|
مابين المثقف المحافظ و المعتدل في اقليم كوردستان
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2757 - 2009 / 9 / 2 - 19:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا يمكننا ان نصرٍح على العلن بان الثقافة و السياسة في اقليم كوردستان منفصلة عن بعضهما و يمكن تصنيفهما وفق مقومات كل منهما ، و لاسبابه و عوامله المتعددة ، من حيث تاخر تحرره و انشغال الشعب المستمر بالحركة التحررية الكوردستانية و تشابك و اختلاط المفهومين في المراحل التاريخية السابقة مع تدني المستوى الثقافي الكوردستاني العام و رضوخ المجتمع الكوردستاني لامر الواقع و هوتحت نير السلطات الظالمة التي كانت مهمتها ابعاد كل ما يمت بالثقافة عنه من اولوياتها و شغلها الشاغل لعقود متتالية، و لم يكن الشعب يهتم بالثقافة اكثر من امنياته في التحرر و الحياة المعيشية الحرة الطبيعية ، و هذا لاسبابه الموضوعية و الذاتية ، و يمكن ان نستثني ما كانت الحركات التحررية تهتم بها من الثقافة المتعددة الجوانب ، و هذا هو مربط الفرس في ما اثر بشكل مباشر على واقعه الاجتماعي الثقافي السياسي العام . اليوم وبعد الحرية النسبية و التغيير الحاصل على حال الاقليم ، نرى وضعا مختلفا شيئا ما من الناحية الثقافية و ما يرتبط بها ، و لكن الواقع الثقافي العام لم ينضج بشكل طبيعي و نشاهد تاثيرات التاريخ و السياسة و الواقع الاجتماعي ظاهرة على ملامحه . لو قرانا ما تتمتع بها كوردستان من الصفات ، اننا نتاكد في بعض الاحيان بان الثقافة لم تظهر و تبان للعيان الا في الرواق و الحديقة الخلفية و الكواليس المغلقة للسياسة فيها . ما يمكننا ان نستنتجه هو استفادة الكيانات السياسية و السياسة و السياسيين بشكل عام من الثقافة في تسيير امورهم و هم يستلمون المعونات المختلفة و الدعم الضروري منها في الاوقات الحرجة ، و من اجل بيان و تنصيع و جههم و باي ثمن كان ، و من ثم يهتمون بها من اجل ترويج سلعهم السياسية الخاصة ، و بعد ذلك يظهر المثقف و الثقافة بشكل عام كتابع و ملحق للسياسة على ارض الواقع . ماهو الملاحظ في هذه الاونة ان السياسي في كوردستان يحاول ان يكون و يظهر نفسه على انه مثقفا اوكاتبا و يظهره للراي العام ، و على الملأ يعلن بانه له باع في الثقافة و يختار فرع من فروعها من اجل بقائه في موقعه المهني و السياسي و سلطته التي وفرها له انتمائه السياسي و فعاليته التنظيمية كيفما كانت و يعتبر نفسه مدينا له و ليس لثقافته التي يتشدق بها . و في المقابل هناك العكس ، اي المثقف او الكاتب بشكل خاص لم يتحرر من تقمصه لصفات و ملامح شخصيات سياسية و تصرفاتها و ما تهمها من الصفات و السلوك و التعامل مع الاحداث . اما في حالات اخرى نلمس اختلاطا في الامور و لا يمكن التصنيف العلمي الدقيق الواقعي و افراز السياسي عن المثقف او الكاتب ، و به يمكن ان تُنفَذ الاجندات السياسية بسهولة من قبل ما يجمع الصنفين في بودقة واحدة دون اي اعتراض . السياسي المثقف او السياسي الكاتب ، هو الشخصية التي لم تتمكن من الوصول الى اهدافها و مقاصدها و امنياتها السياسية التي عملت من اجلها ، و بالتالي توجهت الى الكتابة و المجال الثقافي عوضا عنها ، في حين كانت تعتبر نفسها بمستوى اعلى من الاخرين من الناحية الثقافية و المراكز الاجتماعية ، و هي الشخصية الثقافية او السياسية البرجوازية في كثير من الاحيان ، و هي التي تبحث عن ايجاد هوية اخرى توفر لها طموحها و تُسهٍل لها الوسيلة المؤملة و الطريق السليم حسب اعتقادها في المجتمع للوصول الى مبتغاها . و اليوم ما نشاهده على ارض الواقع في كوردستان هو سيطرة الليبرالية الراسمالية التي تصنع الراي و لا تدع للفرد او المجتمع بالاخص ان يكون له رايه الحل المستقل المؤثر ، لذلك نرى ان المثقف و السياسي اختلط عليه الامور و لا يجد ما يعبر عنه من خلاله ، بحيث ان حاول طرح رايه لم يجد له اي صدى او تاثير على مجريات الامور ، و لن يبقى سوى طرحا للراي دون تحقيق الهدف . استنادا الى ما سبق ، اننا نعتقد ان القوة التي من المفروض ان تنبثق و تلد من رحم المجتمع في هذه المنطقة و في هذه المرحلة بالذات ، لتقف حجر عثرة امام الهجمات المستمرة للقوى الجشعة و الهيمنة الواسعة للقوى الراسمالية و فروعها المتعددة و وسائلها المنتشرة ، هي اليسارية التي يمكنها ان تنقذ الحال و هي غائبة لحد الساعة و للاسف و بشكل خطير عن الثقافة العامة الانية للمنطقة ، و يجب ان يعلم الجميع ان ولادتها ضرورة تاريخية ملحة ، و للاسف في هذه اللحظات ، ان المؤشرات التي تدلنا على انبثاقها لم تظهر في الافق بشكل واضح . و في الواقع كما نرى ان الظروف و الاوضاع الغارقة في سلبيات و افرازات اليمين فهي بحاجة ماسة الى ظهور و انبثاق اليسار كمنقذ طبيعي للحالة السياسية و الثقافية الموجودة ، من دون فرض فوقي او ثوري . هناك من الامور والقضايا العامة المرتبطة بوضع اقليم كوردستان وما فيه ، و لا يمكن لاية جهة ان تتطرق اليها و تحسن التعامل معها و تحل تعقيداتها اكثر من اليسار ، مسالة العدالة الاجتماعية فهي القضية المصيرية الكبرى المتلائمة الموجودة في كافة الازمنة و لا يمكن ان يتنفذ تاريخ صلاحيتها مها كان و ان وصلنا الى مرحلة يتوفر فيها مستوى ثقافي و سياسي و اقتصاي مريح، او نسبة معينة من العدالة و في اية منطقة كانت . و كذلك المساواة هي الطرف الثاني لكفة الميزان، و هي ليست بمفهوم مرتبط بما يريده المجتمع و ما هي توجهاته ، و انما مطلب ضروري واقعي يتناسب مع كافة الازمنة و في جميع الوقائع ، طالما هناك الفقر و الغنى و الفجوات الموجودة بينهما و الاختلافات في المستوى المعيشي للمواطنين و بوجود الطبقات و الشرائح المتعددة فان الالية و الفلسفة الواقعية المناسبة لضمان الحلول هي اليسارية بحد ذاتها . اي ، تكون الثقافة العامة اسيرة الواقع السياسي في مثل هذه الظروف الموجودة في كوردستان بما فيها من النظام الليبرالي الراسمالي ومن النوع المتخلف، و لا يمكن ان تتحرر الثقافة من قبضة السياسة و مخالبها الا بانبثاق نظام يعتمد على المباديء اليسارية العامة .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة التربية و التعليم بين السياسة و الواقع الشرقي
-
هل تاثرت الثقافة في الشرق الاوسط بالازمة المالية العالمية
-
اليسار الكوردستاني بين الواقع و الضغوطات المختلفة
-
متى يتجه العراق الى العمل الجماهيري و ليس الحزبي القح
-
ما هي المعارضة الحقيقية في الدولة الحديثة
-
الكورد و العملية الديموقراطية
-
الدور المطلوب للاعلام بعد انتخابات اقليم كوردستان
-
من لا يريد السلام في العراق
-
اهم مهام سلطة اقليم كوردستان محاربة الفساد في هذه المرحلة
-
الاعتدال ليس استسلام للامر الواقع
-
لماذا يفضل السياسي السلطة التنفيذية على التشريعية في منطقتنا
-
هل المبالغة في التعددية مفيدة دوما
-
هل تتاثر اخلاقية المجتمع باستقلالية الفرد المادية
-
من اجل انصاف الجميع و منهم الفيليين
-
عدم الاستفادة من الاطروحات العلمية في هذه المنطقة
-
حان الوقت لكشف الحقائق كي نعتبر منها
-
الانتهازية صفة يكتسبها الفرد في المجتمعات المضطربة
-
التنافس السلمي عامل لتقدم المجتمع
-
اسباب ضعف دور المثقف في الحياة العامة لاقليم كوردستان
-
الاوضاع السياسية في ايران الى اين؟
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|