|
مأزق الإصلاح
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2752 - 2009 / 8 / 28 - 07:05
المحور:
المجتمع المدني
تراجعت دعوات الإصلاح في العالم العربي- الإسلامي، فبعد أن شعرت بعض الحكومات العربية والإسلامية بالضيق جرّاء الضغوط التي تعرّضت لها لإنجاز إصلاحات قانونية وسياسية داخلية جاءها “الفرج”، لاسيما بعد أن تخلّت القوى الدولية الكبرى عن مشروعها الداعي للإصلاح، حتى وإن لم يكن إصلاحاً لما تريده شعوب المنطقة، وإنما “إصلاح” يضمن بعض مصالحها و”يلبي” بعض أطماعها، ويضمن نفوذها الحاضر والمستقبلي، لكنه مع ذلك فقد كان لتلك الضغوط انعكاسات داخلية لقوى الإصلاح الحقيقية في المجتمعات العربية.
ولعل تراجع دعوات الإصلاح والاستعاضة عنها بدعوات تحقيق الاستقرار، كانت بسبب فشل المشروع الأمريكي في العراق بعد احتلاله العام ،2003 فلم تستطع التجربة العراقية أن تقدم نموذجاً يُحتذى به، كما وعدت إدارة الرئيس بوش الابن، وصارت بالتدريج همّاً ومأزقاً حتى غدت كابوساً، الأمر الذي جعل حظوظ الإصلاح المنتظرة أقرب الى “الوهم” منها الى الحقيقة، حتى وإن كانت بعض التطورات الجنينية قد حصلت في بعض البلدان العربية، لكنها واجهت عقبات جدّية.
المأزق داخلياً يتعلق بالوعي بأهمية وضرورة الإصلاح والحاجة الماسة اليه، قبل أن يعصف الإرهاب والعنف بالمجتمعات العربية والإسلامية في حين أنه يتعلق خارجياً، بقراءة خاطئة لتاريخ المنطقة وحضارتها وثقافتها، وطبيعة القوى المكوّنة لمجتمعاتها، ولهذا فقد ساد انطباع لدى أوساط واسعة أن “الإصلاح” نبتة غير قابلة للحياة، خصوصاً عندما تنتقل من بيئة وتزرع في بيئة أخرى، قد لا تكون صالحة لنموّها، فما بالك عندما تأتي من الخارج وبالقوة المسلحة ومحمولة على ظهر دبابات وحاملات طائرات، وترفع شعارات أقل ما يقال عنها، أنها تعتبر الإسلام “عدواً”، وهو دين يحض على الارهاب، ولا بدّ من شن “حرب صليبية” ضده للقضاء على “الفاشية الإسلامية”، كما صرّح الرئيس الأمريكي السابق بوش بعد أن اعتذر عن مصطلح الحرب الصليبية، باعتباره زلة لسان، في حين أن شعارات الحرية والديمقراطية ظلت في الخط الخلفي.
وحتى نظام طالبان أو الأنظمة الاستبدادية العربية، كان لديها مبررات أحياناً رغم “استعصاء” التبرير في التصدي “للمحتل”، لاسيما عدم وجود مبرر لها على الإطلاق في حكم شعوبها بالحديد والنار والواحدية والإطلاقية وادعاء احتكار الحقيقة، بالاستناد الى أفضليات آيديولوجية أو عقائدية، دينية أو عرقية أو اجتماعية.
وفي كل مرة يتم فيها الحديث عن الإصلاح نصطدم بعدد من المفاهيم، هل يمكن استخدام القوة لتحقيق الإصلاح الديمقراطي، بما فيه احتلال بلدان؟ وهل الإصلاح العنفي أو بالعنف سيقود الى السلام، أم أنه سيفرض عنفاً مقابلاً؟ وكيف السبيل ليكون الإصلاح تحتياً، أي من القاعدة، يبدأ منها ويعود اليها، أي إصلاحاً شعبياً، عبر إقناع الناس، وإصلاحاً سلمياً تراكمياً وتدرجياً وليس فوقياً انقلابياً، وإصلاحاً جذرياً، وليس موديلاً كوزماتيكياً تجميلياً وترقيعياً، وإصلاحاً تتحدد أهدافه بالمطالب الشعبية وليس منفلتاً بحيث يؤدي الى نتائج عكسية أحياناً تضر بالعملية الإصلاحية، ولا بدّ للإصلاح الحقيقي أن يكون شاملاً سياسياً وقانونياً واقتصادياً واجتماعياً ودينيا، وإصلاحاً لنظم الإدارة من خلال الشفافية والرقابة والمحاسبة، إصلاحاً مضموناً من الناحية القانونية، بحيث يؤدي الى سيادة القانون ومبادئ المساواة والعدالة.
والمهم ليس التنظير للإصلاح، أو إكثار الحديث عنه، فحتى القوى غير الإصلاحية، الكابحة، أخذت تتحدث عن الإصلاح، ولكن المهم البدء بالإصلاح، خصوصاً أن أكثر من ثلاثة أجيال من الإصلاحيين في مرحلة ما بعد الاستقلالات قد انتهت الى نتائج غير مرضية رغم تضحياتها الجسام، لكن اختلالاً مفاهيمياً إزاء زاوية النظر رافق دعواتها، وبخاصة في ظل سيادة الفكر الشمولي، وهذا بحاجة الى وقفة جدية للنقد والنقد الذاتي لجميع التيارات الاشتراكية- الماركسية والقومية - العربية والإسلامية- المذهبية والطائفية في الكثير من الأحيان، وحتى بعض التيارات الليبرالية الجديدة وهي تدعو للإصلاح، فقد وضعت عينها على الخارج بتعويلية كاملة أحياناً، بسبب عدم ثقتها بإمكان تحقيق الإصلاح حالياً أو عدم قدرتها على تحمل مسؤولية صراع طويل الأمد لإنجاز ذلك داخلياً!
لقد انكسرت الموجة الأولى التي حملت تباشير الإصلاح عند شواطئ البحر المتوسط قبيل انتهاء عهد الحرب الباردة، وهي الموجة التي شملت أوروبا الشرقية في نهاية الثمانينات، لاسيما بالإعلاء من قيم التعددية وإجراء الانتخابات وتداولية السلطة واحترام حقوق الإنسان، وإنهاء نموذج الاستبداد.
ولعل سبب فشل مشروع التغيير والتحوّل الديمقراطي آنذاك قد يعود الى عدم رغبات القوى الكبرى وحفاظاً على مصالحها من تحقيق ذلك، الأمر الذي عطّل الدمقرطة والتنمية، وقاد لاحقاً لمواصلة عدوان “إسرائيل” على الأمة العربية والتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، فضلاً عن الاحتلال الأمريكي للعراق وقبله أفغانستان وانتشار ظاهرة العنف والإرهاب على المستوى الدولي.
ولعل هذا الوضع فاقم الحاجة الى الإصلاح، الذي ارتفع رصيده بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية الإجرامية، وفي الوقت نفسه كشف ضعف القوى الإصلاحية بما فيها المجتمع المدني وعدم وجود إرادة دولية حقيقية لتحقيق إصلاح يستجيب لمطلب شعوب البلدان العربية والإسلامية. وهكذا فقد وُضعت المشاريع الدولية للإصلاح على الرف، مثل مشروع الشرق الاوسط الكبير ومشروع الشرق الأوسط الجديد والمشروع البريطاني والمشروع الالماني - الفرنسي وغيرها، رغم أنها مشاريع لا تستجيب لمصالح شعوب المنطقة من حيث جوهرها الحقيقي وأهدافها الخاصة، لكنها من جهة أخرى أسهمت بتهيئة ظروف موضوعية دولية، استفادت منها قوى الإصلاح الداخلي بتعزيز قدراتها الذاتية.
وإذا كان الإصلاح مساراً كونياً فهو مسار متواصل وليس مجموعة إجراءات تتخذ سريعاً وكفى الله المؤمنين شر القتال، كما يقال، وذلك لأن منطقتنا ظلّت الأقل تأثراً بهذا المسار عالمياً، لاسيما عدم توفر إرادة سياسية لدى النخب الحاكمة وغير الحاكمة، واستمرار القوانين والأنظمة المقيّدة للحريات، وضعف المشاركة السياسية وشحة الثقافة الديمقراطية وتهميش دور المجتمع المدني، والنقص الفادح في الموقف من حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، وكذلك الموقف السلبي من حقوق الأقليات والتكوينات القومية والدينية والمجموعات الثقافية.
هكذا إذاً وصل الإصلاح الى مأزق حقيقي، وإن لم تستطع القوى الحية في المجتمعات العربية وبمشاركة فاعلة من المجتمع المدني ومن خلال تضامن دولي فعّال للقوى المؤمنة بالديمقراطية، فإن أنظمة الاستبداد والأنظمة الثيوقراطية ستكون قادرة على إدامة تسلّطها وفرض هيمنتها، بل والقدرة في “تجديد” إدارتها ونزع فتيل أزمتها بما يضمن استمرارها وتخفيف عبء الضغوط عليها. وأعتقد أن النموذج الإيراني سيكون بإيجابياته وسلبياته، مؤشراً أو مجسّاً، لمدى قدرة قوى الإصلاح أو القوى المحافظة في حسم الصراع لصالحها، رغم الحراك الاجتماعي والسياسي الذي أحدثه.
باحث ومفكر عربي
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسيقى الدانوب الأزرق
-
المجتمع المدني: محاولة جديدة للفهم!
-
جدل الهوية: بعيداً عن التبشير!
-
انشغالات -المواطنة-
-
عند تخوم ولاية الفقيه ؟
-
هذه النجف التي توشوشني!
-
خصوصية المجتمع المدني العربي
-
هل تخالف -الشرعية الدولية- القانون الدولي؟
-
تخوم ولاية الفقيه!
-
إرهاصات الدولة والمجتمع المدني في العراق
-
الجدار الديموغرافي.. الأبارتيد الجديد
-
بين الإسلامفوبيا والإسلاملوجيا
-
لائحة اتهام وحلم العدالة الممكن والمستحيل!
-
دارفور.. العدالة الممكنة.. العدالة المستحيلة
-
الغرب والصورة النمطية للإسلام
-
في فلسفة الدولة والمجتمع المدني
-
في شجون القضاء الوطني والدولي
-
الجدار الديمغرافي
-
الحكمة يمنية والوحدة يمنية
-
وحدانية الدولة وتعددية المجتمع!
المزيد.....
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|