|
عادة علنية
احمد عبد السادة
الحوار المتمدن-العدد: 2761 - 2009 / 9 / 6 - 08:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يشمّر شرقنا القاحل عن ذراعيه لابادة ثقافة ما مثلما شمّر عن ذراعيه لابادة الثقافة الجنسية، وتلك الابادة الماحقة يتأتى سببها الرئيس من أسس ذكورية صحراوية لاتمت للمنطق بأية قرابة، اسس تُختزل في وصاية غريبة ومجرمة لجسد ما على جسد آخر. من الطبيعي القول بأنّ من اشـنع واغرب الافكــار التي انتجـها ذلك الشرق – بكل منظوماته القبلية والدينية والسياسية – هو أن يملك جسد معين حق الوصاية المستجلب لحق (الفيتو) على الفعاليات الجنسية – بما تملكه من حرية بديهية – لجسد معين آخر تحت مسميات وذرائع شتى تأخذ قوتها العملاقة والكثة من طوافها حول مفهوم ساذج وقاتل لجوهر الشرف: غشاء البكارة. لا بد من التذكير الصارم والدائم بالكثير من الجرائم الوحشية التي ارتكبت بحق المرأة بسبب التقديس الفحوليّ البدائيّ واللامبرر لذلك المفهوم الساذج سالف الذكر. يريد حراس (البكارة) الموتورون – بسذاجة ظلامية وظالمة – ان يسطحوا ويقزموا التكوين العظيم للشرف الانساني بجعله معادلاً موضوعياً لغشاء عذرية يظلل شهوة من حقها البديهي ان تندلع وتنطلق من دون ان تطلب تأشيرة حرية من أحد، وهم بذلك يجاهدون – أي حراس البكارة – في سبيل ان يقننوا ويجمدوا الطبيعة البشرية حسب مقاساتهم القبلية والدينية الخانقة التي لا ترى ابعد من كرش انانيتها المستبدة. إن الجسد الذي يحمل صخرة آلامه وبذور فنائه لوحده .. يصبح له الحق المطلق في ان يقطف لذاته وفي مقدمتها اللذة الجنسية. إنّ حرية الجسد تكمن في كونه مسؤولاً عن نفسه، عن كل النتائج السلبية والايجابية المترتبة جراء وجوده، فالوجه الثاني لعملة الحرية هو المسؤولية كما يقول برناردشو. الحرية تحتمها المسؤولية، اي بمعنى ان كوني مسؤولاً عن ألم جسدي يجعلني سلطاناً وحيداً على لذته... مقرراً وحيداً لمسارات حرية تلك اللذة بشرط عدم التجاوز على حرية الآخر. تلك هي الحقيقة البديهية التي لم يفلح شرقنا (سليل الحضارات!!) في حسمها الى الآن، والتي سنموت من دون ان نشهد اثباتها وثباتها. إنّ الازمة الاولى والكبرى لرقعة الشرق الجغرافية التي نعيش عليها هي ازمة تصلب مفاهيم موروثة، فلو وضع اسلافنا مفاهيم نقيضة عن الجنس والشرف لتقبلناها ببساطة وهذا يؤكد باننا مستقبلو ومستهلكو مفاهيم مكرسة سلفاً ولسنا خالقي مفاهيم كما يجب ان نكون. لقد ادى تصلب المفاهيم الموروثة عندنا الى فقر فادح في الثقافة الجنسية لدرجة ان الكثير من النساء يعشن ويمتن من دون ان يعرفن ان البظر مثلاً هو مركز اللذة الجنسية، ولدرجة ان الكثير من الرجال – حسب قول الدكتورة نوال السعداوي – يعيشون ويموتون من دون ان يوصلوا زوجاتهم معهم الى الذروة الجنسية (الاورجازم) لانهم لا يعرفون خصوصية جسد المرأة وطاقاته الخفية. بسبب المحرمات والتابوات الكثة تقف الآن في مجتمعنا قارة من الغربة بين جسد الرجل وجسد المرأة، وهذه القارة كفيلة ببقاء وديمومة الكثير من العلاقات الجنسية الناقصة والمنذورة للتلكؤ والتصدع والانهيار. في الحقيقة ان الإحجام عن تكريس ثقافة جنسية – لاسباب نعرفها جميعاً – من شأنه ان يؤبد تلك المفاهيم الخلفية عن الجنس والشرف، الشيء الذي يؤدي الى استمرارية انتاج كائنات بشرية مهزوزة وخائفة من الحياة لانها لا تعرف الحياة، فالمعرفة – كما يراها ماركس – هي السيطرة. لا شك ان الحديث عن الجنس يغري بفتح الكثير من الآفاق الشهية للاسترسال الساخن، الجنس ذلك التصوف المتحقق بشبقية الجسد الشاهقة، ذلك الحنين لاعمق خفقة في قلب الكون، الجنس ذلك الاكمال المؤقت لنقص صريح ومباشر في الجسد، الجنس الذ رحلة في الزمان واجمل زي يمكن ان يرتديه المكان. ان من واجب المثقف النقدي ان يسعى الى تكريس خطاب ثقافيّ ايجابيّ متقدم يسعى لإنتاج مفاهيم إيجابية جديدة تطمح الى تقويض المفاهيم القديمة الرثة غير الصالحة سوى للموت، كما يسعى الى تشخيص ظاهرة أزمة الحرية الجنسية في مجتمعنا واقتراح الحلول لها وإضاءة ألوهية الجنس بمقالاتٍ منقبة مراجعة أو بنصوص أدبية، وذلك من أجل اعادة أمجاد الإله ( إيروس) المكبلة بقرون الظلام والتحجّر ومن اجل رد الإعتبار لتاريخ أجسادنا الذي زحفت عليه وسمّمته مغارات ومآذن الصحراء بكلّ راياتها العنيفة وبكلّ عقم وبلادة تعاليمها. لقد امتلأنا بالعدم بما يكفي ليجعلنا ننتصر للحياة ونرد اليها الاعتبار المسروق منها، وذلك عندما تقوم عاداتنا السرية (الجنسية منها والفكرية) بتنكب الجرأة واستعارة تلك العادة العلنية التي تمثلها الكتابة.. فبالكتابة.. بالكتابة فقط يمكننا ان نحول كل خزائن العدم..الى حياة.
#احمد_عبد_السادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|