|
عن الثقافة والمثقف....عربيا
محمد ريفلاند
الحوار المتمدن-العدد: 2744 - 2009 / 8 / 20 - 04:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد انهار ما قد نسميه البناء الثقافي الذي لم يكتمل بناءه بعد،و الذي بدت معالمه مع الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضي،بعد انهيار محاولة نهاية القرن19 و بداية القرن20.مثقفون كبار ساهموا في تشكيل وجه ثقافي عربي متقدم رغم كل التيارات المعادية داخليا و خارجيا .
لقد استطاع مفكرون كبار ان يؤسسوا اللبنات الأولى لوعي عربي متقدم مع بداية القرن العشرين مستعينين بميراث اقرنائهم الذين حاولوا ان ينهضوا بالثقافة العربية في اوآخر القرن 19 و بداية القرن 20، و كذلك الوعي الوطني و القومي المصاحب للإستعمار الى غاية خروج الجيوش الأجنبية من الدول العربية. هؤلاء المثقفون الكبار الذين عايشوا مرارة الإستعمار العسكري المباشر ، لم يتوقفوا عند حدود خروج هذه الجيوش بل بدأوا نضالا جديدا ، نضال مستميث ضد الدولة او النظام ما بعد الإستعمار العسكري و ذلك لتحقيق بمعية الجماهير ما ناضل من اجله اقرنائهم بمعية الجماهير كذلك بالأمس تحت ظلال الإستعمار العسكري، أي تحقيق الإستقلال و الحرية والكرامة..
لقد بدأت حركة هؤلاء المثقفين مع بداية النكبة و تأسيس اسرائيل من جهة و مع بداية خروج الجيوش الأجنبية و تثبيته لإستعمار جديد غير مسلح من جهة أخرى،..عموما كانت الحركة في الخمسينيات و الستينيات و تركزت اساسا في لبنان و مصر و فلسطين و المغرب و اليمن و الجزائر و سوريا و العراق...
حاول المثقفون في هذه الدول القيام بنهضة حقيقية و ملموسة في الوعي والفكر العربيين، كان عموما فكر وطني ، قومي ، يساري لعدة اعتبارات ذاتية وموضوعية بالخصوص، و قد ساهم في رسم وجه الفكر العربي لأربعة عقود،من الخمسينات حتى الثمانينات. لقد نجحوا في ترجيح و تقوية فكرهم فكر الحرية والكرامة على حساب و كفة فكر و اديولوجية النظام ، و كان ذلك بمجهود كبير و تضحية عظيمة . فرغم قيام النظام المثبت من طرف مستعمر الأمس بتجنيد ما يسمى بمثقفي البلاط و مثقفي المستعمر القديم و الجديد(مثقف عميل..مثقف بلاط....)،و كذلك تصفية واعتقال كل من يناوئ هذا الفكر ...
فقد كانت تلك العقود ، عقود كشفت حقيقة الإستقلال المزعوم ، الممنوح،كما كشفت و أزاحت القناع عن الحريصين و القيمين على مصالح البرجوازية عموما و مستعمر الأمس خصوصا.كانت عقود انكشاف قناع الإستعمار الجديد و ادواته المتمثلة اساسا في البورجوازية المحلية و كشف ما وراء الكواليس ...و اتضح كل شيء للجماهير.
لقد ادى أولائك المثقفون الثمن غاليا بمعية جماهير كثيرة في اعتقالات و اغتيالات و انتفاضات مقموعة بالحديد و النار في سبيل حرية و كرامة و استقلال الأرض الإنسان.
رغم ما حققه هؤلاء المثقفون بتضحياتم و بأعمالهم الجبارة مع الجماهير في العقود الأربعة فإن النظام العربي الرسمي انتصر في نهاية هذه العقود في نهاية الثمانينات و قضى ولو نسبيا(بنسبة كبيرة جدا)على فكر الإستقلال و الحرية والكرامة..لقد عرف النظام الرسمي بمساعدة الغرب و مستعمر الأمس كيف يدير الصراع و يرجح الكفة لفكره و اديولوجيته..
فمن ازيح بالقوة قد ازيح تماما ، و من تمت استمالته فقد اسقطوه في براثن الخيانة و العمالة.و الكثيرين الآخيرين تم تهجينهم في احزاب رجعية متواطئة و جمعيات على الورق.ومن انزوى في زاوية ضيقة تناسى و انسوه كل شيء.
و البقية الباقية فقد صعدت الى ابراج عالية و انسلخت عن واقع و جسم الجماهير و انكبت فقط على الملاحظة و الوصف من بعيد انهار كل شيء في سنوات قليلة ما بني في عقود ..
و لم يعد هناك مثقف عربي يعرف الشيء الكثير عن واقع الجماهير ( ليس مطلقا طبعا فلازال بعض الغيورين في الميدان)الا قلة قليلة تحاول النزول الى صفوف الجماهير..فقد اصبح كل من يريد ان يسمى مثقفا يكتب كتيبات معدودة خارجة سياق الجماهير...لا تخرج اي كلمة عن سياق مرسوم لها مسبقا في كواليس صناعة الثقافة
اما من يطلق العنان للقلم ينطلق ضد النظام و لو في انتقاد بسيط فيحاصر و يحارب و يضيق عليه...فقد اقتصر تقريبا هذا النوع من المفكرين المكافحين الصامدين على المجال الحقوقي والإعلامي خا صة الصحافة الورقية و الإلكترونية ، و جمعيات حقوق الإنسان و بعض من أطباء و اساتذة غيورين..
ان هؤلاء بأفكار و آمال المثقفين الكبار سابقا يعانون وان كانت هذه المعاناة خفيفة نوعا ما مقارنة ما قاسه اقرنائهم بالأمس..فالصحافة المكتوبة كثيرا ما تصادر كلمتها و كثيرا ما يحكم عليها بالإنقراض بشكل مباشر او غير مباشر... الجمعيات الفاعلة بقوة يضيق عليها و تتلقى تهديدات مباشرة او غير مباشرة بالشلل ...
و مقابل هؤلاء القلة هناك مثقفون او لنقل مثاقفون كثيرون و يزدادون كل يوم بدون حساب و لا رقيب..كثر عددهم في العقدين الأخيرين بشكل كبير جدا، مثاقفو الصالونات الفخمة،مثاقفو البلاط الجدد و المتحولين ، مثاقفو العمالة و المادة..
فإما تحرك هؤلاء جهات اجنبية للضغط على البلد المقصود لقاء مصالح متبادلة؛وإما يحرك هؤلاء لوبي البورجوازية الحاكمة ضد منتقدي الداخل و الخارج او هما معا.او يستخدم هؤلاء من طرف جهات خارجية بالتعاون مع البورجوازية الحاكمة ضد منتقدي الداخل او جهة خارجية اخرى او هما معا.او تنحوا او تم تنحيتهم عن دورهم الطبيعي مكتفين بثقافة بدون هدف سام..
اما النقابات التي كانت تلعب دورا محوريا في تحريك المجتمع و توعيته ؛ فلم تعد سوى نقابات للحكومات،نقابات للبورجوازيات الحاكمة عوض ان تكون كما كانت نقابة للعمال.لقد لعبت سابقا دورا رائعا و طبيعيا بالنظر لهويتها و جوهرها في تشكيل ثقافة عمالية متينة.اما الآن فإنها تزرع ثقافة التواطؤ و التخلي عن الحقوق الطبيعية للعمال.اصبحت مؤسسات للتبرجز و التسلق الطبقي و لم تعد تعنيها مشاكل و هموم عموم العمال.
في ما يخص الأحزاب و مثقفيها فقد ركنوا زاوية الخنوع و التواطؤ بعدما كانوا سباقون إلي توعية المجتمع بخطر الإستعمار و سعوا جاهدين الى محاربته.لكن ما أن منحوا سلطة الحكم حتى نسوا ذلك الشعب و صاروا ضد طمواحاته الى الحرية و الإستقلال و الكرامة..ان عرقلة تطور الوعي العربي يعود بشكل اساسي الى انقلاب هذه الأحزاب على برامجها و تطلعاتها و اديولوجيتها السابقة و استبدلت كل هذا بالتواطؤ مع البورجوازية المحلية و الأجنبية و تنفيذ مصالح الأخيرة في سبيل نصيب من الكعكة...
#محمد_ريفلاند (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يتبعون أسماكهم ... !
-
تامسينت : عنوان انتفاضة مستمرة
-
نيناناغ ... ماشا نشنين نزرا عاذ نتوارا / قالوا لنا...لكن نرى
...
-
تحنيط الريف : ابقاءه و إحضاره شكلا . و قتله و تغييبه مضمونا
-
جزيرة الجزيرة
-
الصراع السلطة الحرية
-
يا له من شخص؟؟(صاحبنا في الموضوع )
-
فن الخطاب
-
ايتها السيدة
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|