|
بين تنزيه الله وتنزيه الدين
تنزيه العقيلي
الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 15:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مشكلة جُلّ الدينيين أنهم إذا ما خُيِّروا بين تنزيه الله وتنزيه الدين، نزّهوا دينهم، ولو على حساب تنزيه الله، وذلك من حيث لا يشعرون، لتماهي الله والدين عندهم. وهكذا عندما يُخيَّرون بين تنزيه الله وتنزيه نبيهم أو إمامهم أو خليفة نبيهم أو قديسهم، اختاروا – كذلك من حيث لا يشعرون - تنزيه هؤلاء على تنزيه الله، فينسبون إلى الله ما لا يليق بجلاله وجماله وحكمته وعدله ورحمته، ولأنهم يعيشون غالبا في عقلهم الباطني إدراك إن كل ذلك لا يليق بجلاله سبحانه، لكنهم حيث هو موقنون من صدق دينهم، لتحول الوهم عندهم إلى حقيقة، والنسبي إلى مطلق، والممكن إلى واجب، يعتبرون لذلك ما يعتريهم من إحساس باطني، أو من شك، أو من ثمة نفور نفسي من تلك المقولات الدينية المتعارضة مع جلال الله، أو يقنعون أنفسهم قسرا بالمقولة الدينية التبريرية، بأن الله أعلم بحكمة ما لا يدركون حكمته، أو بعدل ما لا يرونه متطابقا مع موازين العدل، أو بصدق تحقق ما يرون فيه ما لا يمكن أن يكون إلا وهما وخرافة. وبهذا يمارسون – أيضا من حيث لا يشعرون - تعطيل العقل، ونسبة ما لا يليق إلى الله. وهكذا هم يُعلون من حيث لا يشعرون على سبيل المثال الداني، ويُدنون العالي، فيجعل الشيعة على سبيل المثال فيما هو الأمر عند فرق المسلين عليا من حيث النتيجة، لا من حيث التصريح أعلى مقاما من الرسول، فالقرآن يصرح بأن النبي لا يعلم الغيب، بينما تجد الكثير من الشيعة – باستثناء عقلائهم ومعتدليهم طبعا - ينسب علم الغيب كله لعلي، مع إقرارهم بنفي القرآن لذلك فيما يتعلق بنبيهم، بل غلاتهم، لا أعني الغلاة المؤلهين لعلي، فهؤلاء خارجون عن التشيع، بل الغلاة في الولاء لأهل البيت يُعلون فاطمة من حيث النتيجة إلى ما هو فوق محمد وعلي. وهكذا هم الكثير من السنة، إذ يجعلون أبا بكر وعمرا على سبيل المثال من حيث النتيجة، لا من حيث التصريح، أعلى مقاما من نبيهم، حيث ينظّرون لوقوع النبي في أخطاء، ربما لا لشيء، إلا من أجل نفي العصمة عنه كما يعتقدها الشيعة، مخالفة لهم، بينما لا يسمحون للقول باحتمال وقوع أبي بكر أو عمر في ثمة خطأ. وعموم المسلمين من كل فرقهم وطوائفهم يجعلون – من حيث لا يشعرون ولا يقصدون - نبيهم وقرآنهم وإسلامهم، أعلى مقاما، وأجل مكانة من الله سبحانه، وذلك من حيث النتيجة، ومن حيث لا يعون، وهكذا نجد جُلّ أصحاب الديانات التوحيدية، ولا نتكلم عن غيرها، لأن التوحيد هو الحد الأدنى من التنزيه، أقول جُلّهم يختارون أن ينزهوا أنبياءهم وقِدّيسيهم وصِدّيقيهم وعقائدهم وشرائعهم وكتبهم ومذاهبهم وكنائسهم ودياناتهم ومذاهبهم، حتى لو كان ذلك على حساب تنزيه الله، تنزه وعلا فوق ما يعتقدون. وكأن الأديان التوحيدية عندما أرادت فيما أرادت تنزيه العبادة من الوثنية، وتنزيه الله من الشركاء، كأنها قد استبدلت الأصنام والأوثان بالدين، فغدا الدين بمثابة هبل معنوي يُعبَد ويُقدَّس ويُنزَّه من دون الله، فاستُعيض عن الوثن المادي بوثن معنوي، وغدا الأنبياء شركاء لله من حيث أرادت هذه الأديان تنزيهه تعالى من الشرك، فمنهم من ادعى لنبيه البُنوّة لله، ثم الألوهية متجسدة بشخصه دما ولحما، ومنهم من رفض البنوة لله، واعتبر النبي ليس إلا بشرا، بل وتنزل، فلم يعتبره إلا عبدا من عبيد الله، إلا أنهم جعلوا طاعته ومعصيته، ورضاه وسخطه، وحلاله وحرامه، وتشريعاته وأحكامه، بمثابة طاعة الله ومعصيته، ورضاه وسخطه، وحلاله وحرامه، وتشريعاته وأحكامه، بل تنزلوا إلى ما دون النبي، ليجعلوا طاعة من كان قريبا من نفس النبي وحبيبا إلى قلبه معيارا لطاعة الله وحبه ورضاه، ولم يكتفوا، بل نسبوا إلى هؤلاء الأولياء علما مطلقا، وقدرة مطلقة، كما هو علم الله وقدرته. أقول هذا ولو إننا نقرّ إلى حد كبير من الناحية الفلسفية أن تكون طاعة الرسول المكلف من الله والمبعوث منه نبيا، طاعة لله، ولا بد أن يكون بحكم العقل قبل حكم القرآن «لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى»، لأن الله عندما يختار إنسانا لمثل هذه المهمة المفترضة من قبل الأديان، فلا بد أن يتمتع ذلك الإنسان بعقلية وروحية تجعلانه بالضرورة – ولو على النحو النسبي لا المطلق، ولكن بدرجة عالية جدا - لا يفكر، ولا تتفاعل عواطفه، ولا يتصرف، إلا على ضوء فهم وروح الرسالة الإلهية، ولكن هذا كله إذا ما صدقت نبوته ورسوليته، عكس ما يثبت البحث الموضوعي العلمي المتجرد والمعمق.
08/02/2009
روجعت في 31/08/2009
#تنزيه_العقيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خاطرة ستبقى تحوم حولي الشبهات
-
تسبيحة من وحي عقيدة التنزيه
-
عقيدة التنزيه ومراتب التنزيه في الأديان
-
شكر واعتذار وملاحظات للقراء الأعزاء
-
النبوة الخاصة والعامة بين الإمكان والوجوب والامتناع
-
الأنبياء بين الدعوة إليه والادعاء عليه سبحانه
-
بطاقتي الشخصية كإلهي لاديني
-
مخالفة الأحكام الشرعية طاعة لله يثاب عليها مرتكبها
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|