|
حين تختزل -أسلمة- القضايا بجلباب وحجاب!
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 2760 - 2009 / 9 / 5 - 12:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اعتادت حركة "حماس" اتخاذ مواقف النفي في معرض إثباتها ما أرادت أو تريد أن تنفيه، وهي لذلك تلجأ إلى اتخاذ قرارات شفوية أو مكتوبة، تنكرها أو تنكر أنها اتخذتها من قبيل قرارات إقامة حد السرقة، وغيرها التي اتخذها نوابها في المجلس التشريعي قبل العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر العام الماضي، أو فرض ما يتوهمونه "زيا إسلاميا"، أو إصدار تشريعات على هيئة قوانين تتعلق بتطبيق ما تطلق عليه "الشريعة"، أو "الشرع" الذي تلحق به توصيفها له كونه إسلاميا، وغير ذلك من "تشريعات" تتنافى وقيم المجتمع الوطني الفلسطيني التعددي قديما وحديثا.
وللحفاظ على "خط الرجعة" أو للخروج من "المحكمة".. محكمة الناس، لابسة لباس "العفة" و"الطهارة"، انسجاما مع "تقية" أضحت تجيدها بعض أجنحة الحركة وتياراتها المتلاطمة تطرفا، انسجاما مع نزعاتها التسلطية، وانسياقا خلف أطروحات التكفير "الجهادية"، لسلفية تتعدد انتماءاتها لنهج من مغامرات انقلابية ناسفة لكل إجماع أو اجتماع، فقد أخذت التعميمات أو التعليمات في شأن "الأسلمة" الصادمة، كما أمست تعتقد بها هذه التيارات، ومن خلفها حركة سياسوية بمشايخها الدينيين الأكثر سياسوية في تماسكهم على "أفكار" و "نهج" التكفير والأدلجة الصارمة، بعد أن ران صمت القبور على نتائج هيمنتهم الانقلابية على قطاع غزة، استنفذوا عبره "أفكار" و"نهج" التخوين. ها هم يلجأون وبشكل شفوي إلى إصدار تعميمات لها علاقة بكل الناس، الذين لم تمنح أغلبيتهم تلك الحركة (حماس) وكالة حكمها لهم، فما بالنا ونحن في مواجهة إصدار أوامر وتشريعات وقوانين، تدخل في صميم التدخل بجوهر ومضامين حياتهم وسلوكهم، وفرض زي مخترع أو متوهم، عليهم وعلى أبنائهم؟.
اللجوء لـ "النص" الشفوي تعميما وتبليغا، ليست خطوة حصيفة، وهي كمن أراد حجب الشمس بغربال، خشية أن تدان بوثائق ومستندات مكتوبة، وخوفا من اتهامها بأنها لا تختلف عن حركة طالبان، في توجهاتها لإكراهات الفرض القسري لنوع من أنواع "الأسلمة" المتشددة أو المتطرفة، في الوقت الذي بات يعرف القاصي قبل الداني، أن قيادات هذه الحركة بمعظمها هي من النوع "الطالباني"، وإن حاول ويحاول البعض منها الادعاء زورا بأنهم من النوع "الأردوغاني"، نسبة إلى رئيس الوزراء التركي، في الوقت الذي يظهر السلوك السياسي والديني لأولئك "الدعاة الإخوانيين" ومن يشابههم، أن بحرا من الأنوار الساطعة يفصل بين سلوك حزب أردوغان في تركيا المعاصرة، وبين أصحابنا في غزة، الغارقة في بحر من الظلم والتظلمات، والظلمات وإطلاقيات الإظلام الأيديولوجي المفروض بقوة السلاح، وقوة ادعاء احترام المقدس.
إن موقف مديرة المدرسة الثانوية التي أعلنت بمكبر الصوت، أنها ستطرد أي طالبة لا ترتدي الجلباب الأزرق الداكن (الكحلي) وغطاء الرأس، ابتداءا من أول يوم دراسي صادف يوم الاثنين (24/8) بدلا من الزي القديم (تنورة من الجينز وقميص)، هذا الموقف يختزل موقف حركة سياسوية – دينية، يشكل سلوكها وممارستها لسلطة مغتصبة (وكل سلطة تدعيها القوى الدينية في بلادنا هي سلطة مغتصبة) اعتداء صارخا على الحرية الفردية والجماعية لطلبة المدارس، بل وعلى المجتمع الوطني الفلسطيني في غزة، القابعة بأكملها داخل أقفاص أدوات تلك الغزوة الانقلابية المقيمة.
وإذ تأتي القرارات الشفوية من قبل مديرية التربية والتعليم التابعة لحركة حماس بفرض "الزي الموحد" على جميع الطالبات في المرحلة الثانوية من دون استثناء، إلى جانب سعي وزارة التربية والتعليم (الحمساوية) إلى "تأنيث" المدارس" أي جعل كل مدرسيها وإدارييها من النساء، هذه القرارات والمساعي في محاولتها إستدخال "الأسلمة" المؤدلجة إلى كل نطاقات الحياة في غزة، تحمل من المظالم والانتهاكات للحقوق الفردية والجماعية والاجتماعية والمجتمعية الكثير، بحق أبناء هذا القطاع المضطهدين مثنى وثلاث ورباع.
هي الإمارة الموازية إذا لإمارة "المقدسي" التي قضت عليها حركة "حماس" في المهد. وقراراتها الشفوية وغير الشفوية لا تغيّر من طبيعة "الإمارة الحمساوية"، أو تجعلها تختلف عن "إمارة أمير المؤمنين" فلان بن فلان أو ابن علان في "أكناف بيت المقدس"! فـ "المجلجلون" أتباع الإمارة المبادة كانوا في الأصل من أتباع الإمارة غير المعلنة، وما زال سلفيو الجهاد العبثي هنا أو هناك يشكلون إحدى قلاع "الجهاد الإماراتي" شاءت أم أبت تلك القيادة التي بات جهاديوها يتسربون منها إلى "جهاد" أكثر "التزاما"، و"إمارات" أكثر "واقعية"، كونها حربا على الكل الذي لا يذهب مذاهب إقامة الإمارة، أو "الإمارات المجاهدة" في كل حتة وفي كل حارة.
نفي وزير التربية والتعليم في الحكومة الحمساوية (المقالة) محمد عسقول، لفرض ارتداء "الحجاب المجلبب" على الطالبات، لم يصمد أكثر من 48 ساعة، بعد أن حرصت حركة "حماس" على نفي سعيها إلى إقامة "إمارة إسلامية" عبر قراراتها الشفوية التي تسعى من خلالها إلى "أسلمة" المدارس وإدخالها حظيرة الأدلجة الصارمة، وإخضاعها نطاق هيمنة أبوية بطريركية وزبائنية أضحت تتنامى، خاصة بعد أن أبادت "إمارة المقدسي" المنافسة التي استعجل أصحابها الإعلان عنها، قبل اكتمال عديدها وعدتها!!.
لهذا جاء تبرير الوزير للقرارات الشفوية، ونفيه فرض ارتداء (الجلباب) على الطالبات، باعتبار "أن المجتمع الفلسطيني ملتزم بطبعه، ولا يحتاج إلى قرارات تُفرض عليه"!! وقد فات الوزير واقع أن هناك من يفرض نفسه على هذا المجتمع، دون التزام حقيقي وجاد بقضاياه وهمومه ومشاكله الداخلية (الوطنية)، بل وتوسل هذه كلها للهيمنة عليه، والقبض على قياده قبضا ومغالبة، إلا إذا كانت هذه كلها قد صغرت في أعين القائمين على حركة حماس وطالبانييها من الزعامات "المجاهدة" لتختزل في جلباب وحجاب، و "تأنيث" المدارس، والانقلاب على أوضاعها وإدخالها حظيرة الأدلجة الصارمة. فما تفعله الإمارة غير المعلن عنها، حبيسة الصدور، ليس بـ "أسلمة" يا دعاة "التأسلم"، وما أدراكم ما الإسلام و "الأسلمة" التي تريدها الشعوب وقواها المجتمعية، الأكثر انفتاحا وعقلانية وتفهما لمآلات حالها وأحوال بيئتها ومحيطها القريب والبعيد؟ بينما وفي ظلالكم وتحت أجنحتكم وبرعايتكم نمت وتنمو غيلان التطرف والإرهاب، والإمارات غير المسالمة، وغير المتصالحة؛ حتى مع أقرب المقربين منها. وبدلا من توجيه سلاحها نحو العدو، استدارت وتستدير كما استدرتم لإطلاق النار على مجتمعكم وأهلكم، وها انتم تبلون البلاء الحسن في حرث المجتمع وتهيئته للخضوع لاستبدادكم المقيت، المنطلق من استغلالكم "المقدس" في توجيه الرؤوس، كأهداف حية نحو إطلاقات المسدس، والوقوع في حبائل المدنس.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين ألق التحرر الوطني والتطلعات السلطوية
-
التدين السلطوي و -فقه- الإمارة لكل حارة!
-
العلاقات الأطلسية - الروسية
-
إيران: الثورة الخفية تواصل تحولاتها المجتمعية
-
حكومة نتانياهو وفيض التشريعات العنصرية
-
آفاق الاستيطان وحدود التسوية العقارية
-
هل بات نتانياهو على أعتاب سقوطه الثاني؟
-
بين -معركة استيطان القدس - والدولة المؤقتة!
-
الاستراتيجية الإسرائيلية لربط البحار ومخاطرها الآنية والمستق
...
-
الحركة الوطنية الفلسطينية وجدل التطوير والتبديد!
-
حكمة الغرب لبرتراند رسل
-
نحن والسياسة.. من القاتل ومن القتيل؟
-
اضطرابات شينغيانغ و-مشاع- القضايا الفسطاطية
-
وعود الخطابات في صياغة عالم تعددي
-
لحن الدواخل الطليقة
-
إرهاصات الثورة الثالثة وآفاقها
-
ست قضايا عالقة قبل لقاء ميدفيديف - أوباما
-
هل من حل وسط بين حلول التسويات التفاوضية؟
-
خطاب النوايا الأميركي والتسويات المتباعدة
-
خالد القشطيني في إقامته -على ضفاف بابل-
المزيد.....
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
-
المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من
...
-
ترامب سيرحل الأجانب المناهضين لليهود
-
الكنيست يصدق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح لليهود بتس
...
-
عاجل| يديعوت أحرونوت: الكنيست يصدق بقراءة تمهيدية على مشروع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|