|
- المُعارضة العراقية - في سوريا ، أمس واليوم
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2766 - 2009 / 9 / 11 - 00:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من مفارقات الوضع السياسي العراقي ، الإنقسام الواضح بين مؤيدي أيران من ناحية ومؤيدي سوريا من ناحيةٍ اًخرى . في الوقت الذي هنالك علاقات ممتازة بين ايران وسوريا ، بل انهما يُشكلان الى حد ما محوراً اقليمياً . فعدا عن عدائهما [ المُفْتَرض ] للولايات المتحدة الامريكية ، فلقد كانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي وقفتْ الى جانب ايران خلال الحرب العراقية – الايرانية 1980 / 1988 . - سوريا لها حدود مع خمسة دول ، ثلاث منها عربية وهي العراق ولبنان والاردن ، وتركيا واسرائيل . وإذا كان مفهوماً ان تكون علاقات سوريا وإسرائيل عدائية ، بإعتبار ان اسرائيل تحتل جزءاً مهماً واستراتيجيا من الاراضي السورية منذ اكثر من اربعين سنة ، وإذا كان مَنطِقياً ان تشهد العلاقات السورية التركية ، توترات بين الحين والاخر بسبب إستقطاع الاسكندرونة من سوريا بعد الحرب العالمية الاولى ، وخصوصاً في التسعينيات بسبب تواجد زعيم حزب العمال الكردستاني " عبدالله اوجلان " على اراضيها ، فإنه من غير المقبول وغير المفهوم ان تكون علاقات سوريا سيئة مع جيرانها الدول العربية الثلاث ، فنادراً ما كانت علاقات سوريا والاردن طبيعية وطيبة ، فمنذ الستينيات كانت سوريا تُسّوِق نفسها بإعتبارها " تقدمية " وتَصِف الاردن ونظامها الملكي بالرجعي والعميل ، وطالما كان لبنان مَلعَباً للمخابرات السورية وساحةً للتدخلات الفظة بكل الشؤون اللبنانية ، لغاية مقتل رفيق الحريري ، وإضطرار سوريا للإنسحاب من لبنان . اما العراق الذي كان يقوده البعث " اليميني " فكان على خلافٍ دائم مع سوريا التي يقودها البعث " اليساري " ! وبعد 2003 ، وبعد زوال حكم صدام وبعثه اليميني ، وإنتفاء الأسباب الظاهرية الموجبة للخلاف ، حيث كان من المفروض ان تتحسن العلاقات الثنائية على كافة الصُعُد ، فإذا بسوريا تصبح المَعْبر الرئيسي لدخول الإرهابيين الى العراق ! - جزءٌ آخر من إشكالية العلاقة العراقية السورية ، هو كون سوريا " الملاذ " الطبيعي منذ اكثر من خمسين سنة لل " المعارضة " العراقية . وعندما اقول المعارضة فلا أعني المعارضة الحالية فقط ، بل انه حتى في العهد الملكي كان السياسيون الذين تضيق بهم السُبُل ، يهربون الى سوريا . وطيلة حكم صدام للعراق ، فأن سوريا إحتضنتْ المعارضة العراقية بكل تلاوينها ، فما عدا بعض الاحزاب الشيعية التي كان مستقرها في ايران ، فان معظم مسؤولي وقادة " المعارضة " العراقية كانوا في سوريا وبرعاية الحكومة السورية طيلة عقود . فجميع الاحزاب الكردية والحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الشيعية والقومية العربية ، لم يكن لها مقرات في دمشق فقط ، بل كذلك في " القامشلي " ايضاً قرب الحدود العراقية . صحيح ان سوريا " إستفادتْ " من تواجد المعارضة العراقية على اراضيها وإستخدمتهم ورقة ضغط على العراق في كثير من المناسبات ، لكن بالمقابل فان المعارضة العراقية لم تكن تملك " خيارات " اخرى افضل من سوريا ! وصلتْ الامور الآن الى درجةٍ بحيث ان الرئيس السوري بشار الاسد ، قال مؤخراً : لم تتعود سوريا تسليم المعارضين المقيمين على اراضيها الى حكومات بلدانهم ، ولو انها فعلتْ ذلك ، لِما كان نوري المالكي اليوم رئيساً للوزراء ولا كان جلال الطالباني رئيساً للجمهورية ، فكلاهما كانا " مُعارِضَين " وكثيراً ما طالبت حكومة صدام بتسليمهما ولكن سوريا رفضَتْ !. ناهيك عن ان اكثر من مليون ومئتي الف عراقي من الهاربين بسبب الوضع الامني المتردي ، يقيمون الان في سوريا ، ليس بشروط مريحة ، ولكن بشروطٍ أفضل كثيراً من تلك التي في الاردن او مصر او الخليج . - ان طول الحدود العراقية / الايرانية المُشتركة من الشمال الى اقصى الجنوب ، لم يكن دوماً علامةً على حُسُن الجِوار ، فعدا عن فترة " حلف بغداد " التي كان العراق وايران جزءاً منه ، فأن العهد الجمهوري شهدَ توترات وتصعيداً منذ عهد عبد الكريم قاسم ، مروراً بمنتصف السبعينيات ، حين " تنازل " صدام عن نصف شط العرب الى ايران في إتفاقية الجزائر المُهينة ، وصولاً الى احدى اطول واشرس الحروب في العصر الحديث بين العراق وايران والتي كان الخاسر الاكبر فيها هو الشعبين العراقي والايراني . عموماً فأن ايران إحتضنتْ منذ السبعينيات " المعارضة " العراقية ، وخصوصاً من الشيعة والاكراد " ومن الناحية العملية ، لم تكن هنالك معارضة فعلية مُنَظمة خارج هذين المُكونين ما عدا الحزب الشيوعي العراقي " ، إستفادتْ ايران كثيراً من " المعارضة " العراقية خلال حرب الثماني سنوات ، ولم يكن من النادر ان تشارك الفصائل المعارضة العراقية المسلحة المدعومة من ايران ، في الجهد العسكري ضد الجيش العراقي ، وخصوصاً " فيلق بدر " وبعض الفصائل الكردية . عدا عن إستثمار ايران ، للمعارضة العراقية ، في المحافل الدولية في فضح نظام صدام وجرائمهِ بحق الشعب العراقي . - حتى في السنوات الاخيرة من حُكم صدام ، وحين خرج من العراق العديد من الشخصيات العربية السنية ، التي إلتحقتْ بالمعارضة ولو متأخراً ، فإنها لم تلجأ الى ايران . نستطيع القول ، انه ماعدا البيشمركة الكرد ، فأن مُجمل المعارضة العراقية المتواجدة على الاراضي الايرانية ، كانوا من الشيعة تحديداً . لعل هذا يُفّسر جزئياً العلاقة المتينة بين القادة الكرد والقادة الشيعة وخصوصاً المجلس الاعلى الاسلامي . - العراق بالمُقابل لم يقف مكتوف الايدي ، فلقد إستقطب قدر الإمكان المعارضتين الايرانية والسورية ، وحاول من خلال دعمه لهما ، رد الصاع للدولتين . ربما نجحَ قليلاً ضد ايران بواسطة " مُجاهدي خلق " والحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني ، لكنه لم يُنجز الكثير ضد سوريا ، لضعف المعارضة السورية اساساً . - على كل حال ، ان إنخراط الدول المتجاورة في إحتضان " معارضة " كل منهما ، ليست بُدعة سورية او ايرانية او عراقية ، فالكثير من بلدان العالم فعلت ذلك منذ القِدم وما زالت تفعل ، لأنه ببساطة ، جزءٌ من لُعبة الصراع والتنافس والضغط المتبادل والتوازنات . واكثر الدول نجاحاً ، هي أبرعها في إستخدام هذه " الاوراق " في الوقت المناسب والمكان المناسب ، لِجَني أكبر المكاسب من خلال الجانب القذر لِلُعبة السياسة ! ودليل على لا أخلاقية هذا النوع من التعامل ، هو " طرد " عبدالله اوجلان من سوريا و تسليمه عملياً ضمن شبكة مخابرات دولية ، الى الحكومة التركية ، لأن تركيا القوية عضو حلف الاطلسي " هّددَتْ " جدياً بمهاجمة سوريا فرَضختْ الاخيرة صاغرةً وطردت اوجلان !. سوريا التي " ضَّحَتْ " بالعديد من القادة الفلسطينيين المقيمين على اراضيها ورفعت الغطاء عنهم وعرضتهم للإغتيالات والتصفية لأن الحاجة اليهم إنتفتْ . أثبتتْ الحكومة السورية ، إنها تفهم لُغةً واحدة بوضوح ومن الجُملة الاولى ، لُغة القوة . فسوريا التي تملأ الدنيا ضجيجاً بشعاراتها القومية العربية والقضية المركزية فلسطين من الناحية النظرية ، فإنها عملياً لم " تفعل " شيئاً في سبيل تحرير الجولان ، بل ان الجولان المُحتلة هي من أهدأ المناطق أمنياً ، والجنود الاسرائيليون الذين يخدمون في الجولان ، يعتبرون انفسهم وكأنهم في إجازة مُريحة حسب الصحافة الاسرائيلية ! من سُخريات القدر ، ان مُغتصبة الاسكندرونة والمُتحكمة بماء الفرات والمُهدِدَة لسوريا عسكرياً في عدة مناسبات ، تقوم اليوم بدورٍ وسيطٍ مُزدوج ، فمن ناحية ، تركيا وبمباركة الغرب ، تقوم بدور العراب بين اسرائيل وسوريا وتُقرب وجهات النظر بينهما لغاية جمعهما في مفاوضات مباشرة في القريب العاجل ، ومن ناحية اُخرى تقوم تركيا التي تقصف بإنتظام المناطق الحدودية داخل العراق ، وتحبس مياه دجلة والفرات بخبثٍ ونياتٍ دنيئة ، وتعقد على أراضيها إجتماعاتٍ مشبوهة للبعثيين وتجمعهم مع الامريكان ، تقوم بوساطة بين العراق وسوريا ! - رغم عشرات النواقص والسلبيات التي تتسم بها " العملية السياسية " في العراق بعد 2003 ، فان من أبرز التغييرات التي حصلتْ ، هي الفُسحة الواسعة المُتاحة لل [ المُعارضة ] ، فالأحزاب والصحف واعضاء مجلس النواب وغيرهم ، ليس فقط ينتقدون الحكومة علناً ، بل إنهم يشتمونها ويكيلون لها السباب يومياً ، ولا أحد يتعرض لهم ولا احد يُلقي القبض عليهم ! بينما في عهد البعث المقبور ، كان مجرد وجود ( شُبهة ) بسيطة لموقفٍ مُعارض ، كفيلٌ بتعريض المرء الى التنكيل او الاعدام بدون محاكمة ! ولم يكن مسموحاً إطلاقاً بأي شكلٍ ولو بسيط من أشكال المعارضة . فكان مفهوماً ان " يهرب " العراقيون حينها من ظلم وجور الاجهزة الامنية . وفِعلاً كان معظم العراقيين المتواجدين في سوريا وغيرها ، يُمكن إعتبارهم " مُعارضة " . أما الاعداد الضخمة من العراقيين في سوريا اليوم ، فان غالبيتهم العظمى ، هم من الهاربين من الوضع الامني المتردي والقتل العشوائي والتهجير الذي مارسته عصابات القاعدة وفلول البعث الفاشي والميليشيات الطائفية ، وليسوا " معارضة " ! فالمجال متوفر وواسع للمعارضة داخل العراق وضمن العملية السياسية . وان يُقارن الرئيس السوري بشار الاسد ، بين " المعارضة السابقة " لنظام صدام ، و " المعارضة الحالية " ، أمرٌ بعيدٌ عن الحكمة والإنصاف !
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأزق الإتحاد الوطني في كركوك
-
وكيل وزير مُرتشي بالصوت والصورة !
-
هل يتحالف المالكي مع الحزب الاسلامي العراقي ؟!
-
فضائية العراقية وتعليق الجثث على أعمدة الكهرباء
-
تقييمٌ أوَلي للإئتلاف الوطني العراقي
-
إئتلاف دولة القانون العشائري
-
الموصل .. هل ثمة أمل ؟
-
أحداثٌ مُخجِلة وثقافة الإستقالة
-
بازار منصب - الرئيس - العراقي
-
شخصيات عراقية مؤثرة (1)
-
حذاري من المؤتمرات المشبوهة !
-
نظرةٌ على اللوحة السياسية في العراق
-
آفاق زيارة المالكي الى اقليم كردستان
-
ألسواح الأمريكان والجُغرافيا الحدودية !
-
الحَمير والإنتخابات الأفغانية !
-
إضاءة على إنتخابات أقليم كردستان العراق
-
إنتخابات اقليم كردستان ، قوائم الأثرياء تحصل على اصواتٍ أكثر
-
الكويت مَدْعُوة للتصرف بحِكمة
-
ضوءٌ على شخصية : رائد فهمي !
-
مَزارُ صدام المُبارَك !
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|