|
خارج النص المقدس
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 839 - 2004 / 5 / 19 - 05:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من أهم أسباب قوة الإمبراطورية العربية – أيام زمان - انفتاحها على علوم الآخرين، وعدم وقوفهم عند النصوص المقدسة على العكس مما فعله اليهود الذين كانوا يعيشون أساطير توراتهم وينتظرون تحقيق المعجزات التي جاءت بها فعاشوا منغلقين على أنفسهم خوفاً من الغزو الثقافي الذي يتحدث عنه العرب بلا كلل وفي كلِّ الأوقات..! وقد أدى تقوقع اليهود ضمن مقدسهم التوراتي إلى ضياعهم جغرافياً، وتاريخياً.. فيما كان العرب ينتجون حضارةً مزدهرة بفعل انفتاحهم على الآخرين.. وسماحهم بالتعددية الفكرية بعيداً عن دائرة المقدس فترجموا علوم اليونانيين، والفرس، والمصريين.. وأخذوا من علوم الهند، والصين.. وقتها لم ير العرب في هذا الفعل غزواً ثقافياً كما يراه عرب اليوم..! وبينما كانت أوروبا حينذاك غارقة في تخلفها تعيش على وقع رجال الدين الذين يسيطرون على كلِّ شيء، كان العرب يعيشون في مناخ مفتوح تكثر فيه الآراء بدون تكفير وأحكام بالردة.. وهي ذات الصورة الراهنة مع قلب طرفي المعادلة..! فبعد أن انقلب السلاطين العرب على مناخ الحريات، وعاد العرب المسلمون إلى تغليب المقدس بفعل تطّلب التحالف الجديد بين الشيوخ الفقهاء والاستبداد حيث ثنائية الحلال والحرام التي تجسد مقولة التكفير الكارثية بكل المقاييس: تكفير الرأي، والعلم، والفكر، والأدب، والفن.. بعد هذا النكوص، كان لا بد أن تنقلب الصورة و تنعكس المعادلة..لقد عاش اليهود خلال هجراتهم في دول حضارية شتى فانتبهوا إلى الدروس التي عليهم الاستفادة منها ولجئوا إلى كل الوسائل الممكنة حتى استطاعوا العودة وإقامة دولة حديثة على غرار الأنظمة الحضارية التي خبروها متسلحين بكلِّ أدوات، وعوامل التقدم والعلم وعلى رأسها الديموقراطية.. بينما عاد العرب بدورهم لكن إلى الأساطير، والخرافات.. وانكفئوا إلى النصوص المقدسة ظناً منهم أو اعتقاداً أنها هي التي كانت وراء تقدمهم السابق فوقفوا عندها كمرجعية تأسيسية حيث سادت سلفية واحدية تكفيرية لا تقبل الآخر وتجابه كل محاولة للتغيير مما أوصل العرب المسلمين إلى ما هم عليه الآن من ذلٍ وهوان وتخلف عن ركب الحضارة..أما أوروبا التي استفاقت من واحديتها القروسطية بعد أن استوعبت دروس التاريخ، فقد أفلحت في أن ترث كل عصارات الحضارات القديمة.. وتفاعلت بحيوية مع كل ثقافات الأمم القديمة والجديدة من تراث اليونان، إلى الرومان، إلى تراث الفراعنة، إلى الرافدين، إلى الهند، إلى الصين، إلى فارس ..ومن أوزيريس، إلى جلجامش، إلى أوديب.. وكل ذلك تمَّ بدون تحفظات دينية، أو عقد دونية.. وبالفعل أثبتوا بقدرتهم الفّذة على التغير، والتطور أنهم ورثة الحضارات الإنسانية كافة وبجدارة مذهلة دون أن ينتابهم الشعور أنهم بأخذهم من حضارات الأمم يعرِّضون أنفسهم للغزو الثقافي وغير ذلك من مقولات العرب المسلمبن..! والآن تستمر الشعوب في كافة أنحاء المعمورة في التلاقح الحضاري سائرةً نحو الأمام بينما يغطس العرب المسلمون في الجهل اليقيني يتغنون بحضارة أسلافهم الواحدة التي أكل الدهر عليها وهو يشرب الآن..! وسيظل يشرب إلى أن يخرجوا من قوقعة المقدسات اليقينية وذلك لا يتم بغير بناء دول لا يكون الدين عنوان دساتيرها والمؤسف أنَّ الأحزاب العربية التقدمية- بدون استثناء -لم تجرؤ بعد على تبيان موقفها القاضي بفصل الدين عن عملية بناء الدولة وهو المخرج الوحيد لكي يعود العرب إلى التوافق مع مسيرة الحضارة الإنسانية..ولا شك أنَّ تهرب الأحزاب، والقوى المدنية من اعلان موقف برنامجي صريح من هذه الموضوعة الجوهرية يفقدها المصداقية في حيازتها لخيارٍ آخر من خارج الخيارات المتداولة.. وهي بذلك تترك الساحة للتيارات الأصولية التي استفردت بالناس ملتقية مع الأنظمة الحاكمة في حلفٍ مستتر كان حتى الأمس القريب معلنٌ بدون مواربة..! نعم إنه حلف مستتر بالرغم من التعارضات السياسية بين الأنظمة والتيارات الأصولية فالأنظمة العربية على اختلاف مشاربها تعيد إنتاج الفكر الديني ولكن بشكل انتقائي يخدم مصالحها مما يفسح المجال للإسلام السياسي ليقوم بدوره بعملية انتقاء متعارضة مع انتقاءات الأنظمة..ويصبح من الطبيعي، والمنطقي أن ينحاز أغلبية الناس إلى الأحزاب الإسلامية من واقع أنها الأحق والأجدر على تنفيذ ما تدعيه الأنظمة إياها..وهنا يكمن سر الحقيقة التي يتكلم عنها الجميع والتي تتجسد في كون الإسلام السياسي هو البديل الفعلي للأنظمة الراهنة في حال توفر حالة سياسية تسمح بالتغيير..! بعد الذي تقدم يصبح مفهوماً أن لا يكون أمام حسن الترابي في السودان سوى دعوة الشعب السوداني للدعاء سبعة أيام على الأمريكان..وأن يقول ديكتاتور مثل الرفيق المجاهد صدام حسين: إنَّ الأوباش الأمريكان يضربونه بالتكنولوجيا ولا يجرأون على المنازلة رجل لرجل..وأن يقول أخرون أرضهم محتلة منذ عشرات السنين عندما يصفعون بين الفينة والأخرى من باب التأديب والتذكير بقوة العضلات سنرد في يوم ما بعونه تعالى..!
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف ينظراليعربي العلج إلى المرأة..؟
-
الذبح على الطريقة الإسلامية - الجزء الثاني-
-
الذبح على الطريقة الإسلامية
-
أنا أفكر اذاً أنا غير موجود
-
المدرسة السورية لاعطاء الدروس المجانية
-
عندما يصبح الكيلو: غراماً واحداً
-
الله و الإصلاح والتشيؤ
-
الوحدة الأوروبية والببغان العربي
-
عفواً سيادة الرئيس
-
شخصنه الأحزاب والمنظمات في سورية
-
إشهار الحزب
-
عطوان في تطوان يا حادي العيس
-
حين تلعب السلطة بالجميع
-
نداء عاجل لا تعقدوا القمة
-
العبور المستحيل
-
عن جدوى الكتابة
-
صاحب الكلكة وربيع سورية
-
ماهية الانتصار في الزمن الراهن
-
المتاجرة لبنانية والتاجر ميخائيل عوض
-
غباء القوة
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|