ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2758 - 2009 / 9 / 3 - 19:18
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إن صح ما تناولته وسائل الإعلام عن رفض جامعة تكريت لأطروحة دكتوراه عن (البنية الإيقاعية في شعر حسب الشيخ جعفر ) أو شيء من هذا القبيل ...
وان هذا الرفض تم بناء على (تقرير ) رفعه السيد محمد صابر عبيد الأستاذ لمادة الأدب الحديث في الجامعة المذكورة....
وان ما ورد في حيثيات الرفض يشير –والعهدة على وكالات الأنباء-إلى كون (الشاعر حسب الشيخ جعفر هو شيعي بالإضافة إلى كونه شيوعيا ..)!!
إن صح ذلك فلن يفاجئني الأمر !!
بل إن ما يفاجئني هو (بيان الاستهجان )الهزيل الذي أصدره الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق....والأشد هزالة في البيان هو الإشارة إلى كون كاتب (التقرير ) لعمادة الجامعة بتسويغ رفض الأطروحة للأسباب الواردة أعلاه ,هو كونه :
من (نقاد الحداثة ) في العراق!!
وكان (موجة )ما أطلق عليه (أدب الحداثة ) في العراق منذ أواسط الحرب العراقية الإيرانية وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق ...هي (موجة ) ثورية تقدمية منزهة ومبراة من أصابع النظام الثقافي الشمولي الذي كان يهيمن على المناخ الثقافي داخل العراق....
لذا فمن السذاجة ان يكون استنكار الفعل (متضمنا ) هذا السبب أو هذه الحجة ,خاصة وان (معظم )الطاقم القيادي الحالي للاتحاد كان قد عايش فترة (تكوين ورعاية )هذه الموجة من قبل (نقاد ومسئولي صفحات ثقافية رسمية )زمنذاك قامت بمهمة (التلميع والإشاعة والإشهار) خشية من ظهور (أدب مضاد )لأدب الحرب الذي كان موجها توجيها تعبويا ....بل إن بعض (قيادة ) هذا الاتحاد الحالي هم من ذلك الطين !!..
وكان الناقد محمد صابر عبيد احد عرابي هذه اللعبة الذي كوفيء كما كوفيء جميع زملائه من مسئولي الصفحات الثقافية و(صناع الأسماء الرائجة ) بان منحوا حق التمتع بإكمال دراسات الماجستير والدكتوراه (والتي لا ينكر أي أكاديمي أو جامعي أو مثقف أو أمي حتى!!... أنها لم تكن تمنح طوال تلك العقود إلا لمن كان منتظما في الحزب الحاكم )....
كان ما حدث في الثقافة العراقية ثمانينات وتسعينات القرن الماضي (مجزرة حقيقية ) تحت يافطة التجديد الحداثي والنقد البنيوي...
وكان أن أصبح كل ما هو بعيد عن الحياة والإنسان , و بعيد عن المعنى والتعبير عن المشاعر بشكل قادر على التوصيل ,ضربا من التخلف, بل صار معيار (أبداع ) الكاتب هو –العماء الارتجالي اللغوي- أو المفارقات اللغوية الساذجة التي تقوم على ما يفترض إنها (سخرية )...وكل ذلك مقبول ومرحب به مؤسساتيا طالما هو سيأخذ بكل الأسماء الأدبية الطالعة بعيدا عن الخطوط الحمر التي حددتها الإدارة الثقافية للسلطة, فظهرت في تلك المرحلة (أعجب )النصوص التي تتمرغ في اعتباطات لغوية غايتها قطع الأواصر بين المبدع وأي متلق نابه ظل على قيد القراءة !!.........
لقد نال الناقد المذكور وسواه من الذين لا يخفون على الوسط الثقافي تحصيلهم الأكاديمي العالي جزاء ا لما دبجوه من ثناء لثوار (الموجة الحداثوية ) التي استمرأها البعض من الكتاب خاصة حين أصبحت المؤسسات الثقافية راعية لهذا الضرب من الكتابة , بل إن جريدة مثل (بابل ) التي يرأس تحريرها عدي صدام حسين , واللجنة الاولمبية التي يقودها صارا خيمة هذه الموجة حتى .........
غزو الكويت ومن ثم حرب الخليج الثانية وفرض الحصار الاقتصادي على العراق ,وهبوط قيمة الدينار العراقي مما جعل من العطايا التي تهبها المؤسسة الثقافية الحاكمة لا بناءها لا تكاد تسد متطلبات السكر والكسل,فغادروا تجاه عمان بحجة (الاضطهاد السياسي !!) وهي حجة باطلة إذا ما تم النظر إلى توقيتها ...فقد تراخت (نسبيا )قبضة النظام في تلك الأوقات عن المنتج الثقافي , ولم تكن بالشدة والقسوة والرقابة المفرطة التي كانت عليها أيام أواخر السبعينات وأيام الثمانيات التي – للعجب!!- لم يشعروا أيامها بالاضطهاد السياسي...
لقد تعودوا على معادلة الخبز مقابل الكسل ...وحيث إن إنتاجهم لا يلبي رغيف خبز فكان عليهم عبور الحدود, العاطلين عن التحصيل الأكاديمي أولا ....يتبعهم صناعهم الذين كوفئوا على (صنعهم بصنيعهم )بشهادات الماجستير والدكتوراه (وجميعها بلا استثناء زمنذاك ....كانت تخرج من عباءة الاتحاد الوطني –المنظمة الحزبية الطلابية للسلطة !!) على الرغم من ادعاءهم حال عبورهم الحدود بقصص وأساطير عن الاضطهاد السياسي ورغم معرفة الجميع أن لا عمل سياسي آنذاك في العراق (باستثناء كردستان ) الا تنظيمات السلطة الحاكمة!!
والكل يعرف (اللعبة ) التي مررها احد (رفاق ) حداثتهم حين (استغفل ) عدي صدام حسين ونشر في جريدة (بابل ) قائمة بأسماء (الأدباء المرتدين والخونة!! ) فحملوا قوائم أسماءهم المفبركة تلك وصدقتها مفوضية اللاجئين ليمنتحوا من بعد حق اللجوء في عواصم الغرب....ويسردوا (أساطير الجن )التي كانت تلاحقهم (زمن النظام الدكتاتوري الفاشي!!)...
طبعا لا يغمط كلامي هذا حقوق اقلية كانت فعلا تمسك الجمر بين أصابعها وهاجرت لأجل الصراخ ....غير أنهم أقلية رغم كل شيء قياسا إلى الحشود التي ضمت حتى العباسين جيجان والجنابي !!...(وما أدراك ما العباسين ..)
وكان هؤلاء من منظري حداثة (الإشكالية الشكلاوية الكاولية ) ومنهم كاتب (التقرير ) عن الشاعر حسب الشيخ جعفر ....يعتبرون هذا الشاعر ومن يكتب على شاكلته من (الديناصورات ) وتجرا بعضهم ليعلن أن (السباب ليس بشاعر ...) وآخرون يعتبرون ناقدا مثل الراحل علي جواد الطاهر (رمة ) و(خرفا ) لأنه وهو خريج السوربون كان يصرخ :
ليست هذه بحداثة ولا هذا بنقد بنيوي كالذي درسته في مهده في السوربون !!
وظهرت في عالم (النقد الحداثي ) مصطلحات مثل (اشكالية المشكل الشكلوي الشكلاني ) وغير ذلك مما يجعل الأفيال على سعة آذانها تصاب بالصمم بسبب النشوز اللغوي ... ويأتي أدباء أهل القرى الأغرار (المخروعين) فيستسهلون(الحزورات اللغوية)السائدة والمرحب بها فينغمرون بأقصى (هلوساتهم ) فيها... حتى بلغ من يكتب وفقا (لهذه الحداثة ) في تلك الأيام ألفا ويزيد!!..
واليوم إذ يستهجن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق السابقة التي ارتكبها هذا الناقد الجامعي (وبعضهم من مدرسته وأساتذته أو جيله أو تلاميذه ) فلا يملك البعض إلا أن يسخر من (استهجانهم ) هذا ..لتشرب الثقافة العراقية بالأنفاس الطائفية !!
هذا الجامعي الذي يرتكب خطيئة بحق الثقافة العراقية لم تكن لها إلا سابقة واحدة وحيدة في الثلاثينات من القرن المنصرم حين حرض المدرس السوري (زكريا النصولي ) بإيحاء من مدير المعارف الشوفيني وقتها والسوري أيضا (ساطع الحصري)على الشاعر ألجواهري والطعن بعراقيته ....
فحدث في (أيام الاستعمار الإنكليزي ) تلك ما لا اظنه يحدث في (أيام الاستعمار الأمريكي ) هذه ..حيث تظاهر الطلبة وساندوا أستاذهم ألجواهري ولم يهدا الشأن التعليمي حتى تم ....طرد النصولي الطائفي إلى حيث أتى!!
هذا في زمن الرجعية الملكية يا تقدميو اتحاد الادباء!!...
والان ..
لا طلبة سيتظاهرون من اجل حسب الشيخ جعفر ...لأنهم شغلوا بالطائفية المقيتة ..شان معلميهم ووزارات دولتهم ...و(الهواء الذي نتنفس !!)
فاغلب المثقفين (واتحادهم العجوز أيضا..) سيكتفوا بهذا الاستهجان الذي لن يلقى صدى من حائط مدرسة ابتدائية ,وذلك ببساطة لأنهم جميعا ساهموا بتطييف الثقافة ..من خلال قبولهم بوزارة ثقافة طائفية يتوزع وكلاءها ومدراء ها العامين ووزيرها طبعا الحقائب وفقا لطوائفهم (وقد أسهم من أعضاء الاتحاد وكذلك الاتحاد بنصيب وفير من هذا الطفح الطائفي النجس:
وتأملوا كل مهرجانات المرابد ....
تأملوا كل مهرجانات ألجواهري ...
وكل أنشطة اتحادهم العتيد ..
الم تكن رهينة بأدباء (بغداد وجنوبها )؟...كان لا شمال لبغداد ولا (كتاتيب )حتى !!
وتاملو (طاقم اتحاد الأدباء وأمانته العامة ومجلسه المركزي) الم يكن مقتصرا على بغداد وجنوبها ؟
(استثني بالطبع زميلنا الأخ الكردي الفيلي من مدينة مندلي شمال بغداد والذي وضعوه ناطقا رسميا للاتحاد ...دفعا للشبهات لاغير !!)
إن معاقبة هذا التقرير الطائفي عن واحد من أهم شعراء العراق ينبغي أن لا تقل عن تقديم طلب إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بفصله من وظيفته لارتكابه جرم الطائفية في أروقة الحرم الجامعي....
ولكن ,
هل سترضى المحاصصة الطائفية التي جاءت بالسيد الوزير ووزير الثقافة ...بل وباتحاد الأدباء..وهيئة الإعلام ونوافذها (التي تتجلى فيها المواقع الطائفية جهيرة طوال أعوام الاحتلال الست المنصرمات)..؟؟
هل سيرضى كل (صناع الطائفية الثقافية ) في العراق بوقفة جادة مثل تلك التي وقفها (تلاميذ) الثانويات في العهد الملكي الرجعي البائد!! من اجل أستاذهم لجواهري..بل من اجل وحدة الثقافة الوطنية ؟؟
ان الطائفية في الثقافة ليست من الاخطاء ...بل هي من الخطايا
وما أسستهم له –علمتم به ام كان على نياتكم - هو من جعل للأكاديمي المذكور أن (يبتدع ) مثل هذه السابقة التي إن مرت تحت عباءة المحاصصة الطائفية فستتكرر مرارا... وستتكرر مرارا
وسترون أن أطروحة الدكتوراه عن الشاعر المبدع حسب الشيخ جعفر لن تناقش إلا في جامعة العمارة..
وان أطروحة للدكتوراه عن (محيي الدين زنكنة ) لن تناقش إلا في جامعة كركوك أو ديالى ...
وان أطروحة للدكتوراه عن الرصافي العظيم لن تناقش إلا في جامعة الانبار ...
وان أطروحة للدكتوراه عني (مثلا!!) لن تناقش إلا في جامعة (الشماعية )!!...
فاستهجنوا.!!!!!!...
لقد أردنا للثقافة ما أراده مؤسسو نهضتها الأوائل الكبار ... أن لا تتنجس كما تنجست بالطائفية كل مفاصل الحياة ....ولكن هاهو أول الغيث ..مبتدأ بالشاعر الوديع حسب الشيخ جعفر ..
وان مرت هذه الواقعة –كما قلنا ونكرر إلى ... أوان الصحو- في إطار (المحاصصة الطائفية )...فأغلقوا أبواب اتحادكم ..وسيروا بجنازته من ساحة الأندلس إلى ...
والله لا ادري أين ستدفنوه !!!....افي النجف أم في مقبرة الغزالي ....أم في مقبرة (الغريب )بالباب المعظم ...حيث تدفن البلدية الموتى المجهولين؟؟
اللعنة وحدها لم تعد تكفي ....فاقطعوا فتنة الطائفية عن حرم الثقافة لأجل أن لا يلعنكم التاريخ...
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟