|
لا لتدمير سجن -أبو غريب-!!
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 836 - 2004 / 5 / 16 - 14:35
المحور:
حقوق الانسان
بعد فضيحة نشر الصور عن عمليات تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب التي يندى لها الجبين والتي أعطت ذخيرة حية لأعداء الديمقراطية في العراق في دول المنطقة، ومن العرب واليسار العالمي المدمن على العداء لأمريكا، ومن المعارضين لإدارة الرئيس جورج بوش في أمريكا ذاتها، والمناوئين للمشروع الأمريكي لإدخال المنطقة في الحداثة والديمقراطية، مدعين أن هذه هي الديمقراطية الأمريكية، ناكرين كل الإنجازات العظيمة التي حققتها قوات التحالف للعراق وعلى رأسها خلاص الشعب العراقي من أشرس نظام ديكتاتوري دموي. وقد تصاعدت نداءات حتى من ذوي النوايا الحسنة، تطالب بهدم السجن المذكور وبناء سجن آخر بديلاً عنه. ومن المؤيدين لهذا المطلب مع الأسف الشديد، الدكتور عدنان الباجه جي، عضو مجلس الحكم مع سياسيين عراقيين آخرين، والذي قال «اعتقد ان ذلك (تدمير سجن ابو غريب ) سيكون فكرة جيدة. ونستطيع بناء سجن آخر إذا اقتضت الضرورة» (الشرق الأوسط، 14/5/2004).
لقد عارضتُ فكرة هدم سجن أبو غريب أو أي سجن آخر في الوقت الحاضر، في مقال سابق لي بعنوان : (سجن "أبو غريب" فضيحة عربية أكثر منها أمريكية) وقلت أني لا أتفق مع هذا الرأي للأسباب التالية: 1- الذي قام بجرائم التعذيب وانتهاك حقوق السجناء هو السجان وليس السجن. فالسجن مجرد بناء أصم، يدار من قبل سجانين قد يكونوا ساديين منحرفين. لذلك يجب معاقبة السجانين المنحرفين وليس السجن. وإذا جاز لنا هدم السجن، فقد ارتكب عدد من المنحرفين الإرهابيين العرب بحرق وتمثيل بجثث الحراس الأمريكيين في مدينة الفلوجة، فهل يجب أن نقوم بهدم المدينة عن بكرة أبيها ونعتبرها رمزاً للقتل والحرق والتمثيل بجثث الأبرياء؟ لقد عمل صدام حسين شيئاً من هذا القبيل عندما تعرضت قافلته مرة، لإطلاق النار من قبل بعض الوطنيين المعارضين لحكمه في مدينة الدجيل في الثمانينات. فقام الطاغية بهدم المدينة بالبلدوزرات وسوّاها بالأرض وقتل رجالها وسبا نساءها. وهذه الفعلة لا يقوم بها إلا الطغاة. كذلك حصلت مأساة قبل سنوات في أحد المستشفيات البريطانية، عندما قامت ممرضة منحرفة، بقتل عدد من الأطفال المرضى بزرقهم جرعة قاتلة من الإنسولين. لم يفكر أحد بهدم المستشفى، بل اكتفت السلطة بمعاقبة الممرضة المجرمة ومحاسبة المسؤولين عن تعيينها والمشرفين عليها.
2- لقد استغل الإعلاميون من أنصار النظام المقبور هذه الجريمة فرأوها فرصة ذهبية لهم للتصيد بالماء العكر، فطالبوا بإطلاق سراح جميع سجناء سجن (أبو غريب) كتعويض لهم. طبعاً هذا يصب في خدمة المجرمين البعثيين من فلول النظام المقبور والمجرمين العاديين من عصابات خطف الأطفال وقتل الأبرياء. ولو تم هذا لا سامح الله، فإنه يشبه عمل صدام حسين عندما أطلق سراح مائة وأربعين ألف سجين من المجرمين قبل سقوط نظامه بأشهر. ونتيجة لذلك العمل الإجرامي صار الشعب العراقي ضحية لموجة عارمة من الإجرام بعد سقوط النظام الفاشي. (وهذا لا يعني أننا ضد إطلاق سراح الأبرياء منهم الذين تم اعتقالهم خطأً). كذلك ارتكب نظام البعث جرائم التعذيب ضد العراقيين في جميع السجون العراقية، فهل يجب هدم جميع هذه السجون؟ وهل تخلص العراق من المجرمين لنستغني عن هذه السجون وصار الجميع ملائكة وكلنا يعلم أن أهم ما يفتقده العراقيون الآن هو الأمن بسبب تصاعد موجة الإرهاب. فأين يمكن اعتقال المجرمين الذين يتم القبض عليهم من الآن فصاعداً والجناة السابقين؟ كذلك النفقات الباهظة لهدم السجون الحالية وإعادة بناء سجون جديدة في الوقت الذي يعاني فيه الشعب العراقي من الفقر المدقع. ومن هنا نعرف أن الحل الصحيح هو اختيار سجانين أصحاء عقلياً، سالمين من العاهات النفسية والعقلية والإخلاقية لإدارة هذه السجون بدلاً من هدمها أو إطلاق سراح المجرمين الذين يجب محاكمتهم ومعاقبتهم لنيل جزائهم العادل على ما اقترفت أيديهم من جرائم بحق الشعب. هذا ما ذكرته في مقال سابق.
وغني عن القول أن النظام البعثي الصدامي قد حوَّل العراق برمته إلى أكبر سجن رهيب في العالم وشرد حوالي خمسة ملايين من شعبه إلى الشتات في شتى أنحاء المعمورة. وكان الشعب العراقي في هذا السجن الكبير أسيراً لحكم الطاغية ونظامه الهمجي المتخلف. وكل عراقي في الخارج، وأنا منهم، كان يرى في المنام كوابيس مرعبة، كأنه عائد إلى العراق، محاطاً برجال أمن صدام، يستهزئون به ويتهيئون لتعذيبه وهو يلوم نفسه كيف تورط ليعود إلى الوطن ليسقط في الفخ البعثي. وما أن يستفيق مخنوقاً، يحمد الله أنه كان كابوساً في المنام وليس في الواقع. إذن، ماذا نعمل بهذا العراق الذي حوله البعث إلى سجن رهيب وكوابيس تطارد أبناءه في نومهم؟ أعتقد أن المستفيدين من هدم السجون هم المقاولون وشركات البناء الأجنبية والقطط السمان العراقية. لقد قرأنا أيام حرب الخليج الثانية عام 1991، أن القوات الجوية الأمريكية تعمدت في تدمير المنشآت الاقتصادية وخاصة تلك التي لا يمكن إعادة بناءها بإمكانيات عراقية في المستقبل وذلك لإيجاد مجال عمل للشركات الأجنبية وتحقيق أرباح هائلة لها. فخلال عمليات التفتيش عن سلاح الدمار الشامل من قبل لجان الأمم المتحدة بعد تلك الحرب، تم تدمير منشآت الصناعات العسكرية عن عمد وكان بالإمكان تحويلها إلى مصانع مدنية لصناعة التراكتورات والحاصدات وغيرها من المكائن الزراعية بسهولة بدلاً من الصناعات العسكرية، وخاصة منشأة المثنى في الزعفرانية التي كانت مجهزة بأحدث التكنولوجيا المتطورة والتي كلفت 12 مليار دولار من أموال الشعب العراقي. وها هي اللعبة تتكرر وبمطالبة العراقيين أنفسهم هذه المرة، لهدم السجون وإعادة بنائها. إنها عملية باهظة. لذا نرجو من السادة المسؤولين أن لا يندفعوا في ردود أفعالهم لعملية تعذيب المعتقلين بهدم السجون، فإن هذه العملية عقوبة مالية باهظة يتحمل وزرها الشعب العراقي نفسه.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حبل الكذب قصير
-
سجن -أبو غريب- فضيحة عربية أكثر منها أمريكية
-
الإبراهيمي على خطى ساطع الحصري
-
الساكت عن الحق شيطان أخرس
-
اقتراح حول العلم الجديد
-
حول إعادة البعثيين السابقين إلى وظائفهم
-
لمواجهة الإرهاب.. الأمن أولاً والديمقراطية ثانياً
-
أسباب نشوء الحركات الإسلامية المتطرفة
-
هل مقتدى الصدر مخيَّر أم مسيَّر؟
-
فدائيو مقتدى- صدام، يفرضون الإضرابات بالقوة
-
بعد عام على سقوط الفاشية..التداعيات وأسبابها!!
-
شكراً مقتدى!... على نفسها جنت براقش
-
البرابرة
-
الانفجار السكاني من أهم المعوقات للتنمية
-
تعقيب على توصيات مؤتمر أربيل رفض (اجتثاث البعث) وصفة لإفشال
...
-
ماذا يعني عندما يكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع؟
-
مجموعة مقالات
-
مجموعة مقالات
-
مراجعة بعد عام على حرب تحرير العراق
-
التداعيات المحتملة لجريمة اغتيال الشيخ ياسين
المزيد.....
-
الحرب بيومها الـ413: قتلى وجرحى في غزة وتل أبيب تبحث خطةً لت
...
-
الجامعة العربية ترحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت
-
اعتقال حارس أمن السفارة الأميركية بالنرويج بتهمة التجسس
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
-
عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي
...
-
غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب
...
-
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|