|
الرأسماليات الشرقية والتشكيلة الغربية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 22:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تتوجه الرأسمالياتُ الحكومية الشرقية والرأسماليات الخاصة الغربية للتقارب والتماثل في القرن الحادي والعشرين. وهي عمليات مركبة على الصعيد العالمي، وفي الشرق تجرى التحولات بصور عفوية وتصادمية وعشوائية من دون وعي من قبل الدول والنخب السياسية، لكون الضرورات البشرية العامة مُغيبة غالباً في أشكال الوعي القومية والدينية والاشتراكية. تعكس الاهتمامات الضيقة المحلية في كل بلد الامتيازات الخاصة بالطبقات السائدة، ومجرى التطور الذي تحافظ على نموه من خلال بقائها في السلطة، فتجعل الرأسمالية الحكومية متجمدة في أشكال سياسية أو اقتصادية عتيقة، حيث المنافع تتدفق من العمال المهاجرين فتكون الأرباح سهلة على المدى القصير. وهذه من جانب آخر توسع الانفاق على الصحة والبنية الأساسية عموماً فتخسر البلاد ما تربحه الطبقات السائدة المنتفعة. أو يتم التركيز في بذخ القوى الاجتماعية السائدة فتتحول البيوت المتواضعة إلى قصور، وإلى جلب الخدم وإلى المتع، فلا تتوجه الفوائض إلى تطوير القوى المنتجة، وتضيع هذه الفوائض المؤقتة تاريخيا. من جانب آخر تعمل الرأسماليات الغربية على جلب الفوائض الشرقية الحكومية والخاصة إلى عجلات التطور الاقتصادي فيها، وتقدم أرباحاً في سبيل ذلك، لكن الخسائر الناتجة عن المصاعب الاقتصادية والأزمات والحروب تؤدي إلى تآكل هذه الرساميل. بعض الدول الشرقية الكبرى كروسيا والصين والهند ودول شرق آسيا التي لم تنتقل بعد إلى نمط الرأسمالية الحديثة تماماً، تحقق نجاحات في التوجه للرأسمالية الحديثة. يمثل التوجه الرأسمالي الشرقي إلى الغرب، وقصور سمات التحول الديمقراطي في الشرق، مستويات التفوق في الغرب والقصور في الشرق. في الشرق هناك عقبات سياسية واجتماعية تحول دون تطور قوى الإنتاج فيه بشكل واسع، من ضمنها بناء الدول على أسس استبدادية وبيروقراطية فاسدة، تقوم بتضييع فوائض كبيرة في قنوات مختلفة وكلها تؤدي إلى إجهاض تنامي الرأسمال الصناعي أو المنتج عموماً. كما أن مثل هذه الأبنية السياسية - الاجتماعية تمثل هدرا اقتصاديا كالأسرة الأبوية حيث يقوم الرجل بتضييع أموال الأسرة على ملذاته، مثلما يقوم تعدد الزوجات والعشاق على هدر هذه الأموال، مثلما تغدو أموال الزينة والديكورات والبناءات الفخمة التي تتنامى كثيراً في المنتجعات الحكومية تضييعاً لفرص تطور البلدان النامية. تمثل العادات المتخلفة - التي تلصق زوراً بالأديان - الهياكل السياسية الشمولية المتخلفة التي تقام على أنماط قبلية وقروية وعسكرية رثة، رفضاً عميقاً للالتحاق بالتطور، نظراً لكون الهياكل الاجتماعية السكانية ترفض تغيير أنماط سلوكها وعيشها، لكن آلة النمو العالمية تتوارى تحت حاجات السكان إلى التعليم والثقافة والأجهزة الحديثة والخدمات المتطورة. وتقوم القوى المحلية المتخلفة بتخصيص الموارد في رفاهيتها وهذا يؤدي إلى الخلافات العميقة وتفجر الصراعات حتى تدرك النخب السياسية الواعية قوانين التطور القارية والعالمية، وتعي عالمية الرأسمالية التوحيدية العاصفة. فليس غزو الكويت هو نتاج فقط لرأسمالية حكومية استبدادية بل كذلك لنمط رأسمالية بذخي فاشل في توظيف رأس المال من جانب آخر. وغياب الوعي بهذه الضرورات يقود إلى الكوارث كعدم اكتشاف قوانين الصواعق والجاذبية، مثلما أن عدم جذب قوى العمل المعطلة في الوظائف الحكومية والنساء والريف يقود لجلب عمالة أجنبية تضيع المليارات المطلوبة في تطوير الاقتصاد في مجتمعات الجزيرة العربية. لكن القوى الواسعة في الشرق حيث تشتغل مئات الملايين من العمال تتكشف الضرورات الاقتصادية أسرع من غيرها، حيث ان هوامش البذخ محدودة كذلك، مما يقود الصينيين والهنود إلى اكتشاف قوانين الرأسمالية الحديثة بالتدريج حسب الخبرة الاقتصادية وعمليات الخسائر من الأدلجة. وإذا كانت كل رأسمالية وطنية شرقية تتطور بالصراع مع مخلفات الإقطاع المحلي وبالتغلب عليه، فإنها تتطور كذلك بالصراع مع الرأسماليات الغربية المصدرة بكثافةٍ وبتوسعٍ كطرائق لانقاذ نفسها من الركود الداخلي ومن ضيق الأسواق ومن أجل جلب الفوائض من الدول الشرقية. وبهذا فإن الرأسماليات الشرقية الكبرى تقوم بتطوير قوى إنتاجها بمعدلات سريعة، وتجلب الاختراعات وتقلد وتدعو الشركات الأجنبية الغربية إلى التوطن داخلها، مثلما تجدد قواها المنتجة البشرية وتحدثها بالعلوم فتغدو عوامل تفوقها على الرأسماليات الغربية ممكنة، وهكذا تتحول الصين إلى الدولة الثالثة في الإنتاج العالمي، وتتصاعد مكانة دول كبرى شرقية أخرى وتتجاوز دولاً غربية كثيرة. عبر هذين التداخل والنمو الصراعي المشترك تتداخل سمات الرأسمالية العالمية كمنظومة كونية، وتنتقل البشرية العاملة الشرقية لمستويات القوى العاملة الغربية، خاصة في مستويات العمل الفكري، وهذا كله له ثماره على الأنظمة السياسية التي تنتقل للديمقراطية كلما تطور وعي الغالبية العاملة، مثلما أن القوى العاملة الغربية تؤثر بقوة أكبر في أنظمتها السياسية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثالوث والعسكر
-
الثورات شبه مستحيلة في الرأسماليات الحكومية الشرقية
-
الأديان السماوية والتطور
-
تصفية التركة الثقيلة
-
حركية الفئات الوسطى وثبات العمال
-
الوعي الديني والليبرالية
-
الفلسطينيون والمقاربة مع الصهيونية
-
منظر السائد
-
سراب التغيير
-
الزعيم الديني وغياب الوطنية
-
في استراتيجية الانتخابات
-
بين فنزويلا وإيران
-
تناقض الرأسمالية الحكومية والديمقراطية
-
ضرورة هزيمة التطرف الإسرائيلي
-
ثقافة العطالة العقلية: العام
-
الواقع الاجتماعي وتجارب الأوطان
-
صعوبات الديمقراطية في الشرق
-
توصيف غير دقيق
-
انتفاضة شعب وليست مؤامرة خارجية
-
الجنون السياسي
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|