أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كاظم حبيب - العراق وفضيحة التعذيب في السجون العراقية (1-4 حلقات) الحلقة الأولى - هل من نهاية قريبة للإرهاب والاحتلال ومآسي القسوة والتعذيب في العراق؟















المزيد.....



العراق وفضيحة التعذيب في السجون العراقية (1-4 حلقات) الحلقة الأولى - هل من نهاية قريبة للإرهاب والاحتلال ومآسي القسوة والتعذيب في العراق؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 838 - 2004 / 5 / 18 - 04:30
المحور: حقوق الانسان
    


إن من يطالع تاريخ العراق القديم والحديث سيجد نفسه أمام حبلٍ غليظٍ يمتد به منذ قرون طويلة حتى الوقت الحاضر, إنه حبل الاستبداد والقسوة والتعذيب الذي لم يترك الشعب العراقي ولا للحظة واحدة يرتاح فيها من عواقب تلك السياسات الظالمة رغم محاولاته المستمرة لوضع حد لمثل هذه السياسات. ولم يكن المحتلون باستمرار هم وحدهم من يخضع السكان ويسلط عليهم الاستبداد والتعذيب والقهر, بل غالباً ما تعرض هذا الشعب لاضطهاد واستبداد شرسين من جانب أبناء الوطن ذاته. وإذ كنا قد اطلعنا على القوانين الخاصة بالأحكام التي هي بمثابة أساليب تعذيب بحق المخالفين أو المختلفين مع الحكام الجائرين في عهود العراق القديم, فأن تاريخ الدول الإسلامية الأموية والعباسية والعثمانية والدويلات المختلفة في العهد العثماني والمماليك, وكذلك في فترات الهيمنة الفارسية على العراق, يقدم صوراً مأساوية رهيبة عن أساليب الاستبداد والقسوة والتعذيب والتخريب والموت في العراق. وسوف يبقى اسم الحجاج بن يوسف الثقفي كواحد من أشرس الحكام الذين سلطوا الإرهاب على رقاب الناس واستخدم السيف في قطع الأعناق وأقام السجون ومارس التجويع والتعذيب في إذلال من اختلف معهم. وانتقل هذا الوباء القاتل والهوس النفسي المرضي عند الحكام من الدولة العثمانية بأحكامها القرقوشية وحكامها القرقوشيين وأساليبها القمعية الإقطاعية إلى الدولة العراقية الحديثة في ظل الهيمنة البريطانية على العراق, بل حتى بعد إحراز الاستقلال أيضاً. ولم يمنح الشعب العراقي فرصة التمتع بالحرية والحقوق الأساسية للإنسان رغم نضالاته الطويلة في سبيل ذلك, إذ سلط الحكام الملكيون الجدد ذات الأساليب لمنع الشعب من ممارسة إرادته الحرة وحقوقه المنصوص عليها في الدستور العراقي الجديد الذي أقر في عام 1925. ويعرف الإنسان الذي أجبر على أن يكون نزيلاً في أحد السجون العراقية في العهد الملكي قسوة التعذيب وشراسة التعامل التي كان يتعرض لها سجناء الرأي والفكر والسياسة أثناء التحقيق أو بعد صدور الأحكام عليهم. وكانت التحقيقات الجنائية ومراكز الشرطة والمعتقلات والسجون, وخاصة سجون بغداد والكوت وبعقوبة ونقرة السلمان والحلة والموصل وغيرها مواقع أساسية لممارسة التعذيب النفسي والجسدي والجور ضد المعتقلين.
وفي العهد الجمهوري عاش الشعب العراقي المأساة ذاتها بعد فترة وجيزة من انتصار ثورة تموز 1958, ولكن أشد تلك الفترات سواداً ومرارة كانت في العام 1963 ثم مجيء البعث الثاني إلى السلطة في عام 1968 حتى سقوطه في ربيع عام 2003. ويعرف المجتمع العراقي تماماً بأن سجناء الرأي والفكر والسياسة من شيوعيين وقوميين وبعثيين يساريين وديمقراطيين من أعضاء الأحزاب الكردية والقوميات الأخرى وإسلاميين واشتراكيين وخضر وديمقراطيين مستقلين قد تعرضوا في فترات مختلفة من سنوات حكم البعث العفلقي - الصدامي إلى شتى صنوف التعذيب وممارسة أقسى أشكال الاضطهاد والقمع النفسي والجسدي بما في ذلك الاغتصاب الجنسي وهدر الكرامة ورمي الإنسان الحي في مكائن فرم اللحم البشري العملاقة أو وضعه في دور المجانين. وليس خافياً على أحد بأن عشرات ألاف البشر قد تعرضوا للموت في سجون النظام وتحت التعذيب. وكانت المأساة هائلة ومستديمة لسنوات طويلة. واستمرت ماكنة القمع والتعذيب والقتل تعمل حتى يوم سقوط النظام في التاسع من نيسان عام 2003.
كان الأمل بانتهاء موجة العنف والقسوة والتعذيب من أرض العراق ومن السياسة العراقية قد برز واضحاً من الفرحة بسقوط النظام السريع. ولكن الفرحة لم تدم طويلاً, فها نحن نعيش من جديد آلة التعذيب النفسي والجسدي تمارس من جديد بحق العراقيات والعراقيين من جانب سلطات الاحتلال التي قالت لنا وأرادت منا أن نصدقها بأنها جاءت محررة لا محتلة, وأنها تريد إنقاذنا من انتهاك حقوق الإنسان وإعادة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إلى بلاد العراق. لقد حولت, شاءت ذلك أم أبت الجلاد بحق الشعب العراقي خلال فترة صدام حسين إلى ضحية جلدها له, وليس في هذه الأفعال الدنيئة سوى العار الذي سوق يلاحق كل الجلادين أينما كانوا.
وزعت خلال الأيام الأخيرة مئات الصور وبعض الأشرطة السينمائية التي تكشف عن ممارسات لا إنسانية بحق المعتقلين السياسيين والأسرى في السجون العراقية, وخاصة سجن "أبو غريب". ابتداءاً من الضرب وخلع الملابس والسير عراة إلى وضع القيود والشد على الجدران والسحل بالحبال, إلى الاغتصاب الجنسي للنساء والرجال. إنها أساليب الإذلال التي رفضناها لإنفسنا فكيف نرضى بها لغيرنا, حتى لو كان الغير نفس الشخص الذي مارس التعذيب والقسوة والجور بحقنا, إنها المحنة التي ابتلى بها العراق الحبيب والشعب العراقي. إن الاحتجاج المتعاظم والأصوات المرتفعة في سماء العالم ضد الولايات المتحدة على تلك الممارسات عادلة وينبغي أن تستمر حتى تكشف أوراق التحقيق والمحاكمات عن المسئولين عن تلك البشاعات اللاإنسانية بحق الإنسان العراقي. ليس عدلاً أن نطالب بوقفها بحجة أن صدام قد مارس أكثر منها. فممارسة انتهاك حقوق الإنسان من أي جهة أو نظام أو دولة أو ينبغي أن ترفض وتدان وتحاسب عليها, وأن يجري تعويض لضحايا التعذيب في كل الأحوال وبأشكال مختلفة. إن القانون الديمقراطي هو الذي يقرر من مارس التعذيب, من كان الجلاد, ومن هو الضحية, وعندها يأخذ بحق الضحية من الجلاد, أياً كان.
إن علينا أن نطالب لا بإدانة التعذيب الذي جرى في العراق ومنع حصوله لاحقاً فحسب, بل نطالب أيضاً بما يلي:
• الكشف الفعلي وبشفافية عالية عن المسئولين مباشرة عن إصدار الأوامر لممارسة التعذيب.
• تقديم جميع المسئولين أياً كان مركزهم السياسي والوظيفي إلى المحاكمة لينالوا جزاؤهم العادل.
• إبعاد السياسيين المسئولين عن تلك الجرائم من المسئولية السياسية, إذ أن في ذلك مخاطر جمة على القانون وعلى النموذج الذي يفترض أن يحتذى به.
• إيقاف جميع أشكال التعذيب أو ممارسة الضغط على السجناء وأسرى الحرب بهدف انتزاع معلومات منهم.
• تحسين ظروف السجناء والمعتقلين وإلغاء تلك السجون والمعتقلات التي استخدمها نظام الدكتاتورية السابق واتخاذ كل السبل الضرورية لتحسين معاملة السجناء والأسرى من مختلف الجوانب.
• تعويض الذين تعرضوا للتعذيب ومعالجتهم نفسياً وصحياً.
• الكشف عن العراقيين المرتبطين بهذا الشكل أو ذاك بقضايا التعذيب أو الذين عرفوا به ولم يحركوا ساكناً, إذ أنهم غير جديرين في نيل ثقة الشعب بأي حال, خاصة أولئك الذين لهم علاقات حميمة خاصة وعمل مشترك مع أجهزة الاستخبارات العسكرية والمخابرات المركزية الأمريكية في العراق أو في الولايات المتحدة.
إن هذه الحقيقة لا تمنع من مطالبتنا باستمرار اعتقال المسئولين عن التعذيب في فترة حكم صدام حسين حتى لو كانوا ضحايا التعذيب حالياً بعد أن ينالوا العلاج والتعويض المناسبين, إذ أن التعذيب الذي تعرضوا له شيء وممارستهم التعذيب ضد العراقيات والعراقيين قبل ذاك شيء آخر وينبغي أن لا نخلط الأوراق. فالقانون ينبغي أن يأخذ مجراه في جميع الحالات.

ندرك جميعاً بأن الحرب والاحتلال يشكلان بحد ذاتهما خرقاً للشرعية الدولية وتجاوزاً على حقوق الإنسان, إضافة إلى أننا ندرك أيضاً بأن هذه الأساليب الشرسة في التعامل مع الإنسان تكون مصاحبة للحروب والاحتلال, وليس أدل على ذلك ما يحصل يومياً في فلسطين بسبب احتلال إسرائيل لها واعتقال المزيد من البشر والعقوبات الجماعية والقتل الإرهابي المتعمد باستمرار. ولهذا وقفت ضد الحرب ورفضت قرار مجلس الأمن رقم 1483 لسنة 2003 بفرض الاحتلال رسمياً على العراق, باعتباره مخالفة صريحة للقوانين الدولية. وتوقعت تداعيات غير قليلة نتيجة الحرب والاحتلال, رغم قناعتي بأهمية وضرورة الخلاص من نظام صدام حسين وعدم قدرة المعارضة بأوضاعها تلك على الخلاص وأشرت مرة إلى أن النظام الصدامي نظام استثنائي وإسقاطه بحاجة إلى إجراء استثنائي.

إن العراقيات والعراقيين سيستمرون في نضالهم الراهن والعمل من أجل إنهاء الاحتلال بالطرق السلمية ووفق مقررات مجلس الأمن الدولي وما يقوم به السيد الأخضر الإبراهيمي حالياً في العراق باسم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والسكرتير العام. وأرى بأن الطرق السلمية في النضال هي الأفضل والأكثر قدرة على تحقيق الخلاص من الاحتلال رغم مصاعبه, إذ أن الطريق العسكري الراهن لا يقود إلا إلى تنشيط الإرهاب والقتل ويزيد من العمليات المضادة, وبالتالي سيكون الخراب والدمار والموت نصيب المزيد من العرقيات والعراقيين دون مبرر, خاصة وأن هناك من يريد جعل العراق ساحة للموت والدمار.
دعونا نعود مرة أخرى إلى مسالة التعذيب في العراق. إذا اتفقنا على أهمية وضرورة شجب ما قامت به قوات الاحتلال من تعذيب لمجموعة من السجناء والأسرى دون قيد أو شرط وبأشد أشكال الاحتجاج صراحة وجرأة ووضوحاً, فمن حقي أن أقول بأن الاعتذار الذي أبداه رئيس الدولة الأمريكية مناسب, وهي الخطوة الأولى المهمة التي يفترض أن تتخذ خطوات لاحقة لها, خاصة وأن عدداً متزايداً من المسئولين قد أعلنوا اعتذارهم أيضاً بمن فيهم رامسفيلد وباول ومايرز. يفترض أن نقول بأن الاعتراف بما وقع وإدانته والتزام الحكومة الأمريكية بالتحقيق بالتهم الشنيعة ومحاكمة المسئولين أمر مقبول, كما أرى, وعلينا مراقبة ما يجري في هذا الصدد. ولكن الأسئلة التي ما تزال تلح عليً وعلى الملايين من العراقيات والعراقيين هي الآتية:

• لِمَ وقع كل ذلك, وهل التربية في وحدات معينة من الجيش الأمريكي, وخاصة الاستخبارات العسكرية, تشجع مثل هذه الممارسات, خاصة وقد اطلعنا على أساليب التعامل السادية مع اللاجئين من أمريكا الجنوبية إلى الولايات المتحدة, أو أساليب التعامل الوحشية مع الأسرى الفيتناميين أثناء الحرب الفيتنامية أو أسلوب التعامل مع معتقلي غوانتانامو في كوبا, إذ لا يمكن أن تكون هذه الأساليب طارئة واستثنائية, بل ذات طبيعة منهجية ومدروسة ومتفق عليها سلفاً؟
• ِلمَ لم يرتفع صوت الحكومات العربية بالاحتجاج على ما جرى في العراق من تعذيب للأسرى والسجناء من قبل جنود وضباط أمريكيين ؟ هل لأنهم يمارسون هذه الأساليب يومياً في سجون ومعتقلات بلدانهم إزاء الإنسان العربي وغير العربي؟ هل لأن الولايات المتحدة تمتلك سجلاً كاملاً بالنسبة إلى كل دولة من هذه الدول حول انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتعذيب السجناء والموقوفين في بلدانهم؟
• أين كانت القوى السياسية المختلفة وأجهزة الإعلام المتحيزة, التي لم يرتفع صوتها اليوم ضد ما يجري في العراق حالياً, وليس في هذا من خلل بل صائب وسليم, أيام كان صدام حسين يمارس التعذيب والقتل في السجون العراقية بمئات المرات أكثر مما مارسته مجموعة الجنود والضباط الأمريكيين في العراق؟ لِمَ لم يرتفع صوتهم ضد ذلك النظام القومي العنصري المعادي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, نظام صدام حسين؟ لِمَ لم يجر الاحتجاج على مجازر الأنفال والكيماوي في حلبجة والقتل الواسع لعرب وسط وجنوب العراق والكرد الفيلية ومعارضي النظام في المناطق الأخرى من العراق؟ هل التعذيب والاغتصاب والقتل على أيدي أبناء البلد هو أهون من التعذيب والاغتصاب والقتل على أيدي المحتلين؟ وهل جرح كرامة الإنسان وإذلاله وتركيعه يختلف إذا كان من عراقي يمارس ضد مواطنيه عن ممارسة ذلك من جندي محتل؟ أم هل المعايير المزدوجة هي التي تحكم ذهنية هؤلاء الأعراب الأكثر نفاقاً, حسب ما جاء في القرآن الكريم؟
• ألا تعرف هذه الأجهزة والقوى السياسية العربية ما يجري في سجون الدول العربية دون استثناء, وما يجري إزاء شعب دارفور في السودان تمييز عنصري وتشريد ظالم وتجويع مميت للأطفال والشيوخ والعجزة والنساء, أم أن الإنسان يختلف بين بلد وآخر, وأن الإنسان والدم العربي هما أفضل من البشر في السودان الأفريقي؟ هل من حقنا أن نقبل بتعذيب هذا الإنسان ونرفض تعذيب إنسان آخر, أم علينا رفض التعذيب جملة وتفصلاً وفي كل مكان في العالم.
لا يمكن لكم أيها السادة أن تتعاملوا بشكل مختلف أو وفق مناخين على سطح, كما يقول المثل الشعبي الكردي, أو الكيل بمكيالين.
إن من حقي أن أطالب كل النظم العربية أن تشجب الإرهاب والتعذيب والتمييز الذي تمارسه ضد أصحاب الرأي الآخر في بلدانها, أن تطلق سراح جميع المعتقلين من أصحاب الرأي الآخر, أن تكف عن اعتقال المزيد منهم وتعريضهم للإهانة والحط من كرامة ومسخ إنسانية الإنسان والقتل المتعمد.
إن علينا أن نعمل من أجل وضع حدٍ لإرهاب المنفلت من عقاله في العراق وحيثما وقع ذلك, علينا أن نمنع تحويل العراق إلى ساحة للصراع الدولي والإقليمي والعربي, في وقت يعاني الشعب العراقي من أبشع الأوضاع الإنسانية بسبب السياسات السابقة للدكتاتورية المخلوعة, وبسبب السياسات الخاطئة الراهنة للقوات المحتلة وبسبب الإرهاب المنظم الجاري في العراق والموجه من الخارج بشكل خاص.
إن على شعبنا أن ينتبه لما يراد له حالياً من بعض القوى القومية اليمينية المتطرفة التي اعتبرت سقوط نظام صدام حسين خسارة فادحة لها ولممولها بالمال والذي فرط بأموال الشعب العراقي من خلال توزيعها على المرتزقة وعلى القوى المخربة والإرهابية في العالم العربي وعلى المرتزقة من الصحفيين الذين حصلوا على قطع ارض ودور وسيارات فاخرة في عدد من الأقطار العربية والذين سخروا أقلامهم القذرة لخدمة الدكتاتورية التي استباحت الشعب العراقي والعراق طويلاً والمتباكين اليوم على حظهم المنكود بسبب غياب واليهم وحاميهم وصاحب رزقهم صدام حسين الذي كان يدفع لهم المال المسحوب من دماء ونفط ولقمة عيش الشعب العراقي.
كان هؤلاء جميعاً يدركون ما كان يجري في المجتمع العراقي وفي سجونه ومعتقلات الأمن السرية منها والعلنية, وكان هؤلاء يعرفون تماماً الموت الذي كان يختطف يومياً المزيد من شباب العراق, ولكنهم كانوا يفضلون السكوت مقابل السحت الحرام, إذ كانوا يعتبرونه نظاماً قومياً, نظامهم العتيد الذي يريد بسياساته الإجرامية تحقيق الوحدة العربية. إنها المأساة بعينها حيث يتم الدفاع عن نظام مجرم تسبب بالاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق وتسبب في تعريض الشعب العراقي للاحتلال وأتباعه وأسرى الحرب للتعذيب في سجون العراق من قبل قوات الاحتلال. لقد قال صدام حسين مرة في منتصف السبعينات ما مضمونه: إنه لن يترك العراق إلا على أنقاض وجثث القتلى, وهذا ما حصل حتى الآن وما يزال مستمراً...
إن العراقيات والعراقيين مقبلون جميعاً على اليوم الذي يرون فيه العراق جمهورية دستورية حرة ديمقراطية وفيدرالية تسير وفق إرادة شعبها, بعربه وكرده وتركمانه وآشورييه وكلدانه وبكل أديانه ومذاهبه وأصحاب الرأي فيه, هذا الشعب الذي ناضل وما يزال يناضل لوقف الإرهاب والتخلص من الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية ومن أجل منع الإرهاب والقمع والتعذيب ومحاسبة جميع من تسبب بذلك قبل سقوط النظام وبعده.

8/5/2004 كاظم حبيب



كاظم حبيب
الحلقة الثانية
انتهاك حقوق الإنسان جزء محزن من المشهد العراقي نتيجة السياسة الأمريكية!
عندما ألقى الرئيس الأمريكي بوش الابن خطابه المعروف في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أكثر من عام حول الوضع في العراق وطبيعة النظام العراقي وصدام حسين وضرورة تعبئة دول العالم ضد الدكتاتور سجلت الذاكرة الجمعية للرأي العام العالمي أربع أفكار أساسية, وهي:
1. الكشف عن أسلحة الدمار الشامل وتدميرها وتخلص الشعوب المجاور من شرورها المحتملة.
2. الكشف عن العلاقة التي أكدت الإدارة الأمريكية عن وجودها بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة ومخاطر حصول تنظيم القاعدة من النظام العراقي على بعض أسلحة الدمار الشامل - الكيماوية والجرثومية- التي يمكن استخدامها ضد الشعب الأمريكي.
3. تخليص الشعب العراقي من إرهاب النظام وعنصريته واستبداده وإيقاف انتهاك حقوق الإنسان والقتل الواسع للمعارضة السياسية وإعادة الحياة السلمية والديمقراطية للشعب العراقي ومنع مخاطره على الدول المجاورة.
4. العمل على نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق والبلدان العربية وتعميم الإصلاح الديمقراطي في بلدان منطقة الشرق الأوسط.

واقتنعت بعض الأحزاب والقوى السياسية وجمهرة واسعة من العراقيين بالأهداف "النبيلة" للرئيس الأمريكي بوش ورفضتها بعض القوى والأحزاب الأخرى. وانقسم العالم كله إلى معسكرين, بهذا الصدد: منهم ضد الحرب التي كانت الولايات المتحدة تخطط لها, ومنهم من وقف ضدها. وقد أكد المعارضون للحرب بأن إسقاط النظام سوف لن يكون إلا نتاجاً عرضياً للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم التي تهدف إلى فرض هيمنتها وعولمتها والسياسات اللبرالية الجديدة والسيطرة على منابع وسياسات النفط في المنطقة التي تحتوي على أكثر من 68% من احتياطي النفط في العالم, إضافة إلى حل المسألة الفلسطينية لصالح إسرائيل وضد مصالح العرب في فلسطين والجولان ومزارع شبعة. في حين أكد الآخرون بأن الولايات المتحدة لا تهدف إلا إلى تأمين مصالحها في المنطقة وهي تلتقي مع مصالح العراقيين في إسقاط النظام العراقي.
وشنت الولايات المتحدة وحليفاتها الحرب وأسقط النظام بسرعة فائقة. جسَّدت هذه الواقعة العزلة الحقيقية للنظام عن الشعب من جهة, وفرحة الشعب في أغلبيته بالخلاص من الدكتاتورية الغاشمة من جهة أخرى, وتطلعت إلى حصول تحسن في أوضاعها مستقبلاً. بدأت سلطة الاحتلال عملها بترك الفوضى تسود شوارع بغداد والمدن الأخرى حيث استباحت جماعات غير قليلة الدولة والمجتمع وثروة البلاد التاريخية الحضارية وعاثت فساداً طيلة أيام دون رادع أو وازع يوقفها عند حدها, ثم جاء قرار فرض الاحتلال رسمياً على العراق بقرار من مجلس الأمن الدولي. فماذا حصل منذ هذا الحين حتى الوقت الحاضر في العراق في ضوء خطاب بوش الابن في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
للإجابة عن هذا السؤال يتطلب منا التدقيق الموضوعي البحث في مسارين متجاورين, وهما:
المسار الأول
- لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق, إذ أن لجان التفتيش والمراقبة كانت قد دمرتها قبل الحرب الأخيرة بسنوات. وهذا ما يؤكده الخبراء الأمريكان وخبراء الأمم المتحدة في آن. وتزعزعت مصداقية الولايات المتحدة حتى عند أقر أصدقائها والمتحالفين معها والمؤيدين لسياساتها في الشرق الأوسط أو في حرب الخليج الثالثة, إذ أن التقارير التي كانت لدى الإدارة الأمريكية كانت تشير بما لا يقبل الشك بأن أسلحة الدمار الشامل قد دمرت في العراق فعلاً منذ عدة سنوات من قبل لجان التفتيش أو النظام نفسه.
- لم يتم العثور على وجود علاقة فعلية بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة قبل بدء الحرب, في حين نشأت مثل هذه العلاقة في الوقت الحاضر. وهي مسألة زادت من صعوبة موقف الولايات المتحدة في تبريرها للحرب.
- تم تخليص الشعب العراقي من دكتاتورية وعنصرية وسادية صدام حسين ورهطه حقاً, وتم وضع حدً للقمع والتعذيب وإهانة الكرامة من قبل أجهز الدولة الأمنية وغيرها, إضافة إلى إنهاء القتل الجماعي والكشف عن المقابر الجماعية وإيقاف التمييز القومي وسياسات التعريب والتطهير العرقي والتهجير القسري...الخ.
- لم يتحقق السلام في العراق ولا الأمن والاستقرار بالنسبة لجمهرة كبيرة جداً من أبناء وبنات الشعب العراقي, بالرغم من مرور أكثر من سنة على نهاية الحرب وفرض الاحتلال على البلاد, فالدمار والموت والعقاب الجماعي ضد العمليات الإرهابية تشكل المشهد اليومي العراقي الذي تتناقلها الفضائيات العربية والصحافة العالمية, رغم وجود حياة وصور أخرى في العراق الجديد.
- وبدلاً من إنهاء انتهاك حقوق الإنسان في العراق بدأت سلطات الاحتلال وأجهزتها التحقيقية والأمنية تمارس أفعالاً تتناقض مع لائحة حقوق الإنسان كممارسة التعذيب النفسي والجسدي والاغتصاب الجنسي والإذلال لكرامة الإنسان بالنسبة لأسرى الحرب والمعتقلين من أتباع النظام أو من غيرهم. وبهذا حولت الجلاد الصدامي إلى ضحية, في حين كان المفروض الخلاص من كل هذه الأساليب إزاء الجميع والبدء بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البشر. ولولا ظهور الصور المفاجئ لما عرف الإنسان بكل ما كان يجري في السجون العراقية من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. إن التقارير والصور صدمت الرأي العام العالمي كله, وعبر المجتمع الدولي عن احتجاجه الشديد على تلك الممارسات البشعة والإجرامية الظالمة بحق البشر وإدانته لها.
المسار الثاني:
- ساعد سقوط النظام وخلع الدكتاتورية على نشوء أجواء سياسية واجتماعية جديدة, وخلق ظروفاً أفضل لمعايشة سلمية مستقبلاً بين السكان وبدء مرحلة جديدة في حياة البلاد.
- رفع من دخل الأفراد وخاصة الموظفين والمستخدمين وحسَّن من ظروف حياتهم ومعيشتهم.
- رفع من حجم السيولة النقدية في السوق العراقية بسبب المنح المالية الأمريكية التي تصرف في مختلف المجالات المدنية والعسكرية, إضافة إلى التوظيفات الرأسمالية الجديدة في مشاريع اقتصادية واجتماعية وخدمات عامة, كما أدخل تحسينات على الوضع الصحي والمعالجة الطبية وقضايا الكهرباء والماء والهاتف, رغم بطء حركة التغيير وإعادة البناء المنشودة بفعل العمليات الإرهابية المستمرة والعنف والعنف المضاد والعقوبات الجماعية ضد السكان في بعض المناطق, وخاصة في الفلوجة, أو احتمال وقوع ما يماثلها في الكوفة والنجف وكربلاء.
- تمتع الناس بحرية الحركة والرأي والتنظيم والتجمع والتظاهر والإضراب وإصدار النشرات والكتب وحرية الصحافة. ولم تقتصر هذه الحرية على القوى السياسية التي كانت تناصب نظام صدام حسين العداء بل تمتعت بها حتى قوى صدام حسين العاملة في مختلف المجالات والمنخرطة في منظمات غير حكومية وعاملة في الصحافة وفي الأحزاب الأخرى, وكذلك القوى التي ساندت صدام حسين. وهذه الحرية, التي هي أشبه ما تكون حالياً بحرية الفوضى السائدة في العراق, جوهرية وأساسية من حيث المبدأ بالنسبة للشخص العراقي وللشعب كله والتي حرم منها طوال عقود ويتمتع بها لأول مرة ولذلك سيكون استخدامها مليئاً بالأخطاء والتجاوزات ..الخ.
- إعادة بناء المدارس والكليات وتجهيزها بما هو ضروري لعودة الدراسة المنتظمة, وإعادة تشغيل وتحسين ظروف المستوصفات والمستشفيات نسبياً.
- عودة الحياة الثقافية تدريجاً إلى الحياة العامة العراقية, ومنها انتعاش الفنون الإبداعية المختلفة, رغم محاولات بعض القوى الدينية حرمان الشعب منها في محاولة لفرض نهج ظلامي واستبدادي آخر على العراق. وعاد المثقفون العراقيون يشترون الكتب ويكونون من جديد مكتباتهم الخاصة بعد أن قاموا ببيعها في زمن الجدب والفقر والعوز المالي. وهي ظاهرة مفرحة غالباً ما أبكت المثقفين الذين كنا نراهم يحملون كتبهم لبيعها في سوق بيع الكتب في شارع المتنبي بأبخس الأثمان.
من هنا يتبين لنا وجود مسارين متباينين ومترافقين, مسار سلبي يضعف المصداقية ويعقد مهمة تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار. وهذا المسار هو الذي تكثر الحديث عنه بإفراط عجيب الفضائيات العربية والصحف العربية دون أن تتطرق ولو بكلمة واحدة عن المسار الثاني. ومسار إيجابي يجسد إصرار الشعب على السير صوب تحقيق المهمات ومنها الخلاص من الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية وتحسين أوضاع الشعب ومكافحة البطالة ...الخ. وهذا المسار تتجاوزه تلك الفضائيات والصحف بشكل متعمد وثابت. وبالنسبة للشعب العراقي فكلما أمكن السيطرة على المسار الأول وإخضاعه للرقابة الشعبية والحكومية, أمكن في الوقت نفسه تحقيق إنجازات أكبر على المسار الثاني.
والسؤال الذي يواجهنا هو: من المسئول عن هذا الواقع المعقد والدماء التي ما تزال تسيل في الشارع العراقي وعن إعاقة مسيرة إعادة إعمار البلاد؟ أعبر فيما يلي عن قناعتي الشخصية عند الإجابة عن هذا السؤال:
لا أشك ولو للحظة واحدة بأن فلول وأتباع النظام الاستبدادي المخلوع والتنظيمات القومية اليمينية المتطرفة وكذلك الدينية المتطرفة, السنية منها والشيعية وجماعة القاعدة وجماعة "أبو مصعب الزرقاوي" تتحمل مسؤولية كبيرة ومهمة في إشاعة الفوضى وتنظيم وتنفيذ العمليات الإرهابية والقتل الواسع النطاق والاغتيالات والاختطافات. وتجد هذه القوى الدعم والتأييد المتنوع من قوى أخرى في العالم العربي والإسلامي التي تجد في العراق أرضاً صالحة لخوض معركة دموية مع القوات الأمريكية والبريطانية أو حتى مع منظمات الأمم المتحدة. وهي سوف لن تتوقف عن ذلك ما لم يبدأ الشعب العراقي ذاته بالتصدي لها ومواجهتها بحزم وصرامة.
ولا أشك أيضاً بأن قوى مجلس الحكم الانتقالي تتحمل جزءً من المسئولية عن الوضع السائد حالياً في العراق, بسبب دورها الضعيف وعلاقتها الواهية بالجماهير الشعبية وتأثيرها الباهت على الأحداث وعلى حركة الجماهير الشعبية وفي الحياة السياسية في المنطقة العربية, إضافة إلى الصراعات الدائرة في ما بينها حول مختلف الأمور. كما أن مشاركة القوى الأخرى خارج مجلس الحكم ضعيفة في تعبئة القوى لصالح التطوير الديمقراطي للحياة السياسية في العراق.
إلا أن المسئولية الرئيسية والكبيرة تتحملها سلطة وقوات الاحتلال. ويستند هذا الرأي إلى حقائق الوضع في العراق ودور سلطة الاحتلال والحاكم المدني والقوات العسكرية ولا ينطلق من محاولة وضع المشاكل كلها على شماعة قوى الاحتلال. ومسئوليتهم لا تنشأ من الأخطاء الفادحة التي ارتكبت منذ اليوم الأول من دخولهم بغداد وفرض قرار الاحتلال على العراق عبر مجلس الأمن الدولي فحسب, بل وإلى الأخطاء التي ما تزال ترتكب يومياً في أسس التعامل مع الشعب العراقي وقواه السياسية وفي حرمان مجلس الحكم من أي حقوق فعلية وإضعافه أمام أنظار الشعب العراقي والشعوب العربية ومحاولة تصويره وكأنه مجرد واجهة لسلطة الاحتلال وأداة بيدها, وهو خلاف الواقع, رغم وجود البعض منهم الذي يمكن أن يكون كذلك. ولكن هذا لا يعبر عن موقف المجلس عموماً.
إن الأخطاء التي ترتكبها سلطة الاحتلال تتحول إلى مادة غنية تستفيد منها قوى الإرهاب في العراق وتلك القوى التي تدعي مقاومة الاحتلال وتسعى إلى إقامة عراق مستبد إما شوفيني عنصري أو ديني متطرف, وكلاهما مرفوض ويشكل خطراً جديداً على مستقبل العراق الديمقراطي الفيدرالي المنشود.
11/5/2004 كاظم حبيب

كاظم حبيب
الحلقة الثالثة
هل كان التعذيب منظماً ومؤسساً أم حالات فردية من قبل قوات الاحتلال في العراق؟

فوجئ الرأي العام العالمي بفضائح السجون العراقية والانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان وحقوق الأسرى والمعتقلين وفق اتفاقية جنيف لعام 1949 وبقية المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتحريم التعذيب بمختلف أشكاله أو إهانة كرامة الإنسان, واعتبار المتهم برئ حتى تثبت إدانته. كما أن تلك الاتفاقيات والمواثيق تقرر إنزال العقوبات بالمنفذين والمسئولين عن اتخاذ القرارات الخاصة بمختلف أشكال التعذيب والتجاوز على حقوق الإنسان.
وما حصل في العراق في الأشهر الأخيرة يؤكد مجموعة من الحقائق المهمة التي ينبغي أن لا تغيب عن البال, ومنها:
أولاً: لم يكن عبثاً أو مصادفة رفض التوقيع على اتفاقية تشكيل المحكمة الجنائية الدولية من قبل الإدارة الأمريكية وسعيها إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول الأخرى تمنع بموجبها تقديم الأمريكيين, عسكريين أم مدنيين, إلى هذه المحكمة أو إنزال العقاب بهم. ورغم احتجاج دول العالم على هذه السلوكية, لأنها أصرت على هذا النهج المبيت سلفاً باحتمال ارتكاب عسكرييها ومدنييها مخالفات جدية ضد مبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص.
ثانياً: ولم يكن عبثاً أو مصادفة رفض مسئولي سلطة الاحتلال, وعلى رأسهم بريمر وسانجيز في بغداد أو إدارة البنتاغون في واشنطن ووزارة الخارجية الاستماع إلى الاحتجاجات التي رفعت بشأن المعاملة غير الإنسانية للأسرى والمعتقلين في سجون العراق أو التعامل غير الإنساني مع العائلات العراقية عند تفتيش البيوت, وخاصة تقارير منظمة الصليب الأحمر الدولية وجماعات حقوق الإنسان أو الصحافة العراقية والعربية والدولية أو التعامل اليومي مع الناس. ويفترض أن نضيف إلى ذلك العقوبات الجماعية التي تمارسها سلطة الاحتلال وقواتها في العراق, وهي مرفوضة ومحرمة دولياً, وهذا ما حصل في الفلوجة, بغض النظر عن العوامل الدافعة على ذلك, والتي يمكن أن تحصل في كل من كربلاء والكوفة والنجف.
ثالثاً: ولم يكن نقل المعتقلين الأفغان وجماعة القاعدة من أفغانستان إلى غوانتانانو في كوبا, وهي خاضعة للاحتلال الأمريكي, ورفض ممارسة بنود اتفاقية جنيف لعام 1949 بحق الأسرى والمعتقلين أو بنود الاتفاقيات الأخرى الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق المعتقلين وتحريم تعريضهم للتعذيب أو المعاملة الشديدة والقاسية, سوى تأكيد قناعة المسئولين في الولايات المتحدة بأنهم سيمارسون تلك الأساليب المحرمة دولياً وغير الإنسانية على الأسرى والمعتقلين لديهم. وهي أساليب يمكن أن توصل الإنسان المعتقل, رجلاً كان أم امرأة, إلى تشويه إنسانية الإنسان وتعويقه وتخريب وضعه النفسي والعصبي أو إلى موته أيضاً. ومثل هذه الحالات, كما يبدو, موجودة في أفغانستان وفي سجون العراق.
رابعاً: ولم يكن من باب الصدف أيضاً تأكيد الولايات المتحدة أنها ملتزمة بقواعد وأسس اتفاقية جنيف حول الأسرى أو لائحة حقوق الإنسان وغيرها حول المعتقلين في العراق, إذ أنها وبقدر ما كانت تؤكد ذلك, كانت الممارسات والتعليمات القيادية الصادرة تؤكد عكس ذلك. وقد كتبت عشرات المقالات في ضرورة فرض الرقابة على السجون العراقية لمعرفة ما يجري فيها, وكتبت في ذلك أيضاً وأكدت على أهمية الالتزام بكل المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والإقليمية بشأن الأسرى والمعتقلين. ولكن لم تكن هناك أذاناً صاغية من جانب الطرف الأمريكي أو البريطاني أو القوى الأخرى التي تعتقل الناس والمتهمين لهذا السبب أو ذاك. وفي إجابتها عن أسئلة الصحف حول سوء معاملة السجناء في معتقلها في أبي غريب, قالت مسئولة السجن بأن السجناء في سجنها يتمتعون بالحقوق المعمول بها دولياً وليست هناك أية تجاوزات علي الأسرى والمعتقلين.
خامساً: إن التجارب المتوفرة دولياً عن ممارسات الولايات المتحدة في فيتنام وفي مناطق أخرى من العالم أو حتى في سجون الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد عن ممارسات كانت مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان, إذ ما تزال في الذاكرة المجزرة البشرية التي نفذها الجنود الأمريكان بدم بارد ومزاج سادي شرس في آذار/مارت 1968 في قرية ماي لاي My Lai في فيتنام حيث قتل أكثر من 300 من لناس الأبرياء, أأطفالاً وشيوخاً ونساءً ورجالاً, بعد أن حصل اغتصابجنسي شرس للنساء ووضع الأطفال كشواخص وأهداف لرماية الجنود بالرصاص الحي. (راجع: جريدة برلينر تسايتونك رقم 110 في 12/5/2004, ص 3. راجع أيضاً: مجلة دير شبيغل الألمانية, العدد 20 بتاريخ 10/5/2004. ص 105, مقال تحت عنوان "جرائم سادية: جلادو الولايات المتحدة في سجن أو غريب في بغداد" للكاتب جيرهارد شبورل),
سادساً: من حق الرأي العام العالمي أن يشك بمصداقية القيادة الأمريكية في قولها أنها عرفت بهذه المعلومات في فترة متأخرة, إذ أن الكثير من الدلائل تشير إلى أنها كانت تعرف بذلك في فترة مبكرة, وأنها لم تعلن عنها إلا بعد أن أصبح مستحيلاً منع رائحة الفضيحة في أن تعم العالم وتصل إلى الصحافة الأمريكية, خاصة وأن أغلب المسئولين الأمريكان قد زاروا بغداد في أوقات متفاوتة والتقوا بسلطة الاحتلال وبالحاكم المدني بريمر, ومنهم رامسفيلد وكولن باول وفولفوفتز وكوندليزا رايز وغيرهم.

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التقليل من عواقب هذه الفضيحة ورمي العبء فيها على عاتق القيادة العسكرية في بغداد بسبب ضعف الرقابة على الوضع في السجون , وعلى عدد من الجنود باعتبارهم مسئولين عن تلك الأفعال المشينة, وأنها حالات فردية وليست سياسة عامة أو عمل منظم وممنهج من قبل قيادات معينة في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن المعلومات المتوفرة تشير إلى مشاركة الاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية وشركات خاصة تقوم بالتعاقد في أعمال معينة في التحقيق مع السجناء, في كل ما جرى في السجون, وأن قيادة سجن أبو غريب برئاسة العقيدة في الجيش جانس كاربينسكي هي المسئولة مباشرة عن تلك الزنزانات التي جرى فيها التعذيب الوحشي للسجناء, رغم إدعائها بأنها لم تكن مسئولة مباشرة وفعلياً على تلك الزنزانات في جناحي 1 أ و1 ب وأن المسئول عن هذين الجناحين هم الشرطة العسكرية الأمريكية!
إن التقرير الذي تقدم به الجنرال غوتابه يؤكد بما لا يقبل الشك من أن ما جرى في سجون العراق لم يكن عملاً منفرداً لجماعة صغيرة من الساديين, رغم أنهم ساديون حقاً, بل هو عمل منظم ومدروس جيداً واستمر طويلاً. ولا شك في أن المحققين والسجانة استهدفوا من وراء ممارسة التعذيب تحقيق ما يلي:
- إهانة كرامة الأسرى والمعتقلين وإذلالهم بكل الصور الممكنة وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
- انتزاع المعلومات منهم لغرض مطاردة آخرين غير معتقلين أو أية معلومات أخرى.
- إشاعة الخوف في نفوس الأسرى والمعتقلين الآخرين حين تعرض تلك الأفلام والصور البشعة عليهم وتدفع بهم إلى الاعتراف خشية الوقوع تحت طائلة نفس الأساليب الوحشية.
- الانتقام من هؤلاء الأسرى والمعتقلين عن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001, إذ أن الحقد والكراهية وروح الانتقام التي صعدتها الإدارة الأمريكية في نفوس وعقول الأمريكيين المجندين وغيرهم كانت فاعلة في كل مكان, بما في ذلك لدى المحققين والسجانة في السجون العراقية.
- إشباع رغبات سادية وجنسية مشوهة في نفوس المنفذين للأوامر الصادرة لهم, خاصة وأن بعضهم من أصحاب السوابق البشعة, كما أنهم ربما يحصلون على نقود إضافية عند انتزاعهم معلومات جديدة من ضحاياهم.
إن المعلومات المتوفرة, وخاصة نقاشات لجنة الاستخبارات العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشير إلى أن الجلادين مارسوا حوالي خمسين نوعاً من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي, ومنها التعري والضرب بالهراوات والبصاق والشتائم والتعليق واستخدام الكلاب المدربة على تمزيق جسد العدو أو الضحية وكذلك استخدام الصعقات الكهربائية والسحب كالكلاب الميتة والوقوف لساعات دون حراك وربطهم بأسلاك كهربائية صاعقة عند أية حركة وأخذ الصور بتشكيلات لا إنسانية من أسرى وسجناء عراة وممارسة الاغتصاب الجنسي للنساء والرجال أو فرض الممارسة الجنسية بصيغ مختلفة في ما بين الأسرى والمعتقلين أنفسهم, وممارسة التعذيب حتى الموت, كما تشير إلى ذلك بعض التقارير.
إن كل ذلك لا يمكن أن يعتبر فعلاً فردياً, إذ أنه مورس في سجون أخرى في العراق وليس في سجن أبو غريب وحده. ولهذا فالأمر يرتبط بعمل منظم ومقرر مخطط له سلفاً. يبقى على المحققين الإجابة عن الأسئلة التالية:
من هي الجهة التي أصدرت تلك التعليمات أو أعطت الأوامر بممارسة تلك الأفعال التعذيبية الشنيعة؟ وما هو مستوى هذه الجهات في التسلسل العسكري والمدني في أجهزة الإدارة الأمريكية وفي وزارة الدفاع والاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية والقيادة العسكرية في بغداد؟ ومن هم الأفراد المسئولون بالتحديد عن ذلك مباشرة؟ ومن هم العراقيون الذين تورطوا بمثل هذه الفعال أيضاً؟ وما هي مستوياتهم في الهرم الحكومي المؤقت الراهن, وما هي الأحزاب التي ينتسبون إليها, إن كان هناك عراقيون مارسوا ذلك مع القوات الأمريكية أو البريطانية؟
إن الكشف عن بعض العراقيين المتورطين في هذه العملية أيضاً بغض النظر عن مواقعهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية مسألة مهمة جداً لمستقبل العراق, إذ لا يجوز أن تهمل هذه القضية أيضاً, إذ لي ظنون بوجود تواطؤ معين مع بعض العراقيين في مستويات مختلفة وعلى المحققين أن يلعبوا دورهم إما بتأكيدها أو نفيها وفق أسس سليمة وشفافية.
إن الكشف عن هذه المعلومات يمكن أن يعطي المصداقية النسبية لمن يريد أن يؤكد بأن قيادة الدولة وجورج دبليو بوش غير مسئول عن كل ذلك ولم يكن يعرف به وفوجئ بما حصل. إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية كانت منخفضة جداً في العراق والعالم العربي, ولكنها أصبحت اليوم بالحضيض بسبب تلك الأفعال وغيرها من السياسات التي مارستها في منطقة الشرق الأوسط.
إن الصدق والشفافية في التحقيق وفي اتخاذ الإجراءات الضرورية وعدم التضبيب على الفضيحة أو حرفها عن مسارها المطلوب لأي سبب كان, سواء بالنسبة للانتخابات القادمة أم لتبرئة أشخاص معينين أو جهات معينة, تتطلب ما يلي:
1. تشكيل لجنة حيادية تشارك بها الأمم المتحدة إلى جانب مجموعة من الأمريكيين, من أمثال الجنرال الأمريكي أنتونيو تاغوبا, ممن لهم ضمير حي وحس إنساني سليم بما حصل في العراق والسمعة السيئة التي لحقت بالأمريكيين في العالم, إضافة إلى مشاركة أطراف من الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والعراقية.
2. نشر كل المعلومات التي تتوفر عن هذه القضية على العالم كله بكل شفافية ومجاهرة, إذ أن الفضيحة ستلاحق كل المسئولين الأمريكان ما لم تحدد الجهات والأشخاص المسئولين عن كل ذلك.
3. الكشف عن الجرائم التي ارتكبت والأساليب التي مورست ضد الأسرى والمعتقلين في السجون العراقية بتفاصيلها ليكون العالم على علم بمعاناة الضحايا.
4. تقديم كل المسئولين عن إصدار القرارات بالتعذيب وممارسة القسوة في التحقيق وكل المنفذين إلى محكمة دولية عادلة وعلى أرض العراق حيث ارتكبت الجرائم فيه, ومشاركة حكام عراقيين نزيهين في هيئة المحكمة.
5. طرد كل المسئولين عن كل ذلك من جميع الوظائف العسكرية والمدنية بعد صدور الأحكام بحقهم ومنعهم حالياً من ممارسة أعمالهم حتى انتهاء التحقيق والمحاكمة.
6. إبعاد وزير الدفاع رامسفيلد ومساعديه من وزارة الدفاع باعتبارهم مسئولين سياسياً وأخلاقياً وقضائياً عما ارتكب في السجون العراقية وعدم نشرهم المعلومات إلا بعد فترة طويلة من وصولها إليهم في حالة عدم معرفتهم حقاً بما كان يجري في السجون العراقية.
7. اتخاذ الإجراءات الإنسانية في الاتجاهات التالية:
a. تشكيل لجنة رقابة دولية تشرف على السجون العراقية ومراقبة ما يجري فيها يومياً.
b. إصدار قرار يمنع منعاً باتاً استخدام الأساليب المحرمة دولياً في عمليات التحقيق أو في التعامل مع الأسرى والمعتقلين والسجناء عموماً.
c. تحسين أوضاع الأسرى والمعتقلين في السجون العراقية, وتحديد موعد قصير لدراسة معاملاتهم وإطلاق سراح من لا تثبت عليه التهم الموجهة إليه, وفسح المجال لعائلاتهم بزيارتهم وضمان حسن المعاملة الإنسانية والتعويض الكامل عما لحق من أضرار معنوية ومادية بالذين تعرضوا إلى التعذيب بمختلف أشكاله.
8. تغيير أسس التعامل مع الإنسان العراقي طيلة فترة استمرار الاحتلال وإلى حين إلغائه بقرار من مجلس الأمن الدولي الذي يفترض أن يكون قريباً وإعادة الاستقلال والسيادة الوطنية للعراق.
9. الامتناع عن ممارسة العقوبات الجماعية بحق السكان العراقيين.
10. تسليم الملف السياسي والأمني منذ الآن إلى مجلس الحكم الانتقالي والتعاون معه لضمان الأمن والاستقرار ومطاردة القوى الإرهابية التي تمارس القتل والتخريب والتدمير في العراق وضبط الحدود ومنع التسرب منها لممارسة الإرهاب في العراق.
11. زيادة دور الأمم المتحدة في التحول الجاري في العراق من الهيمنة الأجنبية إلى الاستقلال وإعادة تطبيع الأوضاع الداخلية وإنجاز مهمات فترة الانتقال.

إن فضيحة التعذيب التي كشفت أخيراً يمكنها أن تدلنا على عدد مهم من الحقائق التي نرى ضرورة الإشارة إليها لما يمكن أن تثيره من أجواء جديدة في العراق والدول العربية وفي عموم بلدان منطقة الشرق الأوسط, وأعني بذلك ما يلي:
- تتعرض شعوب بلدان الشرق الأوسط إلى استبداد مهيمن من الفئات الحاكمة وإلى تعامل لا إنساني خلال العقود الطويلة المنصرمة من حكوماتها, كما يتعرض أصحاب الرأي الآخر إلى الاعتقال والسجن والتعذيب والموت في السجون من جانب الحكام دون أن يتسنى لهذه الشعوب إيصال صوتها إلى الرأي العام العالمي أو إيقاف تلك التجاوزات على حقوق الإنسان أو اعتراف حكوماتها بما تفعله في تلك السجون أو تشكيل لجان تحقيق بهذا الصدد. والتعذيب في السجون حالة مستمرة يومياً حتى الآن دون أن تتمكن القوى الخيرة من إيقافها. وقد طرحت بعض منظمات حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط تقارير تشير إلى ارتكاب الفظائع في السجون دون أن يتحرك المجتمع الدولي للتصدي لهذه الظاهرة, تماماً كما يتصدى الآن للولايات المتحدة على أقل تقدير.
- على مدى يزيد عن ثلاثة عقود مارس النظام العراقي أبشع أشكال التعذيب والقتل خارج القانون وانتهاك كامل لحقوق الإنسان وكل المبادئ الواردة في مجال تحريم تعذيب المعتقلين والسجناء السياسيين, لم يرتفع صوت الاحتجاج من النظم العربية ولا حتى من الشعوب العربية لإدانة ذلك, في ما عاد النشرات التي أصدرتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان والمنظمات العراقية لحقوق الإنسان وبعض الجهات الأخرى الإقليمية والدولية. وستكتشف مقابر جماعية أخرى في العراق من مخلفات النظام الاستبدادي الصدامي, وستصدر قوائم بأسماء ضحايا النظام في الفترات القادمة بعد أن تهدأ الأوضاع وتستقر النفوس ويستعيد الشعب توازنه ويستطيع التعرف على عواقب ومأساة تلك الفترة.
- في مقابل هذا وحالما انكشفت الممارسات الأمريكية في السجون العراقية أجبرت الحكومة الأمريكية, وكذا البريطانية, على تقديم الاعتذار للشعب العراقي وللأسرى والسجناء وتشكيل لجنة تحقيق للتحري عن الموضوع. وهو تأكيد, بغض النظر عن رؤيتنا حول ورأينا في الإدارة الأمريكية, إذ أن الأجواء الديمقراطية للشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية, رغم نواقصها, فرضت عليهم ذلك. وهو الأمر الإيجابي في المجتمعات المدنية الديمقراطية. ويطالب مجلس الشيوخ الأمريكي بكشف كامل للصور ونشر التقارير عن هذه الانتهاكات, كما صوت مجلس النواب ب 365 صوتاً ضد 50 صوتاً بإدانة هذه الأعمال البربرية بحق الأسرى والسجناء. وهكذا أجبر توني بلير على الاعتذار أيضاً وتحاصره قوى المعارضة ومجموعة من أعضاء حزبه حول انتهاكات القوات البريطانية في جنوب العراق, كما يشير إلى ذلك آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية الصادر في النصف الأول من هذا الشهر (أيار/مايو 2004) وقتل ثلاثين عراقياً, بينهم الصبية حنان صالح ذات الأعوام الثمانية برصاص الجنود البريطانيين.
- إن هذه الواقعة يمكنها أن تدفع بالشعوب العربية وشعوب المنطقة بالتحرك السياسي المسئول لرفض الاستبداد والتعذيب في السجون أو اضطهاد أصحاب الرأي الآخر أو التضييق على الحريات الديمقراطية وانتهاك مستمر لحقوق الإنسان.
وجدير بالإشارة إلى أن الحكومات العربية وغيرها من الحكومات الاستبدادية في البلدان النامية وقفت إلى جانب انتخاب السودان عضواً في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة, وهي من سخريات القدر, في وقت كانت وما تزال تمارس هذه الحكومة أسوأ وأقسى أشكال انتهاك حقوق الإنسان إزاء شعب دار فور الأفريقي في غرب السودان, وهي ما تزال لم تنته بعد من معالجة قضية شعب جنوب السودان والتوقيع على الاتفاقيات النهائية. فأي مصداقية توجد للحكومات العربية أمام شعوبها وهي تمارس مثل هذه السياسة إزاء السودان, الدولة المتهمة جدياً وفعلاً بممارسة سياسة عنصرية مقيتة.
- ويتطلب من لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن تطالب الحكومات العربية وحكومات المنطقة بطرح سجلها حول حقوق الإنسان لمحاسبتها وفرض الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان سجلها الكامل حول الموقف من حقوق الإنسان والمجتمع وقواه السياسية والرأي الآخر ومجمل الحريات العامة.
- إن هذه الوجهة ستساعد على إنهاء العنف والعنف المضاد والسماح بحياة ديمقراطية حرة. وهذا يعني أن بلدان المنطقة بحاجة إلى عملية إصلاح وتغيير ديمقراطي عميق وسريع وشامل, إذ بدون ذلك ستبقى الظواهر الراهنة وستتزايد وستتعرض المجتمعات إلى مزيد من المصاعب والكوارث والأزمات السياسية.
- ويبدو للجميع بأن العراق يمتلك الحرية الكافية لنشر فضائح السجون العراقية في الصحافة اليومية ويتحدث عنها ويتظاهر ضدها ويحتج عليها ويطالب بمحاسبة المسئولين عنها, في حين لا تتوفر مثل هذه الإمكانية للشعوب العربية في الاحتجاج على ما يجري في بلدانها إزاء السجناء السياسيين. فالعراق الذي هو تحت الاحتلال يمارس ذلك, في حين الدول التي تدعي الاستقلال يصعب على شعوبها ممارسة مثل هذه الحقوق.
إن الموقف إزاء الشعب العراقي في العالم العربي غير جيدة وتحتاج إلى إعادة نظر, وإذا كان هناك بعض النقص في أسلوب طرح القضية العراقية في فترة صدام حسين, فأن العيب الأساسي يكمن في الفكر القومي الشوفيني الذي اعتبر صدام حسين قومياً يدافع عن قضايا الأمة في حين أنه أكون أسوأ وأخس دكتاتور وأكثرهم إجراماً عرف تاريخ العراق الطويل. فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدر في عام 1995 كتاباً في بيروت يبحث في الواقع العراقي تحت اسم "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة", وفي عام 2000 أصدرت كتاباً آخر بعنوان "المأساة والمهزلة في عراق اليوم" عن دار الكنوز الأدبية ببيروت, أشرت فيهما إلى الجرائم المريعة التي يرتكبها النظام ضد الشعب العراقي عموماً وضد الشعب الكردي والقوميات الأخرى خصوصاً, وإلى التعذيب والقتل في السجون وأشرت إلى أكثر من 50 نوعاً من أنواع التعذيب يمارسها جلادو النظام في العراق. ونادراً ما أخذت الصحف العربية هذه الحقائق بنظر الاعتبار أو تناولتها بالدراسة والتدقيق والتحري, كما نشرت دراسة واسعة عن ذلك في ندوة حقوق الإنسان في المغرب عن "طبيعة الدولة التسلطية في العراق" في ذات الفترة تقريباً وفي أعقاب صدور الكتاب الأخير دون أن تحاول أية صحيفة عربية أن تهتم بهذا الأمر, حتى حاول البعض في ندوة حقوق الإنسان أن يبتلع القرار الصادر عن الندوة بإدانة النظام العراقي على استبداده وسياساته القمعية في العراق, لولا إصراري على إدانة أفعال النظام في العراق وتهديدي بنشر القرارات الصادرة نصاً على نطاق واسع ليبرز الفرق بين المسودة التي أعدتها اللجنة المشرفة على الندوة وتلك التي اتخذتها الندوة.
12/5/2004 كاظم حبيب



كاظم حبيب
الحلقة الرابعة
بشاعة ممارسات قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية

تناقلت وسائل الإعلام الدولية خبراً وفلم فيديو يصور عملية إعدام مواطن أمريكي اختطف في العراق من قبل عصابات الإرهاب الدموية السائبة في العراق والقادمة إليه من وراء الحدود بقطع رأسه أمام عدسة الكاميرا.
أثارت هذه الصور السادية المتميزة بوحشيتها وعدم مراعاتها لإحساس الناس في العالم كله غضب الرأي العام العالمي, إلا أولئك الذين في نفوسهم مرض وغير قادرين إلا على رؤية قطع رقاب الناس الأبرياء. ويدعي قارئ الكلمة التي تليت قبل الإعدام بأن هذه العملية تأتي انتقاماً لعمليات التعذيب التي جرت في سجن أبو غريب القريب من بغداد. ولا يمكن لمثل هذا الإدعاء التخفيف من ثقل الجريمة التي ارتكبتها هذه العصابة الباغية, بل إنها ساهمت في إبعاد أنظار الناس عن تلك الجرائم التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان في سجون العراق.
تقدم هذه الجريمة الجديدة دليلاً إضافياً على وحشية هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة استعدادها لممارسة كل الجرائم والموبقات في سبيل زعزعة الوضع في العراق وبث الرعب في نفوس الشعب العراقي وفي نفوس لمنعهم من مزاولة عملهم في المشاريع الاقتصادية وفي إعادة إعمار العراق وفي دفعهم إلى مغادرة العراق وخلق ضجة دولية لسحب القوات الأمريكية من العراق. ولا شك في أن هذه الأفعال ستساهم في تعطيل الحياة الاعتيادية كثيراً وتضعف مسيرة البناء كما تساهم في إبقاء قوى الاحتلال فترة أطول في العراق, وهي فوق كل هذا وذاك تعمل بالضد من الشرائع والأديان السماوية والقوانين والدساتير الديمقراطية..
إن الجريمة الجديدة غطت حقاً على انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العراقية ودفعتها إلى الظل وخففت من الضغط الشعبي المتصاعد في الولايات المتحدة ضد حكومتها التي مارست أجهزتها تلك التجاوزات على حقوق الإنسان وقللت بهذا القدر أو ذاك من احتمال إقالة وزير الدفاع, دونالد رامسفيلد, المسئول عملياً عن كل تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان في السجون العراقية.
إن القوى التي تقطع رأس إنسان بريء دون توجيه تهمة معينة له ودون محاكمة قانونية وإدانة صريحة لجرم محدد قام به تدلل على خروجها الكامل على القوانين المحلية والدولية وعلى الشريعة الإسلامية السمحاء وعلى كل القيم الإنسانية في الثقافة والحضارة الإسلامية والعربية. إن هذه الجماعة ليست من هذا العصر الذي نعيش فيه, بل هي تركة ثقيلة من عهود مظلمة تركتها الشعوب العربية خلفها منذ أمد بعيد, ولكن بقاياها ما تزال فاعلة في المجتمعات العربية والإسلامية, ولكنها ستؤول إلى الزوال.
إن ما قامت به عصابة الزرقاوي المجرمة في العراق تذكرنا بكل الجرائم البشعة التي ارتكبتها العصابات الإجرامية التي قتلت عشرات الآلاف من الناس الأبرياء في الجزائر باسم الإسلام, والإسلام بريء منها, وكذلك عصابات طالبان والقاعدة في أفغانستان أو الجرائم التي ارتكبتها نفس الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية في مصر ضد الأجانب. ولكن هذه القوى الظلامية سوف لن تصل إلى أهدافها السوداء والشريرة بتلك الجرائم البشعة, بل ستزيد غضب الناس عليهم وستلاحقهم لعناتهم حيثما ذهبوا. كما أن الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية سوف لن تسمح لهم بالمرور وسوف تدحرهم دون أدنى شك. إن الجرائم التي ترتكب بحق الناس الأبرياء, سواء أولئك الذين قتلوا الأمريكيين الأربعة وسحلوهم في الشوارع قد ساهموا بشكل مباشر بدفع سلطة الاحتلال إلى تنفيذ عمليات محرمة دولياً هي العقاب الجماعي ضد سكان مدينة الفلوجة وتسببوا إثارة المعارك في شوارعها وأسواقها وفي قتل الكثير من رجال ونساء وأطفال المدينة الأبرياء وخربوا الكثير من دور السكن والمساجد والمدارس وغيرها بسبب وضع أسلحتهم فيها ووجودهم في تلك المواقع والانطلاق منها لشن الحملات على القوات الأمريكية. وقد استطاع سكان المدينة الاتفاق مع القوات الأمريكية على إبعادهم منها ليعود السلام إلى المدينة وتسليم المدينة إلى القوات والشرطة العراقية. وهو ما سيحصل في كربلاء والنجف والكوفة, حيث ما يزال القتال مع مرتزقة مقتدى الصدر التي يطلق عليها بجيش المهدي, إذ يرفض سكان هذه المدن والمراجع الدينية فيها أن تشتعل النيران في هذه المدن المقدسة وتلتهم اليابس والأخضر.
وتقع على عاتق الشعب العراقي وفي مسئوليته رفض كل العصابات الإرهابية المجرمة والمليشيات الخاصة, التي إن استطاعت السيطرة على الوضع, وهو لم ولن يحصل, ستتسبب في قتل عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين بحجة كونهم بعيدين عن الإسلام وفق منظورهم البائس للدين الإسلامي الحنيف أو بحجة تعاونهم مع المحتلين أو مع مجلس الحكم الانتقالي والقوى السياسية الوطنية. إن على الشعب أن يقوم بلفظ هذه الجماعات من صفوفه وطردها إلى وراء الحدود حيث قدموا منها ومعاقبة المتسببين بالفوضى الراهنة.
إن هذه الجماعات تقدم صورة سيئة ومتخلفة وشريرة للعالم الخارجي عن الإسلام والعرب, وهو ما يفترض أن نشجبه وندينه بشدة ونمنع حصوله من جديد.
ولا بد من تضافر جهود العالم كله لمواجهة ومكافحة هذه الجماعات الشريرة التي لا يسعدها سوى القتل ورؤية الدماء, وعلى القوى الإسلامية السياسية المعتدلة أن تشجب بقوة هذه الفعال المنافية للخلق الإسلامي.
إن علينا وفي خضم هذه الأحداث أن لا ننسى مجموعة من القضايا الأساسية, وهي:
1. إن الشعب العراقي مقبل على تسلم السلطة من أيدي سلطة وقوات الاحتلال والدخول في فترة انتقال جديدة لوضع أسس المجتمع الديمقراطي الفيدرالي الجديد.
2. وأن على الشعب العراقي أن لا ينسى محاسبة أولئك الذي قمعوا واضطهدوا الشعب العراقي طوال 35 عاماً, إذ لا بد من محاسبتهم عن التهم الموجهة لهم وإصدار الأحكام بحقهم أن ثبتت عليهم التهم.
3. وأن علينا جميعاً أن نلاحق موضوع معاقبة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العراقية من قبل قوات الاحتلال الأمريكية أو من غيرها.
4. ولن يتم كل ذلك ما لم تحقق القوى السياسية وحدة واسعة للشعب العراقي, وحدة كل القوى الديمقراطية التي ترى في النظام الديمقراطي الفيدرالي سبيلاً وحيداً لبناء الحياة الجديدة والسعيدة للشعب العراقي الذي استباحته الدكتاتوريات عقوداً كثيرة ونكلت بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه وأصحاب الأفكار والآراء المختلفة.
12/5/2004 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من نهاية قريبة للإرهاب والاحتلال ومآسي القسوة والتعذيب في ...
- الخواء والاغتراب هي من أبرز نتائج المؤتمر القومي العربي الخا ...
- الخواء والاغتراب هي من أبرز نتائج المؤتمر القومي العربي الخا ...
- الأفكار الأساسية لمحاضرة حول -مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنس ...
- التعذيب النفسي والجسدي للمعتقلين في العراق انتهاك شرس لحقوق ...
- ألا يريد مقتدى الصدر أن يتعلم من دروس الماضي القريب؟
- سياسة الإدارة الأمريكية في العراق كالمستجير من الرمضاء بالنا ...
- رسالة مفتوحة إلى الأخوات والأخوة العرب والكرد وبقية القوميات ...
- لِمَ الاحتراب ما دمنا قادرين على الحوار؟
- هل يعني نقل السلطة التمتع بالاستقلال والسيادة الوطنية؟
- ما الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الديمقراطية العراقية في ضو ...
- العراق وكوارؤثه المتلاحقة!
- إلى أين يمكن أن تقود السياسة المغامرة لمقتدى الصدر؟
- القوى الديمقراطية والتحديات الجديدة في العراق !
- المصالحة الوطنية والجراح العميقة في الإنسان العراقي!
- قراءة أولية في قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت!
- الجرائم المرتقبة في الذكرى الأولى للحرب وأهمية تنشيط يقظة ال ...
- هل من سبيل لإدارة الصراع على السلطة بصورة عقلانية في العراق؟
- التوقيع على قانون الإدارة المؤقتة ومناورات اللعبة الديمقراطي ...
- موضوعات للحوار حول مسألة كركوك


المزيد.....




- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
- مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح ...
- مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة ...
- الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه ...
- الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس ...
- دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كاظم حبيب - العراق وفضيحة التعذيب في السجون العراقية (1-4 حلقات) الحلقة الأولى - هل من نهاية قريبة للإرهاب والاحتلال ومآسي القسوة والتعذيب في العراق؟