ناصر السهلي
الحوار المتمدن-العدد: 839 - 2004 / 5 / 19 - 04:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
فكرة: المواطن العربي عبد القادر رحماني- السعودية
المكان: منبر الجزيرة
القضية: مواقف
ثمة إشكالية تعانيها الحالة العربية في محاولاتها لتبدو أكثر ديمقراطية وتعددية وانسجاما عما هي عليه في عيون الآخر, التي ترقب وتسجل كل حركة يأتي عليها المجتمع العربي.. وفي هذا السياق لا نتحدث هنا عن إشكالية داخلية ممثلة بالقوى السياسية والثقافية والاجتماعية المتحالفة مع النخب الحاكمة للحفاظ على امتيازات ومصالح تخصها, والتي تلعب دورا في تأخير, وربما إلغاء, تحقق شروط دخول الدولة العربية إلى عصر المواطنة.. العصر الذي يجعل من المواطن محورا للتنافس ومحورا للجهد الفردي والمشترك, والذي يعطي لهذا المواطن مكانته التي يستطيع من خلالها القيام بواجبات مواطنته تجاه قضايا وطنه..
ونحن لا نقصد بهذه الإشكالية المحاولات المستميتة التي تستدعي استخدام كل أدوات القمع والترهيب, وأحيانا الترغيب, بوجه هذا المواطن الذي يواجه في أدنى حالات تخلفه تحالفا مقدسا وخبيثا من الكثير من القوى التي تصدح شعاراتها باسم هذا المواطن والوطن الذي يباع على صحف الغرب بأسماء عربية وتقارير تسمى "استراتيجية" يقدمها أصحابها مغلفة بورق " حوار الثقافات".. تلك القوى التي لا ترى في عملها الذي يحمل طابع " العميل المزدوج" ما يستدعي اتهامها بالعمالة وهي تحاول إيهامنا بأنها تعمل "إنقاذا للوطن"...
إذا, وحتى تبدو الفكرة واضحة, وبعيدا عن شعارات كبيرة وكلمات " الفذلكة" المترفعة عن المواطن العربي طرح المواطن العربي عبد القادر رحماني المتصل بجمانة نمور في برنامجها " منبر الجزيرة" حول الموقف من "قانون محاسبة سوريا", الذي تطرقنا له سابقا, فرمى عبد القادر فوق رؤوسنا جميعا فكرة تستحق نقاشا لتتضح الإشكالية الكبيرة التي نواجهها في تعاطينا مع رغباتنا في التغيير وبث الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية.
الفكرة هي , "إجراء استفتاء حول وجود الفصائل الفلسطينية في سورية", وحتى نبدو نزيهين يقترح الأخ رحماني وجود مراقبين دوليين!
سنناقش هذه الفكرة من زاويتين : الأولى فيما يتعلق في ذاتنا العربية والثانية بما يتعلق بالآخر..
ففي الأولى, رغم النية الطيبة لصاحب الفكرة, تكمن إشكالية الوعي العربي وثقته بقضاياه بناءا على رؤية الآخر ومصالحه.. وهذا يعني بأن حالة الأمة, أو لنقل بفعل انسلاخ الكثير من نخبها, قد أوصلت المواطن في بعض أوجه تفكيره إلى حد الشك بما تمثله الظاهرة الفلسطينية, بل إلى ما تمثله حالته كلها المُراقبة من هذا الغرب وعلى رأسه أمريكا, الاستفتاء على الحالة الفلسطينية يعني فيما يعنيه أن هناك عبئا أضحت تمثله هذه الحالة على كاهل المواطن العربي وبالتالي لو أن استفتاءا جرى وقُرر نتيجته بإبعاد القوى الفلسطينية كنتيجة للعبة الانحناء أمام العاصفة التي تبرع النخب العربية في تطبيقها كلما أرادت الهروب من مواجهة التحديات بشجاعة, كما جرى في بلد عربي مجاور لسوريا وبدون استفتاء حيث لم تستطع النخب الدينية والسياسية إلا أن تعطينا حلو الكلام لا أكثر عن "أهمية فلسطين" في الوجدان العربي!
ينادي أصحاب ثقافة " كفانا عواطف" بالتعامل مع الواقع, ومن الجيد جدا أن نتعامل مع الواقع لكن أي واقع ؟
هم يطرحون علينا واقعا خياليا مرسوما في أذهانهم , ويزداد هذا الواقع في عيونهم فجاجة مع تواصل حلقات حوار يجريه هؤلاء مع الآخر في أكثر من دولة أوربية , ولمعرفتنا المتواضعة بالعقلية الغربية, ونتيجة لتجارب 20 سنة نستطيع الجزم بأنه دائما ما يروق لهذا الغربي البحث عمن يشعر بدونية وبالتالي يسهل إقناعه ليردد " الخطاب العقلاني الغربي" مغلفا بلغة عربية ركيكة لا تمت لواقع العرب إلا بلغة التماهي معه!
هذا يعني بأن ُأطروحات بعضنا, في الكثير من أوجهها, لا تكون في الحقيقة صناعة تفاعل داخلي بقدر ما تكون التباسا يحمل في طياته عناوين التشتت الفكري والثقافي الذي فرضته نخب بعينها.. ولا يمكن قراءة قرار مجلس الحكم العراقي التابع للاحتلال في العراق حول دخول العربي وضرورة وجود كفيل عراقي له إلا ضمن السياق العام لخيارات تحميل برنامج الانسلاخ على العقل والتفكير العربي العراقي متماشيا و رؤية بريمر والنخب المتحالفة معه.. ففي الوقت الذي يسرح ويمرح فيه الغربي في جغرافية عراقية يخرج علينا من تربى في كواليس قراءة الآخر لنا ليحد من علاقة المواطن العربي بالعربي الآخر لتكون النتيجة المباشرة لمثل هذا القرار واضحة: لولا العرب لكنا نحيا "الحرية والأمن!
نحن لا نقول بأن المواطن العراقي لا يتأثر وبالتالي لا يتفاعل مع الإشارات المبطنة لمثل تلك القرارات, أبدا بل هناك بلدان عربية ينقلب فيها الرأي العام وتوجهاته وفق أهواء الصحف القومية وتكون النخب في حالة يُرثى لها إذ هي كانت مجردة من وسائل الرد على دعاية الحكومات...
حتى في قضية دعم القضية الفلسطينية ماديا كنا شهودا على ما وصل إليه خبث النخب حين كانت تستخدم وسائل الإعلام لتقدم جرد حساب تفصيلية لما قدمته هذه وتلك من الدول للمنظمة أو للمنظمات الخيرية الفلسطينية, وهذه أساليب تقول للمواطن: أنظر نحن نقوم بما يجب أن تقوم به ولا تتدخل في مسألة الدعم!
هذا الخبث في العمل يأتي متوافقا مع مرحلة محاربة" الإرهاب" حيث تدخل الدول والجماعات مخيرة ومجبرة إلى درس العقلنة الأمريكي, والذي لا شك سيجد صداه عند العاجزين عن الاهتمام بالعقل إلا بما يسمح باقتناء آخر صرعة من الموبايل أو سيارات كامبرس "التي لا يمكنه العيش دونها"!
وبالعودة إلى موضوع الاستفتاء على الوجود الفلسطيني في سوريا, لا نشك أبدا بوطنية وقومية الأخ العربي الذي يطرح الأمر لتوريط أمريكا التي توزع الأوامر عما يجب فعله هنا وهناك في عالمنا العربي, ولا نشك بأن الرغبة الأمريكية ليست طموحة إلى الحد الذي يجتمع فيه العرب لاختراع مركبات فضائية تجمع على متنها الفلسطينيين لتلقي بهم على سطح المريخ, أبدا فأمريكا ترحب ترحيبا شديدا بوجود الفلسطينيين في بلاد العرب مدجنيين ومروضين دون إقلاق لراحة المشروع الصهيوني المكشوف في رفح هذه الأيام!
وفي الثانية, وهي الإشكالية الأكبر في رؤية الآخر لما يمكن أن يكون عليه الوضع عموما لو أن استفتاءات الوطن العربي جرت بنزاهة كاملة... فهذا الغرب الذي لديه تصور معين حول النتائج لا يمكنه الاعتراف إلا بما يتوافق ورسومه الإستراتيجية... هو يعلم علم اليقين بأن القوى التي يُغذيها ويصب مئات الملايين من الدولارات في فتحات عقولها, وبأن النخب التي يُلقنها دروسا في البلادة بعيدا عن الاكتراث بالنتائج الحقيقية لرغبات المجتمع العربي هي نخب لا يمكنها بالممارسة الحرة, و بانفكاك المواطن من قهر قدر الحاكم, أن تنتج إلا تزويرا فوق تزوير وكذب مفضوح فوق أطنان الرياء وكسب رضا مؤسسات الغرب..
من ناحية لا شك في أن كل منا يريد أن يكون مواطنا في دولة المواطنة, وليس تابعا لإقطاعية الحاكم ونتائجه المسبقة... وعليه هناك قوى, منظمة ومبعثرة تشكل جزءا من المجتمع المدني العربي, ترغب حقيقة أن يرفع هذا الغرب من مستوى نفاقه حول الحرية لينظر بعينين اثنتين إلى مفهوم العربي البسيط لحريته... حريته التي يراها منتهكة, بفعل وعيه الجماعي, على امتداد تاريخ من تسلط المشروع الصهيوني في فلسطين حيث المحظور في أبسط العقول يتحول إلى مباح في نفاق الأمريكي والغربي عموما... ولطالما أن التغطية الأمريكية اللاأخلاقية المقدمة أمريكيا لممارسات تجري يوميا هنا وهناك في فلسطين.. وأخرها مشهد التدمير المعلن عنه لمئات المنازل وبموافقة ما يُطلق عليه" المحكمة العليا الصهيونية" وبخطاب الخارجية الأمريكية التي ترى في الأفعال الشائنة " حقا للدفاع عن النفس", فإن هذا الآخر لن يروق له أبدا أن يسري في عروق العرب حرية الاختيار... ولذلك إن أية نتائج لمثل هذا الخيار, الذي سيحمل في طياته رسالة المزيد من التلاحم مع قضية فلسطين سيجري اعتبارها " غير نزيهة"!
أنا شخصيا أؤيد فكرة أن يجري استفتاء عربي حر حول السياسة الأمريكية في المنطقة, أؤيد بناءا على فكرة الأخ العربي استفتاء الشارع العربي بطريقة حرة ونزيهة حول رؤيته للقضية الفلسطينية.. وللوجود الفلسطيني ونضاله المشروع انطلاقا من كل العواصم العربية ومقارنة ب"نضال أمريكا لتحرير العرب" انطلاقا من أراض عربية لا يتمتع فيها المواطن إلا بخدمة قوى القمع وقوى النخب التي تحاول تمييعه ليتماهى مع مشاريع الغرب... لكن قبل هذا وذاك لا بد من الاعتراف بأن إشكاليتنا ليست فقط بسبب ما نعانيه من القوى المنتشرة على الساحة العربية, والمتحالفة مع مشاريع "حماية أمريكا وإسرائيل".. بل هي, وقبل كل هذا, مع عنجهية فرض نتائج معينة تريدها أمريكا لنا!
#ناصر_السهلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟