|
العالم العربي -إيران - تركيا/ أزمة البحث عن الهوية والمستقبل/الحلقة الأخير / النموذج التركي
سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2754 - 2009 / 8 / 30 - 09:35
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
ما بين ( بطرس الأكبر ) مؤسس العلمانية في روسيا العام 1689 - 1725 وبين كمال أتاتورك مؤسس العلمانية في تركيا ما بعد الخلافة العثمانية العام 1881 – 1938 فارق زمني كبير . القاسم المشترك بين الرجلين ، السعي لخلق هوية متميزة في عالم كان يتجه حثيثاُ نحو إنقلاب في كافة مؤسسات المجتمع ، وتناغما مع عصر صناعي جديد . حمل معه رياح التغيير على كافة الصعد . بطرس الأكبر عنما عاد من جولته الاوربية في حينها ، كان اول ما أقدم عليه ، قراره بحلق اللحى الطويلة ، ونزع الطربوش المخروطي ، ومنع ( النبلاء ) من إرتداء الثياب الطويلة . كانت إصلاحات تناولت المظهر ، في الوقت الذي بنى فيه دولة جديدة قائمة على أساس الصناعة والعلم وبناء القوة العسكرية . والأهم وضع حد لسلطة الكنيسة الشرقية . عمر روسيا في التاريخ لايتجاوز في عمقه التاريخي لأكثر من 1200 عام . لكن هذه الإصلاحات كانت الخميرة التي شكلت في حقب زمنية لاحقة مقدمة لكي تضع روسيا أقدامها على حافة الحدود الاوربية كدولة ذات إعتبار وثقل إقليمي . ما حصل في روسيا يشابه الى حد كبير ما حصل في تركيا الخلافة ، في العام 1924 قام كمال أتاتورك ، بطرد الخليفة عبد الحميد وأسرته دون رجعة . وإنهاء الخلافة العثمانية الإسلامية ، وإلغاء المحاكم الشرعية ووزارة الاوقاف الدينية . وإغلاق مدارس التعليم الديني وفرض الأحرف الرومانية – الاتينية مكان اللغة العربية . ومنح المرأة الحق بالتصويت . وحلق اللحى ونزع العمائم . وايضا عمر تركيا في التاريخ هو عمر حديث . كانت المنطقة التركية بحودها الجغرافية الحالية خلال العهود القديمة ، مسرحاً لقتال ضاري بين الفرس والهلينيين . وفي العصر الحديث تشكلت من نتائج سياسة الدمج بالقوة لقوميات متعددة ، وإحتلال أراضي الجوار . ما يسجل لكمال أتاتورك هنا ، هو المقدرة على إتخاذ قرار إعادة صياغة وطن تركي حديث . دون الخشية من ردود فعل الماضي وتأثيره على الحاضر ، بهدف ضمان مستقبل أفضل . لم تحدث قرارات أتاتورك ردة فعل شعبية عارمة ، على قرارته الإصلاحية ، بل في أغلب المناطق لقيت ترحيباً . بإستثناء ما أعتبر خطأً تاريخياً وقع فيه أتاتورك ، هو موقفه المناهض لحقوق القومية الكردية . والتطهير العرقي للقوميات الأخرى ( الارمن ) الذي لازالت تركيا تحصد فيه الى الأن ثمن هذه السياسات الشوفينية . أتاتورك أراد سباق الزمن ، وتعويض ما فات من سبات شتوي طويل أيام الخلافة العثمانية التي ألغت من قواميسها لغة التطور ، وإعتمدت على توظيف النص الشرعي بما يتلائم ، ومصالح السلطان وحريمه وجواريه وتحصيل الجزية السنوية. تحت عنوان بيت مال المسلمين ..؟ نحن الآن في عصر مختلف ، تم إرساء أسس علمانية لدوله ناهضة من بين أحضان جواري السلطان ، إنضمت الى الحلف الأطلسي في العام 1952 . كتعبيراً عن تطلعاتها الاوربية . وإعلان القطيعة مع الماضي . بيد أن المتابع للشأن التركي في السنوات الأخيرة ، يلحظ ميلاً متزايداً للسياسة التركية الى لعب دور إقليمي مركزي . من خلال إدخال العامل الديني الذي خرج من الباب الواسع ، عبر إدخاله من نافذة جانبية . ليس من موقع إعادة إحياءه ، بل من موقع إعادة إستغلاله في الصراعات الإستراتيجية التي تذخر بها منطقة الشرق الاوسط . وبشكل خاص في مواجهة العداء التاريخي مع الدولة الفارسية ، وفي تقوية فرصها واوراقها في مواجهة الرفض الاوربي لإنضمامها الى مجموعة الإتحاد الأوربي . بل أيضاً في مد خيوطها نحو البلدان الآسيوية التي خرجت من النظام السوفياتي السابق . هناك وجهة نظر أوربية تعتبر أن تركيا كمال أتاتورك هي غيرها تركيا أردوغان . ويتساءل البعض ، هل نحن أمام خلافة عثمانية جديدة بثوب عصري ..؟ بغض النظر عن الجواب الذي يحتمل كافة التفسيرات سواء سلباً أم إيجاباً ، مع أو ضد . فإن هناك في الواقع ثلاثة نقاط تتمحور حولها السياسة التركية . على قاعدة الحفاظ على هويتها المتميزة التي أرساها أتاتورك . السعي حول تثبيت الدور التركي ( السني ) ممثلاً للنخبة الدينية المتنورة ، في العلاقة مع العالم العربي . أي الطرف المقابل للقومية الفارسية التي تهدد الامن القومي العربي . وهو صراع مفتوح وتاريخي . وهنا يمكن ملاحظة إستدعاء الدور التركي للعب دور مقابل ومعادل في الشأن الداخلي العربي في مواجهة الدور الإيراني . ( وسيط في المفاوضات السورية – الأسرائيلية – وسيط في صراع حماس مع فتح – وطرف مفاوض بالنيابة بين ليبيا وبلدان أخرى ) . ما يهم تركيا هنا أولاً العامل الإقتصادي . الدور السياسي ادي الى إحياء وتنشيط العلاقات الإقتصادية بين العالم العربي وتركيا . وفتح أسواق جديدة للصادرات التركية . فبعد سنوات طويلة من التركيز على هوية تركية اوربية ، عادت تركيا الى لعب دور أوسطي ، دون التخلي عن طموحها الاوربي . لأن الدور الأوسطي تسجل به نقاط قوة على الخصم الاوربي . من موقع أنا مفتاح الحل في الشرق الاوسط . وأنا كدولة اوربية الأكثر تفهما لتعقيدات المنطقة . التي يستنشق العالم منها هواءه البترولي . من جهة أخرى فإن تحسين العلاقات مع العالم العربي ، يساعدها على مواجهة خصومها في بحر إيجة وقبرص . ربما ما حصل في حرب الخليج ، يوضح الى حد بعيد ما يمكن إعتباره الإنتهازية السياسية للعثمانية الجديدة . كانت الولايات المتحدة قد دخلت بداية الآزمة الإقتصادية العالمية . والرئيس الآسبق بوش ادرك أن مصلحة الأمن القومي الأمريكي ،تحويل الأنظار عن الآزمة المتفاقمة ،إضافة الى سياساته الفاشلة . وبدأت عملية الترويج للحرب من خلال شبكة ( NBC ) والشبكة المذكورة مملوكة لشركة جنرال إليكتريك التي تقوم بتصميم وتصنيع معظم الأسلحة التي يستخدمها الجيش الامريكي . ومنها بطاريات صواريخ الباتريوت والكروز وتوماهوك ، وطائرات الأواكس . بيد أن تركيا العثمانية الجديدة إشترطت مقابل موقف تركي مع السياسة الامركية ، تزويدها بمعدات حديثة منها نظام الباتريوت . وبالتالي وقع الشعب العراقي ضحية عمالة نظامه للآمريكان ، وضحية الأزمة الإقتصادية الأمريكية ، وضحية الرغبة التركية في تحسين وضعها الأمني . لم يدخل الأنتماء الديني المشترك ، كعامل رحمة أو شفقة .. بل كان عاملاً مساعداً على إبتزاز موقف ومصالح نفعية . ربما ادركت تركيا اردوغان أن ما يقدمه العالم العربي لتركيا ، اكبر وأهم مما يقدمة الاتحاد الاوربي . تركيا لم تستطيع تحقيق نسبة صادرات متميزة الى أوربا ، بل في العلاقة مع العالم العربي كانت هي الشركة الرابحة . ليس فقط في العلاقات الإقتصادية بل حتى في قضايا الأمن الأستراتيجي التركي في مواجهة الدور الإيراني التوسعي . سواء في الخليج أم العراق وحتى سوريا . وبالتالي لم يحول الإنتماء الديني ( البرغماتي ) دون تلويح تركيا بسلاح المياه في القضايا الشائكة او العالقة مع بلدان الجوار . مناطق الجزيرة السورية تعاني العطش ، وتراجع المحصول الزراعي السوري ، وفقد العديد من المزارعين أرضهم بسبب الجفاف وكذا في العراق . القضية هي مصالح فقط . كلاهما تركيا وإيران وظفا الدين لخدمة إستراتيجيتهم ، وتمايزهم عن شعوب العالم العربي . وحدة العالم العربي هو الرجل المريض على أيدي حكام ، همهم مصالحهم الذاتية فقط لا غير . لاادري كيف يمكن للتاريخ أن يوصف هكذا أنظمة ..؟ حتى بعض العبارات الشعبية السوقية قد لا تكون هي التعبير المناسب . ترى هل حكام العالم العربي ،هم من ورثة المرحومة ( ماري أنطوانيت ) ..؟ على كال حال ، التاريخ بقضه وقضيضه لايساوي في حساب الحاكم سوى صفراً .ولا أحد معني منهم بما قاله أبو زيد نقلاً عن بني حسن ، او كان حديثا مدسوساً ، ام صحيحاً . دع الآخرين يلتهون بفتات التاريخ ونظم القوافي ، وبفتاوي النكاح ، طالما أن ذلك يديم نكاح الحاكم للمحكوم . ما يمكن ان نخلص اليه هنا ، انه على الرغم من الخلاف الإيراني – التركي لكن لكلاهما مصلحة في تفكيك خارطة الشرق الاوسط بشكلها الحالي . لأن إنهيار ما يسمى بنظام إقليمي عربي ، هو مصلحة إيرانية ، ومدخلاً للعب دور تدخلي أوسع في شؤون الخليج . وتركيا لها مصالحها في إعادة دورها كلاعب رئيسي سياسي وإقتصادي وأمني . نحن في مواجهة حرب باردة بين عثمانية جديدة ، وفارسية مقنعة . والمنظمات الإسلامية الثورجية ، ليست أكثر من سيف صدأ بيد الطرفين
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم العربي - إيران - تركيا / أزمة البحث عن الهوية والمستق
...
-
العالم العربي - إيران - تركيا / أزمة البحث عن الهوية والمستق
...
-
العالم العربي - إيران - تركيا / أزمة البحث عن الهوية والمستق
...
-
العالم العربي - إيران - تركيا / أزمة البحث عن الهوية والمستق
...
-
وداعاً للسلاح ..وأهلاً ياجنيف..؟
-
الى العلمانيين والمؤمنيين والديمقراطيين والليبراليين/ لنتضام
...
-
لم يولد الإنسان لكي يبقى طفلاً ..؟
-
دعوة الى فض الإشتباك اللفظي/ والعودة الى الحوارالمتمدن الديم
...
-
صورة الزعيم حتى في غرف النوم / بإستثناء مكان واحد فقط..؟
-
دور أجهزة الأمن في ترهل النظام السياسي العربي
-
أزمة المواطنة في العالم العربي. مواطن درجة أولى ..ومواطن درج
...
-
تراجيديا الترهل . هل نحن أمة واحدة ...ذات رسالة خالدة ..؟
-
اليمن - ليبيا - مصر / الآب والأبن بدون روح القدس
-
شهادة الصحافي اليوناني الذي إعتقلته السلطات الإيرانية أمام ا
...
-
وجهة نظر يونانية حول قضية القدومي
-
نكاح حلال.. وثقافة النفاق مع الذات والرمز
-
شاطئ النقاب الذهبي الحلال
-
حوار مع الأستاذ إبراهيم علاء الدين .. المهم بناء وطن وليس كن
...
-
لمصلحة أية أجندات سياسية توظف منظمات التطرف الآصوليةالإسلامي
...
-
لماذا لا تجلد فرنسا المنقبات
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|