|
حول الخصخصة في الحروب 2 من 2
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 836 - 2004 / 5 / 16 - 14:26
المحور:
الادارة و الاقتصاد
بين احتواء الحروب والأزمات المحلية، وبين اثارتها، لتحقيق اعلى الأرباح . . كلّما فشلت الدول في سياسة القوة، وكلّما لايوجد حق نافذ المفعول، يورق مجال جديد لتحقيق تلك الأهداف، هو المؤسسات العسكرية الخاصة المسمات بـ PMF ، التي اخذت بالتضخم والتوسّع منذ مطلع تسعينات القرن المنصرم. ففي سيراليون عام 1995، وبعد اربعة سنوات من اندلاع الحرب الأهلية، وشيوع الفوضى وحرق القرى وانواع العمليات الأجرامية التي طغت على الحركات والمنظمات الوطنية، وتسببت بهروب عشرات الآلاف من المدنيين هائمين على غير هدى، بعد ان طغت على مواقع مناجم الماس. قامت طائرات عسكرية بانزال رجال من قوة سرّية في منطقة " سولداتسكا" على بعد 20 كم من العاصمة " فريتاون"، استطاعوا بعد تقدم الدروع وضربات السمتيات المتقنة، تحرير منطقة المناجم وانقاذ عشرات الآلاف من مذبحة كانت تعدّ، بعد ان استمرت العملية اسبوعين، تم بعدهما ارجاع مناجم الماس الى سيطرة الحكومة . كانت القوة السريّة تتكوّن من 160 رجلاً، بدون رتب عسكرية، بدون اعلام او الوان ترمز الى اصولهم القومية او الأثنية، تم استدعائهم تلبية لطلب من حكومة سيراليون المهددة، مقابل مبلغ تم التعاقد عليه بينها وبين " مؤسسة النتائج التنفيذية EO "، وهي مؤسسة جنوب افريقية لتجنيد واستخدام المقاتلين المأجورين (مقابل اجور)، اي مرتزقة. وقد بلغت قيمة عقد العملية بين 35 ـ 60 مليون دولار(1) . ومن ناحية أخرى، شارك في الحرب الأهلية الأنغولية لوحدها بحدود 80 مؤسسة عسكرية خاصة في السنوات من 1975 الى 2003 ، حين نُظّم وزجّ فيها مقاتلون من كلّ بقاع ودول العالم : من فيلق الغرباء الفرنسي، صيّادي المظلات الجنوب افريقيين، الملاحين الأوكرانيين الى القناصة النيباليين. وبزيادة الطلب على تلك القوات من اطراف النزاعات والحروب الأهلية، كما اشتهر ما حصل بين " موبوتو سيسي سيكو" وغريمه " كابيلا " في الكونغو . . اشتد التنافس بين الشركات، الأمر الذي دفع قسماً منها الى التخصص في مجالات محددة، لتدرّ ارباحاً أعلى. ففي الصراعات الدموية في الكونغو و رواندا ازداد دور وارباح رساميل الشركات العسكرية الأهلية المتخصصة في مجال حماية وتدمير والغام حقول النفط ومناجم الماس، بعيداً عن مسار العملية الوطنية ومصالح السكان هناك، بل على اساس العرض والطلب للأطراف المتصارعة لاغير. وقد استخدمت "اونيتا" على سبيل المثال، مدربين ومتخصصين في الدروع والمدفعية من المؤسسات العسكرية الأهلية ، ضد اعمال الحراسة والدفاع عن المنشآت النفطية التي قامت بها مؤسسات عسكرية اهلية اخرى اوكراينية بطائراتها الحربية التي تمتلكها. ومن جهة أخرى، وفيما تخصصت " مؤسسة ديفينس اند سكيورتي" في حماية مناجم وحقول الماس، وتخصصت شركات أخرى في عمليات المسح الجوي والتجسس، تخصصت شركتان كبيرتان لمستثمرين انغلوساكسون هما DSL , Ronco في مجالات متنوعة، في مقدّمتها مجال ازالة الألغام، على حد اعلانها . تشكّل الشركات العسكرية الأهلية اليوم، قطباً عالمياً للأستثمار يدرّ المليارات من الدولارات، و يدرّ اغزر الأرباح في الدرجة الأولى من حماية ومراقبة، ومهاجمة وتدمير، واعادة بناء ؛ الحقول والمنشآت النفطية، مناجم ومصادر الماس والمعادن الثمينة كالذهب مثلاً، وفي حالات كثيرة يدرّ ارباحاً مضاعفة فيما لو قيس بتكلفة نفس الأشغال، ان قامت بها الحكومات ذات العلاقة . . الأمر الذي يشير بوضوح الى دور العلاقات الوثيقة ( الضيّقة) بينها وبين من يقوم (افراداً او جماعات) على ادارة القوات الحكومية المحلية التي تقوم بواجب حماية تلك المنشآت في العادة. وقد يذهب الأمر ابعد، على حد تعبير وزير الدفاع الفرنسي السيد "ميشيل اليوت ماريي" حين صرّح بـ " ان الشركات الخاصة تسخّن البؤر الساخنة عينها في افريقيا الوسطى وتعيق الوصول الى حلول للأزمات ". ويمكن ان يكون ذلك سبباً ادى الى أخضاع فرنسا عدداً من تلك الشركات، للعقوبة في العام الماضي . وفيما يشير عدد من المتخصصين الى ان غياب العقيدة الفكرية والسياسية للقوات العسكرية الخاصة، واقتصارها على تحقيق نجاحات عسكرية لمن يدفع اكثر، قد يؤدي الى مخاطر شرائها من قبل من يدفع اكثر، ممن قد يكون لاعلاقة له اساساً بالوجهة السياسية المعلنة للصراع . يحذّر آخرون من ان تفوّق كفاءة المقاتلين المحليين على نظرائهم المجندين من خارج مناطق ودول الأزمات والحروب ـ كما اثبتت الكثير من الوقائع ـ قد يدفع اصحاب رؤوس الأموال (اصحاب الشركات) الى تجنيد المقاتلين الكفوئين من ابناء البلد المعني ذاته لآهدافها هي (الشركات)، من اجل ضمان النجاح وبالتالي المزيد من الأرباح. الأمر الذي يخّل بسيادة البلاد ويعقّد الصراعات الدائرة ويطيلها من جهة، وليصبح بذاته طرفاً في الصراع وقد يتحكّم به، من جهة ثانية. كتلك الشركات التي يهمها ضبط قضية النفط وفق مصالح رؤوس اموالها . . حين يكون المهم لها التحكم بما تحت الأرض، دون كبير اهتمام لما يجري فوقها وآفاقه، المهم هدوءه. ويشير الكثير من الباحثين الى ان العلاقات التي تزداد وثوقاً بين المؤسسات الصناعية والعسكرية والمالية من جهة والمؤسسات العسكرية الأهلية وعبر شخصيّات بعينها، تلعب دوراً كبيراً بل وحاسماً في احيان كثيرة في تقرير مسائل اعلان الحرب، بما تفتح لها من ابواب لصفقات وارباح خيالية جديدة. ومن الجدير بالذكر انه لايوجد مكان في العالم كالولايات المتحدة، التي تطوّر فيها مسرح عروض الخدمات العسكرية وازداد تشابكاً، واستخداماً للعلوم الحديثة التي تلبيّ مختلف المجالات. فهناك يوجد ابرز مالكي واداريي اسواق دعاة الحرب، منضوين تحت جناح عمالقة المؤسسات الكبرى، كمؤسسة " نورثورب غرومان" للصناعات العسكرية، مؤسسة الأتصالات " ليفل 3 " ، المؤسسة النفطية " هاليبورتون"، التي تملك كلّ منها شركتها بوحداتها العسكرية الخاصة. ومن الجدير بالملاحظة ان مجموعة الجمهوريين الذين احتلوا المواقع المقررة في سياسات الولايات المتحدة في مجالات؛ الطاقة، الشرق الأوسط والخليج، والسياسة العسكرية، بقيت على شخصياتها، كما هو واضح للعيان منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان. علماً ان شخصيات تلك المجموعة تتوزّع على مكاتب الأدارات الحكومية، المجالس القيادية للمؤسسات والشركات الأهلية العملاقة والشركات العسكرية الخاصة (قيد البحث) وتتبادل المنافع وتحقيق الأرباح، كما حصلت على سبيل المثال مؤسسة " بكتل " بابرز مدرائها السيد "جورج شولتز" (2) الصديق الحميم للسيد " دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع . . حصلت على عقود بمليارات الدولارات لأعادة اعمار العراق (3). واليوم، ومع اقتراب موعد الأنتخابات الرئاسية الأميركية، يتسائل العديد من المحللين واصحاب الرأي في اميركا واوروبا والعالم، اليست تلك الآليات هي آليات " المجمع الصناعي العسكري" التي حذّر جنرال الحرب العالمية الثانية المنتصرالرئيس الأميركي الراحل " دوايت ايزنهاور"، من خطرالوقوع في فخّها، ومن مخاطرانتاجها لنظام اوامري اداري، قد يصعب الأفلات منه، ان لم يعالج باصلاحات تتناول الآليات العليا عينها، التي لعبت الحرب الباردة بعدئذ دوراً كبيراً في صياغتها والتي لم تمسّها يد الأصلاح بعد انتهاء الحرب الباردة ايّاها؟ على حد تعبير و مناقشات كبار المسؤولين في جلسات لجان الكونغرس الأميركي لتقييم احداث 11 ايلول 2001 ، والتي بثّت على الهواء في الشهر المنصرم. (انتهى)
14 / 5 / 2004 ، مهند البراك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) " مقاتلون للأجرة " / ج. كلوزنغ، س. ف. الزيمان ـ عن الألمانية . (2) جورج شولتز، وزير خارجية الرئيس الأميركي الأسبق السيد رونالد ريغان (3) " ديرشبيغل" العدد 19 / 2004 .
#مهند_البراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الخصخصة في الحروب 1 من 2
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 3
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 2
-
تسليم السلطة وانهاء الأحتلال، ودور القوى الوطنية ـ 1
-
الديمقراطية . . ونزيف الدم ؟
-
كي لايكون العراق غنياً للعالم، فقيراً لأبنائه !
-
لمناسبة عامه السبعين سلامٌ حزب الكادحين !
-
لم ينلْ (الكيمياوي) من شعلة النوروز !
-
المصالحة الوطنية كبديل للدكتاتورية
-
حازم جواد لايتذكّر 2 من 2 الزعامة مهما كان الثمن ؟!
-
في 8 آذار-الدفاع عن المرأة ودورها شرط اساس لتقدّم المجتمع
-
المجد لشهداء عاشوراء ماهي خطة صدام بعد السقوط ؟
-
حازم جواد لايتذكر ـ 1 من 2 محاولة عقيمة لتجميل الماضي
-
نصفنا الآخر ـ 2 حقوق المرأة والصراع الأجتماعي الطائفي
-
نحو 8 آذار، نصفنا الآخر ـ 1 قضية المرأة، قضية المجتمع بأسره
-
ادارة الدولة والتنوّع العراقي ـ 2
-
قانون ادارة الدولة والتنوّع العراقي ـ 1
-
اسلحة الدمار الشامل ومسألة التعويضات
-
المجد لشهداء مجزرة اربيل! - الأرهاب لن يزيد القوى الوطنية ال
...
-
قراءة في مشروع مارشال
المزيد.....
-
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكل مستقبل التجارة الدولية؟
-
أبرز 7 دول و7 شركات عربية تصنع الدواء وتصدره للعالم
-
في يوم استقلال لبنان: حضرت الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة،
...
-
دعوى في هولندا لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل
-
هنغاريا: العقوبات على -غازبروم بنك- ستخلق صعوبات لدول أوروبا
...
-
أردوغان: نجحنا بنسبة كبيرة في التخلص من التبعية الخارجية في
...
-
بلومبيرغ: تعليق الطيران العالمي يترك إسرائيل في عزلة تجارية
...
-
موسكو: سوق النفط متوازنة بفضل -أوبك+-
-
سيل الغاز الروسي يبلغ شواطئ شنغهاي جنوب شرقي الصين
-
بيسكوف العقوبات الأمريكية على -غازبروم بنك- محاولة لعرقلة إم
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|