|
-ظاهرة-.. في مؤسَّساتنا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2764 - 2009 / 9 / 9 - 15:48
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كانت "واحدة"، فتعدَّدت، و"تثلَّثت" على وجه التعيين؛ ومع تعدُّدها، وبه، عَرَفْنا، وعانينا، كثيراً من الفساد، ومن أوجهه الجديدة؛ وليس من "حلٍّ نهائي" إذا لم يتولَّ "التاريخ" نفسه، ومعه الممثِّلون لضروراته، والمتمثِّلون لها، تهيئة الأسباب والشروط والقوى، وإعادة توحيد تلك التي تعدَّدت، أو "تثلَّثت"؛ ولكن بما يؤكِّد تفوُّقها نوعاً عمَّا كانت عليه.
إنَّها أشياء ثلاثة كانت متَّحِدة في شخص واحد، هي "المِلْكية" و"الإدارة" و"العمل"، فالمالك هو نفسه الذي يدير ويعمل؛ أمَّا اليوم فالمالك لا يدير ولا يعمل، والمدير لا يملك ولا يعمل، والعامل لا يملك ولا يدير، فأنْتَج هذا الانفصال، الذي يضرب جذوره عميقاً في الواقع الاقتصادي ـ التاريخي الموضوعي، كثيراً من الفساد، ومن أوجهه الجديدة.
ولمَّا كان الاقتصاد هو الأرومة لحياتنا الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية.. رأيْنا هذا الانفصال، أو "التثليث"، هو المبدأ الذي بما يراعيه ويوافقه تُبْنى كل "مؤسَّسة" في مجتمعنا، مهما كَبُرَت أو صَغُرَت.
"المالِك"، أي مالِك المؤسَّسة، لا يشتري ويُنْفِق المال ويتملك إلاَّ ابتغاء "الربح"، وإنْ كانت له مقاصِد أخرى؛ و"المدير"، أكان كبيراً أم صغيراً.. أكان في منتهى الكِبَر أم متناهياً في الصِغَر، لا يدير إلاَّ ابتغاء "الامتيازات"، التي بعضها لا يبحث عنها، ويجاهِد في سبيلها، إلاَّ الهجين من البشر؛ و"العامل" هو وحده الذي يعاين ويعاني كل ما تمخَّض عنه ذلك الانفصال، أو "التثليث"، من فساد، فهو كلَّما عمل أكثر، وأجاد العمل أكثر، وأخلص فيه أكثر، تضاءلت حقوقه وقلَّت، واستبدَّ به الشعور بالظلم ومشتقَّاته.
والفساد نراه أشد وأوضح في كل مؤسَّسة يتضاءل فيها "دافع الربح"، وتَعْظُم "الدوافع الأخرى"، فـ "الربح"، على شروره ومثالبه، يُلْزِم صاحبه، أي صاحب المال والمؤسَّسة، البحث عن "الجيِّد" من الإدارة والعمل.
إنَّ كل مؤسَّسة من هذا النمط، الذي هو أكثر من سواه فساداً وإفساداً، تحتاج إلى "التوظيف المتناقِض"، إلى العِلْم والجهل، إلى الكفاءة والعجز، إلى البشر والهجين من البشر.
أنْظروا إلى ما أصبح في منزلة "القانون" لجهة علاقته بالمؤسَّسة، إدارةً وعملاً؛ أنْظروا إليه في واقعه، وفي عالمه الحقيقي الذي لا يخالطه وهم؛ أنْظروا إليه بعيون لا تغشاها أوهام؛ فهل يشقُّ عليكم، ويَصْعُب، بعد ذلك، أن تكتشفوا أنَّ "التوزير (الإداري)"، والذي لا يختلف ماهيةً وجوهراً وخواصًَّ، عن "التوزير السياسي"، لا يفوز به إلاَّ الأكثر عجزاً، والأقل كفاءةً، والأشد ميلاً إلى الاستخذاء والخضوع، وإلى التخلُّق بأخلاق عبيد روما، والأعظم نفاقاً وتملُّقاً ومداهنةً ومداجاةً، والذي لا يملك من اللسان العربي المبين إلاَّ عبارات التمجيد والتفخيم والتعظيم (الذي يكاد يعدل الكفر) للأسياد، أي لأسياده هو.
أمَّا الأطول من لسانه الذي يقطر "عسلاً" أُذُناه؛ وهو كلَّما صعد درجة في "السُلَّم" طالت أُذُناه حتى أصبح هذا الجزء منه (أي أذناه) هو الكلُّ، فهو يَعْلَم أهمية وضرورة ومنفعة أن يكون كله آذاناً صاغية، نَمَت لها أصابع مرتجفة، تُمْسِك بقلمٍ، إنْ اسْتُعْمِل لـ "الكتابة"، فلا يَكْتُب إلاَّ بما يقيم الدليل على أنَّ "الكتابة" ليست دائماً بالدرجة العليا من التفكير.
و"الحقيقة" عنده ليست سوى ما يُفكِّر فيه أسياده الآن، فلا موازين، ولا مقاييس، لها سوى هذا الميزان، وهذا المقياس!
وربَّ قائلٍ على سبيل الاعتراض إنَّ هذا الذي قُلْت لا يَصْلُح قولاً في "الإدارة"، وإنَّما في "سوء الإدارة"؛ ولكن أليس "سوء الإدارة" هو "نوع من الإدارة"؟!
أجل، إنَّه نوع منها، فـ "المصلحة السيئة" لا تُخْدَم، وتُصان، ويُدافع عنها، على خير وجه، إلاَّ بـ "إدارة سيئة".
ومع ذلك، ليس من "إدارة سيئة"، ومهما بلغ سوؤها، تستطيع أن "تُطهِّر" المؤسَّسة من "الكفاءة"، و"ذوي الكفاءات"؛ لأنَّها إنْ فعلت، أو ارتكبت، ذلك دمَّرت نفسها بنفسها، ودمَّرت، في الوقت نفسه، المؤسَّسة التي تدير.
إنَّهم يريدون الشيء ونقيضه.. يريدون "الكفاءة"؛ ولكنهم يريدون معها "العجز"، يتولَّى إدارتها وتسييرها وتوجيهها.. أي يريدون إخضاعها على أيدي خاضعين لخاضعين لخاضعين..!
هل ننتظر (في سلبيتنا الشرقية المعهودة) أن يصحِّح "التاريخ" خطأه، الذي ليس بـ "الخطأ"، وأن ينهي، وإلى الأبد، هذا الانفصال، أو "التثليث اللعين"، معيداً، بالتالي، وصل ما انقطع من صلة بين "المِلْكية" و"الإدارة" و"العمل"؟
كلاَّ، فهذا "الإنهاء" لن يبدأ إذا لم ينتهِ "الصمت"؛ ولقد حان له أن ينتهي، فـ "الحقيقة" حان لها أن تَظْهَر وتُكْشَف، وأن تَخْلق لها اللسان والأسنان والأظافر..؛ وإنَّ "الملفَّات" للفتح، و"الغسيل" للنشر، و"الأسماء" للذِكْر والبوح، فـ "القردة الثلاثة" لن تكون، ويجب ألاَّ تكون، في منزلة "المثل الأعلى" لكل ضحايا الفساد، فالضحية تظلَّ ضحية إلى الأبد إنْ لم تبتنِ لها "مثلاً أعلى" من معاني القول العظيم: أنتَ إنْ نطقتَ مُت، وإنْ سكتَّ مُت، فقُلْها ومُت.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيار -الدولة الواحدة-!
-
ليبرمان يقود من الحبشة -حرب المياه- ضدَّ مصر!
-
اعْرَف حقوقكَ!
-
ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!
-
-دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
-
عشاء في -السفارة في العمارة-!
-
المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
-
-الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
-
جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
-
نساؤنا في عهدهن -السيداوي-!
-
رمضان على الأبواب.. فَلْتُشْعِلوا نار الغلاء!
-
فلسطين لن تكون -إمارة رفح- ولا -إمارة أندورا-!
-
الأمير الشهيد الشيخ عبد اللطيف موسى!
-
إنَّه قانون شهريار وسايكس وبيكو!
-
نماذج نووية جديدة أربعة
-
في -الأجندة الخاصة- وأصحابها!
-
سنة على موت -هوميروس فلسطين-!
-
العبوس.. عربياً!
-
موت -الخبر-.. في الجريدة اليومية!
-
هكذا يُحارَب -التوطين-!
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|