|
ماذا تبقى من البعث؟سؤال عراقي
احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 842 - 2004 / 5 / 23 - 06:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يدرك العراقيون بما لا يدع مجالا للشك ان نظام صدام حسين كان من صنيعة الغرب منذ ان تسلم انقلابيو 1968 أسلحتهم من الأبواب الخلفية للسفارة الأمريكية ، وان دولة البعثيين في العراق حاولت تغييب اوجه هذه العلاقة الخطيرة تحت دعاوى التوجهات الراديكالية لأيدلوجيتهم الملفقة . وانه بحكم التنافس المعلن للقوى الوطنية في تلك الفترة والتي غلبت عليها الطروحات التقدمية ، اظهر البعثيون تمسكهم بالقضايا القومية لخلق قاعدة جماهيرية تؤسس نوعا من التوازن عبر طرح العديد من الشعارات الحماسية التي استنسخت هموم الغير ومشاريعهم لتجهز عليهم فيما بعد قتلا وتشريدا في حملة موسعة لم يسلم من وحشيتها حتى البعثيين أنفسهم وذلك بموازاة تصفية منظمة لمختلف التيارات والأحزاب والشخصيات الشيوعية والوطنية والقومية والدينية ، ناهيك عن التنكيل المتواصل برموز وقوى القضية الكردية . هكذا تزعمت المؤسسة البوليسية لحزب البعث مقاليد الدولة العراقية ، ومن عقيدة العنف الدموي أقامت جهازها الأمني المهووس بفنون القتل والتعذيب لتستقطب إلى خلاياه القمعية البشعة أسوء النماذج واشدها انحطاطا وأبعدها عن الإنسانية سلوكا وتفكيرا . وكانت المفارقة ان السلطة الصدامية عمدت في خضم تهشيم طاقاتها الوطنية إلى إقامة توازيات سياسية وإعلامية مدروسة تروج لمنظومتها القومية الزائفة وتصدرها إلى الخارج بدهاء يستغل المسافات القائمة بين محاور القوى الإقليمية وعلاقاتها المتفاوتة بالصراعات العربية المصيرية ليتسنى لها حينئذ اللعِبَ على قضايا حساسة في الراهن العربي المجروح أبدا بضياع فلسطين ، قضية العرب المركزية . وعراقيا دائما بات مشروع البعث لعقود طويلة ملخصا في تنفيذ سياسة التخريب المنظم لكل مظاهر الحياة العراقية الأصيلة وباستخدام وسائل عدة ، منها : تحطيم ركائز المجتمع المدني ورموزه الوطنية ، تخريب الثقافة العراقية وتهميش افقها التنويري ، إلغاء الكيانات المعارضة في الداخل والخارج ، تجهيل النظم التعليمية وتشويهها بمفاهيم شوفينية وطائفية ، تعطيل عمل الدستور والقانون والركون إلى سياقات طارئة تخدم النظام وتعزز سلطته في سياسة الإحكام العرفية ، تأجيل كافة المشاريع الاقتصادية التنموية وتشويه مساراتها وتجيير خبراتها الفنية لصالح أغراض وطموحات شخصية وبتصور اعم تسييس عجلة الصناعة العراقية لمصلحة ترسانة التسلح العسكري وأهدافها العدوانية ، عسكرة البلد شكلا ومضمونا ، إلغاء حرية التعبير والتفكير خارج إطار السلطة والترهيب المستمر للناس عبر التلويح بلائحة التهم الجاهزة ( خيانة الوطن والعمالة للأجنبي ) . فيما كان الفعل الأخطر أثرا على جميع ميادين الحياة والمسؤول المباشر عن شللها ، متمثلا في إشغال الناس بحروب عبثية ملحقة بهزائم مريرة وانتكاسات اقتصادية شتى لاحاجة لذكرها فهي ما زالت ماثلة في الأذهان . هكذا جرى الواقع العراقي لسنوات مديدة ارتسمت خلالها الصورة الحقيقية لنظام البعث الفاشي عبر إبداعات وممارسات سادية تستعصي على الحصر ، لتصبح الحياة العراقية كالسير في حقل الغام ، ضرب من السعي المجهول في شرك سلطوي مهووس بالدم، وفي ميزان التجارب التاريخية المنحرفة كانت هذه هي ( دولة الحزب الواحد ، واقعا ومفهوما ) . أما الواقع الأشد ظلامية فقد كان في مواصلة السلطة الصدامية ممارساتها تلك علنا وعلى مرأى من بعض الجمع العربي والدولي ، والادهى ان هناك من اسبغ على إجرامها ارفع الألقاب وانبل المهام وكأن لا عصر للامة اجمعها إلا عصر صدام ! وليس خافيا أيضا ان في بقاع العالم المترامي ثمة دول ومنظمات دولية ومؤسسات أممية غضت الطرف عن مصائب النظام وبيدها كانت الحجة والدليل كما لا تعوزها الشرعية للتنديد بالمصائب العراقية حبا بالإنسانية والإنسان . ربما يعاد التساؤل العراقي ذاته مرارا وتكرارا كلما شُوهد العالم يحتفل صاخبا مبتهجا بذكرى زوال الأنظمة النازية والفاشية ومن لف لفهما من الدكتاتوريات والتوليتاريات ، ليصبح السؤال اكبر من عقدة القهر نفسها : هل تعد الدماء العراقية المهدورة بكل المناسبات وبعدمها رخيصة وبخسة في عرف المجتمع الدولي المفتون بترديد مقولة الإنسان وحريته من كل محفل سياسي ؟ ألهذه الأسباب المحزنة بدا الإنسان العراقي لفترة طويلة يائسا من صلاح الأحوال العربية والدولية طالما بقي كابوسه المحلي – بامتياز – مسلطا على الرقاب وهو نفسه الذي تسبب للعالم كله بأخطر الأزمات والكوارث في العقدين الأخيرين على الأقل ؟ خراب بعثي متسع يلف كل الميادين بلا استثناء ، وحطام بعثي آخر يملئ مزابل المدن صورا وتماثيل ، وكلها تدعونا للتساؤل في لحظة الخلاص العراقي هذا : ما الذي تبقى من البعث ؟ وأصحح السؤال العراقي بالقول : ما الذي أنجزه البعث ليبقى ؟
[email protected]
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن السؤال الثقافي والقراءة الواهمة إشارات في المتغيَّر العرا
...
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|