جمعة الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 837 - 2004 / 5 / 17 - 05:35
المحور:
الادب والفن
كانت أحداث النص المسرحي، الذي كتبه مظفر النواب، تحت هاجس الرغبة في تحريك الجو الثقافي العراقي في سوريا، تدور زمنياً، في فترة الخمسينات، أي إبان العهد الملكي، وعلى الرغم من جمالية النص وشعريته وأبعاده الإنسانية، إلا أن اختيار الفترة الزمنية كان مثار مناقشات حامية بين الشباب الممثلين، فقد كانت وطأة الظروف السياسية، التي يعيشها العراق (بعد غزو صدام للكويت وكارثة حرب الخليج الثانية) ضاغطة وحاضرة في الأذهان واليوميات والهواجس، حيث كانت مصائر العراق وشعبه تتشكل على نحو قدري ومأساوي، في حين أن النص يترك هذا الحاضر بملابساته وسخونته الكاوية ليذهب الى الماضي البارد نافضاً الغبار عن شخصيات وأجواء ومناخات هي أقرب الى الفلكلور منها الى الحياة المعاصرة التي نعيشها. ولهذا كان هاجس الجميع هو كيف نُسقط الحاضر على مناخ النص ولو عبر إشارات وتلميحات تحيل الى مثل هذا الإسقاط. وعلى رغم تحفظات النواب وخشيته من تشويه النص أو إضافة مالا يمت الى أجوائه، فقد استطعنا أن نضفي بعض الملامح والإحالات، التي ساهم باسم القهار في تعميقها وتجسيدها إخراجيا. أما النواب فقد كتب عشية العرض، وعلى صفحة البروشور الأولى، شارحاً رؤيته للعمل في شكله النهائي بالقول : ((المخلوقات هنا حروف جميلة كتبت نفسها في سفر الوجود. خرجت من العدم. قد تكون كتبت نفسها بشكل خاطئ أحياناً أو لم تستطع الانبثاق بعيداً رغم ما في طيها من حلم الوجود. الإشكال أن العدم يخلق موجوداته أيضاً: قوى الظلام، أجهزة القمع، منع التجول، البالوعة، ابن تتو، الحركة، أبو سكيو، سلومة، سنية، عواد وأمه، كاطع…، بل حتى تلك المخلوقات التي فهمت وجودها بشكل سيئ : حلمي… شاهيكان…، ميزة هذه المخلوقات الجميلة والبسيطة مقاومتها التي لا تنتهي سواء بنوع من الصمت.. أو الحلم أو أنها تفتح أفواهها وتتكلم بدون كلمات، وهكذا من الحلم ومن الصراع بين العربة التي هي حركة الوجود وبين البالوعة حركة العدم، وبين الحركة والركود وبين الماء والجفاف، بين أن يكون القصب في جنوب العراق، خضرة… وبيوتاً وجمالاً… ونايات. أو أن يحرق وتباد الحياة.. من كل هذا الصراع، من بهاء الحلم ومن عذاب الواقع ينهض هذا العمل، أول صرخة فيه ( طفحت البالوعة).. تحرك العدم.. وآخر صرخة: احتشاد كل قوى الوجود، رغم القهر، وراء العربة لدفعها الى الأمام، والانتصار على النفايات والبالوعات.. وما أكثرها اليوم.))
هذه هي رؤية مظفر للعمل وهي رؤية إنسانية بلا شك لكنها كانت عمومية وشاعرية في وقت كانت فيه ظروف العراق متفجرة وكارثية ودموية. كانت تلك الظروف تحتاج، كما كنا نرى، إلى مجابهة مباشرة، إلى قول صارخ لا يتوارى وراء العموميات ولا يعود إلى الماضي مادام الحاضر بهذا السطوع والخطورة. هكذا سار العمل وسط اختلافات وخلافات في الرأي والرؤية.
(يتبع غداً)
#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟