محمد سعيد العضب
الحوار المتمدن-العدد: 2753 - 2009 / 8 / 29 - 06:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"
الكتاب الموسوم "حرب ثلاثة تريليون دولار"الكلفة الحقيقة للنزاع العراقي " للاستاذ جوزيف ستيجلتز الحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد والاستاذة لندا بيلميز ,الصادر عن دار النشر ف .ف نورتن&كومباني نيويورك- لندن عام 2008, يعتبر محاولة علمية رصينة,اريد منها ليس فقط حساب الاعباء المالية المباشرة التي نجمت عن المغامرة الاميركيةفي غزو العراق واحتلالة,بل تم تقدير الكلف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للحرب, وتبيان تبعاتها علي الاقتصاد الاميركي والعالمي ,اعتمادا علي منهجيات محددة في تحليل اثار الحرب علي اسعار وانتاج النفط والكلف غير القابلة للقياس الناجمة عنها , كما تم توضيح طرق تحديد معدلات حسم الكلف المستقبلية التي ستظل تدفعها اجيال قادمة .
رغم توكيدات الكتاب علي ان الحرب هذة, تعتبر من اغلي الحروب التي شنتها الولايات المتحدة الاميركية في تاريخها المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية,نراة قد امعن ليس فقط في تبيان خطل ذرائع الحرب ومبرراتها, بل دحض التخمينات الخاطئة لكلفة الحرب وادعاءات قصر فترة استمراها علاوة علي مناقشة اوهام خروج قوات الاحتلال من العراق ومواقف الفئات المختلفة منها .
لقد بلغت تقديرات الادارة لكلفة الحرب الاولية قبل نشوبها بما يعادل 50 بليون دولار, في حين تم الانفاق الفعلي لغاية الان(تاريخ صدور الكتاب عام 2008) حوالي تريليون دولار,اي 20 ضعف عن تقديرات الادارة في مراحها الاولي , كما توجد مئات بلايين الدولارات من فواتير مستحقة الدفع , اضافة الي تسديدات الكلف المذهلة المتعلقة بالرعاية الطبية لالاف الجرحي من المحاربين القدامي من ناحية,ودفع تعويضات ومنافع العجز والاعاقة لمئات الالاف اخر من الجنود من ناحية ثانية .
تم تمويل هذا الحرب من الاقتراض مما قاد الي تعاظم الدين الاميركي العام ,وارتفع الي ارقام فلكية, كلة اثرليس فقط علي تردي الاوضاع الاقتصادية الداخلية ,بل ساهمت الحرب مع عوامل اخري في اندلاع ازمة مالية اقتصادية عالمية عام 2008, تركت اثارا سلبية علي موقع الولايات المتحدة الاميركية, كما قوضت نفوذها في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية .
عموما اراد الكتاب ان يكون دعوة لتحفيز الشعب الاميركي في معرفة تبعات الاثم والجريمة التي اقترفت باسمة, والتكاليف الباهضة التي سيظل يتحملها هذا الجيل والاجيال القادمة من ناحية, وتصعيد معارضتة لانهاء ها وسحب القوات فورا من العراق من ناحية اخري .
مع ذلك رغم كلة,اهمل الكتاب تضمين تقديراتة اعباء, معاناة وكوارث لحقت بالشعب العراقي من خلال زجة في اتون حرب ليس طرف فيها ولا مصلحة لة فيها .علية تحتم المسوؤلية التاريخيةوالاخلاقية والقانونية الاقرار بهذة الكلف, ومطالبة الحكومة والشعب الاميركي تعويض الشعب العراقي عنها ,مما سيؤدي الي زيادة هذة التقديرات الي مستوايات غير متوقعة .
تضمن الكتاب علي مقدمة وملحق وثمان اجزاء هي كالاتي :
الجزء الاول : هل فعلا ثلاث تريليون دولار
الجزء الثاني : الكلفة التي تتحملها الميزانية القومية
الجزء الثالث : الكلفة الحقيقية لرعايةالمحاربون القدامي
الجزء الرابع : كلف الحرب التي لاتدفع من قبل الحكومة
الجزءالخامس : الاثار الاقتصادية الكلية للنزاع
الجزء السادس : التبعات الكونية
الجزء السابع :العراق الجديد
الجزء الثامن : دروس من الاخطاء لاجل الاصلاح في المستقبل
اولا :يعتبر غزو العراق واحتلالة من كبريات الاخطاء المدمرة في السياسة الخارجية الاميركية بالعصر الحديث,حيث قادت ليس فقط الي ضحايا بشرية من الاميركين بلغت اكثر من 4000 فردا( بالطبع لم يشر الكتاب الي عدد الضحايا من الشعب العراقي التي تجاوزت مليون شخصا او 250 ضعفا )(1) ,بل الالاف الجرحي والمرضي والمعوقين بلغ عددهم اكثر من 58000فردا( يقابل ذلك عدد جرحي عراقيون وصل الي 3مليون او ما يعادل 51,7ضعفا)(2) ,
كما هناك اليوم مئات الالاف من الجنود العائدون يعانون من امراض واضطرابات نفسية خطيرة, كما ان جزءا كبيرا منهم مصاب بمرض الكاءبة النفسية.مقابل هذة الصورة الكالحة للجنود الاميركان , استمر الشعب العراقي بكاملة يعيش حالة بوس وشقاء , كما تردت اوضاعة المعاشية عن مستوايتها البائسة التي كان يعيشها في ظل الحكم الاستبدادي السابق , علاوة علي غياب الامن والاستقرار وتعاظم التشريد داخل الوطن او التهجير الي خارج البلاد .
لقد تم تدمير الطرق ,المدارس والمستشفيات والمساكن والمتاحف والمشروعات الزراعية والصناعية , كما تدهورت قطاع تجهيزالطاقة الكهربائية وتوفير الماء الصالح للشرب (من مستلزمات الحياة الضرورية ) ,واصبحت اوضاعها اسوء بكثير عما كانت علية قبل الحرب ..علية بدت مقولة "غزو العراق ستجلب الديمقراطيةا وتحفز عملية التغيير في عموم منطقة الشرق الاوسط "ليس فقط خيالا جامحا, بل هلوسة وهرطقة فكرية.
ان تسديد اجمالي مستحقات فواتير هذة الحرب سيرفع رقم تكلفة هذة الحرب الي 3 تريليون . هذا ويزداد الرقم الي الضعف , عند الاخذ بالاعتبار الكلف والاعباء التي تحملتها اقتصاديات البلدان الاخري .
ان التركيز علي تقدير الكلف المادية للحرب رغم اهميتة لفهم طبيعية الحرب,قد يعتبرة البعض حسب ما ورد في الكتاب محاولة لااخلاقية, حينما تم اهمال المعاناة الانسانية التي سببتها الحرب, بالاخص للشعب العراقي ,وما تحملة من خسائر بشرية وتدمير كامل لبناة التحتية وقطاعاتة الانتاجية ودخول البلاد في دوامة الاقتتال الداخلي الاثني والطائفي . فالارقام الجافة سوف تظل عاجزة من تخفيف هذة الالام تعيد المتي ثانية .
ثانيا: استند قرار الحرب علي عدد من الافتراضات او المقدمات الخاطئة,تجلي احدها ليس فقط في الربط بين نظام حكم صدام حسين والهجمات الارهابية في 11سبتمبرعلي مركز التجارة الدولي ووزارة الدفاع – البنتاجون-بل اعتمد ايضا معلومات ا ستخبارتية مرتبكةحول امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل, رغم توكيدات اجهزة الامم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية الدولية وفرق التفتيش التابعةلها بعدم وجودمثل هذة الاسلحة, وخلو العراق منها .علاوة علي اعتقاد البعض بان الحرب هذة ستكون جولة قصيرة ومحدودة الكلفة وتمول ذاتيا علاوة علي امكانية ازدهار الديمقراطية في ربوع العراق وعموم الشرق الاوسط .,بالاضافة الي تعزيز امن تجهيز النفط وخفض اسعارة
ميدانيا تجلت حقائق معاكسة مرة ,حيث نجم عن الغزو والاحتلال ليس فقط كلف بشرية وماليةضخمة,بل امتدت وطالت لاكثر من ست سنوات, كما لاتزال نهايتها غير معلومة لغاية الان , علاوة علي الاخفاق في اشاعة نظام ديمقراطي في العراق ,كما اصبح تجهيز النفط من منطقة الشرق الاوسط اقل امانا واستقراروتصاعدت اسعارة الي مستويات غير متوقعة,كما فشلت الشركات النفطية الاميركية من احراز مواقع جديدة وثابتة في القطاع النفطي العراقي او في بلدان الشرق الاوسط الاخري , كلة ترك اثار سلبية علي الاقتصاد الاميركي وانهاكة .
ثالثا : طرح الكتاب جملة تساؤلات : كيف ستقوم الولايات المتحدة مستقبلا دفع فواتير هذة الحرب ؟لماذا تجاوزت الكلفة الحقيقية التقديرات الي وضعتها ادارة بوش؟
ضمن هذا السياق حاول الكتاب التركيز علي فحص الكلف المالية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة, كلة لاجل الاجابة علي تساؤلاتة المثارة والمساعدة في فهم تبعات الحرب, اوربما لاستخلاص الدروس للتعلم في كيفية الخروج من مازق او محنة العراق باقل اضرار ممكنة.
لقد دفعت اميركا لغاية الان ثمنا باهضا من غزوها للعراق.فالاعباء الاكثر وضوحا تجلت في الضحايا من النساء والرجال المقاتلين .ان الاعباء الاقتصادية قد تكون اقل وضوحا حيث لم يجري تقدير الانفاق الجاري بشكل صحيح كما ان المبالغ الضخمةالتي انفقت يبدو انها غير كافية لتحقيق الاهداف او حماية القوات المسلحة الاميركية .هذا وسوف تزداد الكلف في المستقبل بعد عودة القوات وخروجها من العراق .
عمد الكتاب من اجل احتساب بعض مفردات الكلف المتوقعة في المستقبل ,الي الاعتماد علي الكلف الفعلية المتحققة فعلا في حرب الخليج الثانية ,او ما يطلق عليها حرب تحرير الكويت, الصراع الذي استمر مدة قصيرة جدا لم تتجاوز الشهران كما اتسمت عملياتة القتالية الميدانية بالمحدودية لقوات منتشرة في الخليج بلغ تعددها 694550 جندي تعرضت الي اصابات قليلة جدا بلغت ( 148) قتيلا و( 467 )جريحا في المعارك المباشرة, علاوة علي تحميل كامل تكاليفها الاولية المباشرة كل من الكويت والسعودية, مما بدت انها حرب مجانية تم اهمال احتساب الكلف الاحقة المتمثلة في تسديد كلف الرعاية الصحية اودفع تعويضات الجرحي والمر ضي والمعاقون .
اليوم, بعد ست عشر عاما من نهاية الحرب ,لاتزال الولايات المتحدة الاميركية تنفق سنويا حوالي 4.3 مليار دولارتمثل تعويضات واستحقاقات التقاعد ومنافع الاعاقةلاكثر من 200000 مقاتل .هذا وبلغت المبالغ المنفقة لغاية الان ما مقدارة 50 بليون دولار (اعتماد علي ذلك, فهل يمكن تصور حجم الكلف التي سوف يتحملها العراق الذي بلغ عدد الجرجي والمرضى فية اكثر من 3مليون فردا .ان اسقاط كلفة تعويض اعاقة الجندي الاميركي علي حالة العراق قد نصل الي رقم خيالي يقارب ال65 بليون سنويا او او ما يعادل 650بليون دلاور في بحر 10 سنوات فقط )
هذا ولم تتضمن تقديرات الكتاب اعلاةالكلف الادارية والرعاية الصحية المستمرةاو نفقات الابحاث الطبية لمرض تصاحب مع العمليات الحربية في الخليج وانتشر بين صفوف الجنود وسكان المناطق الجنوبية من العراق الذي يطلق علية " Gulf war Sydrome." وما نجم عنة من اعاقة جزئية وشاملة لاكثر من 100000جندي اميركي (بالطبع الرقم العراقي يتجاوز هذا بكثير ,علاوة علي الاصابات التي سجلت من انتشار مرض السرطان وغيرة من الاوباء جراء استخدام القوات الاميركية مادة اليورانيوم المنضب , حيث تعتبرهذة الظاهرة حسب تقارير منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات كارثة انسانية وبيئية عارمة , انظر بهذا المجال http://www.cleaniraq.org المراجع ).
رابعا: اكد الباحثان علي مجالات الخطا والتضليل والخداع في الانظمة المحاسبية المعتمدة في تنظيم الميزانية العامة مما يجعل الاعتماد علي ارقامها عملية مشكوك فيها, حيث اكدت لجنة البورصة والاوراق المالية علي ان الانظمة المحاسبية الحكومية ليس فقط غير كفوءة, بل ربما تقود الي التضليل والخداع .
تودي الانظمة المحاسبية الرديئة في الشركات الخاصة الي تضليل المستثمر في حين انها تعمل في الموسسات العامة علي تضليل المواطن .,كما تساهم في سوء توزيع الموراد المتاحة في الاقتصاد القومي .
خامسا:يوكد الكتاب علي ان الولايات الاميركية دخلت الحرب من دون توافر المستلزمات والتجهيزات العسكرية المناسبة, اوالتوقيت غير المناسب المناسب لعملياتها الحربية .ففي شهر اذار عام 2003 كانت القوات المسلحة تفتقر للعربات المصفحة والمدرعات الضرورية لمثل هذة النوع من العمليات القتالية , في حين توافرت الغواصات وغيرها من التجهيزات الثقيلة المصممة اصلا لمواجهة عدو الحرب الباردة ."
بنفس الوقت اهملت الادارة الاميركية التماسات وكالة الطاقة الذرية وغيرها من اجهزة الامم المتحدةلاعطاءها مزيدا من الوقت (شهرا واحدا فقط ) لانجاز اعمال التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق ,التي اكدت تقريرها السابقة علي خلو البلاد العراقية منها.مع ذلك استعجلت الولايات المتحدةوذهبت الي الحرب متجاهلة نداء الوكالة هذة , وارسلت الشباب من الرجال والنساء الي ساحة القتال من دون تحصينهم بالمدرعات والمصفحات الضرورية والمناسبة " .
سادسا: رغم ضائلة المبلغ المنفقة في المراحل الاولي من الحرب بموجب الحسابات الحكومية , تواجة البلادالان كلف ضخمة غير مدونة ومسجلة تتجسد في كلف الرعاية والعناية للجنود الجرحي والمعوقين .
خلال الفترة هذة, وبعد خمس سنوات تم تضليل الجمهور, واهمل الاعلام اثارة مشكلة الكلف الحقيقة للحرب وتداعياتها علي الاوضاع المعاشية للسكان , حيث انصب النقاش والحوار علي المستوي القومي علي كيفية الخروج من مازق هذة الحرب.هناك اصوات قلة تسند او تؤيد فكرة الاحتلال الدائم .فالسؤال المطروح يتعلق الان في توقيت الخروج ,وليس بالمغادرة او عدمها.
فعلي الرغم من رفض بوش تحليلات الكاتبان السابقة لتقديرات كلفة الحرب , حينما اشار الرئيس السابق بوش علي ان الحروب ومساراتها لايحددها"محاسبون يلبسون نظرات خضراء". مع ذلك يظل انتقاء افضل البدائل العسكرية الواقعية يعتمد علي مراعاة عوامل عديدة من ضمنها الكلفة الفعلية المتوقعة لهذة العمليات, وذلك بسبب محدودية الموارد المتاحة .,علية يجب مواجهةليس فقط واقع المبالغ المنفقة والملتزم بصرفها لغاية الان فحسب , بل لابد الاخذ بالاعتبار ابعاد وتبعات كافة القرارات المستقبلية وما ينجم عنها من تكاليف .
عموما يؤكد الكتاب علي الرغم من ان معظم القرارات المتخذة قد استندت علي معلومات ناقصةاو غامضة, تظل تقنيات الاقتصاد الحديث قادرة في تفسير وتوضيح مثل هذة المعلومات المتاحة القاصرة ,بالتالي يمكن توفير فرص جيدة لاتخاذ قرارات افضل في ظل هذة الاوضاع غير الملائمة.
.بغض النظر عن الاعتقاد بصحة او خطا الذهاب للحرب او فيما كان الاداء العسكري مناسبا او هزيلا ,تتفق معظم فئات المجتمع الاميركي علي قضية هامة ,هي ضرورة توفير الرعاية الصحية والتعويضات المناسبة للمرضي والجرحي والمعوقين من المحاربون القدامي.ان القيام بهذة المهمة سيتولد عنها تكاليف باهضة ,كما يتطلب من الحكومة توفير التخصيصات المطلوبة .
لغاية الان اخفقت الادارة ليس فقط في التخطيط المناسب لاعادة المحاربون القدامي, بل قصرت في وضع انظمة قياس وترتيب حالات الاصابات والجروح والاعاقة.حيث تفتقر مستشفيات الجيش (المحاربون القدامي ) الي التخصيصات الكافية,كما هناك قصورواضحا في الرعاية الطبية في عديد من المد ن من ناحية , وتعقيدات الاجراءات الروتينة الحكومية ا وتاخيرات في انجاز معاملات ومطالب الاعاقة من ناحية اخري . فالجندي الان بعد رجوعة للوطن اضطر الدخول في شن حرب جديدة ضد البيروقاطية الحكومية .
حاول الكتاب ان يسرد بعض الحقائق لتبيان خطل التخطيط المالي في الادارة الحكومية .
" في عام 2005, سنة ذروة الحرب استندت مطالب وزارة المحاربون القدامي لتخصيصات الرعاية الطبية علي التوقعات الموضوعة سابقا عند بدء الحرب. بعد تزايد اعداد الاصابات في صفوف الجنود من خلال تزايد عمليات التمرد عام 2003 ظلت تخصيصات هذة الوزراة تستند علي الارقام الواردة في الموازنة العامة لسنة 2003.. لقد استنفذت الوزارة تخصيصاتها المدرجة غير الواقعية, مما اضطر الكونغرس علي تخصيص ارصدة طوارئ اضافية بلغت 3 بليون دولار,بعدها وفي عام 2007طلب الرئيس مجددالمبالغ اضافية لدعم رصيد الطوارئ, من اجل تمكين مستشفيات المحاربون القدامي معالجة موجة الجرحي العائدون من العراق "..
سابعا: طرح الكتاب تساؤلا حقا... ماهي القضايا التي يجب التضحية من اجلها ؟ او حسب تعبير الاقتصاديون ماهي الكلفة الضائعة؟ صحيح ان الولايات المتحدة قادرة عن تحمل اعباء مخاطرات مكلفة من هذا النوع ,او ربما ان مثل هذة الكلف الضخمة قد لا تقود الي افلاس البلاد ,مع ذلك يظل السوال الصحيح الوثيق الصلة... لماذا تم انفاق مثل هذة الكلف في مشروع خاسر مسبقا ؟
في بداية ولاية بوش الابن الثانية دار الحديث حول خطورة ازمة الضمان الاجتماعي في البلاد , وعوضا من الانفاق علي الحرب في العراق كان ممكنا معالجة هذة المشكلة .
اورد الكتاب تفاصيل الاعمال لموسسة مشروع الاولويات القومية الي يمكن تنفيذها عوضا عن الانفاق علي الحرب ضد العراق كالاتي :
"ان توفير تريليون دولارفقط من النفقات علي العمليات الحربية يمكنة انجاز بناء 8 مليون وحدة سكنية, وتوظيف 15 مليون مدرس في مدارس التعليم العام ,كما يمكنة دفع نفقات التحاق 120 مليون طفل الي المدراس اوتغطية تكاليف التامين التامين الصحي ال 530 مليون طفل لسنة كاملة, او توفير زمالات دراسية لمدة اربع سنوات ل43 مليون طالب في الجامعات العامة . الان حسب تقديرات الكتاب لكلفة الحرب البلغة 3تريليون دولار يمكن زيادة الاعمال المذكورة الي ثلاثة اضعافها ".
يوكد الفصل الخامس من الكتاب ان توجية 1-2 تريليون دولار الي منافذ انفاق اخر مثل قطاع التعليم والبحث والتطوير والتكنلوجيا كان من الممكن ان يحقق مردودا افضل وهي زيادة وتائر النمو الاقتصادي وتعزيز وضع البلاد لمواجهة التحديات المستقبلية كما ان تخصيص جزءا من المبالغ المنفقة في الحرب الي مجالات البحث حول بدائل الطاقة او تقديم حوافز اكثر للحفاظ علي الطاقة,كلة ربما ساعد الي تقليل اعتماد البلاد علي النفط الذي بدورة يساهم في خفض اسعارة ,بالتالي قد يمكن توجية جزءا من هذة الوفرات المتحققة في تعزيز الامن القومي والتصدي للتحديات والتهديات التي تعترضة .
علاوة علي ذلك ,ان توجية مثل هذة المبالغ المنفقة علي الحرب في تسديد التزمات الولايات المتحدة الاميركية اتجاة البلدان النامية التي تبلغ 0.7%من الناتج المحلي الاجمالي(عجزت او امتنعت البلاد في الايفاء بها لعقود طويلة ) ,والمساهمة الجادة في القضاء علي الفقر في بلدان العالم الثالث . ان اعانات الولايات المتحدة الاميركية الان تعتبر متواضعة جدا حيث بلغت 5 بليون دولار سنويا للقارة الافريفية برمتها وهي تعادل نفقات عشرة ايام في حرب العراق .كما ان مبلغ 2 تريليون دولاريمكنة تسديد كامل الالتزمات الدولية للولايات المتحدة الاميركية اتجاة البلدان الاكثر فقرا في العالم لفترة الثلث الاخير من القرن الحالي .
يضاف لكلةقد تتمكن الولايات المتحدة الاميركية في توفيرها كلف الحرب هذة, ان تمول خطة بناء وتعمير الشرق الاوسط برمتة مماثلة لمشروع مارشال ,, بالتالي تحقيق نجاحات فعلية, وكسب عقول وقلوب االشعوب هذة .هذا كما يمكن تحقيق طموحات اقل تواضعا عند توجية جزءا بسيطا من مبالغ التي انفقت في حرب العراق والمساهمة في تنفيذ برامج محو الامية في العالم لغاية 2015الذي تم الالتزام بة من قبل المجتمع الدولي والبالغة كلفتة8 بليون دولار اي يعادل كلفة الحرب لمدة اسبوعان .
ثامنا ا: صادق الكونغرس في عام 2003 علي تخصيص اعانة لاعادة بناء العراق بلغت 18.4 بليون دولار اي ان نصيب الفرد العراقي –ان تحقق فعلا علي الاعمارسوف يعادل ثلاث اضعاف ما تم انفاقة علي الفرد الاوربي في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية ..لكن عوضا من انفاق هذة الاموال في اصلاح قطاع تجهيز الكهرباء والماء والمصافي النفطية والمدراس في العراق., قامت الولايات المتحدة في ربط هذة التخصيصات باجراءات روتينةواخضعتها لنزعات مستديمة بين الكونغرس ومكتب المناقصات والتجهيزيات التابع لوزارة الدفاع, بحيث تعذر الاستفادة منهافي المجالات المخصصة لها.بعد سنة كاملة وتدهور الاوضاع الامنية وخسارة قلوب وعقول العراقيون فقد وجهت معظم هذة التخصيصات للنشاط العسكري والامني .
تاسعا : رغم تعاظم الاعتقاد الان باهمية الدولة ودور الحكومة في المجتمع الاميركي و اصبح يوازي من الاهمية دور ومكانة القطاع الخاص او السوق الذي يقود اداءة في كثير من الحالات الي حصيلة غير مطلوبة او مرغوبة ,فقد ظل اداء الحكومة ايضا محفوفا بالاخطاء والهفوات . لقد ارتكبت الحكومة الاميركية ليس خطا واحد ا ,بل انتهكت حسب تعبير الكتاب درزينة من الهفوات والاخطاء ,علية يحاول علماء الاجتماع استيعاب اهم مصادر هذة الاخطاء,كما يحاولون النظر في اصلاحها لتقليل احتمالات وقوعها اوتسكين او تخفيف اثارها .هذاوستظل الهزيمة في العراق حالة دراسية نموذجية و مهمة لطلبة دراسات الفشل الحكومي .
عاشرا :تعرضت تقديرات الكلفة الواردة في الكتابالي انتقادات, كما تم التشكيك في صحتها سواء من قبل الادارة اوانصارها .تمحورت بعض هذة الانتقادات والشكوك في عدم تضمين حسابات الكتاب منافع الحرب المحتملة التي تعتبر بذاتها غير مهمة بالمقارنة مع الكلف المصاحبة لها او ان تقديرها يواجة مشكلات عويصة .
مثلا يوكد انصار الحرب , علي منافعهاا لتي تتجلي في تحسين المستوي المعاشي للشعب العراقي .لقد تدهورت الحياة في العراق بعد الغزوواصبحت اكثر سوءا عما قبل . فالحياة في العراق حسب توصيف الكتاب تتسم اليوم , بنقص الكهرباء والتزود بالماء الصالح للشرب , اعداد هائلة من العاطلون عن العمل , انهيار الطبقة الوسطي, الهجرة الجماعية للخارج والاعداد الهائلة من المشردين داخل البلد, وتصاعد العنف ناهيك عن غياب الامن والاستقرار .
علية يبدو ان رابح الحرب الوحيد هي الصناعة العسكرية والنفطية الاميركية, مع ذلك سيظل البعض يوكد علي اهمال منافع الحرب وعدم تضمينها الحسابات المعدة .هناك بعض الحجج ربما عززت منافع الذهاب للحرب منها -تدمير اسلحة الدمار الشامل او القضاء علي الارهاب العالمي او خفض اسعار النفط وتامين تجهيزة ...انها حجج مزعومة اثبت الواقع خطلها , حيث ازداد الارهاب وارتفعت اسعار النفط وتعرض تجهيزة الي مخاطر جمة .
عاشرا : ناقش الكتاب ايضا مسالة خروج القوات الاميركية من العراق وتناول ثلاث تصورات حول الموضوع اطلق عليها" اوهام الخروج"
يفترض الوهم الاول علي عدم مغادرة العراق قبل انجاز المهمة, حيث ان مثل هذا الخروج سيقود الي فقدان الصدقية.خصوصا وان اعداء اميركا يعلمون جيدا في تضاءل قدراتها علي تحمل اعباء استمرار الاحتلال , او انهم اقل خوفا منها في المستقبل . لقد انكشف البلد وتعرض دورة وانحسر نفوذة بعد الشبهات والفضائح .كما من المحتمل ان يتعرض اصدقاءة في العراق الي تدمير ماحق بعد تعاظم دور المليشيات القاسية والعصابات الارهابية وتصاعد مماراستهم في القتل والاختطاف.بعدها قد يعتبر الخروج من العراق ابلغ اثرا من الهروب من سايغون ..تعتبر حجة "المصداقية" ذريعة فضفاضة. نعم قد يحصل بعض الانثلام فيها مع خروج مبكر لكن ان صحت تقديرات الكتاب فان الخروج البديل سواء ,بعدسنة او سنتان او ثلاث سوف لايقلص بشكل عام الاضطرابات ا والعنف مقارنة مع الاجلاء الفوري بالتالي ليس من المحتمل ان تتعاظم مصداقية اميركا واحترامها في العالم . ان استمرار الولايات المتحدة الاميركية في القتال لخمس سنوات اضافية سوف لن يجلب لها النصر المزعوم . فبعد سنتان من الان ستبدو اميركا غير قادرة علي النصر ان بقيت تحارب سبع سنوات,بالتالي فان تاجيل الخروج الان سيعاظم مخاطر اختيار التوقيت المناسب للانسحاب مستقبلا .
لقد حاولت الولايات المتحدة الاميركية ترويج الديمقراطية في العراق, لكن حسبما جاء في الكتاب, يوكد الواقع والممارسة الميدانية حقائق مغايرة حيث اجهضت الديمقراطية الاميركية وظل معظم العراقيون –عدا الكرد في شمال البلاد –يعارضون الوجود الاميركي ,هذا ومن المحتمل ان تطلب الحكومة العراقية مغادرة الجيش الاميركي في اي وقت ,علية من غير المتصور استمرارالبقاء تحت ظل هذة الظروف والاوضاع .ان الخروج سيكون اكثر عارا وخزيا عند ترك البلاد في حالة من الذعر والذلال .
يعتبر الوهم الثاني اكثر خطورة ,و يتمحور في ان الخروج قبل انجاز المهمة يعني العبث وعدم احترام وتبجيل شهداء البلد الذين سقطو في ساحات القتال . تشكل الفكرة الخاطئة في هذا التبرير احد اهم عقائد الاقتصاد المركزية .هناك مجموعة حكم واقوال ماثورة توصف هذة المسالة ,بما في ذلك "عفا اللة عما سلف "او "اصفح وانس الماضي " فمثل هذة الحكم يعرفها الاقتصادي بما يطلق عليها" كلفة ضائعة " اي تبديد الاموال في مشروع فاشل و خاسر ,علية لا جدوي عندئذ من ارسال الشباب للموت عبثا .
يتجلي الوهم الثالث في التزمات الولايات المتحدة اتجاة العراق بسبب الاضرار والدمار الذي تكبدة من جراء غزوها واحتلالة , حيث يجب عليها مساعدتة في اعادة بناءة وانجاز هذة المهمة قبل مغادرة القوات البلاد وحسب التعبير الشائع "قمت في كسرشيئا فلابد من اصلاحة". من الواضح والجلي عجزت الولايات المتحدة وسوف تعجز من بث الحياة مجددا لاعداد قتلي حربها , علية يتوجب عليها اخلاقيا ان تقوم علي الاقل في اصلاح الخراب الذي لحق بالاقتصاد . لغاية الان اخفقت من انجاز الكثير في هذا المجال .فخلال السنوات الخمس الماضية ورغم الانفاق الضخم لم تتحسن الاوضاع المعيشية للفرد العراقي العادي كما يشكل هذا الفشل مبررا قويا في الاستمرا رفي الاخفاق وعدم تحقيق تقدما ملموسا في هذا المضمار في السنة القادمة اوفي السنوات التي تليها . فالمكوث في العراق لمدة طويلة قد لا يعمل علي تقليص اعمال العنف,من ناحية او يوفر ضمانات حقيقة لعدم انتشارة .
علاوة علي ذلك ان تبجح الادارة الاميركية في تضمين توجيهاتها للحكومة العراقية مسالة ضرورة تشكيل حكومة ائتلاف فاعلة" يعتبر وهما, حيث من المحتمل ان يتحقق اصطفاف وطني افضل من الان بعد مغادرة القوات الاميركية وليس قبلها .هذا وربما يوجد اجماعا عاما بين العراقيين في ضرورة وحتمية خروج القوات العسكرية من العراق. هذا ومن المحتمل ان تنخفض مستويات العنف بعد الرحيل , حيث توجد حقيقة صارخة يؤمن بها معظم العراقيون في قيام قوات الاحتلال في المساهمة المباشرة في اعمال العنف من ناحية, واعاقة كافة جهود المصالحةالتي تعتبر شرطا لازما لعملية اعادة البناء الناجحة من ناحية اخري .
هذا ولابد من الاقراربمسوولية الولايات المتحدة الاميركية عما اقترفتة بحق العراق وشعبة ,مع ذلك توجد اساليب وطرق عديدة في كيفية المساعدة في هذا المجال وليس بالضرورة عن طريق التواجد فية ,بل من خلال اسناد الجهود الدولية متعددة الاطراف (التي من المحتمل ان لاتدار من قبل شركة هاليبرون او غيرها من شركات المقاولات الاميركية التي احرزت رقما قياسيا في الفشل بعملية اعادة بناء العراق تحت ظل الاحتلال )
كلمة اخيرة لابد من التذكير بها ان الاراء الواردة لليست بالضرورة تمثل راي معد هذة القراءة بل اريد منها تعريف القارئ العربي باراءا لباحثون الاجانب حول حرب العراق وتداعياتها.
الهوامش ( Engagingthe muslim world by Juan Cooe,2009(1,2),
المصدر با للغة الانكليزية وعنوانة
r The Three Trillion Dollar Wa
The True Cost of the Iraq Conflict
By Joseph E. Sctiglitz
Winner of nobel price in economics
Linda J. Bilmes
ww.Norton & company, New york London
2008
#محمد_سعيد_العضب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟