|
أزمة الحركة الماركسية العربية والمستقبل
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2751 - 2009 / 8 / 27 - 08:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا جدال في أن الانتكاسات والتراجعات في حركات التحرر الوطني والانهيار الكبير والشامل للمنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي وأفوله ، بفعل نتاج تراث الاستبداد والطغيان الستاليني وبسبب التعفن والانحطاط والظلم وهيمنة الحزب الواحد وتقديس الشخصية وغياب الديمقراطية وتفشي البيروقراطية وغطرسة القيادة وتمسكها بالمناصب، اضافة الى الدور التخريبي والتدميري للفئات المتنفذة والانتهازية ، والنتائج المدمرة للسياسات الاصلاحية . هذا الانهيار والانتكاس والتراجع قاد وأدى الى انقراض القوى العلمانية والجماعات والأحزاب الماركسية في العالم والأقطار العربية ، وشكل أرضية لنمو وصعود الفكر السلفي والأصوليات الدينية وتيارات الاسلام السياسي ، ولكن هناك حقيقة راسخة وثابتة وهي أن سقوط الأنظمة الاشتراكية الستالينية لا يشطب ولا يمكن أن يشطب هدف التحرر من الاستعمار الأجنبي والامبريالية العالمية ، والخلاص من الرأسمالية وما تحمله من مظالم وشرور النهب والسلب والاستغلال والظلم الاجتماعي والطبقي والشروع في تنمية قومية تحت سيطرة الطبقة العاملة الكادحة وحلفائها وتحت ادارتها وعلمها الخفاق، ثم فأن انهيار النظم الاشتراكية لا يعني بأي حال من الأحوال انهيار قيم الاشتراكية العادلة وزوال الاتجاه الماركسي ، فالماركسية هي فكر للتقدم الاجتماعي ومنهج جدلي مادي تاريخي وفلسفة لتفسير وتغيير العالم لصالح الانسان وخير الانسان وسعادة ورخاء الانسان عدا كونها نظرية في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي. وفي حقيقة الأمر أن الماركسية العربية ولدت ونشأت على أيدي عدد من المثقفين المنوّرين والمتنورين العرب المؤمنين بالفكر الاشتراكي العلمي في كل من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق ، حيث أسهموا الى جانب عمال وكادحين واعين وطليعيين في تأسيس وانشاء الحلقات الماركسية والأحزاب الشيوعية والحركات الثورية التقدمية . وكان نشوء الماركسية كقوة سياسية وتيار فكري أيديولوجي عربي من حيث مكوناته وقضاياه وسماته . وقدم الماركسيون العرب نتاجاً فكرياً ، وانحازوا الى الحداثة والعلمانية والعقلانية وساهموا في تعميق مفهوم الديمقراطية الاجتماعي ، ودعوا الى اعلاء شأن العلم وتذويت الوعي العلمي وقيم الحرية والعدالة، وطالبوا بعلمنة الفكر وعقلنة التراث وفصل الدين عن الدولة وعدم تسييسه ، لأن تسييسه هو رّدة رجعية وافة اجتماعية تمزق الموقف الوطني والنسيج الاجتماعي . ومن الواضح أن الأحزاب الماركسية أخفقت في تقديم اسهامات في حقل اعادة انتاج الماركسية بصورة مستقلة ولهذا القصور أسبابه وعوامله واعتباراته الذاتية والموضوعية ، منها: التخلف السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في المجتمعات العربية ، وضعف وهشاشة الديمقراطية في الحياة الحزبية الداخلية ، وغياب النقد والنقد الذاتي ، وحالة التشظي والأنقسامات والصراعات الداخلية الطاحنة ، التي عانت منها الحركة الماركسية العربية . كذلك القمع الوحشي والتهميش والتكفير الذي طال القوى والأوساط العلمانية والأحزاب الشيوعية والماركسية العربية، ناهيك عن التحريض والنبذ الاجتماعي والديني الذي استهدف الماركسيين العرب، كون الماركسية ليست نتاج المنظومة الفكرية العربية الاسلامية، اضافة الى الجمود الفكري والارتهان الى مواقف السوفييت، وممارسة الحركات الماركسية للتكفير السياسي والأقصاء في أحيان عديدة. أن الشعوب والمجتمعات العربية ، من الماء الى الماء، تعيش فترة من احلك فترات حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية، فنرى التمزق والتفكك والتشتت العربي والأذدناب لأمريكا راس الأفعى ، والعودة للأفكار السلفية والانتماءات القبلية علاوة على ازدياد الفقر والجوع والبطالة والتخلف والأمية وضرب الحريات وحقوق الانسان ، وغياب الوعي العقلاني النقدي بالتاريخ الثقافي. وعليه فأن هذه المجتمعات والشعوب العربية تحتاج الى نهضة جديدة وثورة في الفكر والعقل العربي سعياً لبناء وتاسيس مجتمعات مدنية ديمقراطية وعلمانية متماسكة ومتلاحمة ترفض التمزق والتفكك والتشرذم، وهذا الأمر يتطلب وقفة نقدية ومراجعة غير انفعالية وبعيدة عن التشنج والتعصب، لتجربة الحركة الماركسية والثورية العربية ولملمة أشلاء ما تبقى من أطر يسارية وقوى علمانية وديمقراطية ومثقفين ماركسيين بهدف التجديد والانطلاق لأعادة الاعتبار للماركسية والعمل على تأصيل النظرية وصياغة الأفكار والبرامج والخطط المستقبلية ، وأيضاً الاستفادة من اخطاء واخفاقات النموذج الاشتراكي الستاليني العالمي وتجديد قوى التغيير ومهام التقدم الاجتماعي الحضاري في التنمية والوحدة والديمقراطية والتنوير والعقلانية .زد على ذلك وجوب اقتران الماركسية بمشروع مستقبلي للنهضة وترسيخ التعددية السياسية والفكرية ، وتعزيز وحدة كل القوى الاجتماعية الحاملة للمشروع النهضوي التنموي الحضاري على اساس الوحدة الاجتماعية ووحدة المعاناة والمصير والتاريخ والثقافة، وطرح البديل الفكري للطرح العقيدي والطروحات السلفية المنغلقة ، الى جانب تحويل علوم الدين والتراث الى علم الانسان وصولاً الى تحقيق حلم التغيير المنشود والمرتجى وانجاز التحولات الاجتماعية والاقتصادية ، وتجديد المجتمع وتخليصه من الغيبيات والقيود الاجتماعية والجمود والتعصب والانغلاق الفكري ، والاسهام ايجابياً في بناء حضارة العصر ، فلا مستقبل لشعوبنا ومجتمعاتنا بدون قوى اليسار والتغيير الثوري وبدون الماركسية والافكار العلمانية والتحررية ، واحترام الرأي الاخر وحرية الاختلاف والمذهبية الفكرية والتعددية السياسية.
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر العربي المعاصر ومشروع حضاري نهضوي وتنموي حداثي عربي
-
لماذا يغتالون طه حسين بعد موته؟!
-
الثورة الجزائرية في القصيدة الفلسطينية
-
في ذهنية التكفير والتحريم واغتيال العقل..!!
-
في ثقافة العقل العربي
-
الاسلام والديمقراطية
-
نحو تأصيل العقلانية والتنوير في الخطاب العربي المعاصر
-
أزمة الخطاب العلماني العربي
-
نظرة في الواقع العربي الراهن
-
في نقد الخطاب الديني السلفي
-
من اجل فن يخدم التقدم والسلام والحضارة الانسانية
-
في ظاهرة الاسلام السياسي
-
النعيم النفطي وشراء الذمم الثقافية
-
عن مكانة المرأة في مجتمعنا ومسألة تحررها
-
الاقتصاد الاسرائيلي وانتفاظة الجياع القادمة
-
محمود امين العالم، اشراقة الفكر العربي
-
نظرة الى تاريخ وكفاح حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المصر
...
-
بشير البرغوثي في الذكرى السابعة لرحيله
-
من يوميات الفقر
-
عن الهجمة الظلامية ضد الدكتورة نوال السعداوي
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|