أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - جرائم تحتاج إلى تحقيق















المزيد.....

جرائم تحتاج إلى تحقيق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2762 - 2009 / 9 / 7 - 17:42
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


اعتقل الحاخام الأمريكي اسحاق روزنيوم (من ولاية نيوجرسي) في شهر يوليو/ تموز 2009 في الولايات المتحدة، على خلفية معلومات وردت إلى مكتب التحقيق الفيدرالي FBI تقول إنه مشترك في شراء كلية من “إسرائيلي” وبيعها لمريض أمريكي. الخبر لم يأخذ الاهتمام الكافي، إلا عندما اندلعت الأزمة بين صحيفة “افتونبلاديت” السويدية والحكومة “الإسرائيلية”، وذلك حين نشرت الصحيفة الواسعة الانتشار والتي تعدّ من كبريات الصحف السويدية، خبراً مرفقاً بصورة لجثة شاب فلسطيني تظهر عليها آثار جراحة على طول الصدر، اتخذت حسبما تفيد الصحيفة بعد عملية تشريح جرت على الجثة.

ولم تكتف الصحيفة بذلك بل أوردت شهادات لبعض ذوي الضحايا من الفلسطينيين أكدوا فيها سرقة الأعضاء البشرية والاتجار بها، وأشارت الصحيفة إلى أن اثنين من صحافييها قاما بالتحقيق في بلدة ايماتين (بالضفة الغربية) وحصلا على معلومات عن سرقة قوات الاحتلال لأعضاء شهداء فلسطينيين والمتاجرة بها.

ولعل مثل هذا الخبر كان قد تردد منذ العام 1992 إلا أنه لم يكن هناك ما يثبت ذلك، واستقى الصحافيان معلوماتهما من والدة وشقيق بلال غانم الشاب الفلسطيني الذي كان عمره 19 عاماً عندما قتل من قبل الجنود “الإسرائيليين” ظنّاً منهم، أنه أحد قيادات الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في أواخر العام 1987 واستمرت لبضع سنوات، وهي التي عُرفت باسم “انتفاضة الحجارة”.

وقالت والدة الشهيد، إن ابنها الذي قتل في 13 مايو/ أيار 1992 نقلته مروحية “إسرائيلية” إلى الأراضي المحتلة، وأعيدت جثته إلى ذويه بعد أيام، داخل كيس أسود وقد اقتلعت جميع أسنانه، وكانت الجثة تحمل جرحاً في الحلق وحتى البطن وأعيدت خياطتها بشكل رديء، ويعتقد شقيق المغدور أن أعضاء شقيقه سُرقت.

ورغم القلق المشروع إزاء هذه الأخبار المُفزعة والحال اللاإنسانية التي تتعامل بها الشبكات الخاصة أو عبر مسؤولين “إسرائيليين” إزاء الضحايا، إلا أن مسارعة السلطات “الإسرائيلية” إلى نفي الخبر وتفنيده باعتباره مزاعم عارية عن الصحة، بل وشن هجوم ضد الصحيفة، هو الذي يلفت الانتباه، فبدلاً من إجراء تحقيق مستقل وواسع لمعرفة مدى صدقية هذه المعلومات من عدمها لجأت “إسرائيل” إلى كيل الاتهامات للصحيفة والصحافي بمعاداة السامية.

إن سرقة الأعضاء البشرية تعدّ انتهاكاً سافراً وصارخاً لحرمة البشر، دينياً وإنسانياً وقانونياً ولقواعد القانون الدولي الإنساني، فالتصرف بجسد الإنسان واستغلاله تحت أي مبررات إنما يتعارض مع القيم والمعايير الإنسانية والقانونية الدولية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما اتفاقات جنيف الأربعة الصادرة في 12 أغسطس/ آب 1949 وملحقيها البروتوكولين الصادرين في العام 1977 عن المؤتمر الدبلوماسي في جنيف (1974-1977).

وكانت السلطات “الإسرائيلية” قد طلبت من الحكومة السويدية تقديم اعتذار والتنديد بالتقرير الذي نشرته صحيفة “افتونبلاديت” والصحافي الشجاع دونالد بوستروم الذي لم يعبأ بالاتهامات ضده أو بالتهديدات، وسبق له أن نشر كتاباً في العام 2001 أورد فيه بعض المعلومات عن الاتجار بالأعضاء البشرية ولقي الكتاب اهتماماً كبيراً، إلا أنه لم يتعرّض حينها إلى النقد من جانب “إسرائيل”، كما تعرّضت له مقالته المنشورة مؤخراً، حيث اتهمته “إسرائيل” بمعاداة السامية وقامت بتهديده.

وعندما رفضت السويد طلب السلطات “الإسرائيلية” تقديم الاعتذار قررت وزارة الداخلية “الإسرائيلية” وقف إصدار تأشيرات دخول للصحافيين السويديين إلى الأراضي المحتلة، ورفض مكتب الإعلام الحكومي “الإسرائيلي” منح مراسل ومصوّر الصحيفة ترخيصاً معتمداً، (البطاقة الصحافية) والأكثر من ذلك فقد أبدى رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو انزعاجه من مقالات الصحيفة السويدية وطالب استوكهولم بإدانتها.

إن الإنكار المتشنج للسلطات “الإسرائيلية” للمعلومات من دون الركون إلى تحقيق جاد ومسؤول، يدعو إلى توجيه الاتهام بعد الشك في أنها تريد التستر على الموضوع بعد الفضيحة التي ذاع صيتها، لاسيما من صحافي حر ومحايد ومن دولة محايدة، إن لم تكن تلك السلطات على علم به أو ضالعة فيه. ولعل مسؤولية أية حكومة بغض النظر عن طابعها هي أن تكون مؤتمنة على التحقيق في ما لو وردت إليها معلومات من هذا القبيل، وهو الأمر

الذي لا يمكن إهماله أو التقاعس فيه لأنه

يرتب مسؤوليات قانونية دولية على عاتق

الدولة، لا يمكنها التنصّل عنها أو إعفاء نفسها منها.

ولعل مثل هذا الانتهاك يتطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومات البلدان العربية، مطالبة المجتمع الدولي، ولاسيما مجلس الأمن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، والتحقيق في ما ورد من معلومات والاستماع إلى الشهود، لأن هذه الانتهاكات تُشكل جريمة دولية تستحق الملاحقة والمساءلة وإنزال العقاب بمرتكبيها وفقاً لمعايير العدالة الدولية.

إن الهجوم الذي قام به بعض الساسة والإعلاميين “الإسرائيليين” ضد صحيفة “افتونبلاديت” هو هجوم قديم جديد، فذريعة العداء للسامية لاحقت كل من يقف ضد انتهاكات “إسرائيل” وممارستها العنصرية، وليس أدل على ذلك فإن الأمين العام الأسبق للأمم كورت فالدهايم، اتهم “بماضيه” النازي بعد أن غادر الأمم المتحدة بانتهاء ولايته وللترشيح للرئاسة في النمسا، وذلك لصدور القرار 3379 في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 وعدداً من القرارات الدولية المناصرة للقضية الفلسطينية في عهده، ولأن هذا القرار دمغ الصهيونية بالعنصرية واعتبرها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، فقد شنّت “إسرائيل” ضده حملة لم تهدأ إلا بإعدام القرار في شهر ديسمبر/ كانون الأول 1991 وذلك بعد اختلال موازين القوى دولياً وعربياً، وكانت مبررات “إسرائيل” أن هذا القرار معاد للسامية لأنه يتعلق بجوهر عقيدتها فضلاً عن أنه يشكك بشرعية وجودها واستمرارها.

ولعل هذه هي التهمة ذاتها التي وجهت إلى “المفكر السوفييتي” المعادي للصهيونية يفسييف في أواسط الثمانينات، إلى أن وجد مقتولاً في ضواحي موسكو العام 1990 في ظروف غامضة، الأمر الذي يوجه إصبع الاتهام إلى المستفيد من هذه الجريمة.

إن تهمة العداء للسامية أو إذكاء نار العداء لها هي تهمة جاهزة لكل قرار أو رأي يتعلق بممارسات “إسرائيل” العدوانية، ولعل هذا الاتهام الجاهز كانت “إسرائيل” قد واجهت به المجتمع المدني العالمي، عندما اتخذ قراراً في مؤتمر ديربن ضد العنصرية العام 2001 يدين الممارسات “الإسرائيلية” ويتهمها بالعنصرية. وقد ارتفعت وتيرة اتهامات “إسرائيل” بعد حربها المفتوحة ضد لبنان في 12 يوليو/ تموز 2006 والتي دامت 33 يوماً أو حربها المفتوحة ضد غزة بعد حصار ما زال مستمراً في أواخر العام 2008 ومطلع العام 2009.

وهكذا فإن “إسرائيل” التي تقوم بارتكابات وحروب وعدوان، تلتجئ في الوقت نفسه إلى ممارسة إرهاب فكري باتهام كل رأي حر وأي شكل من أشكال التعبير بممارستها ونظامها السياسي وعدوانها بأنه معاد للسامية، باستخدام هذه المسألة والتوسع بها وتوظيفها سياسياً بما يخدم مشروع “إسرائيل” الحربي والسياسي والدعائي.

الأمر الجديد في الأزمة السويدية “الإسرائيلية”، أن “إسرائيل” وإن شنّت هجوماً على الصحيفة السويدية إلا أنها كانت أقرب للدفاع عن النفس وإنكار التهمة، وأن الصحيفة السويدية والحكومة السويدية والصحافي السويدي الشجاع كانت ردودهم ضد السفيرة “الإسرائيلية” في استوكهولم والحكومة “الإسرائيلية” أكثر ثقة بالنفس وبعدالة القضية التي تم نشرها لاستنهاض الرأي العام العالمي ضد “إسرائيل” وممارساتها، ومن منطلق حرية التعبير والحق في نقل المعلومات ونشرها وإذاعتها بكل الوسائل الممكنة ومن دون قيود طبقاً للوائح الدولية لحقوق الإنسان.

ولعل هذا الهجوم الكثير الثقة بالنفس وبقيم العدالة قد قلب المعادلة، حيث إن “إسرائيل” هي التي تأخذ زمام المبادرة بالاتهام عادة ويتخذ الآخرون موقع الدفاع، كما في كل مرّة، فإنه هو الذي وجه الاتهام وظلّت “إسرائيل” في موقع الدفاع الضعيف عن النفس، لاسيما أنها لم تشرع بإجراء تحقيق سريع، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي القيام بهذه المهمة وإرغام “إسرائيل” على قبولها.

قد تكون إحدى مفارقات المشهد الراهن هو أن البلدان العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية لم يحركوا ساكناً، وحتى المجتمع المدني العربي والمنظمات الحقوقية الدولية لم تكن حركتها بالمستوى المطلوب، الأمر الذي يتطلب شحذ الهمم ووضع الجميع عند مسؤولياتهم.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معسكر أشرف: مقاربة غير سياسية
- الجواهري هو الحلقة الذهبية الأخيرة في الشعر الكلاسيكي
- ما الذي يجري في إيران؟
- مأزق الإصلاح
- موسيقى الدانوب الأزرق
- المجتمع المدني: محاولة جديدة للفهم!
- جدل الهوية: بعيداً عن التبشير!
- انشغالات -المواطنة-
- عند تخوم ولاية الفقيه ؟
- هذه النجف التي توشوشني!
- خصوصية المجتمع المدني العربي
- هل تخالف -الشرعية الدولية- القانون الدولي؟
- تخوم ولاية الفقيه!
- إرهاصات الدولة والمجتمع المدني في العراق
- الجدار الديموغرافي.. الأبارتيد الجديد
- بين الإسلامفوبيا والإسلاملوجيا
- لائحة اتهام وحلم العدالة الممكن والمستحيل!
- دارفور.. العدالة الممكنة.. العدالة المستحيلة
- الغرب والصورة النمطية للإسلام
- في فلسفة الدولة والمجتمع المدني


المزيد.....




- شاهد.. المجاعة والأوبئة تهدد حياة الأطفال في غزة
- آثار تعذيب أسير فلسطيني مفرج عنه ومقارنته بإسرائيلية محرّرة! ...
- الأردن.. حملة اعتقالات بعد -وفيات الحج-
- الخارجية السودانية تنفي الاعتذار للإمارات: خطاب مندوبنا بالأ ...
- اللاجئون السوريون في لبنان.. خوف من مصير مجهول إذا توسعت حرب ...
- ألمانيا - اعتقال ثلاثة أجانب بشبهة التجسس لاستخبارات أجنبية ...
- الاحتلال يغتال فلسطينيين اثنين بقلقيلية ويواصل حملات الاعتقا ...
- الأمم المتحدة تحذر من -غزة أخرى-
- المجاعة والأوبئة تتفاقم بشمال غزة وتحذيرات طبية من ارتفاع در ...
- -غالبيتهم من السوريين-.. الداخلية التركية تصحح -أخبارا كاذبة ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - جرائم تحتاج إلى تحقيق