|
عن الشيوعية واليسار، مع بعض التطبيقات...
محسن صابط الجيلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 842 - 2004 / 5 / 23 - 06:40
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
أين تعيش الماركسية – اللينينة في مفهومها الأبرز – الاقتصادي، في تحليلها للعمليات الهيكلية في جوهر الرأسمالية، فالشيوعية هي عشية الرأسمالية المتطورة، تلك المقولة التي تنظر للرأسمالية وفق الحدود التاريخية التي عاش بها ماركس- أنجلس، توقعاتهم كان تحلل مستقبل القادم وفق آليات اللحظة التاريخية في صورة الصراع القائم، لهذا وجد لينين نفسه أمام معضلة حل هذه الإشكالية، متوصلا إلى حل يتناسب مع عقلية ثائر مما أفقد تحليله العمق النظري المطلوب، متصورا أن فكرة حرق المراحل ستسهل للبشرية الوصول إلى الشيوعية، هو اختصار لدرب الآلام الطويل - نحن استنسخنا شيء من هذا بما يسمى نظرية التطور اللاراسمالي-، الشيء المختصر في هذه التحليلات أنها بقت تستند إلى أساس نظري قوي وعلى هيبة مفكر بثقل ماركس لكنها قراءة تجنت على فكره بالدرجة الأولى، ولم تستطع الأنظمة التي ورثت أفكار ماركس في التحليل والبناء من توفير مناخ مناسب للفكر لتطوير ميكاينزم أفكاره وفق التغيرات البنيوية في جوهر الرأسمالية...لقد جرت قراءة ماركس وأنجلس بطريقة عدمية، سلطوية إن صح التعبير – فرضت على أراء الرجلين ما يؤمن إيهام الناس بانتصار السلطة والنظام وبالتالي تم إلغاء الأهم هو التحليل الدقيق بمنهجية ديناميكية تستجيب للجديد في الحياة...وكما قال احدهم حول السوفيت هذه النظرية العميقة إلى منظومة سياسية أرثوذكسية بليدة. لإنصاف لينين فقد طور تكتيكات هائلة في قيادة ثورة فريدة في التاريخ كانت تحتاج إلى شعاراتية بحدود معينة لإلهام ملايين من جياع روسيا القيصرية...لقد خدم لينين هندسة الثورات في العالم لكن معه جاء أيضا قهر الفكر الماركسي وتطويعه بما يخدم مستلزمات الحفاظ على الثورة وليس بمنطق يستشف المستقبل البعيد للبشرية...لهذا تكلست في زوايا هذا الفكر وبالتقادم أخطاء في محتوى النظرية وفي جوهر فهمها للعالم...لهذا لم يمضي زمن طويل من عمر البشرية حتى تكشفت كم من الخطايا ارتكبت على صعيد ما يسمى الفكر الماركسي – اللينيني من قهر شعوب لم تجد من وسيلة إلا الثورة ثانية لإسقاط ثوريي البارحة؟؟؟ المفارقة العجيبة هو أن الرأسمالية طورت نفسها، طورت آلياتها، في حين بقت الماركسية في نفس الإطار العقيم من التحليل، النتيجة الحتمية لذلك هو تكلس هذا الفكر وابتعاده تدريجيا عن المتجدد في الحياة وبشكل خاص الشق الاقتصادي فيما يتعلق بميكانزم اقتصاد السوق، فائض القيمة، والدور التاريخي للطبقة العاملة، ومحتوىا لثورة الهائلة في المعارف التكنولوجية، الأخيرة أعطت تراكم هائل للثورة مما أعطى هامش كبير من الأرباح الذي وجدت الرأسمالية فيه قدرة على تكييف نفسها لمنطق أكثر عدلا إن صح التعبير، عبر منظومة متكاملة من التأمينات الاجتماعية التي تحقق ما يسمى مجتمع السلم الطبقي، فالرأسمالية بوسائل إنتاجها الحديثة لا يمكن أن تحيا بدون أمن ومجتمع متماسك يحل صراعاته وفق تناسب ديمقراطي وفق تنازلات جوهرية مشتركة.. هنا تبدلت كليا المعادلات التقليدية لمواقف الطبقات الاجتماعية كما كان سائدا في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين... السؤال القائم اليوم أو التحدي الكبير هو في ضرورة اعتبار ماركس نظري كلاسيكي، وظلم كبير لهذا المفكر الفذ تأطيره بما يسمى نظرية، فرغم الدفاع أحيانا للمتطفلين على أفكار ماركس من القول ان نظريته مرشد ودليل عمل، ولكن بحد ذاته هذا التأويل يجعل من أمكانية قطع بروز نظري جديد قد يكون بنفس ثبات وقدرات ماركس التحليلية ولكن لعصر جديد، العالم بحاجة إلى فكر اقتصادي يتوافق مع منجزات الثورة العلمية التكنيكية وثورة الاتصالات وديمقراطية وسائل الإنتاج، في عصر أصبح كل شيء متاح لمن يريد عند توفر الإرادة، لقد تطورت اليابان واندنوسيا وماليزيا لأنها امتلكت الإرادة والعقل الاقتصادي- المعرفي في حين بقى الآخر وبشكل خاص العرب يشكون تخلفهم بحجة إن الإمبريالية منعت عليهم التكنلوجيا الحديثة...تلك هي كذبات بعض من الثوريين الصغار من قوميين وشيوعيين الذين أنزلوا الأفكار من طرق مرشدة إلى ما يشبهه الدين الغير قابل للتجدد أو النقد، وبذلك ماتت نظرياتهم ومعهم شعوبهم، حيث تحول وبقدرة عجيبة نفر من الناس إلى رقاب مسلطة على الملايين بتأطير نظري – لاهوتي ومعه إرهاب عجيب لإذلال الشعوب...
لقد جاءت الرأسمالية كنمط اقتصاري- إنتاجي بثروات هائلة وبوسائل إنتاج متطورة عملاقة وهذا احتاج إلى مجتمع متناسق يستجيب لمتطلبات والآفاق المتسارعة في بنية الرأسمالية نفسها لقد تطورت آليات اقتصاد السوق، ونظام الضرائب، والأسهم، وبالتالي اتسعت إلى حد بعيد ملكية الناس للشركات العملاقة...كل ذلك جعل من الدور الثوري للطبقة العاملة يتغير – من نقيض للرأسمالية إلى مشارك في العمليات الاجتماعية وفي الملكية ( من ضرائب واسهم ونظام بنكي جديد)، النقابات أخذت تلعب دورا مهما، وبالتالي أصبحت من القضايا الأساسية للنضال اليومي للعمال هو مزيد من الديمقراطية، نظام عادل للأجور، تدخل اكبر لممثلي العمال في الحياة الإنتاجية وفي التمثيل الإداري، تطوير مستوى الضمانات، وتعزيز حماية البيئة... خلاصة القول ان الماركسية قد شاخت وتكلست وأصبحت من التاريخ، ما يشرف ماركس هو وقوفه ضد همجية الرأسمالية الوليدة الخارجة من رحم نظام أكثر همجية الإقطاعية – إما اليوم فقد تغير العالم، وأصبحت الشعوب بعد معارك نضالية طويلة أكثر قربا لبناء عالم فيه شيء من التناسق المطلوب، عبر الانتقائية في الفكر الإنساني وفي مشاركة الناس الجماعية في بناء المستقبل... تلك هي الحقائق التي أفرزتها تجربة انهيار الشيوعية فيما يسمى المنظومة الاشتراكية، حيث ولت والى الأبد فكرة قهر الإنسان بدوغما الايدولوجيا... إن الشيوعية تحاول اللعب على المفردات عبر وصاية على الوعي كما أراد كاو تسكي، وقد جرت محاولة تطبيق ذلك ببراعة عبر مجاميع من ثوريين محترفين يطلقون على حزبهم الطليعة، التي تشكل دكتاتوريا البرولتاريا الحربة التي تصادر كل شيء باتجاه الحزب والدولة، لكي تتحول الأخيرة إلى رأسمالية تمتص كل جهود الشعب بلا رحمة...الوحيد الذي وقف ضد ذلك هو بليخانوف عندما أعلن أن دكتاتورية البروليتاريا ستتحول إلى دكتاتورية على البروليتاريا، لهذا لم يعد بليخانوف شيوعيا بالمعنى الذي عرفناه... لقد اشتركت كل الأنظمة الأيدلوجية ( شيوعي أو قومي، أو القائمة على الفكر الديني) في جوهر واحد هو محاولة قهر الحياة بأفكار موجودة على الورق وبخيال بعض الحالمين بعالم أفضل...لكن إيجاد مساطر وقوالب جامدة تحدد القوانين الاجتماعية اثبت التاريخ أنها تتحول مع الزمن إلى أدوات لقهر الإنسان وإخراج المجتمع من الديناميكية المطلوبة لكي يتطور ويزدهر...
يتبع
#محسن_صابط_الجيلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص قصيرة جداً
-
إشكالية العلاقة بين السلطة والمثقف
-
النار فوق قمة جبل
-
موقع الشباب الغائب في قانون إدارة الدولة العراقية يعني غياب
...
-
شاعر وقصيدة
-
يعد الصمت ممكناً…!
-
دورة استحالة القائد كيف تصبح قياديا في حزب عراقي بسبعة ….بدو
...
-
قلق
-
في يوم الشهيد الشيوعي …وجهة نظر أخرى للحفاظ على الحياة
-
مدخل إلى عالم المترجم والقاص الدكتور علي عبد الأمير صالح
-
خيون حسون الدراجي – أبو سلام
-
شاعر وقصيدة - حميد حسن جعفر …. والكلام
-
ملف عن الشهيد ، ملف عن الإبداع المقاوم…
-
حول قرارمجلس الحكم 137 الرجعي
-
إلى رجل الايروتيكا السياسية سعدي يوسف
-
خيول
-
نصوص عراقية / العدد الثاني
-
من اجل(طبقة) سياسية جديدة في العراق
-
خيول
-
حوار هادئ مع شاعر النشيد الطويل… برهان شاوي
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|