|
سليم بركات:حامل جذوة الشّعر و شاغل الشعراء
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2749 - 2009 / 8 / 25 - 09:11
المحور:
الادب والفن
تردّدت إلى وقت طويل, عن كتابة شهادتي – هذه – حول الشاعر و الروائيّ الكرديّ سليم بركات , ذلك ليقيني أن أية شهادة , لا يمكن لها أن تفي هذه القامة الإبداعية العالية ،حقّها , بل لا بدّ من تناول- هذا الاسم الاستثنائيّ- عبر بحوث ،و دراسات، مستفيضة،متأنية ، تتناول منجزة , و هو المبدع متشعب الإبداع , شعراً، ونثراً ، و رؤى !. بدهي ّ،أنّ الرّعيل الأوّل من المثقفين الكرد،وجد فراغاً، مؤسفاً، بل انقطاعاً معرفياً ، مذهلاً، عن بدايات الثقافة الكردية ، نتيجة انبهار أجيال عديدة ، على مدى قرون ،بالثقافة الإسلاميّة ، التي ستسمّى لاحقاً ب:"العربية الإسلامية" ، والتعامل بروح عدميّة، من قبل كثيرين منهم تجاه خصوصيتهم ، ممّا أدّى إلى تشرنقها ، نتيجة حالة الحجر عليها ، ومحاولة امّحاء خطوط رئيسة، من ملامحها ، وهو ما كان يدفع إلى القفز من قبل هؤلاء ، للوقوف- إزاء حالة التغييب العارمة لثقافتهم - عند أسماء البدليسيّ –نثراً - بابا طاهر الهمذاني- شعراً- ومن ثم الجزريّ والخانيّ ، والتوقّف عند اسم جكرخوين ، كطفرة إبداعية ، معاصرة ، هذا إذا لم نضع في الاعتبار الأسماء الإبداعية اللامعة ،الموازية، وذات الحضورالفاعل ، في أجزاء كردستان الأخرى.....! هذا الانقطاع ، دفع بالرّعيل السابق علينا ، ومن ثمّ برعيلنا من جيل الثمانينيات الشعري إلى محاولة البحث عن أسماء كبيرة ، لها ثقلها الموازيّ للأسماء ذات الحضور، عربيّاً وسوريّاً ، للاستظلال تحت أفيائها ، وهو ما جعلنا نعوّل على الكتابات ذات النكهة المائزة لسليم بركات ، الكثير،ونجد فيها ضالتنا ، لاسيّما أنها كانت تفوح برائحة تمتّ إلينا بأواصر كثيرة ،وتلامس أسئلة هائلة خبيئة بين جوانحنا، دون أن تستعصي على سوانا في ما بعد ، مادام يقيم جسور تواصله معها، حين تكون بين يدي قارىء، آخر،له ذائقته الخاصة ، حتّى وإن لم يسمع ببني جلدته ، من قبل، لأنّه ما أكثر من صرّح من مبدعي العرب والعالم ،بأنّه عرف الكرد، وجبالهم ، وحجلهم ، وينابيعهم، وماعزهم ، وكواكبهم ،من خلال سليم، سفير ذويه إلى جهات الخريطة ، وحوذيّ القصيدة ذات التضاريس الخاصة ، لدرجة أنّنا أطلقنا على كتابه :" سيرة الصّبا "في مطلع شغفنا بالقراءة ، ونحن نتداوله كرسائل عشق سريّة،ب"إنجيل الشّمال" هذا الكتاب الذي سيتساوق، وما تلاه نثراً ،مع نصّه الشعريّ المؤسّس، متوازيا ً معه في التأثير ، ممارساً سطوته الهائلة على نتاجات جيل كامل ، من خلال اللّغة الجديدة، التي ستتأسّس على أنقاض لغة مستهلكة ، سادت خلال العقود السابقة على سبعينيات القرن الماضي في القصيدة العربيّة ، بشكل عام ، والسوريّة منها، على نحو خاص، رغم ما يضخ فيها ضمن أطر محدودة من روح التجديد.....!. هكذا ، تماماً ، تعاملنا مع اسم – سليم بركات-لاسيّما عندما دعتنا مواظباتنا اليوميّة على النّهل من كتاباته ، في لحظة ظمأ ، منهكة ، لتمييز خصوصيته ، بل التوقّف على العلامات الفارقة بينه، والأسماء المشغولة بنوسانها بين حدّين أقصيين : الماغوط في شفافيته المفرطة المدهشة، وأدونيس في غموضه الجماليّ المباغت، ليكون نصّ سليم بركات ذا خصوصية حقيقية ، آخذاً بربقة ملامحه الذاتيّة ، من عمق تجربته الحياتية ، والإبداعية ، وآماد روحه ، دون أن يغرق في تخوم سواه، واثقاً من مشروعه الشخصيّ ، عبر مختلف الأشكال التي سيعبّر من خلالها...!. إن مثل هذا الانبهار الهائل ، من قبل كوكبة من أسماء جيلنا الجديد ، باسم سليم بركات دعتنا لأن ننسكن إلى حين، في مناخاته ، كي يتحرّر بعضنا ، ويرسم صدى صوت أعماقه الخاصّ ، ويظلّ آخرون منّا تحت سطوة هذه المناخات ،وكأنّهم يتنفسون برئة هذا الشاعر، مقتفين خطاه ، مكرّرين ببّبغاويّة، حتّى معجمه،أو مكتشفات منجمه اللغوي، كما أقول،ناهيك عن طريقة رسمه للصّورة ، وإشادته عمارة النصّ من قبله ، وهو يعمل بإزميله الخاص في برونز اللّغة، وعاجها، بحذق ومهارة غير مسبوقين البتّة.....!، وهو ما سيدفع شابًا مولعا ً بالشعر مثلي وهو يضع أولى خطواته على دروب الشعر في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ، كي يجد في التواصل البريدي مع هذا الشاعر السابق عليه جيلاً وتجربة،متعة كبرى ، وحافزاً روحياً ومعنويا ًلتطوير قصيدته ، ولو أن رسائله الكرملية التي سيكتبها حتّى وهو في قبرص ، وهي جدّ مقتضبة ، وإن كان سيقول : أنا لست من يسدون النصح ، إذا كان في مواجهة قصيدة لي ، سينشرها في أحد أعداد هذه المجلة التي كان يعمل فيها مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش ،بل وسأحتكم ذات يوم إلى ما كتبه في رسالة شخصية إلي ، لأردّ به على أحد الكتبة الذين يرون في ذواتهم المتضخّمة حملة مفتاح الفردوس الكردي، وموزعي صكوك الوطنية، حين ينال عبر أحد حواراته من هذا المبدع ، ونتيجة عقدة نقص فيه إزاء عملاق إبداعي كبير مثل سليم بركات، بل وليتدخل سواه للإيقاع بيني وسليم إلى حين ، وسرعان ما أكتشف اللعبة ، بل لأدرك كم أنا مخدوع ملدوغ ممن خلت أني ربيتهم على يدي!. ضمن مثل هذا الفهم لسليم بركات ، فإنّ هذا الشّاعر الذي قام بقلب الرؤى الشعريّة لدى أكثر من جيل ، تلاه ، بل وواكبه ، تمّ تناوله من خلال منظورين متضادّين ، أحدهما إيجابيّ ، وثانيهما سلبيّ ، تراوحت بين قطبيهما نصوص الشاعر الواحد، أحيانا ً، ومن ثم ّمجمل نصوص هؤلاء ، بطريقة مثلى ، وهو ما دعا لأن يكون حضور اسم الشاعر سليم بركات إثراءً حقيقياً، لقصيدة الشاعر الكرديّ المكتوبة بالعربيّة ، هذه القصيدة التي يعمد بعضهم على الشّطب عليها ، ما دامت لم تكتب بالّلغة الأمّ ، نتيجة عجز إبداعيّ لديهم ، أو نتيجة فهم مغلوط من قبل من لا يريد التقاط الخصوصيّة الكرديّة الطافحة في النصّ الأدبيّ الكرديّ المكتوب بغير اللغة الأم ،وليد مرحلة ذات طبيعة معروفة من سياسات إلغاء الآخر ، وإعدام ثقافته ،والذي جاء- في الأصل خارج الحاجة الجمالية الفنية - تحدياً كبيراً لكل ذلك ،رغم توسله لغةً أخرى ، وليكون عدم فهم كل هذا، ومحاولة التنكرله ، وإمحائه ، خيانة إبداعية ، وقوميّة في آن واحد ، أرجو أن أتنطّع- بل وسواي- لتناوله قريباً، لتفنيد خطل يروّج له بعض قاصري النظر،هنا وهناك، في هذا المجال..! وحقيقةً ، إنّني كثيراً ما أسأل نفسي ، إزاء أيّّة مراجعة ذاتية لمنجزي الكتابيّ- ومعذرة ًعن المصطلح- على مدى ربع قرن ، ماض : ترى ما الذي يبقى لكثيرين- وأنا من بينهم – في ما لو استرجع سليم بركات ماله في قصائدنا؟،وإن كنت سأغالي - قليلاً- في مثل تقويم ، كهذا ، منطلقاً من سطوة نصّ هذا الشاعر ، وأبوّته الإبداعيّة، ربّما لجيل كامل ، أو أجيال متتالية من اللاحقين لتجربته الإبداعية، حتى وإن راح بعضنا يتمظهر بغير ذلك، دون أن يتمكّن من التخلّص-تماماً في أقل تقدير - من هذه العقدة، التي لم تكتف تأثيراتها علينا ، بل تجاوزتنا إلى سوانا، من الشعراء غير الكرد الذين قرؤوه، وما أكثرهم...! . من هنا ،أجل ، إنّ سليم بركات – في ما لو كان بحقّ- كما قلت عنه، قبل أكثر من عقد ونصف ، علامةً ًفارقةًً في القصيدة السوريّة ، فهو – بالتّالي- الشّجرة الأكثر اخضرارًا، وعلوّاً ، في حديقة الشعر الكردي المكتوب بالعربيّة ، بل والشّعر السوريّ ، والعربيّ – بعامة- مادامت تتنصّت إلى بوح داخلها ،بعيداً عن الشّعار،إلى جانب أسماء قليلة إبداعية ، هي الأكثر حضوراً في خريطة الشعرالكردي ، ضمن هذا الحيّز الزّمكانيّ ، وهو ما يسجّل لهذه التّجربة – في الوقت نفسه- عالميتها ، ممّا دعا واحداً مثلي كي أتجاوز ،وعبر دافع الحبّ ، حدود أيّ بروتوكول ، لترشيحه مع صديقي الشاعر شيركو بيكس ، في سياق تقديمي لحوار مع الأخير في مجلة العربي 1993- لجائزة " نوبل! " - هكذا- وهو رغم سذاجة الطّرح، لينمّ عن تلك الفرادة التي يحتلّها هذا المبدع في وجدان المثقّف الكرديّ ، الذي وجد في هذا الإسم الإبداعيّ ، مدعاةً للتباهي ، إزاء حالة استلاب ، يوميّة ، تأكيداً على مدى إمكان الحضور الإبداعيّ للكرديّ ، في ما إذا أتيحت له ظروف الكتابة ، هذه الظروف التي انتزعها سليم خلال مغامرته بالكثير ، ومن بين ذلك تذوّقه علقم الغربة ، كي تكون قصيدته سليمةً كروحه....! . وأخيراً ، أكرّر ما قلته في استهلالة هذه الشّهادة ، حول عدم إمكان شهادة عابرة ، كهذه ،عن الإحاطة بتجربة إبداعية، فريدة،فذّة ، متألقة، ذات أكثر من بعد ، سواء على صعيد تقويمها، من داخلها ، أو من خلال تأثيراتها المختلفة ، للاحتفاء بها ، إزاء المحاولات المستميتة التي نشهدها من قبل سدنة النّقد ، والإعلام ، العربيّين الرّسميين ، بغرض تهميشه ، وإقصائه-للأسف الشّديد - انطلاقاً من رؤى ضيقة ، تجاه الكردي ، شريك الجغرافيا، والتاريخ، والإبداع ،على حدّ سواء ، وهو في عمقه اعتراف بيّن من قبل هؤلاء أنفسهم ،بعلوّ قامة هذا المبدع الكرديّ.....! قامشلو 31-12-2006 حجلنامة
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آرام ديكران.. أحد أعظم عمالقة الغناء الكردي الأصيل وداعاً
-
في صميم النقد وبعيداً عن الوصاية المقيتة : درءاً لالتباس موص
...
-
في الممارسة النقدية كردياً
-
الشاعر الكردي محمد علي حسو: ذاكرة من لهب وحلم
-
نبيه رشيدات سلامتك ...!
-
أخيلة من -وحي الكأس- للشاعر الكردي غمكين رمو
-
مشعل التمو واقفا في قفص الاتهام
-
سماء- الآمدي- الصغير
-
هكذا نصفق للاعتقال السياسي.....!
-
مشعل التمو وسطوات الخطّ الأحمر
-
أعلن الحداد الرسمي
-
واحد ثمانية ........!
-
محمد موسى كما عرفته....!..
-
مزامير -سبع العجاف -:
-
نحومؤتمر لأحزابنا الكرديّة في الدّوحة:
-
وتستمرّ المجزرة....!
-
حوار مع الباحث المناضل جبران الجابر:
-
بدل -بول-
-
بيان شخصي ضد ّالهجرة:-هنا الحسكة- في ....دمشق...!
-
مهرجان قامشلي الشعري دون شعراء قامشلي
المزيد.....
-
مغني الراب -كادوريم- يثير ضجة في تونس بإعلانه المفاجئ عن الت
...
-
تحتضن مواقع مهمة.. أبرز آثار بلدة العيزرية شرقي القدس
-
تردد قناة وناسة للأطفال 2024 على النايل سات وتابع أجدد الأفل
...
-
وزارة الإعلام الكويتية تعلق على الأنباء المتداولة حول تكاليف
...
-
أحمدو همباتيه باه: رائد الأدب الشفاهي الأفريقي وحارس ذاكرة ا
...
-
بعد تقارير عن -أجر بيومي فؤاد-.. تعليق كويتي رسمي بشأن دفع م
...
-
المفكر المغربي طه عبد الرحمن: تناولت السيرة النبوية من منظور
...
-
رواية -المُمَوِّه-.. شعرية الحدث والسرد العربي القصير
-
افتتاح معرض للأعمال الفنية المنتجة في محترفات موسم أصيلة ال4
...
-
روسيا.. مجمع -خيرسونيسوس تاورايد- التاريخي يستعد لاستقبال ال
...
المزيد.....
-
Diary Book كتاب المفكرة
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
مختارات هنري دي رينييه الشعرية
/ أكد الجبوري
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
المزيد.....
|