|
اعْرَف حقوقكَ!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2757 - 2009 / 9 / 2 - 11:19
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الزميل يحيى شقير متضلِّع من "الحقوق"، عِلْماً وثقافةً ومعرفةً. وفي هذا المدار، أي "الحقوق"، دار نقاش بيني وبينه، فحدَّثني عن صحافي كان يتوفَّر على تأدية مهمة مهنية له في دائرة حكومية، فسأله مسؤول تلك الدائرة عن "مَصْدَر معلوماته"، قبل ومن أجل أن يساعده في تأدية مهمته تلك، فما كان منه إلاَّ أن أجابه، في براءة، وعلى البديهة، مميطاً اللثام عن هذا المَصْدَر.
لقد جاء إليَّ الزميل شقير بهذا المثال ليُبيِّن لي أهمية وضرورة أن يعرف ويعي صاحب كل حقٍّ حقه، فلو كان ذلك الصحافي يعرف ويعي حقه في "عدم الكشف عن مصادر معلوماته" لأجاب ذلك المسؤول إجابةً مختلفة؛ أمَّا أنا فأثَّر بي ذلك المثال بما حَمَلَني على أن أقترح عليه أن يَقْتَطِع من الجريدة حيِّزاً صغيراً ينشر فيه يومياً حقَّاً من الحقوق البسيطة والمهمة، ليُعرِّف القارئ به، وأن يتَّخِذ من شعار أو مبدأ "اعْرَف حقوقكَ" عنواناً ثابتاً له.
إنَّنا، وعملاً بمبدأ "لا إفراط ولا تفريط" في الاهتمام بقضايانا الحقوقية، نقول أوَّلاً إنَّ "المعرفة"، على وجه العموم، "سلطة" يملكها صاحبها، وإنَّ من جهل حقوقه، أو لا يعرفها، لا يمكنه أبداً الدفاع والمحاماة عنها، وإنَّ هناك من تقضي مصلحته، أو مصالحهم، في نشر وإشاعة واستبقاء ما يمكن تسميته "ثقافة الجهل الحقوقي".
قُلْتُ "لا إفراط ولا تفريط" في هذا الاهتمام، الذي يجب أن يغدو عاماً؛ ذلك لأنَّ "المعرفة الحقوقية"، وعلى أهميتها وضرورتها، تحتاج إلى أن تتسلَّح، مع صاحبها، بكثير من الأشياء، وفي مقدَّمها ما يسمَّى "دولة القانون"، أي الدولة (والمجتمع) التي تنتصر لحقوق مواطنيها كافة (والتي منها على وجه الخصوص "حقوق الإنسان" و"حقوق المواطَنة") ولا تسعى للانتصار عليها، وكأنَّها في حلف مع ذووي المصلحة في محاربتها والتطاول والاعتداء عليها.
رُبَّ قائلٍ إنَّ جهل الإنسان أو المواطن، عندنا، بحقوقه هو بيت الداء، فهناك أناس كثيرون يقولون، عن وهم، بـ "حُكْم العقل للعالَم"؛ ولكنَّ هذا "السبب"، أي ذاك الجهل، لا ينطق بالحقيقة كاملةً، فإذا أردنا استكمال معرفة الحقيقة فإنَّ علينا أن ننظر إلى السبب نفسه على أنَّه "نتيجة"؛ وإنَّ السؤال الذي يتحدَّانا أن نجيبه هو "لماذا لا يبدي الإنسان، أو المواطن، عندنا، اهتماماً بتحويل جهله الحقوقي إلى وعي حقوقي؟".
إنَّ التعليل يكمن في "الإحباط الحقوقي" الذي يعاني، والذي تجتمع أسبابه وتتركَّز في "تجربته الحقوقية الواقعية"، فـ "الأقوياء (من كل جنس ولون)"، في مجتمعنا، علَّموه، من خلال "تجاربه الحقوقية الواقعية الفاشلة"، أنَّ هوَّة سحيقة تفصل بين حقوقه، التي يعيها، إنْ وعاها، وبين جعلها حقائق واقعة، أي بين الحق ونيله.
وهذا "الفساد الحقوقي" تشحنه، في استمرار، بطَّارية مصالح الأقوياء أولئك، وبُنى اجتماعية وثقافية يستمر ويتأبَّد فيها، وبها، حُكْم الأموات للأحياء، والموت للحياة.
في الكذبة القانونية والحقوقية الكبرى، يقولون إنَّ المواطنين جميعاً متساوون في الحقوق، ومتساوون أمام القانون، فلا فرق بين "المواطِن العادي" و"المواطِن غير العادي"، بحسب ميزان الحياة الواقعية، إلاَّ بـ "التقوى"، في معناها القانوني، أي بمخافة واحترام المواطِن للقانون والدستور..
إنَّكَ تأتي برجلين، أحدهما يجيد السباحة، ومزوَّدٌ زورقاً، وغير ذلك من القوى والوسائل، والآخر لا يملك شيئاً من كل ذلك، ثمَّ تقول لهما النهر أمامكما، فاعبراه، عملاً بحقكما المتساوي في عبوره!
تقول لهما ذلك وقد لبستَ لبوس "دولة القانون والحقوق المتساوية"؛ ولكن من أنتَ في الحقيقة والواقع؟
إنَّكَ الذي بذلتَ وسعكَ من أجل توسيع وتعميق "اللامساواة الواقعية" بين هذين الرجلين "المتساويين تماماً في الحقوق".
أليس هذا هو "النفاق الحقوقي" بعينه؟!
إنَّنا لا نعلِّل أنفسنا بوهم أنَّ "المساواة الواقعية (وفي معناها الاقتصادي على وجه الخصوص)" بين مواطنين متساوين حقوقياً هي التي يجب أن تتحقَّق أوَّلاً؛ ولكننا نقول فحسب بضرورة تمكين، أو أن يتمكَّن، "الضعفاء (من كل جنس ولون)" من تضييق الفجوة الواسعة (المتَّسِعة) بين حقوقهم وممارستهم لها، بينها وبين الوصول إليها، والحصول عليها، ونيلها.
وهذا لا يتأتى إلاَّ من خلال انتزاعهم "حقوقهم المفتاحية"، التي بفضلها يتحوَّل ضعفهم، في مواجهة "الأقوياء"، إلى قوَّة، ولو شيئاً فشيئاً، فتنمو وتتعزَّز، عندئذٍ، ثقتهم بأنفسهم، وبجدوى وأهمية "الثقافة الحقوقية"، و"وعي الحقوق"، والتسلُّح بها.
وليس من سبيل لهم إلى ذلك سوى أن يتعاونوا ويتَّحدوا، وينظِّموا أنفسهم بأنفسهم، ومن أجل أنفسهم، وأن يؤمنوا بأنَّ "الجماعية"، وعياً ومصلحةً ومطلباً وعملاً..، هي وحدها "الحل"، أو المنطلق له، ففي غيابها نهوي، مع ما نملك نظرياً من حقوق الإنسان وحقوق المواطَنة، إلى الدرك الأسفل من الضعف والمهانة؛ وفي حضورها يَحْضُر الأساس لمجتمعٍ، الفرد فيه من أجل الكل، والكل من أجل الفرد!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثالوث الفساد الاقتصادي البنيوي!
-
-دولة الأمر الواقع-.. معنى ومبنى!
-
عشاء في -السفارة في العمارة-!
-
المقرحي أُفْرِج عنه.. و-الحقيقة- ظلَّت سجينة!
-
-الأوتوقراطية التجارية-.. في رمضان!
-
جمهوريات -العائلة المقدَّسة-!
-
نساؤنا في عهدهن -السيداوي-!
-
رمضان على الأبواب.. فَلْتُشْعِلوا نار الغلاء!
-
فلسطين لن تكون -إمارة رفح- ولا -إمارة أندورا-!
-
الأمير الشهيد الشيخ عبد اللطيف موسى!
-
إنَّه قانون شهريار وسايكس وبيكو!
-
نماذج نووية جديدة أربعة
-
في -الأجندة الخاصة- وأصحابها!
-
سنة على موت -هوميروس فلسطين-!
-
العبوس.. عربياً!
-
موت -الخبر-.. في الجريدة اليومية!
-
هكذا يُحارَب -التوطين-!
-
إذا لم يكن من -التطبيع- بُدٌّ..
-
إذا سلَّمْنا ب -نظام القضاء والقدر-.. فهل إرادتنا جزء منه؟!
-
أوَّل غيث -التطبيع الجديد-.. -مقالة-!
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|