زهير المفتي والوطنية الاقتصادية

ابراهيم خليل العلاف

الحوار المتمدن-العدد: 2744 - 2009 / 8 / 20 - 09:42
المحور: سيرة ذاتية
    

حظيت الموصل خلال العصور الحديثة ، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، بنخبة من الوطنيين الاقتصاديين الذين استهدفوا الإسهام في بناء الاقتصاد بالاعتماد على الجهود الذاتية . وقد اتجه عدد من هؤلاء إلى الصناعة ، في حين اهتم الآخرون بالعمل المصرفي وكانت وجهة نظرهم تقول أن العراق لابد أن ينهض اقتصادياً ، من خلال إقامة منظومة زراعية صناعية تجارية واسعة النطاق وليس بالضرورة أن يكون إنشاء هذه المنظومة من قبل الدولة بل لابد أن يبذلوا جهوداً في هذا المجال ، وكانوا يرون أن استقلال العراق اقتصاديا لابد وان يترافق مع العملية السياسية .. ولعل من أبرز هؤلاء في بغداد نوري فتاح باشا وناجي الخضيري ومحمد حديد. وفي الموصل كان هناك مصطفى الصابونجي ومحمد نجيب الجادر وهاشم الحاج يونس .. وزهير المفتي وغيرهم .وزهير المفتي قد انتقل إلى رحمة الله في الخامس عشر من شهر كانون الثاني سنة 2007 ،وفي حينه حاولت الكتابة عنه ، لكن المادة الوثائقية لم تكن آنذاك متوفرة لدي ، فالرجل يستحق الاهتمام، ويستحق أن نذكر به الأجيال .. فهو من الرجال الذين عرفوا بالكفاءة ، والنزاهة ، والاستقامة ونظافة الكف طوال مدة خدمته التي قاربت أل (40) عاماً ، سواء كان ذلك في الدوائر الحكومية أو في غرفة التجارة أو الشركات التي كان عضوا في مجلس إدارتها .. ويقينا أن الموصل فقدت برحيله احد أبنائها من الذين خدموها في مجالات متعددة .
ولد محمد زهير احمد المفتي (زهير المفتي) في مدينة الموصل سنة 1933 وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها ،ثم سافر إلى بغداد للدخول في كلية التجارة والاقتصاد .. وتخرج فيها في العام الدراسي 1953 – 1954 .. وقد ابتدأ حياته الوظيفية محاسباً في مصرف الرهون ، ثم تدرج في وظائف المصرف الصناعي منذ سنة 1958 ، وحتى أن أصبح مديراً لهذا المصرف سنة 1964 .
ويعد المفتي احد مؤسسي مصرف الرهون ، حيث عمل فيه للمدة من 1954 وحتى سنة 1958 .
كان عضوا في غرفة تجارة الموصل ، ثم أصبح رئيساً للغرفة لعقدين من الزمن وذلك خلال فترة السبعينات من القرن الماضي .. كما شغل عضوية الهيئة الإدارية لشركة أخشاب الشمال ، وخاصة أبان السنوات الأولى لتأسيسها .. وساهم في تأسيس شركة الخازر ، وكان عضواً في مجلس إدارتها وكذلك في مجلس إدارة شركة المشروبات الغازية ..كما كان خبيراً في المجلس الزراعي الأعلى ، وخبيراً اقتصادياً في مجلس الشعب ( مجلس محافظة نينوى ) ، وخلال عمله في هذه المؤسسات قدم عشرات التقارير الصناعية والزراعية التي سعت للنهوض بتلك المؤسسات ..
عندما كانت غرفة تجارة الموصل تُصدر نشرتها ، والتي صدر عددها الأول في 11 أيار 1974 ، كان زهير المفتي عضواً في هيئة تحريرها إلى جانب كل من موفق علاوي ، وعبد الجواد ألنعيمي ، وعبد الغني العناز ، وربيع ألنعيمي .. وقد ترأس تحرير النشرة الأستاذ عبد المجيد النافوسي .. وقد اضطلع المفتي بمتابعة الأخبار الاقتصادية المحلية والعربية والعالمية ونشرها ..
وخلال العام 1974 عرفت الأستاذ زهير المفتي عندما كان مديراً للمصرف الصناعي فرع الموصل ، وكانت له جهوداً كبيرة من اجل النهوض بعمل هذا المصرف وستهيل تقديم ما يتطلبه الصناعيون من مستلزمات وخاصة في جوانب المساعدات والإعفاءات التي تقدمها الدولة لأصحاب المصانع ..
كان المفتي يرى أن إسهام القطاع الخاص في البرامج الاقتصادية عامة والصناعية خاصة أمر ضروري ومهم جداً .. وان على الدولة تشجيع هذا القطاع وتوفير سبل النجاح له باعتباره يؤدي مهامه الايجابية في بناء الاقتصاد الوطني .. وقد وضع المفتي خطة واضحة بشان مساعدة الرأسماليين الوطنيين عند انتقاءهم للمشاريع الصناعية الملائمة .. لذلك طور الآليات التي من شانها تسهيل حصول المستثمرين على ما يساعدهم في بناء مشاريعهم الصناعية وخاصة في مجال الإعفاءات من ضرائب الدخل والعقار والرسوم الكمر كية .. وقد شجع المفتي أصحاب المشاريع الصناعية في الموصل شراء قطع أراضي في المنطقة الصناعية وسهل إقراضهم 50% من قيمتها من المصرف الصناعي فضلا عن تقديم قروض مناسبة لهم لشراء المواد الأولية أو لملاقاة المصاريف اللازمة عند تشغيل المعمل وهذه تكون أما على شكل قروض اعتيادية مقسمة إلى أقساط سنوية مناسبة أو على شكل حساب جاري مدين أو خصم كمبيالات .. هذا إلى جانب قيام المصرف بتقديم خدمات أخرى كالتعاون مع القطاع الخاص لتأسيس شركات مختلطة أو دراسة مشاكل المعامل القائمة بغية تطويرها أو توسيعها .. كما يقوم بفتح الاعتمادات اللازمة للصناعيين لغرض استيراد المكائن والآلات والمواد الأولية وإصدار الكفالات المصرفية وفتح الحسابات الجارية .. وفي عهده كان المصرف الصناعي في الموصل يقبل بالكثير من الضمانات ومنها الكفالة المصرفية الصادرة من احد البناء والضمانات المنقولة (المكائن) والضمانات العقارية .
لقد عمل المفتي على زرع الثقة في نفوس الصناعيين الموصليين وذلك من خلال مواكبة الاتجاه نحو التصنيع فزاد المصرف في شبة التسليف لاستيراد المكائن عند التأسيس من 40% إلى 50% من قيمة المكائن ، وزيادة نسبة التسليف على المكائن المستوردة لأغراض التوسيع من 50% إلى 60% من قيمة المكائن وخفض سعر الفائدة في الموصل ، حيث أنها كانت تحتاج إلى صناعة متطورة من 6% إلى 4% وكان المصرف قبل تسلمه المسؤولية يسلف 50% من قيمة البناء المشيد للمعمل ..
ورغبة في مساعدة الصناعيين الموصليين للانتقال إلى المنطقة الصناعية ، فقد استحصل الموافقات اللازمة لتسليفهم 50% من قيمة الأرض ، و50% لغرض البناء .. وقد أعطى الصلاحيات الكافية للفروع للتقليص من الإجراءات الروتينية عند التسليف .
لقد أحب المفتي عمله ، وكان متفانياً في خدمة مدينته وبلده ، ويذر الجميع انه كان متواضعاً ، طيب السريرة ، يميل إلى فعل الخير ، ويسعى من اجله ، لذلك حظي بمحبة الكثيرين الذين عملوا معه أو عرفوه .. رحم الله المفتي وجزاه خيراً على كل ما قدمه .

أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل

#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات