|
ايران والثورة...عودٌ على بدء (3)
عبد كناعنة
الحوار المتمدن-العدد: 2744 - 2009 / 8 / 20 - 09:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
* لا يكتمل الدين عند الخميني الا اذا كان موجهاً ضد الاستعمار وقوى الاستكبار* *هذه النقطة هي التي جمعت الخميني الى ماركسيين من جهة وهي هي التي أغرقت الغرب والحكام العرب ورجال الدين التقليديين في وحل الكراهية الكامله للخميني ولفكرة*
الخمينية: ثورية ام شعبوية؟
الخميني لم يكتف بتحضير الأرضية الفكرية للثورة ولإيران بعد الثورة لكنه قام بتطبيقها بنفسه. مع العلم ان الخميني لم يكن مجرد رجل دين ومرجع تقليد الذي يسيطر على شبكة من المنظمات الدينية فحسب. بل كان وفي الأساس قائد كريزماتي من الدرجة الأولى وكذلك صاحب قدرة خطابية تصيب قلوب بسطاء الشعب الايراني بشكل لا لبس فيه.
هناك الكثير من الدراسات التي تحدثت عن تشابه الخمينية كحركة سياسية وبين الشعبوية (بوبوليزم) الأمريكية اللاتينية بالأساس. الكاتب Ervand Abrahamian وبكتابه "Khomeinism: Essays on the Islamic Republic" اعتبر ان الخمينية تجسد بماهيتها التعريف الأساسي للحركة الشعبوية بكونها حركة للطبقة المتوسطة والتي تتلاعب بمشاعر الطبقات الواقعة تحتها وبالأساس الفقراء في المدن بواسطة خطاب راديكالي يعارض الامبريالية والرأسمالية الأجنبية والمؤسسات السياسية القائمة. كما أنه يضيف أن للحركات الشعبوية قواد كاريزماتيون يستعملون اشارات ورموز، صور ولغة مفهومة وذات قيمة متجذرة في الثقافة الشعبية للبلد (Abrahamian,1993: 17).
أي ان الحركات الشعبوية تأكد على الثورة الثقافية القومية وإعادة البناء السياسي بدل الثورة الاجتماعية –الاقتصادية بمفهومها الأعمق والماركسي.
قسم آخر من الباحثين ذهبوا الى أبعد من ذلك وإدعوا أن الخمينية هي عبارة عن حركة فاشية ملائمة للعالم الثالث حيث هناك تشابه في البعد الأيديولوجي وفي الرفع من مكانة الموت البطولي بالإضافة الى الأبعاد اللا-ليبرالية واللا-مادّية واللا-شيوعية في ذات الوقت. ويذهب هؤلاء الباحثون الى كون الخمينية متشاركة مع الفاشية في وجهة النظر القائلة أن الدولة مستقلة عن طبقات المجتمع بالإضافة الى استعمال الإرهاب في الداخل والشرطة السرية Moaddel, 1992: 257-262)).
لكن لا يبدو لي أن أي من هاتين المقاربتين صحيحة بالنسبة للخمينية والتي هي وان كانت حركة شعبوية فهي حركة شعبوية من نوع خاص حيث أضيف لها بعد ديني خاص بالأضافة الى أوجهها الأخرى. أما الدخول الى باب تشبيه الخمينية بالفاشية (كما قرأت أيضاً قبل عدة أسابيع مقال الكاتبة والمناضلة المصرية فريدة النقاش حول الفاشية الاسلامية والرد عليها من قبل الرفيق محمد نفاع الأمين العام للحزب الشيوعي في البلاد) فهو من باب التبسيط والذي ان سرنا حسبه لكان بالامكان نعت أي حركة أو أي فكر بالفاشية.
الخميني كان واعياً للقدرة التجييرية للرموز والأساطير وخصوصاً لدى المؤمنين الشيعة وحول رموز وأساطير دينية الى وسائل وأدوات سياسية تم تفسيرها من جديد وبشكل ثوري لدفع الجماهير لكي تتماثل مع قيم الثورة الجديدة.
القيادة الايرانية وخصوصاً الخميني إستطاعوا استعمال الأحداث ومناسبات كانت تعامل في السابق كمناسبات دينية بحته الى رافعات سياسية مثل ذكرى عاشوراء وهي ذكرى استشهاد الامام الثالث في العقيدة الشيعية، الامام الحسين من خلال مجزرة قام بها الخليفة يزيد بن معاوية حيث ذبح الحسين و 70 من أبناء بيته في معركة غير متكافئة. هذه الحادثة أو "المصيبة" المشّكلة للوعي المظلومي لدى الشيعة تم تفسيرها بشكل ثوري بحيث تم تحويلها من مجرد حدث ديني من جهة ومجرد "صدمة عصبية مزمنة" أصابت المذهب الشيعي الى رمز "انتصار الدم على السيف" كما يذكر في ألأدبيات الثورية الشيعية. وتم تغذية الشعور القائل بأن موازين القوى وان دلت جميعاً على تفوق الشاة والذي هو "معاوية هذا العصر" بحسب التصنيف الخميني لن يستطع كسر شيعة علي والحسين وهذه المرة ستكون الغلبة للحسين (الخميني) على معاوية.
لقد استطاع الخميني وقيادات الثورة الايرانية العمل على تشويش الحدود والزمان وجسر مئات السنين من التاريخ واستحضار أحداث تاريخية بالغة الأهمية في حياة الشيعة واستخدامها في أواخر العقد الثامن من القرن الماضي.
أكثر من ذلك، لقد أكثرت قيادة الثورة الخمينية من استعمال مصطلحات "شبه ماركسية" مثل مصطلحي: قوى الاستكبار مقابل المستضعفين، حيث تم قسم الشعب الايراني لا بل العالم أجمع الى فئتين متعارضتين الأولى تشكل الأغلبية المطلقة من الشعب الايراني ومن المسلمين في العالم وحتى من شعوب العالم بمجملة والتي هي فئة المستضعفين. في مقابل الفئة الحاكمة في ايران الشاة وحكام الدول الاسلامية الموالون لامريكا والولايات المتحدة نفسها والغرب الاستعماري واسرائيل. هذا التقسيم أدى كذلك الى انفتاح إيران ما بعد الثورة على دول وأنظمة هي ليست اسلامية ولكنها وضعت في خانة المستضعفين لمواجهتها دول الاستكبار. مثل كوبا وفنزويلا شافيز وكوريا الشمالية وغيرها.
الخميني رأى الأسلام بشكل شمولي. وهو اعتبره ليس مجرد دين للصلاة والصوم فقط وانما اعتبره أيديولوجيا شمولية ثورية. لا يكتمل الدين لديه الا اذا كان موجهاً ضد الاستعمار وقوى الاستكبار حتى أنه قال في كتابة الحكومة الاسلامية: " لو لم يكن لنا من شغل نحن المسلمين سوى الصلاة والدعاة والذكر، لما كان للمستعمرين والدول الجائرة المتحالفة معهم أي مشكلة معنا، فاذهبوا وأذنوا وصلَّوا ما شئتم، وليأتوا هم وليأخذوا ما يشاؤون..... فصّلوا ما شئتم، فهؤلاء إنما يريدون نفطكم، ولا شغل لهم بصلاتكم. انهم يريدون مناجمنا، يريدون بلدنا سوقاً لمنتجاتهم." (الخميني، 1979: 21-22).
هذه المقولة وهذه الفقرة بالذات هي النقطة والمفترق الذي جمع الخميني الى ماركسيين من جهة وهي هي التي أغرقت الغرب والحكام العرب ورجال الدين التقليديين في وحل الكراهية الكامله للخميني ولفكرة؛ وهي بيت القصيد في عداوة دول خليج النفط العربي ومجروراتها حتى من الأقلام "اليسارية" لهذا النظام، وليس مدى تقدمة أو رجعيته الاجتماعية أو موقفة الرجعي من حقوق المرأة وحرية الكلمة والحركة وما الى ذلك من الحريات (على أهميتها) التي ينعم بها مواطني البلاد العربية حتى "التخمة".
في خطاباته كان الخميني دائم التذكير والاستحضار لألقاب تاريخية ودينية قام بإلباسها لشخصيات القرن العشرين. وقد ساعد الشاة الايراني الخميني على ذلك حيث قام في السنوات الأخيرة لحكمة بتحضير احتفالية ال- 2500 عام من الحكم الملكي في ايران رابطاً نفسه بشكل مباشر الى الحكام والأباطرة الفرس ما قبل الاسلام وكذلك قام الشاه بتبني لقب "الشاهنشاه" (ملك الملوك) وهو ذات اللقب الذي قال النبي محمد عنه أنه أكره الألقاب على قلبة من قبل أكثر من 1400 عام. وكان الخميني دائم الاستحضار لمقولة النبي هذه.
في مقابل ذلك أطلق أتباع الخميني عليه لقب "الإمام" وهو اللقب الذي كان يقتصر على الأئمة المعصومين لدى الشيعة. ولكن لقدرة الخميني الكريزماتية ولتجديده في الفكر السياسي الشيعي تم اطلاق لقب "الإمام" علية (من دون القصد بأنه معصوم من وراء اللقب) وأمام شعب متدين مثل الشعب الايراني لم يكن هناك مجال للحياد في المعركة بين "الإمام" من جهة وبين "الشاهنشاة" أو "معاوية" من الجهة الأخرى.
(يتبع)
#عبد_كناعنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايران والثورة...عودٌ على بدء (2)
-
ايران والثورة... عود على بدء 1
-
هل ينجح اليسار الفلسطيني بأن يتحول الى بيضة القبان؟
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|