعات و كانت وراء تحول الناس قسرا من دين لأخر قبل أن يتشرب المتحولون الدين الجديد ويبدؤون بالتعصب له و اعلائه فوق كل الأديان بما فيها دين الأجداد.و جدير بالملاحظة أن الإنسان قديما عاش في وحدات بشرية صغيرة لحاجته الى كيان اجتماعي لأنه بطبعه لا يحس بوجوده وبأهمية هدا الوجود الا داخل الجماعة , رغم الصراعات التي تخترقها.لقد كان طموح الإنسان الدائم هو التوسع لوضع موارد العيش الطبيعية تحت سيطرته وفي كل محاولة كان يصطدم بمقاومة الجماعات الأخرى سواء تلك التي تضاهيه عدة وعددا أو تلك التي تفوقه وتستقوي عليه ومن تم تجبره على الهزيمة و التراجع.هكدا وعبر تجربتة الخصبة وميولاته الطبيعية اكتشف الإنسان حاجته الى قوة يستمدها من داته,فلم يكن من الصعب عليه ادراك أهمية القوة العددية كما أنه لم يخطئ بدكائه البدائي حاجته الى الوسائل التي تؤمن هده القوة.هاتين الملاحظتين لم تتفتقا داخل دهن انسان عبقري فرد في مكان ما من العالم,بل هما نتيجة منطقية لألاف التجارب والمواقف التي عاشتها جميع الأعشاش البشرية الهائمة على وجهها بحثا عن مصادر الحياة الضامنة للبقاء في شروط لم تكن سهلة بتاتا.انه لمن المؤكد أن سلوك الإنسان الأول اتسم عموما بالعنف والهمجية,فكلما كانت التجربة العقلية ضعيفة,كلما كانت ردود الفعل الأولى للبشر اتجاه المواقف العدائية او الملتبسة هو العنف.هده الملاحظة يمكن رصدها في السلوك اليومي للبشر حتى في عصرنا الحالي.انه الميل نحو العدوانية التي حكمت على الإنسان قديما-و حتى الآن-بأن يغرق في صدامات دموية دائمة تخلف قتلى و معطوبين وعلاقات اجتماعية غير متكافئة تؤسس لاستأساد الأقوياء على الضعفاء وتكرس البطش والإضطهاد وسط الجماعة.هده العناصر مجتمعة أدت بلا شك الى شيوع مرض الإنقسامية وسط الجماعات البشرية الصغيرة أصلا.هدا الأمر كان يعاكس الميل الطبيعي للبشرنحو اكتساب القوة والمناعة المستمدة من كثرة الجماعة وكان أيضا يقلص حظوظه في البقاء على الأرض.انها المعادلة المستحيلة التي يبدو أنها أشعلت الأسئلة الحارقة في دهن الإنسان.و بصرف النظر عن المدة الزمنية التي استغرقها الإنسان للإجابة عن هكدا أسئلة و عن العوامل المتداخلة التي تكون قد حفزت أو عطلت هده الإجابة, فانه من الصعب علينا انكار الدور الدي تكون المعتقدات الدينية قد لعبته لفائدة هده السيرورة.لقد كان العقل البشري يراكم الإجابة ,و شيئا فشيئا كانت بعض عناصر هده الإجابة توضع تلقائيا قيد الممارسة, لتقيم الدليل على الحاجة الى اجابة كاملة.هكدا أدرك الإنسان أخيرا الحاجة الى عنصر خلاق يسكن الضمير الجمعي للجماعة و يهدب سلوك أفرادها فجاء الإيمان بالقوى الطبيعية و الفوق طبيعية باعتبارها قوى جبارة تفوق قوة البشر وتتحكم في مصائرهم.انه مزيج من الأحاسيس المتضاربة:الإطمأنان و الخوف في نفس الآن.و مند دالك الوقت اصبح لزاما على الجميع أداء واجب الخضوع و الإدعان للمعبود,كما أن على الجميع أداء مرا سيم وطقوس تعبدية للتعبير عن دالك الخضوع.مند الأن لم يعد الفرد فرد بل عنصر داخل جماعة لها معتقد يوحدها ويميزها عن باقي الجماعات.هكدا وضعت الحدود ورسمت دوائر النفود.الجماعة اصبح لها قانون أساسي تبني عليه تماسكها مما يعني في التطبيق منع العصيان.و كل مغامر سيلقى به خارجا بلا رحمة,اما تنهشه الوحوش أو يقع في الأسر و يتحول الى عبد يشقى لينعم الأخرون.ليس من السهل على الإنسان أن ينتج فكرة عظيمة كهاته, لكن الأفكار العبقرية عندما تصبح جاهزة تأسر عقول الناس بسهولة و تمارس عليهم أقصى درجات الإستيلاب.و مند دالك الحين لا يعود من السهل نزعها من حياتهم.لقد حارب الإنسان طويلا ليصنع الآلهة,لكنه ما ان اطمأن لوجودها بقربه و في عالمه المحسوس و المتخيل حتى انطلق في حروب غير متناهية للدفاع عنها بغية الحفاظ على المنافع السخية التي يجلبها وجودها وسطوتها على عقول أفراد الجماعة.هدا ومند آلاف السنين وحتى الآن ,لازال المؤمنون بمختلف الديانات,ينتابهم التعصب لمعتقداتهم و يرمون بعضهم بالكفر و الزندقة.و ادا كان لتطور الدكاء البشري بالغ الأثار الإيجابيةعلى جميع مناحي الحياة مما قوى حظوظه في البقاء فان الإنسان لا زال في عمر الطفل بالنسبة لتجربته الدينية مما يهدد بتقويض منجزاته فوق كوكب الأرض.لقد تحسنت ظروف حياة الناس الى أبعد مما يمكن ان يجول بخاطر اي انسان حتى في العصور الحديثة لكن التجربة الدينية للإنسان لازالت عند نقطة الصفر:الحاضر يشبه الماضي السحيق ويتفوق عليه في الإنحطاط الناجم عن الهوس الديني.في الماضي كان الناس يقدمون أعز ما يملكون كقربان للآلهة و كان الطغاة يسوقون بني جلدتهم الى المدابح في طقوس مأساوية,اما اليوم فان المؤمنون المتعصبون لا يكتفون باهراق دماء الأبرياء ,بل ينتشون أكثر بتقديم أرواحهم فداء للآلهة.لازال الدم يلحق بالدم في مسرحية أبطالها حائرون و مرعوبون من شيئ مجهول.
#قاسم_السكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟