حدث وتعليق .
أصدر 128 مثقف أمريكي رسالة إلى زملائهم الأوربيين ، يناشدونهم فيها التضامن معهم في موقفهم المعارض لحكومتهم ولسياستها المسماة زوراً بـ " الحرب ضد الإرهاب " ودعوتهم لاتخاذ موقف مماثل منها . كان من ضمن الموقعين عليها المؤرخ المعروف هوارد زين ، ورئيس تحرير مجلة " زاد " ميخائيل ألبرت ، ورئيس تحرير مجلة " منـثلي ريفيو " يولي سيوبر ، ورئيس تحرير مجلة " إن زس تايمز " ميلا كيلر ، وعدد من الأكاديميين والباحثين المعروفين في مجالات العلوم الإنسانية .
لقد هزتني بشدة رسالة أبناء أمريكا الخيريين وعززت القناعة بحتمية انتصار البشرية في صراعها القاسي والمرير ضد أقوى وآخر قلاع الشر في عالم اليوم ، يقف أبناء الشعب الأمريكي الواعون والطيبون ، كمحرري الرسالة وأنصارهم في أوربا وفي العالم ، ضمن طلائعها السائرة نحو بناء عالمها الأكثر جمالاً وسعادة في ظل نظام عالمي جديد تسوده قيم المساواة والعدالة وقدسية حقوق الإنسان .
وقد فضلت أن أطرح على القارئ الكريم ، اقتراحاً بالمناسبة بعد انتهاءه من قراءة الرسالة للاستفادة من آثارها عليه لكسب تأييده أو لاستثارة المزيد والأفضل لديه .
لنقرأ نص الرسالة أولاً !
رسالة من المثقفين الأمريكيين إلى أصدقائهم في أوربا .
عقب العمليات الانتحارية في 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاجون - أعلن الرئيس جورج دبليـو بوش حرباً مفتوحة على الإرهاب ، هذه الحرب التي أعلنها بلا حدود واضحة لا على مستوى المكان ولا على مستوى الزمان ولا على مستوى الدمار الذي يمكن أن تلحقه . لم يكن هناك شئ واضح ينبئ عن المعاييـر التي يمكن أن تصنف بها دولة ما - أنها تخبئ إرهابيين - أو أنها جزء مما يسمى " محور الشر " . واستئصال الشر بدا هنا كعملية تتجاوز قدرة العالم على تحمل قوة الدمار التي ستستخدم في سبيل ذلك .
كذلك شرع البنتاجون في استخدام أسلحة وصفت بأنها تنتج آثاراً تتعدى آثار الزلزال . وتمَّ نقاش رسمي وعلانية إمكانية استخدام الأسلحة النووية ضمن أسلحة مثيرة للرعب أخرى .
لا حدود لاستخدام الدمار هنا - ومن ثم فإن الخسارة الحادثة والمتوقعة لا تنحصر فقط في احتمالات إزهاق الأرواح البشرية ، بل في اليأس الأخلاقي والكراهية التي يمكن أن يبثه هذا الدمار في نفوس ملايين البشر الذين سيرون بأعينهم كيف أن أوطانهم تدمر على يد دولة تدعى الولايات المتحدة تدعي احتكار السلطة الأخلاقية بنفس الطريقة المطلقة التي تمتلك بها القوة العسكرية القاهرة .
إننا نحن مثقفو الولايات المتحدة الأمريكية - لدينا مسؤولية خاصة في معارضة هذا الاندفاع الجنوني نحو الحرب ، كذلك أنتم - أيها الأوربيون - لديكم ذات المسؤولية حيث أن معظم دولكم حليفة عسكرية للولايات المتحدة في إطار الناتو .
والولايات المتحدة الأمريكية - كما تدعي - أنها تشن الحرب دفاعاً عن نفسها -
فإنها تدعي أيضاً أنها تدافع عن مصالح حلفائها وأصدقائها - وبالتالي فإن بلدانكم ومستقبلكم يتماشى مع طرح المغامرة العسكرية الأمريكية .
إن الكثيرين في بلادنا وبلادكم يدركون مغبة طريق الحرب الذي تسلكه إدارة بوش ،
ولكن القليل هم الذين يجرئون على الكلام بأمانة ، إنهم يخشون من كل أنواع الانتقام
الممكنة ضد " الأصدقاء " و " الحلفاء " الذين سيحجمون عن دعم هذه الإدارة . إنهم يخشون من أن يتم تصنيفهم بأنهم " معادون للأمريكان " - ذات التهمة التي توجه لمعارضي الحرب في الداخل والتي تطلق عليهم الصحافة الأمريكية الشوفينية سعار نيران حربها .
من هنا - فإن موقفاً واضحاً وصريحاً أوربياً لا يتحرج من انتقاد إدارة بوش - سيدعم بلا شك الصوت المعارض داخل أمريكا .
إن تمجيد القوة هي أقدم مهنة في التاريخ مارسها الشعراء والأدباء .. والولايات المتحدة كقوة عظمى اليوم تحشد حولها الذين يشجعون قادتها السياسيين على المضي دون حدود - والحجة معادة ومعروفة .. إن قيم القوى " الطيـبة " يجب أن تمتـد لتمارس على الضعيف وباستخدام القوة .
إن المغالطة المركزية التي يقوم عليها خطاب هؤلاء " ممجدو القوة " هي بساطة المساواة بين " القيم الأمريكية " حسب ما يفهمها الأمريكيون في الداخل وممارسة الولايات المتحدة للقوة العسكرية والاقتصادية في الخارج . لاشك أن تمجيد الذات هو واحد من الملامح السيئة للثقافة الأمريكية وربما كان له خلفية متعلقة بكونه إدارة ناجعة تساعد على الاستيعاب في دولة المهاجرين ، لكن - ولسوء الحظ - مضت بهذا الميل " تمجيد الذات " إلى آفاق جديدة . لقد وصل الأمر ليغذي ميلاً موجوداً عند مواطني الولايات المتحدة أن العالم كله ثبت نظره - بحسد أو بإعجاب - على الولايات المتحدة ولم يعد يرى أو يفعل شيئاً آخر غير أن يتطلع لها ، وأنه من منظور هذا الحسد أو الإعجاب يراها - كما يراها الأمريكيون أنفسهم - مزدهرة - ديمقراطية - كريمة - مفتوحة الأبواب لكل الأجناس والأديان ، أرضاً للقيم العالمية و آخر أمل للإنسانية على هذه الأرض الأيديولوجية - خرج السؤال
" لماذا يكرهوننا ؟ " . وبالطبع فإن إجابته المتوقعة " لأننا جيدون " أو طبقاً للإجابة الشائعة " بسبب قيمنا الأخلاقية " . الكثير من المواطنين الأمريكيين لا يعرف أن استخدام القوة الأمريكية خارج أمريكا يتم على أسس لا علاقة لها بمنظومة القيم الأمريكية الداخلية - بل وبالعكس فإنه كثيراً ما تستخدم هذه القوة لتحرم شعوباً أخرى في بلدان أخرى من أن يستمتعوا بها " هنا يقصد قيم الحرية أو الديمقراطية الأمريكية " إذا رغبوا في ذلك ، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا استخدمت القوة الأمريكية لتدعم الطغاة المكروهين من شعوبهم وباقي الأنظمة الكلونيالية أو لتفرض أوضاعاً اقتصادية مدمرة أو لتدعم طغمة عسكرية أو لتطيح بحكومات مستقلة نسبياً أو " تحاصرها " أو - في نهاية المطاف - لتغرق أمة في شلالات الموت بالقاذفات والصواريخ .
الدفاع عن النفس .. حق من ؟؟
منذ 11 سبتمبر والولايات المتحدة تشعر أنها تحت الهجوم ومن هذا المنطلق - رفعت الحكومة شعار الدفاع عن النفس بشروطها ضد أي دولة تعتبرها هي " عدوة " بدون دليل أو ذنب أو مسوغ قانوني بهذا الحق لم يعطه أحد يوماً لبلدان مثل فيتنام و لاوس وكمبوديا والسودان و يوغسلافيا عندما هاجمتها الولايات المتحدة ، ولن يعطيه أحد لبلدان أخرى في المستقبل عندما تهاجمها الولايات المتحدة ، هذا حق الأقوى - قانون الغابة - وممارسة هذا الحق - وإنكار الحقوق الأخرى _ لا يقدم " قيماً عالمية " بل يطيح بنظام عالمي قائم على قيم عالمية مرتكزة على مبدأ المساواة .
فالحق الذي تستمتع به أمة واحدة هي الأقوى ليس حقاً بل " امتياز " يمارس على نفس حقوق الآخرين .
كيف تدافع الولايات المتحدة عن نفسها ؟!
تدعي الولايات المتحدة أنها تشن حرباً على أفغانستان للدفاع عن نفسها ، هذه الحرب ليست فعلاً للرد على ما حدث في سبتمبر ، على العكس من ذلك - هذا ما ظلت الولايات المتحدة تفعله وتخطط له طوال الوقت - كما تقول أوراق البنتاجون - قصف الدول الأخرى - إرسال القوات العسكرية إلى أراضي الغير - الإطاحة بالحكومات .. الولايات المتحدة تخطط صراحة لحرب شاملة ، لا تستثني منها احتمالات استخدام الأسلحة النووية . البلد الذي تقصفه على مدى عشر سنوات بهدف إبدال حكومته بحكومة تختارها " واشنطن " .
عن أي شئ يتم الدفاع تحديداً ؟
إن ما يتم الدفاع عنه مرتبط فعلياً بما يتم الهجوم عليه ، وطبقاً للتعريف التقليدي فإن الدفاع ، يعني
" الدفاع " عن الحدود الوطنية . في 11 سبتمبر الهجوم حدث على الحدود الإقليمية للولايات المتحدة ، هذا لم يكن هجوماً تقليدياً من قوى رئيسية .
كان الهجوم ضربة " غير معروفة المصدر " ضد أهداف محددة .. وفي ظل غياب إعلان المسؤولية فإن الطبيعة الرمزية للأهداف التي تمَّ الهجوم عليها اعتبرت مادة تفسيرية . فمركز التجارة العالمي يرمز للقوة العالمية للاقتصاد الأمريكي ، والبنتاجون يجسد القوة العسكرية الأمريكية .
من ثمَّ فإن من غير المحتمل أن تكون أحداث سبتمبر هنا موجهة ضد " القيم الأمريكية " بالمعنى الذي نفهمه في داخل أمريكا . الهدف الحقيقي هنا - هو العسكرية والاقتصاد الأمريكي كما ينظر لها في الخارج .
وطبقاً للتقارير - فإن 15 من الـ 19 مهاجماً كانوا من السعوديين المعادين للوجود العسكري الأمريكي على الأرض السعودية ، وأحداث سبتمبر كانت رسالة أن الأمة التي توجه قواتها ضد الآخرين في الخارج قابلة للاختراق في الداخل ، وأن القصة الحقيقية في أذهان المهاجمين هي التدخل العسكري الأمريكي في الخارج ، وفي الواقع - فإن حروب بوش - موجهة خصيصاً للدفاع عن تقوية القوة العسكرية الأمريكية في الخارج ، وليس عن الحريات وطريقة الحياة الأمريكية في الداخل .
من جهة أخرى فإن هذه الحروب أقرب إلى أن تطيح بالحريات التي انتزعها المواطنون الأمريكيون أكثر من أن تدافع عنها أو تحميها .
لكن الحكومات التي تشن حروباً عدوانية دائماً ما تؤكد لشعوبها أن هدف الحرب هو نشر أفكار نبيلة في الخارج والفروق بين الحروب الإمبريالية القديمة وحروب الولايات المتحدة اليوم هي في مستويات الدمار الهائلة المستخدمة وعدم التناسب بين قوة الدمار الهائلة المملوكة ومستوى الحكمة الإنسانية البنّاءة المتوافرة ، لم يكن بهذا الحجم مثل اليوم . والمثقفون لديهم خيار اللحاق بكورس تمجيد القوة المتوحشة وإضفاء رطانة بلاغية حول " قيمها الروحية " أو أخذ الطريق الصعب والتصدي لهذه القوة بكشف جوهرها الأخلاقي المتكبر والعمل مع باقي البشرية " كل البشرية " لخلق أدوات حوار عقلاني وعلاقات اقتصادية عادلة وعادلة التساوي .
حق الدفاع يجب أن يكون حقاً إنسانياً جماعياً والإنسانية ، ككل - لها الحق أيضاً أن تدافع عن بقائها ضد دفاع قوة عظمى وعلى مدى نصف قرن - أظهرت الولايات المتحدة لأصالتها بالموت والدمار الذي يلحقه دفاعها المزعوم عن العالم .. ونحن في البلدان الغنية لن يمكننا الدفاع عن القيم العالمية التي نزعم حرصنا عليها إلا عبر التضامن مع ضحايا العسكرية الأمريكية .
الموقعون 128 مثقفاً أمريكياً ، منهم :
دافين ابيل ، جوليا ابراهام ، ميخائيل البرت ، جانيت كيستتبرج ، اليكتا ادينال ، انثوني أرنوف ، ستانلي أورونويتز ، دين بيكر ، هوستن بيكر ، دفيد بارسمان ، روسالين ماكسنادال ، ميديا بنجامين ، ديك ينيت ، لاري بير ، نورمان بيرنايوم ، جويل بليقوس ، تشانا ملوك ، وليم بلوم ، ماجدة يوجسوم ، باتريك موند ، تشارلز لوير ، فرانسيز بويل ، هراي بريستين ، دنياتا بريدنـثال ، لندا بولارد ، جوديت بتلر ، بوب بوتتزانكو ، هيلين كالديكوت ، جوهن كوميت ، ستيفاني كامب ، وورد تشرشل ، جوهن كلارك ، دان كوجلين ، ساندي كوبر ، ديفيد ديفين ، دوجلاس دود ، مادهو دور ، ريتشارد دي بوف ، بيتر ايرلاندر ، فرانسيز فيلي ، ريتشارد ملين ، هوارد زين وآخرون .
اقتـراح ـ
أن تلتقط صفحة الطريق في وسائل الإعلام العالمية والعربية جميع ما ينشر عن المقاومة الباسلة داخل أمريكا فهي ذات مغزى مؤثر جداً . وتلك المقاومة تنمو وتتصاعد بسرعة وأن تبرز ذلك في حقل خاص فالصراع داخل أمريكا وسيره ونتائجه له انعكاساته الهامة جداً على الأحداث والأكثر أهميةً على المعنويات والتحليلات السياسية . وأيضاً أن تنشر وتبرز أخبار فضائح أجهزة الاستخبارات في الداخل والخارج وما يدور حول دورها المريب في معالجة الأخبار والمعلومات المحذرة قبل وقوع أحداث 11سبتمبر والتي وردتها من الداخل والخارج ومثل هذه الأخبار المشككة يتزايد نشرها يوماً بعد آخر . مع تثبيت ندرتها على الصفحة في باب الصحافة العالمية أو غيرها . وللقراء أن يسهموا بدورهم في تزويدها بمصادر مثل تلك الأخبار والاستفادة من الصفحة لتوسيع دائرة نشرها .
أن تدرس هيئة التحرير وسيلة لرد الفعل الأفضل وإيصال صوت المثقفين العراقيين إلى أقرانهم وحلفائهم الطيبين والشجعان من مثقفي أمريكا وبمساعدة ومساهمة زوارها وأن تفرد للرسالة موقعاً خاصاً على صفحتها لتقبل التعليقات والمقترحات ونشر رسالة مثقفي أوربا إن كانت قد صدرت أو عند صدورها . وأن تحث جميع المثقفين العراقيين في الخارج وفي كوردستان ، أن اعملوا ، قولوا ، اكتبوا ، ردوا ، قييموا .. إنه صوت أخيار - جرئ - مدوي - إنه صوت أمريكا الثاني هذا اليوم ، وصوت أمريكا الغد الوحيد !
20/حزيران/2002 نزار خالـد . ـ