|
الوصية السادسة
يوسف الغازي
الحوار المتمدن-العدد: 2753 - 2009 / 8 / 29 - 07:25
المحور:
سيرة ذاتية
بعض الذكريات من حرب حزيران 1967 لا تزال محفورة في ذاكرتي. لم أكشف عنها حتى هذا اليوم، لأسباب سآتي على ذكرها لاحقا. بعد ما يقارب الأربعين عاما، بدأت أشعر بالحاجة إلى تسجيلها ونشرها. إنها قصة الحرب خاصتي. ولأنها قصة شخصية لإنسان مسيّس، فهي أيضا قصة مسيّسة. ونظرا لضيق المكان، أسوق هنا مقاطع مختارة منها.**
نحو المجهول
سماء الشرق تلبدت في أيار 1967. كان بالإمكان استشعار الحرب الداهمة. كنت في الـ 29 من عمري، محررا لأسبوعية "زو هديرخ" ("هذا الطريق") – لسان حال القائمة الشيوعية الجديدة في إسرائيل ("راكاح")، أحد شقي الحزب الشيوعي الذي انقسم في صيف 1965. في يوم الجمعة، التاسع عشر من أيار، في الظهيرة، أجريت مقابلة مع عوديد كوتلر، الذي فاز في تلك السنة بجائزة أفضل ممثل في مهرجان الأفلام في كان عن دوره في فيلم "ثلاثة أيام وطفل". في المنزل، كنت أتابع الأخبار التي لم تبق مجالا للشك: المنطقة تتدهور، بخطوات واثقة، نحو حرب جديدة. في الواحدة بعد منتصف الليل أيقظتني، من نومي القلق، دقات قوية على الباب. جنديان من الاحتياط كانا يقفان عند الباب يحملان أمر الاستدعاء. أمراني بالمثول عند الصباح في وحدة الاحتياط التي أنتمي إليها. العد التنازلي نحو الحرب قد بدأ. مريم، زوجتي في تلك الأيام، والتي كانت حاملا في الشهر السابع، تسمّرت خلفي ولم تنبس ببنت شفة. إمتلأتُ غضبا، لكنني تمالكت نفسي ألآ أصرخ كي لا أوقظ إبننا غادي، ابن السنوات الخمس، من نومه. هيّأتُ نفسي لفترة طويلة من الخدمة العسكرية. دسستُ كل ما استطعت في حقيبة الاحتياط خاصتي، وبدلا من العودة إلى النوم جلسنا، مريم وأنا، للعمل: لاستغلال الساعات القليلة المتبقية حتى الصباح، أمليت على مريم نص المقابلة مع عوديد كوتلر. في الصباح، مثلتُ في ملتقى الوحدة ـ كتيبة الاحتياط من سلاح المشاة ـ في مركز حي سكني في يافا. رويدا رويدا، وصل جنود احتياط آخرون وعلى الفور انخرطوا في محادثات حول مواضيع الساعة. ردودها تفاوتت بين الحماس الصاخب للحرب وبين القلق الخافت من المجهول. بقيت واقفا وحدي، معظم الوقت، مستغرقا في التفكير بما يجري وبما ينتظرنا، وبعائلتي التي تركتها خلفي. ولأنني كنت مدركا لحقيقة أن أفكاري السياسية من شأنها أن تثير غضب مستمعيّ، فقد آثرت التزام الصمت. تملكني الخوف. تذكرت قضية اعتقال مجموعة جنود الاحتياط أعضاء الحزب الشيوعي قبل ذلك بـ 11 عاما، لأنهم عبروا عن معارضتهم العلنية لحرب سيناء – السويس في العام 1956 (ملحق "هآرتس", 10.1.1997). من يافا تم نقلنا إلى إحدى القواعد العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي قرب الرملة، بغية الانتظام والاستعداد والتزود بالمعدات. وبحكم وظيفتي مضمدا للفرقة، فقد حمّلوني، أيضا، حقيبتين للإسعاف الأولي ونقالة جرحى قابلة للطيّ. في المساء، إنطلقنا في قافلة شاحنات نحو الجنوب. في الطريق، مرت القافلة على بلدات عديدة. حشود من الناس كانت تقف على جانبي الطريق، يصفقون لنا ويهتفون. كانت ثمة نسوة تطلق زغاريد الفرح كأنما نحن في حفل زفاف، آخرون كانوا يمطروننا بالسكاكر والحلوى. مظاهر الفرح هذه عمقت مشاعر الغضب والاكتئاب لديّ. وسط الاكتظاظ الذي كان على الشاحنة، إتكأت على السلم المثبت عليها، انزلقت ببطء نحو الأسفل حتى جلست على الأرضية متلفعا بكآبتي. شعرت، في داخلي، بأنني لا أنتمي إلى هنا. تحت جنح الظلام وصلنا إلى مركز تجمع القوات في قطاع كتسيعوت ـ كديش برنيع ـ نيتسانا، عند الحدود المصرية. كانت المنطقة مشابهة جدا لتلك التي تدربنا فيها قبل ذلك ببضعة أشهر. وكما في المرة السابقة، صدرت لنا الأوامر بحفر مواقع وقنوات في الأرض الصخرية.
الوصية السادسة
"إذا لم يسر الإنسان بوتيرة رفاقه، فربما لأنه يصغي لضربات طبل آخر" (هنري ديفيد ثورو، "فالدن").
الأيام التي سبقت اندلاع الحرب سميت أيام الانتظار. في النهار كنا ننشغل بتحسين المواقع والتدريبات، وفي الليل نتناوب على الحراسة. جزء كبير من الأخبار في "صوت إسرائيل" كان مكرسا لخطابات الحماسة المتغطرسة التي كانت تبث عبر أثير "صوت الجمهورية العربية المتحدة" من القاهرة، والتي كانت تقدم خدمة جلى لقباطنة الحرب لدينا، المندفعين بحماس نحو الحرب. ماكينة الدعاية الرسمية غذّت مشاعر الخوف التي تملكت الجمهور في البلاد حيال سماع التهديدات من القاهرة، الديماغوغيا الصقرية التي ميزت سياسيينا والكلام الوطني الذي تغنى به فنانون ومهرجون متطوعون. غبار الصحراء ورملها تسربا إلى كل ثقب وصدع ـ إلى الخيام، إلى الملابس، إلى الأنوف، إلى الآذان، إلى السلاح الشخصي. في ساعات النهار كان الحر قائظا جدا، وفي الليالي كان الطقس باردا. التعرق الزائد، النقص في المياه وانعدام الشروط الصحية أدت جميعها إلى ارتفاع جدي في منسوب الأوساخ والنتانة. البعض أصيب بحالات الإسهال. وبغية التخلص، ولو قليلا، من الاكتئاب الذي تملكني، شرعت في المطالعة. فقبل مغادرتي البيت بدقيقة واحدة كنت قد دسست في حقيبتي السيرة الذاتية لتشارلي شابلن، "سيرة حياتي"، بترجمة فرنسية. إلى ذلك، فقد حرصت أيضا على مظهري الخارجي، خلافا للمجندين الآخرين الذين طوروا مظهرا صحراويا وقتاليا. جميعهم، تقريبا، كانوا غير حليقي الذقون، مغبّرين، متسخين وتنبعث منهم رائحة العرق المثيرة للاشمئزاز. عبأت ماء في علبتين من الصفيح بما يكفيني لحلق ذقني، للاغتسال وحتى لغسل ملابسي الوسخة. جاري في خيمة الاستطلاعيين كان شابا متدينا يعتمر "الكيبا" (طاقية اليهود المتدينين)، لطيفا وذا مزاج مريح. كان هو موظف الفرقة. في حياته المدنية كان باحثا زراعيا، باحثا في علوم الحشرات. فوجئ، لكنه لم يصدم، حينما أكدت له ما كان قد سمعه من جنود آخرين عن أن رفيقه في الخيمة ـ والعياذ بالله ـ مُلحد وشيوعي في آن. وبرغم الخلاف في وجهات النظر بيننا والنقاشات المتواترة التي كانت تجري بيننا، إلا إن العلاقة بيننا تميزت بالاحترام المتبادل وبالاستعداد لمساعدة أحدنا الآخر. بل لقد تحسنت وتعززت هذه العلاقة حينما تأكد له حقا، كما سمع من جنود متدينين في الكتيبة، إنني مستعد عند الحاجة لتلبية الطلب بأن أكون الرجل العاشر لاستكمال العدد المطلوب لتأدية الصلاة، كمكرمة رفاقية. جاري وأنا درجنا على تبادل رسائل التشجيع التي كان يرسلها تلاميذ وتلميذات من جميع الأعمار إلى الجنود المجهولين الذي تجندوا للحرب. كثيرون من الأولاد كانوا يعيدون ما كان يردده معلموهم على مسامعهم من إنه "جيد أن نموت من أجل بلادنا". هاكم أحدهم: "أتمنى لكم أن تهزموا هؤلاء العرب السيئين وأن تتحلوا بشجاعة عالية. أتمنى أن تنتصروا على العرب وأن ندمر لهم بلادهم". يوميا، تقريبا، كنت أكتب إلى البيت. في رسائلي، كنت أسأل كيف يتدبر مريم وغادي أمرهما حيال المصاعب اليومية والخوف من الحرب المتوقعة. ومنطلقا من وعيي بحقيقة أن مريم كانت تحمل ندب طفولتها من الحرب العالمية، كتبت لها: "من هنا، أفهم أفكارك وهواجسك عن الماضي البعيد، وها نحن الآن، مرة أخرى، حيال أخطار جديدة". وناشدتها أن "إصمدي وتغلبي، وحاولي بشكل خاص أن لا يشعر غادي بعدم الأمن والأمان، إجعليه مشغولا على الدوام". ذكرى والدي، القلق الدائم، خطرت في إحدى الرسائل: " أعترف بأن الهدوء يغمرني أحيانا لأن والدي ليس على قيد الحياة. من المؤكد إنه كان سيصاب بالتشنج جراء القلق". إشتقت كثيرا إلى بيتي وعائلتي الصغيرة. في تلك الأيام لم يكن بالامكان بعد معرفة جنس الجنين في بطن أمه، لكن هذا لم يمنعني من أن أكون واثقا تماما، تقريبا، بأن مولودة بنتا ستولد لنا عما قريب، وقد قررنا اسمها، ياسمين. وصفت في رسائلي بعضا من تجاربي في فترة الانتظار، محاذرا عدم الكشف عن "أسرار عسكرية". وحين فرغت من قراءة كتاب تشارلي شابلن، سمحت لنفسي باقتباس بضعة أسطر من خطابه الشهير في فيلم "الدكتاتور الكبير"، بترجمة حرة: "أيها الجنود! لا تستسلموا لهؤلاء البلطجيين، لهؤلاء الذين يحتقرونكم، يستعبدونكم... يفرضون عليكم أعمالكم، أفكاركم ومشاعركم!... الذين يتعاملون معكم كأنكم قطيع من البهائم ويستخدمونكم لحما للمدافع! لستم ماكينات! أنتم بشر! قلوبكم عامرة بحب الإنسانية! لا تكرهوا!". كمضمد الفرقة، لم يكن لي كثير عمل. كان بعض الجنود يأتون إلي شاكين آلاما في الرأس أو في البطن، أو بسبب جرح بسيط. الآخرون كانوا يتلقون العلاج في خيمة العيادة التابعة للكتيبة، حيث كان ثمة طبيب. أحببت وظيفة المضمد، التي هوّنت عليّ كثيرا عبء الخدمة العسكرية، النظامية والاحتياطية، نحو 35 عاما معا. فحينما أقبلت على التجند للجيش احترت كثيرا وطويلا في السؤال: ماذا سأفعل في الجيش؟ وما أن سألني ضابط التصنيف إن كنت أريد أن أكون مضمدا حتى تلقفت العرض. ففي التضميد ستكون الاحتمالات كبيرة جدا لأن أتلافى القتال الحقيقي. لا بل، العكس صحيح: سيكون في مقدوري معالجة المحتاجين، من الجنود الإسرائيليين ومن "جنود العدو"، وربما استطيع إنقاذ حيوات بعضهم أيضا. تطلعي هذا تحقق بأسرع مما كنت أحلم. في كانون الأول 1956، وبعد أن أنهيت دورة المضمدين، تم إلحاقي بالعيادة العسكرية التي كانت تعمل في شرم الشيخ في أعقاب احتلاله من أيدي المصريين. هناك توليت معالجة جندي من الجيش الإسرائيلي وأسرى حرب مصريين.
العدو الذي كنت أعرفه
في يوم الأربعاء، 24 أيار، وعلى خلفية أنباء عن أن الرئيس المصري أمر بإغلاق مضيق تيران في وجه السفن الإسرائيلية، سرت بين المجندين شائعة بأننا سننطلق إلى الحرب في الغداة. الاستعدادات كانت تشمل فحص جهوزية القطع الحربية، حفر المزيد من المواقع والقنوات ونشر حقول الألغام. كما أجريت أيضا بعض التدريبات، وبينها تدريب الهجوم على مواقع. في الحقيقة، لم أندم على أنني تجندت – كان يهمني أن أكون مع الآخرين جميعا وأن أعيش معهم في تلك الساعات المصيرية. ومع ذلك، في الليلة ما بين الأربعاء والخميس لم أنجح في إغماض عينيّ. لم تكن أفكاري مركزة في مصيري الشخصي. كنت قلقا على عائلتي الصغيرة وعلى أمي. حاولت أن أتخيل كيف ستتدبر مريم الأمور مع غادي وهما وحيدان في البيت. قدّرت أن تنضم أمي، التي تسكن غير بعيد عن شقتنا، إليهما، كعادتها مساء كل سبت. وفكرت أيضا، بالطبع، كيف يتدبرون الأمور في الصحيفة من دوني. لكن السؤال الأساسي الذي أشغلني في تلك الليلة كان: كيف سأتصرف في حال إرسالي إلى المعركة؟ ورغم أنني كنت مدركا لاحتمال الإصابة، مثلي مثل جميع المشاركين في القتال، إلا أنني لم أخش على جسدين بل على روحي بالأساس، وعلى مصير عائلتي. كنت أعلم، على الدوام، إنني غير قادر وغير مؤهل أن أطلق النار على إنسان، أن أجرحه، أن أقتله. كنت أعلم إن في ساحة المعركة احتمالين لا ثالث لهما: مُصيب ومُصاب، قاتل ومقتول. كنت أعلم إن إرادة البقاء والحياة هي التي تقرر وتملي سلوك أي محارب في المعركة، وإنه لن تتسنى لي إمكانية طلب استراحة/ مهلة لكي أعلن: "اللعنة، أنا لست بلاعب/مشارك – لا تصيبوني"! أرّقني وأقلقني كثيرا السؤال: كيف سأعيش مع نفسي بعد الحرب إذا ما اضطررت إلى التصرف وفقما هو متوقع من أي جندي في المعركة – إطلاق النار، إصابة الهدف والقتل دفاعا عن البقاء. لكن فكرة الهرب لم تخطر ببالي، قطّ. مرت الساعات. وحين بزغ الفجر كنت لا أزال محاصرا بدوامة الأسئلة التي أرّقتني طوال الليل. جهّزنا القوّاد للتحرك. عبر الجنود عن قلقهم المتزايد، أصبحوا الآن أقل ثرثرة. وكلما دنت ساعة الانطلاق للمعركة تضاءلت تعابير التبجح والغرور. زال التوتر كله، فجأة، حين زّفت إلينا بشرى تأجيل ساعة الانطلاق. تأجلت - لكنها لم تُلغَ، أكد القادة. عدنا إلى روتين حياتنا. النهارات والليالي تعاقبت بطيئة. في الليالي كنت أجد صعوبة كبيرة في الخلود إلى النوم، بسبب الهاجس المؤرق الذي لم يغادرني لحظة: ماذا أنا فاعل إن اضطررت للمشاركة في المعركة؟ لم أشأ بلوغها بغير جاهزية. استعدت في مخيلتي مقاطع من كتب ضد الحروب كنت قد قرأتها، مثلا، "كل شيء هادء في الميدان الغربي" لأريك ماريا ريمارك، "وداعا للسلاح" لآرنست همنغواي، "يوميات الحرب" لأنري باربيس، "جوني عاد من الحرب" لدالتون ترمبو. لم أجد في أي منها جوابا/ حلا للمشكلة التي حرمتني النوم. ففي الحرب، حتى المضمد أيضا مُطالَب بالقتال دفاعا عن البقاء. لا تقتصر مهمته على معالجة الجرحى. ضايقني السؤال: هل سأسهم أنا أيضا بقسطي من الحساب الدموي بين إسرائيل وجيرانها العرب؟ وماذا سيحدث إن كان بين جنود "العدو المصري" شخص أعرفه – هو أو عائلته – من الحي الذي ترعرعت أنا فيه في الإسكندرية، أو من الحي الذي كانت تقع فيه حانة والدي؟ في أحد الأيام زار منطقة التجمع قائد اللواء، الجنرال أريئيل شارون، الذي كان يتمتع لدى كثيرين بهالة من الاحترام والتقدير كمحارب مغوار. من الأنباء التي سمعناها عبر الأثير استطعنا أن نفهم أن التحركات المكثفة في الأروقة الدبلوماسية ليس من شأنها إعاقة الاستعدادات للحرب أو إحباطها. لم يكن الجيش وحده هو الذي تم تحضيره للحرب – بل الجبهة الداخلية أيضا. وقد التهبت الأجواء في أعقاب "خطاب التأتأة" الذي ألقاه رئيس الحكومة، ليفي أشكول، في بث مباشر إلى الأمة، يوم الأحد 28 أيار. وبعد أيام معدودات تم ضم موشي ديان ومناحيم بيغن إلى الحكومة. بعد سنوات عديدة فقط تبين حجم الضغوطات التي مارستها أوساط عظيمة التأثير في المستويين السياسي/الحزبي والعسكري في الدفع نحو تشكيل حكومة وحدة تكتل قومي ونحو شن الحرب. فقد اتخذت تلك الضغوطات أحيانا طابع التهديد بانقلاب عسكري.
مصابيح تضيء الكثبان الرملية
عند الفجر، يوم الإثنين الخامس من حزيران، تلقينا الأمر بالاستعداد للانطلاق إلى الحرب. جلسنا ساعات على عتادنا نترقب الإشارة. عرض قائد الكتيبة على مسامعنا تفاصيل المهمة التي ألقيت على كتيبتنا. طـُلب إلينا أن نحتل، سوية مع قوات إضافية أخرى، منطقة أم قطف التي وُصفت بأنها موقع محصّن، وفقا للنظرية العسكرية السوفييتية. وقد ألقيت على كتيبتنا مهمة "تطهير" القنوات الدفاعية التي حوّطت الموقع، بالرصاص، بالقنابل، بالبنادق وبالاشتباك وجها لوجه. ووزّعت علينا معدات دفاعية في وجه هجوم غازيّ محتمل ومصابيح صغيرة للرؤية الليلية. عند الظهر صعدنا إلى الحافلات التي أقلـّتنا غربا. قطعنا الحدود المصرية. خلال السفر، استقرّ قراري: لن أصيب ولن أقتل أي إنسان، حتى وإن كان الثمن تعريض حياتي للخطر. قررت لنفسي التقدم مع بقية الجنود في القوة، لكن دون تصويب سلاحي الشخصي، رشاش "عوزي"، ضد أي إنسان، حتى وإن هوجمتُ وتعرضت للخطر. قررت تقديم أفضل العلاج الممكن للجرحى، إسرائيليين ومصريين على السواء. في اللحظة التي قررت فيها ما أنا فاعله شرعت في ترديد صامت، في عقلي، لكل الإجراءات التي ينبغي على المضمد القيام بها في معالجته الجرحى. الترديد هدّأ من روعي. من هذه اللحظة فصاعدا شعرت بأنني اتخذت القرار الصائب. نزلنا من الحافلات وواصلنا التقدم غربا، مشيا على الأقدام، في منطقة من الكثبان. لن أنسى تلك الرحلة. بعض أجزائها تتراءى أمام عينيّ كأنها فيلم رعب. الخطى في الرمل المتهافت كانت عصية على الاحتمال. أثقلتني حقيبتي الشخصية، حقيبتا التضميد، رشاش "العوزي"، خراطيش الذخيرة، مطرتا (قربتا) ماء مليئتان والنقالة المطويّة. كان التقدم بطيئا وشاقا. تنفست، شهيقا وزفيرا، مثل قاطرة. وبسبب وزن جسمي الثقيل والعتاد الكثير الذي حملته على كتفيّ، كانت ساقاي تغوصان في الرمل حتى الخصيتين تقريبا، في كل خطوة. رحلة المشي في الكثبان رافقها قصف مصري متواصل. لاحقا، تبين أنه لم يوقع خسائر، لكنه كان مخيفا جدا. الترنحات في المشي البطيء والمعقد أدت إلى إنارة المصباح الذي كان معلقا عليّ، من حين على آخر. ليس مصباحي وحده فقط أضيء، بل مصابيح جنود آخرين أيضا، مما جعل القادة يصرخون، مرارا وتكرارا: "أطفئوا المصابيح"، خشية أن تكشف المدفعية المصرية موقعنا الدقيق. سِرنا في طابور واحد طويل. كانت الأوامر تقضي بضرورة أن تبقى كل فرقة، وكذا كل جندي في الفرقة، على اتصال بصري مع تلك التي أمامها. بيد أنه كلما اشتد الظلام كلما تباعدت المسافات وحصل انقطاع بين الفر ق. كمضمد، كان موقعي في نهاية الطابور الخاص بكتيبتي. وخلال المشي المتثاقل لمحت جنديا يجرجر نفسه ببطء وينتحب بهستيريا إنه لا يستطيع مواصلة المشي. القادة والجنود الذين تجاوزوه صرخوا به شيئا ما، لكنهم لم يتوقفوا لمساعدته. أنا أيضا واصلت المشي، لكن بعد بضع خطوات دب بي الخوف: خشيت من احتمال أن نضيّعه، واعتقدت إن من واجبي، كمضمد، أن أساعده. عدت على أعقابي للبحث عنه. وحين عثرت عليه كان أكثر هستيريّة. وخلال المشي، كما تبين لي لاحقا، رمى ذلك الجندي المسكين عن ظهره تلك الحافظة التي أثقلت كاهله. سندته إليّ بذراعيّ وجررته إلى جانبي. لم يُعِنّي في ذلك أحد. بصعوبة فائقة وصلت إلى هنا مع عتادي كله، وهاأنذا أجد نفسي أجرّ معي شخصا آخر. لست أدري، حتى يومي هذا، من أين استمديت تلك الطاقة اللازمة لذلك. أحضرتُ ذلك الشاب إلى نقطة التجمع استعدادا للانقضاض. ولا أعرف شيئا عمّا حصل له لاحقا. بعد ما يزيد عن 35 عاما التقيته، صدفة، لدى مروري بجانب كشك كان يمتلكه في مركز مدينة تل أبيب. هو لم يتعرف عليّ، لكنه تذكّر، بالتأكيد، تلك الليلة وتلك الرحلة الليلية المشتركة في الكثبان الرملية.
السلاح غير معبأ
بعد توقف قصير للاستعداد، تلقت الكتيبة أمرا باقتحام الموقع المحصّن والاستيلاء على القنوات، ما يسمى باللغة العسكرية "تطهيرها". فقدت الإحساس بالزمن، كليا. كان الظلام دامسا. أيقنت أن سريّتي تسير خلف فرقة الاستطلاع التي رافقت قائد الكتيبة، لكنني لم أفهم حقيقة ما يحصل بالضبط. تقدمت في المنطقة وفي القنوات بتثاقل، كمن يسير في المنام، مثل روبوت. جسدي كان ثقيلا جدا عليّ، وكذلك رأسي. بقرار واع، وخلافا للأوامر، لم أعبئ سلاحي الرشاش. أذكر كم من الوقت مشينا. فجأة، أطلقت النيران علينا. لم أستطع تحديد مصدرها، من الذي أطلقها وبماذا. بالقرب منا سُمعت أصوات محرك وجنازير دبابة تقترب، وبعد ثوان قليلة انفجار مدوٍ. قذيفة سقطت لصقنا. رميت نفسي أرضا، مثلما فعل الآخرون من حولي. أغمضت عينيّ. كنت مصدوما. نداءات "مضمد! مضمد!" أعادتني إلى الواقع. وحين عدت إلى رشدي، أدركت إنني لم أُصَب بأذى. تقدمت، زحفا، نحو المكان الذي صدرت منه نداءات الاستغاثة. كان هناك جندي أصيب في كتفه، بشظية كما يبدو. ضمدت جرحه وحاولت تهدئة روعه. وعدته بالاهتمام بأن ينقلوه، على وجه السرعة، إلى نقطة التجمع (إلتقيته، ثانية، بعد الحرب، في حفل توزيع وسام الحرب. كلما مجّد قائد الحفل الحربَ وامتدحها، أمسك ذلك الجندي خصيتيه وأطلق شتيمة قذرة بالإسبانية، فلم نقوَ نحن على خنق ضحكاتنا). وفيما أنا منشغل بمعالجة الجندي المصاب، زحف إليّ جندي وأخبرني بأن مصابا آخر ملقى في الجوار. زحفت نحو المصاب الآخر. كانت عيناه مفتوحتين وهو يتأوه بصوت خفيض. عرفته، على الفور. إنه شاؤولي، جندي الاستطلاع الذي كان ملازما لقائد الكتيبة على الدوام وكان معروفا جيدا بين جميع جنود الكتيبة. لقد أصيب، إصابة بالغة، في رأسه. وضعت لفافات كبيرة على الجرح. زحفت حتى قائد الكتيبة وهمست في أذنه إن شاؤولي قد أصيب إصابة بالغة وينبغي إخلاؤه على الفور إلى محطة التجميع. تبين إن الطبيب ومحطة التجميع بعيدان عنا. كان ذلك "قتيلي" الأول في هذه الحرب. تواصل تبادل إطلاق النيران، دون انقطاع، من فوق رؤوسنا. بين الفينة والأخرى كانت الرصاصات المضيئة تشق الظلام. أصوات الانفجارات كانت تدوي كل الوقت وتضيء السماء. لم أستطع التمييز ما إذا كانت تلك قذائف مدفعية أم راجمات، ومن الطرف الذي يطلقها. كنا منبطحين على بطوننا ونحن ندسّ رؤوسنا في الأرض، عميقا. خلال انبطاحنا، وبشكل تلقائي، حفرنا تحت أجسادنا، بالأيدي وبالأظافر، في محاولة يائسة للبحث عن ملاذ. طال انبطاحنا، على تلك الحال، وقتا طويلا جدا، بدا أزليا، حتى بزغ الفجر. خفت حدة النيران، تدريجيا، حتى توقفت كليا. مر وقت طويل حتى تجرأ بعض الجنود على رفع رؤوسهم، النهوض والخروج من الحفريات. طالما لم يتوجه إليّ أحد، لم أبرح مكاني. واصلت الانبطاح أراقب، مصدوما، ما يجري من حولي. شاهدت جنودا يتراكضون هنا وهناك. بين فينة وأخرى رأيت أيضا جنودا مصريين يخرجون من مخابئهم ويتراكضون في كل الاتجاهات. بعضهم تعثر وسقط إذ أصيب جراء النيران الكثيفة التي أطلقت عليهم. بقيت منبطحا في مكاني وقتا طويلا. شعرت بجوع وعطش شديدين. بذلتُ جهدا لأجيل النظر من حولي، لكنني شعرت كمن لا ينتمي إلى هذا المكان. وحين اتضح إن موقع أم قطف قد سقط، كله، في أيدي القوات المهاجـِمة وتوقفت كل أشكال المقاومة من جانب المصريين المهزومين، خرج الجنود المنتصرون من مواقعهم، تجمعوا في مجموعات صغيرة وتناقلوا بينهم قصص المعركة وتجربتها. بعضهم كان يباهي بالأعمال البطولية التي سطروها. وانتشرت أيضا شائعة مفادها إن قواتنا قد أطلقت النيران علينا، خطأ، في مرحلة ما من المعركة. لم يصدر أي تأكيد لذلك من أي مصدر رسمي. مع الانتهاء من "عمليات التطهير" خرج بعض الجنود باحثين عن غنائم، وخصوصا الأسلحة والذخائر. آخرون عكفوا على جمع "التذكارات": حربة، زوج أحذية، جهاز ترانزيستور، قبعة تحمل الشعار المصري، محفظة نقود، صور عائلية وبطاقات بريدية. هذا الشغف بالغنائم عمّق مرارتي السوداء التي كنت غارقا فيها. في الصباح انضم إلينا زميلي في الخيمة، موظف الكتيبة الذي لم يشارك في المعركة. كان يبحث عني للاطمئنان على سلامتي والتأكد من إنني لم أصب بأذى. حاول فتح محادثة معي، لكنني التزمت الصمت. لا أعرف كيف فسّر مزاجي. خرجت، من يوميّ الحرب الأولين، دون أية إصابة جسدية. لم أكن أعرف أي المهمات ستلقى على وحدتنا لاحقا. كان قراري حازما: لاحقا أيضا لن أشارك في هذه اللعبة، وليكن ما يكون.
حشوت رصاصة في البندقية
"لا يجدر تنمية احترام القانون مثلما يجدر تنمية احترام العدل" (هنري ديفيد ثورو، "العصيان المدني")
في صبيحة يوم الأربعاء، 7 حزيران، تلقت الكتيبة أمرا بالتقدم في اتجاه الشمال الغربي نحو العريش. نحن، جنود الكتيبة، لم نعرف بالضبط ما ينتظرنا هناك. لم نعرف ما إذا كنا سنشارك في المعارك لاحتلال المدينة أم إنها قد احتلت وقضي الأمر. صعدنا على الحافلات ثانية وانطلقنا في الطريق. سمعنا هدير الطائرات فوق رؤوسنا، ومررنا، على طول الشارع، على هياكل مفحّمة من الحافلات والدبابات المصرية المدمرة. الحفر العميقة التي خلفها القصف الجوي في الشارع كانت تعيق تقدمنا. وكان الجنود يستغلون تلك التوقفات الاضطرارية للنزول من الحافلات، لقضاء حاجة أو لشدّ العضلات. بالقرب من شاحنة مصرية مفحّمة كانت جثتان لجنديين مصريين ملقاتين محترقتين، بدتا من بعيد كأنهما رغيفا خبز محروقان. الجلد في بطن أحدهما كان ممزقا والأمعاء مدلاة خارجها. لدى الآخر لوحظ نتوء عضوه التناسلي المنتصب. أوضح لنا الضباط إن الجنديين قد أصيبا، بالتأكيد، إصابة مباشرة بقذيفة نابالم. أنا لم ابرح مكاني في الباص. نظرت من النافذة فرأيت جنديا من كتيبتي يقف، ظهره إليّ، وهو يتقيأ روحه. وحين استدار عرفته على الفور: شاب أنهى خدمته النظامية منذ فترة وجيزة عاد والتحق بكتيبة الاحتياط خاصتنا. في أيام الانتظار، وكذلك في أعقاب المعركة في أم قطف وفي الباص في الطريق إلى العريش، كان يتباهى مثل الديك مبديا روحا قتالية سرعان ما تلاشت، في لحظة، لدى رؤية الجنديين المصريين المحترقين. أحد الجنود مدّ مطرته إلى جندي الاحتياط الشاب مقترحا عليه أن يغسل وجهه، مهدئا من روعه ومقدما له المساعدة في الصعود ثانية إلى الباص. منذ تلك اللحظة بقي جالسا في مقعده، صامتا، شاحبا، ساهما ومنطويا على نفسه. حين اقتربنا من مدينة العريش رأينا، على جانبي الشارع، شِباكا من القشّ المجدول كان الصيادون المحليون يستخدمونها في اصطياد طيور السُّمّن في موسم هجرتها. أبلغنا أحد القادة بأن العريش لم تسقط نهائيا في يدي "تساهل" (الجيش الإسرائيلي) وبأن القوات المصرية لا تزال تحارب دفاعا عنها. وحين دخلنا إلى المدينة سمعنا أصوات تبادل النيران من جهات مختلفة. أمَرَنا القادة بالاستعداد للنزول من الحافلات في أية لحظة للمشاركة في ما أسموه، مرة أخرى، "تطهير" المدينة من جيوب المقاومة. ومن ثم أمرونا بتجهيز الأسلحة والاستعداد للانطلاق. الوقت الآن ليس ليلا، نور النهار في الخارج وليس من الممكن التملص أو الاختباء. في لحظة قررتُ: عبأت رشاشي، حشوت فيه رصاصة وصوبته إلى كفّ يدي اليسرى وضغطت على الزناد. حين أصابتني الرصاصة شعرت بضربة قوية جدا في يدي زعزعت بدني كله. نظرت، لثانية واحدة، إلى الجرح المفتوح والنازف في كف يدي. على الفور تحلق حولي الجنود والقادة الذين لاحظوا إصابتي، هبوا لنجدتي وتشجيعي. كان بينهم زميلي في الخيمة، أيضا. وفيما أنا أتأوه وأتلوى من الألم، قام أحد المضمدين بتضميد جرحي. أنزلوني من الحافلة ونقلوني إلى محطة تجميع الجرحى. هناك تم تضميد الجرح ثانية وحقني بوجبة من المورفيوم. أذكر، بالتباس وضبابية، كيف حملوني إلى سيارة الإسعاف التي كان يستلقي فيها بضعة مصابين آخرين. في ذاكرتي الملتبسة يهَيّأ إليّ إن السائق قد فقد السيطرة على السيارة فانقلبنا خلال السفر. ربما كانت تلك مجرد هلوسة جراء المورفيوم. لكنني أذكر جيدا إنني تلقيت، بعد بضع ساعات، حقنة ثانية من المورفيوم، وربما كانت ثمة ثالثة أيضا، لاحقا. واذكر إنني شعرت، أيضا، بآلام باهتة، غير حادة، وبأنني كنت ساهمان محلقا في حالة من النشوة. تلك المرة الوحيدة في حياتي التي كنت فيها تحت تأثير السموم. يخيّل إليّ إنه تم نقلي، جوّا، سوية مع مصابين آخرين، لكنني لا أذكر شيئا من تفاصيل تلك الرحلة الجوية. حين زال تأثير المخدّر كنت قد أصبحت ممددا في المستشفى في كفار سابا. كان ذلك في ساعة متأخرة من الليل. شعرت بآلام حادة جدا وكنت واعيا بما يدور حولي. ممرضات وأطباء انكبوا على تقديم العلاج لي، بإخلاص وتفان لافتين، خلعوا عني بزّتي العسكرية وألبسوني برنسا. أرسلوني إلى تصوير الأشعة وما أن تلقوا النتيجة حتى اقتادوني، مباشرة، إلى غرفة العمليات. وقبل أن يقوموا بتخديري تمهيدا للعملية، سألت أفراد الطاقم الطبي عما إذا كان أحد ما قد قام بإبلاغ عائلتي بحالتي وبمكان وجودي. وتمكنت، أيضا، من الطلب من الممرضات التفتيش في جيوب السروال الذي خلعوه عني لإخراج محفظتي التي حفظت فيها صورة ابني غادي. تأثرت كثيرا لسماع ملاحظات الممرضات "يا له من طفل جميل" فانفجرت بالبكاء. لكنني سرعان ما أصبحت تحت رحمة الأطباء، الممرضات ومواد التخدير.
بسكويت من قلقيلية
حينما استعدت وعيي عند الفجر كان قد تم نقلي إلى القسم، وكنت أشعر بألم شديد في يدي المضمدة والمثبتة. رويدا رويدا، تخلصت من تأثير المواد المخدرة. تسلل الخوف إلى قلبي من احتمال كوني ـ بتأثير مواد التخدير ـ قد أفشيت سرّي خلال العملية الجراحية. ولدى جولة الأطباء في القسم، سألتهم والممرضات ما إذا كنت قد تحدثت أو قلت شيئا خلال العملية. ردوّا بالإيجاب مضيفين، بمزاح، إن ليس ثمة ما يمكن أن أخشاه ـ لم أفضح أي سرّ عسكري. لم يكن بمقدورهم التخمين بأن خوفي وقلقي لم يكن مبعثهما أية "أسرار عسكرية"، بل سرّي الشخصي أنا. هذا القلق لازمني ولم يفارقني لسنوات عديدة. في يوم الخميس حضرت مريم وغادي لعيادتي في المستشفى. كان تأثري بالغا جدا، لكن المحادثة لم تتطرق إلى ظروف إصابتي. فقد تركز اهتمامي في حمل مريم، سألتها كيف يتدبر غادي الأمر في روضة الأطفال وفي الحي، حيال نشوة الحرب. ظاهريا، كان من المتوقع أن تؤدي الزيارة والمحادثة إلى تهدئتي. لكن ليس هذا ما حصل. فقد بقيت، بعد الزيارة أيضا، متوترا مشدودا مثل زنبرك. عرفت أن الحرب لا تزال متواصلة. وفي محاولة لتهدئة نفسي، رغم الآلام الشديدة، طلبت من الممرضات إشغالي بشيء ما في سريري. بدأت بتحضير لفائف للتضميد. في الليل، بسبب الألم والتوتر، لم أفلح في الخلود إلى النوم سوى بمساعدة "تحميلة" للنوم. عندما استيقظت في صباح يوم الجمعة قررت الخروج، بأي ثمن، إلى عطلة السبت. من المستشفى في كفار سابا سافرت رِكابَةً حتى رمات غان. أنزلني السائق بجانب الكشك الواقع تحت دار السينما "رما". صاحب الكشك، موشي (موسى) خوري، صديق قديم وعزيز، استفسر عن حالي وصحتي بينما انفجرت أنا بالبكاء وفقدت القدرة على الكلام. مسكونا بالقلق عليّ، أوصلني إلى منزلي. غادي ومريم فرحا كثيرا بملاقاتي، ولاحقا حضرت والدتي أيضا. قلائل فقط هم الذين حضروا لزيارتي، وتملصت أنا بنجاح فائق من كل المحاولات لاستنطاقي بأية معلومة حول ظروف إصابتي. عن وعي، كانت أجوبتي ضبابية مما جعل المتسائلين يفترضون إنني لا أزال، كما يبدو، مضطربا مشوشا وغير واع تماما لحقيقة ما حصل لي. في نهاية الأسبوع قضيت وقتا طويلا في النوم. ومن حين إلى آخر تابعت الأخبار عبر المذياع. لقد توقف القتال في الجبهتين المصرية والأردنية، لكنه تواصل في الجبهة السورية. في مساء يوم الجمعة، حينما أذيع أن الرئيس جمال عبد الناصر قد أعلن قرار استقالته، في خطاب مباشر إلى الأمة، وصلت إلى مسامعنا هتافات الفرح التي أطلقت في الشوارع. فجأة، رفعت حالة الإظلام التي كانت تسود الدولة كلها، طبقا للأوامر. فقد أنيرت المنازل والشوارع من جديد. استقالة الرئيس عبد الناصر استقبلت في إسرائيل باعتبارها الإنجاز السياسي الأول للنصر العسكري في الحرب المبادَرَة. في مساء يوم السبت توقفت، أخيرا، المعارك في هضبة الجولان. في الغداة عدت إلى المستشفى. في القسم ثارت عاصفة من الانفعال حول قصة جندي شاب أصيب بجراح بالغة وأحضر إلى المستشفى في المساء السابق. إحدى الممرضات أخبرتني بأن الأطباء قضوا ساعات طويلة في غرفة العمليات لإنقاذ حياته. تبين أنه أصيب في بطنه جراء رصاصة أطلقها عليه زميله في الوحدة خلال لعبة fair fight التي كانا يلعبانها، بفعل الملل كما يبدو. وبينما ارتدع هو عن الضغط على الزناد، أطلق زميله الرصاصة ولم يخطئ. استدارت الرصاصة عدة مرات في جسمه وأصابت أعضاء داخلية عديدة. في المستشفى تواصل ورود الرسائل إليّ، من تلميذات وتلاميذ. مريم وغادي يذكران إنني كنت مستلقيا في السرير محاطا بحزمات من الهدايا والرسائل. إحتفظتُ ببعض منها. تلميذة من إحدى البلدات في منطقة الشارون كتبت إليّ: "كيف الحال في الكتيبة؟ مؤكد أنكم فرحون جدا... أمس رأيتُ بسكويتا من قلقيلية أحضره شباننا. كان ذلك مؤثرا جدا... الآن بالذات كان ينبغي أن تُنظم لنا رحلة سنوية وحفل اختتام في نهاية السنة. ربما يتم ذلك لاحقا، وربما تقام رحلة إلى العريش، إلى غزة أو إلى القدس القديمة. أليس كذلك؟ من يدري؟". الوضع السياسي الذي أفرزه النصر العسكري السريع الذي حققه "تساهل" أثار لديّ قلقا شديدا. نشوة النصر دبت بي الخوف وأثارت شعوري بالغثيان، وخصوصا تعابير الفرح العلني التي صدرت عن الناس حيال مشاهد جثث جنود العدو، طوابير الأحذية المهجورة خلال الفرار في الصحراء، قوافل اللاجئين. فرغم الرقابة، بدأت تتوارد شظايا معلومات عن تدمير قرى فلسطينية بأكملها وتشريد سكانها. أنا الذي بادرت، بنفسي، لتحريري قبل الأوان من المستشفى. في البيت زارني زميلي في الخيمة، ذلك الذي يعتمر "الكيبا". هو الذي أحضر لي أغراضي الشخصية التي بقيت في الوحدة. مؤخرا فقط، بعد 39 عاما تقريبا، إلتقيته مرة أخرى. إستعدنا ذكريات تلك الأيام وذكّرني هو كيف كنت أنا، في فترة الانتظار، الجندي الوحيد في الكتيبة الذي نفّذ الأمر بالنوم منتعلا الحذاء. وحين سألني آنذاك لماذا لا أخلع حذائي مثل بقية الجنود، أجبته ـ كما قال ـ بأنني، كمضمد، ينبغي ألاّ أضيع وقتا ثمينا في حال استدعائي الطارئ لتقديم إسعاف أولي. وذكّرني، أيضا، بالاستعراض الذي أقيم عشية الحرب، وخلاله توجه قائد الكتيبة إلى الجنود طالبا مِن كل مَن لا يرغب في الخروج إلى الحرب أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، فلم يفعل ذلك أي من الجنود. غريب، لكنني لا أذكر شيئا من ذلك قطّ. وحين قلت له هذا، ردّ بالقول إنني ربما لم أشارك في ذلك الاستعراض لانشغالي بشيء آخر. ربما.
زيارتان في اللطرون
غداة تحريري من المستشفى، لم أتمالك نفسي وتوجهت إلى مكاتب هيئة تحرير "زو هديرخ". بسرعة فائقة انخرطت، من جديد، في العمل. مساهمتي الأساسية في تلك الأيام تمثلت في ترجمة تقارير من الصحافة العالمية، التي لم تكن خاضعة لمحظورات الرقابة العسكرية الإسرائيلية. وكانت، في غالبها، صورا وتوصيفات عن الرحيل الفلسطيني، الثاني في غضون عقدين من الزمن، من المناطق المحتلة، في الضفة الغربية عبر الجسور إلى الضفة الشرقية في الأردن، ومن قطاع غزة عبر سيناء إلى مصر. وقد منعت الرقابة العسكرية، أيضا، نشر شهادات أدلى بها إسرائيليون كانوا شهود عيان على عمليات التدمير والتطهير العرقي التي نفذها "تساهل" ـ مثلا، في منطقة اللطرون ومنطقة قلقيلية في الضفة الغربية، كما في هضبة الجولان السورية أيضا، حيث جرى تدمير غالبية القرى، عن بكرة أبيها. المحادثة التي جرت بيني وبين الكاتب إميل حبيبي، عضو الكنيست عن الحزب الشيوعي آنذاك، حول عمليات حيث وقفنا عن كثب على حجم الدمار والخراب في قرى يالو، بيت نوبا وعمواس: لم يفلح "تساهل" في إنجاز محو القرى الثلاث عن وجه الأرض، لكنه تمكن من توزيع أراضيها على البلدات اليهودية المجاورة. وبالنظر إلى أسيِجة الصبار التي أحاطت بساحات البيوت، كان لا يزال بالإمكان إعادة ترسيم مواقع البيوت التي تم تدميرها ومحوها. بعد مضي ثلاثين عاما عدتُ إلى زيارة المنطقة، وهذه المرة برفقة لاجئين من القرى الثلاث، في إطار الإعداد لنشر ريبورتاج مصور في ملحق صحيفة "هآرتس" 11.7.1997). الصور الفوتوغرافية في ذلك التقرير زودنا بها يوسف هوخمان، الذي كان التقطها في لحظتها الحية.
بمسحة من الفخر
عُدت إلى مزاولة حياتي العادية. بعد الحرب بأشهر قليلة ولدت ابنتنا ياسمين. لم يسألني أي من الأصدقاء أو أفراد العائلة عن ظروف إصابتي. فاجأتني، بشكل خاص، حقيقة إن سلطات الجيش (تساهل) لم تجر، حدّ علمي، أي تحقيق بشأنين بل تعاملت معي كما مع بقية جرحى الحرب. وقد تقررت لي، لقاء إصابتي، درجة عجز مؤقت بنسبة 10% لمدة سنة كما تلقيت تعويضا ماليا لمرة واحدة مقداره نحو ألف ليرة (نحو 250 دولارا). لقد صرفت الشيك ـ خفت من لفت انتباه زائد لم أكن معنيا به ـ لكنني حوّلت المبلغ، كتبرع من مجهول، إلى جمعية لمعالجة الأطفال المرضى. لقد نجح الأطباء في مستشفى كفار سابا في جَبْر العظمة المكسورة وخاطوا الجرح المفتوح، بمهنية فائقة، فبقيت على كف يدي اليسرى ندبة صغيرة لا يمكن ملاحظتها إلا بصعوبة بالغة. لا أشعر بأي تقييد قط، تقريبا، في حركة يدي. في الشتاء فقط، حين يكون الطقس باردا، أشعر ببعض الألم في كف اليد، وإذا ما تلقيت ضربة على الندبة فإنها تتورم على الفور. لم أستطع، حتى اليوم، كشف الدافع الحقيقي وراء تجاهل سلطات الجيش ظروف إصابتي. كنت أعلم أنه قد تم "تعليمي" باعتباري شيوعيا وأن ملف الخدمة العسكرية خاصتي يحتوي على كل التفاصيل المتعلقة بقضية من شهر تموز 1958. فقد تم اعتقالي، آنذاك، من قبل سلطات الأمن الميداني ووجهت إليّ تهمة توزيع منشورات في معسكرات الجيش. في تلك المنشورات، إنتقد الحزب الشيوعي قرار حكومة إسرائيل القاضي بفتح المجال الجوي الإسرائيلي أمام سلاحي الجو البريطاني والأمريكي، اللذين أرسلا طائراتهما إلى الأردن ولبنان بغية إنقاذ حكامهما من قبضة معارضيهما. وفي نهاية تلك القضية، حُكم عليّ بالسجن لمدة 35 يوما مع وقف التنفيذ. تبددت تخوفاتي من التحقيق في إصابتي في العريش في 7 حزيران 1967. ربما يكون الجيش قد فضّل عدم النبش في جروح الحرب تلك، كي لا يضطر إلى الاعتراف بوجود ظاهرة كهذه حقا. حتى هذا اليوم، أيضا، لم أكشف لأي إنسان عما فعلته بالضبط. خلال السنوات العديدة الماضية، رويت لأشخاص معدودين، مقربين مني جدا، أشياء عمومية جدا ومبهمة. كان ثمة من تكهن بما حصل، تقريبيا. ثلاثة منهم فقط تحدثوا معي حول الموضوع: إميل حبيبي، الكاتب والشاعر مردخاي أبي شاؤول (رئيس عصبة حقوق الإنسان والمواطن) وزوجته ليئا. قال لي أبي شاؤول ذات يوم: "ليئا وأنا نعرف ما حصل وما فعلتـَه خلال الحرب، لكننا لا نريد أن نعرف عن ذلك شيئا، فهكذا أفضل". خلال سنيّ صداقتنا ونشاطنا المشترك، والتي تكدرت غير مرة بسبب خلافات حادة، جرت بيني وبين إميل حبيبي بضعة حوارات من الأعماق. أحدها جرى بعد الحرب بأشهر قليلة، في أيلول 1967، في موسكو. في تلك المحادثة، تحدثنا عن العلاقة بين التزام الإنسان الشخصي تجاه ذاته وضميره، وبين التزاماته وواجباته تجاه الإطار الذي يعيش فيه، شريكا وناشطا. وكان المقصود، تحديدا، الحزب الشيوعي الذي كنا، كلانا، عضوين فيه. ذَهَلني حبيبي بصراحته. قال: "الإنسان العضو والناشط في تنظيم، وخصوصا في تنظيم ثوري مثل الحزب الشيوعي، يشعر بالتزام عميق تجاه التنظيم، باعتباره أمرا بديهيا ومفهوما ضمنا. ولكن، بالرغم من هذا الالتزام، مهما يكن صدقه وإخلاصه، ثمة حالات فريدة ينبغي على الإنسان أن يتخذ فيها قرارات مصيرية وضميرية، لوحده تماما من دون أن يسأل التنظيم أو يستشيره، وذلك جراء الخطر في احتمال أن يتخذ التنظيم قرارا آخر، مغايرا لوعيه الذاتي، مناقضا لميله الداخلي ولحُكم ضميره". وعندها، أنزل حبيبي المحادثة من المستوى النظري إلى أرض الواقع: "لو أنك أتيت، قبل تصرفك المحدد خلال الحرب، للتشاور معنا، مع الحزب، فإنني واثق تماما، تقريبا، إن الحزب كان سيمنعك من القيام بذلك العمل. واليوم أيضا، إذا ما عُرف بين الناس حقيقة ما فعلت، فليس من المستبعد أن تعلن قيادة الحزب تحفظها منه". كان حبيبي يتحدث عن "العمل" دون أن يسميه، لكنه كان ينقـّل نظراته ـ خلال حديثه ـ بين عينيّ وبين كف يدي. كان مقصده واضحا لكلينا. وقد علمت، بناء على إشارات مختلفة، إنه كان قد أفشى سرّي، بمسحة من الفخر، لعدد من معارفنا المشتركين ولعدد من أصدقائنا الحميمين في الضفة الغربية ومصر. هذا التخوف ـ من أن يتنصل الحزب من تصرفي وأن لا يقف خلفه ـ كان، حقا، أحد الأسباب التي دفعتني إلى إخفائه، لكنه ـ بالتأكيد ـ لم يكن السبب الوحيد. شخص آخر، قريب جدا وعزيز، هو ابني غادي، اكتشف الأمر بطريقته. لم أخبره بأي شيء عن ذلك، إطلاقا. في طفولته، حرصنا على القول له إنني لم أصب بنيران العدو، بل برصاصة أفلتت حين سقطت من الحافلة التي سافرنا بها. لكنه حينما قبع، هو بنفسه، في العام 1981 في سجن مجيدو جراء رفضه الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة ـ هكذا روى لي بعد إطلاق سراحه ـ تذكّر الأمر، أجرى حساباته الخاصة فربط بين مشاهداته خلال خدمته العسكرية وبين تخبطاته هو، ففهم. وحين تزوجت للمرة الثانية، رويت لزوجتي، طليله، قصة الواقعة. أولادي الآخرون سيكتشفون الحقيقة حينما يقرأون القصة هنا. لقد حرصت على كتمان سرّي هذه طيلة سنوات عديدة. لماذا؟ الجواب البسيط هو أنني كنت أخاف التورط. نعم، هكذا بالضبط. الأمر الأساس بالنسبة لي كان إنني حققت الهدف الذي من أجله فعلت ما فعلت: أن لا أقتـُل. كنت أعلم أنني، من وجهة النظر القانونية، قد ارتكبت مخالفة، بل مخالفة خطيرة. حتى إنني قد حاولت ذات مرة أن أفحص: هل يسري التقادم على مخالفة من هذا القبيل؟ واجهت خلال حياتي بضع حالات زاد فيها منسوب تخوفي، بشكل مميز، من مغبة افتضاح سرّي واستغلاله للتشكيك بي وبمواقفي السياسية. هكذا كان الحال حينما أصررت على رفض الخدمة، كجندي في الاحتياط، في المناطق المحتلة، في أعقاب نشر سلسلة الريبورتاجات التي أعددتها عما يجري هناك وضمنتها في كتاب "أبي، ماذا فعلت حين هدموا بيت نادر؟" (1974). وهكذا كان، أيضا، عندما كتبت عن رافضي الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة ورافضي التجنيد، في سلسلة التقارير الصحفية التي نشرت في صحيفتي "زو هديرخ" و"هآرتس" وفي الصحافة العالمية. قراري بالخروج عن صمتي، الآن، نضج إبان تأليف كتابي الأخير، "الضحية"، الذي رويت فيه قصة مأساوية عن جندي شاب، هو المسالم اللاعنفي روتم شبيرا، الذي وضع حدا لحياته خلال خدمته العسكرية، ولم يكن قد بلغ الـ19 عاما. ------------- * د. يوسف الغازي ولد في الإسكندرية, مصر, في سنة 1938. مؤرخ وصحفي ومناضل سياسي واجتماعي إسرائيلي. سابقا سكرتير عصبة حقوق الإنسان والمواطن. ** هذا النص (هو جزء من نص أكبر لم ينشر بعد) نشر في صحيفة "هآرتس", عبري وإنجليزي (26.5.2006). (الترجمة إلى العربية: سليم سلامة)
#يوسف_الغازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وثيقة : حديث صحفي مع محمود درويش ( 1969)
-
حديث صحغي مع محمود دروش / نوفمبر تشرين الثاني 1969 / بقلم يو
...
-
هؤلاء الاسرائيليون الجائعون
-
هؤلاء الجنود الاسرائيليون الذين يقولون لا
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|