|
تأهيل الأئمة مدخل رئيسي لتأهيل الحقل الديني .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكدت الأحداث الذي عرفها المغرب منذ 16 مايو 2003 ــ تاريخ القيام بأول عمل تفجيري انتحاري على خلفية عقائدية ــ أن أمن الوطن واستقراره لا يتوقف فقط على الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية بمختلف مستوياتها ، والتي أبانت عن فاعلية حقيقية جنبت البلاد كوارث دامية ، بل يستدعي تضافر جهود علماء الدين والفقهاء الذين عليهم مسئولية حماية المواطنين من تفشي فتاوى التكفير وفقه البداوة وثقافة الدم والقتل باسم "الجهاد" . إن التواري خلف مواضيع الحيض والنفاس والافتقار إلى الجرأة الفقهية والأدبية لاقتحام أدغال التطرف وتطهيرها من الأضاليل والانحرافات العقدية التي تستغل وجدان الشباب واندفاعه الحماسي إلى الإصلاح والتغيير ، إن هذا التواري هو ما يلقي الشباب في مهالك التطرف ويشجع على تجنيدهم أدوات ضمن المخططات التخريبية التي تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تنفيذها. ولعل الرسالة التي وجهها الملك إلى أعضاء المجلس العلمي الأعلى بمناسبة انعقاد دورته العادية الأولى ، تضع العلماء أمام مسئوليات دينية ووطنية جسيمة لا تقتصر على تعليم الناس أمور دينهم ، ولكن أيضا وأساسا الرقي بالخطاب الديني وإدماجه في إستراتيجية الإصلاح والتحديث التي يتبناها الملك والقوى الديمقراطية . ذلك أن الرسالة الملكية حددت إطار وأهداف المجلس العلمي الأعلى كالتالي ( فإننا ما زلنا نؤكد على ضرورة إدماج الخطاب الديني، في صلب المشروع المجتمعي الذي نعمل جادين على إنجازه، لتحقيق التنمية البشرية المنشودة، ورفع تحدياتها واستشراف المستقبل، في ثقة وعزم واطمئنان. وهذا ما يتطلب جعل الخطاب الديني الذي توجهونه، توعية وإرشادا، قائما على الاجتهاد المقاصدي المبني على جلب المصالح، ودرء المفاسد، ومراعاة متغيرات الواقع، في التزام بأصول الدين الإسلامي الحنيف، ووسطيته وسماحته واعتداله ) . وما يؤكد أن الخطاب الديني لم يرق بعد لملامسة الأهداف المسطرة في الرسالة الملكية ، تردد المجلس العلمي الأعلى في التصدي بالفتوى للقضايا التي يزايد بها المتشددون ويتخذونها مناط التحدي وموضوع "المبارزة" ضد من ينعتونهم بـ"فقهاء السلطان" . ومن جملة القضايا التي تفرض على العلماء مناقشتها بخطاب ديني مقاصدي وتحديثي ، ما سبق وتضمنته الأسئلة التي وجهها شيوخ التطرف وأمراء الدم من داخل السجون المغربية دون أن تجد لها صدى لدى أعضاء المجالس العلمية وعموم الفقهاء والعلماء . بل إن سكوتهم عن الخوض في هذه القضايا لا يتناقض فقط والتوجيهات الملكية ، بل يوحي بالغلبة إلى تيار التشدد بكل تلاوينه . وهذا ما نلمسه من ردود عن الحوار الذي أجرته جريدة "التجديد" مع الدكتور محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى الذي لم يحدد بوضوح الموقف الفقهي من القروض والفوائد البنكية ، بل ترك الباب مفتوحا للتشكيك والتجريح كما جاء في مقال للسيد محمد بولوز تحت عنوان " هل لا يزال في مجلسنا العلمي الأعلى من يشك في أن " الفوائد " البنكية هي الربا المحرم؟" . والمسألة لا تحتاج كل هذا الالتفاف الذي ورد في جواب الدكتور يسف كالتالي (وقضية الفوائد البنكية الجاري بها العمل في المؤسسات المالية لم تكن في العصور الماضية وهي تختلف عن أنواع الربا المعروف ولذلك يحتاج الأمر فيها إلى إجماع علماء المسلمين بعد النظر فيها من كل الزوايا ولا يمكن البت فيها بشكل عشوائي وانفرادي..) التجديد 1/12/2008 . إذ الأمر أبسط من هذا لو تم الرجوع إلى فتاوى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية التابع إليه وكذلك فتوى شيخ الأزهر سيد طنطاوي الذي أسس رأيه على الحيثيات التالية كما جاء في جريدة "القبس" الكويتية 26-12- 2007 . وسيكون مفيدا التذكير به رغم طوله تعميما للفائدة ( إن التعامل مع البنوك من الأمور التي لم تكن موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضوان الله عليهم والخلفاء الراشدين، ولذلك فهي من الأمور التي فرضتها تطورات العصر. وأنا أرى أن التعامل مع هذه البنوك مباح شرعا ولا شيء فيه. .. يجوز شرعا لمن يودع أمواله في البنوك أن يحصل على نسبة فائدة نظير ذلك، فالفرد يضع أمواله ومدخراته في البنك ليكون وكيلا عنه في استثمارها وتشغيلها في المشروعات الاستثمارية مقابل نسبة من الربح التي تنتج عن هذه المشروعات.) . كما أوضح أن ( تراضي الطرفين وهما المودع والبنك على تحديد الربح ونسبة الفائدة مسبقا من الأمور المباحة شرعا وعقلا، حتى يعرف كل طرف حقه، فمن المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح مقدما إنما تحددها بعد دراسة عميقة ودقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع طبقا لظروف كل معاملة ونوعها ومتوسط أرباحها، وهذا بالطبع مباح شرعا ولا شيء فيه ولا يعد ربا لأن هذا أضمن لحقوق المودعين، لأنه قد يحقق البنك مكاسب كبيرة ويدعي الخسارة ليمنع نسبة الفائدة وحق المودعين من الوصول إليها .. في حالة خسارة البنوك في إحدى الصفقات أو المشروعات فإنها تربح في صفقات أخرى وبذلك تغطي الأرباح ما حدث من خسائر. وإذا كانت لجنة الفتوى في مجمع البحوث الإسلامية الذي أرأسه قد وضعت حدا لدرجة كبيرة لهذا الجدل الفقهي الذي دام سنوات، فإن رأي المجمع هو أن جميع المعاملات البنكية، سواء كانت محددة الفائدة مسبقا أو غير محددة، فإن ذلك حلال شرعا ولا شيء فيه مطلقا وليس من الربا مطلقا، ولكل مسلم الحق في اختيار البنك الذي يريد التعامل معه ونوع المعاملات التي يرغب في التعامل بها مع هذا البنك) . ونفس الرأي عبر عنه مفتي مصر السيد علي جمعة . ومن شأن توضيح موقف المجلس العلمي الأعلى من البنوك والاقتراض منها والفوائد المترتبة عنها ، من شأنه أن يطمئن المواطنين على تعاملاتهم ويغنيهم عن طلب الفتوى من دعاة الغلو والتشدد ، فضلا عن تيسير أمور الدين والدنيا لعموم المغاربة في الوطن ويجنب جاليتنا في المهجر مزالق الهلاك والخيبات من شر الفتاوى التي تسببت في تشريد العديد منهم لما حرّمت عليهم الاقتراض من البنوك لشراء منازلهم وألزمتهم بالكراء . علما أن الأقساط الشهرية في حالة الاقتراض عادة أدنى من سومة الكراء أو تعادلها . فقد تتبعت شخصيا فتوى من هذا النوع لشيخ وهابي على قناة "إقرأ" يجيب فيها عن سؤال لمهاجر مغاربي "هل يجوز له شرعا أن يقترض من البنك لشراء منزل يؤوي فيه أبناءه مقابل قسط شهري يساوي مبلغ الكراء" . فكان جواب الشيخ بالتحريم لأن شراء المنزل ليس من الضرورات التي تبيح المحظورات ، أما الأبناء فرزقهم على الله ولا داعي لينشغل الأب بمصيرهم بعد وفاته . إذن آن الأوان لينخرط المجلس العلمي الأعلى في إستراتيجية تجديد الخطاب الديني بما يجعله منفتحا على العصر ومسايرا للواقع في حركيته كما جاء في الرسالة الملكية إلى المشاركين في اللقاء الأول للمرشدات والعالمات والواعظات بالصخيرات) وفي هذا الإطار، ندعو إلى العمل على تجديد خطابها، والارتقاء بأدائها، ليواكب ما يشهده المجتمع المغربي من حركية، وما يعرفه من تطور فكري وثقافي، وما يعيشه العالم من تحولات متسارعة ).
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لما ينتقد الملك انتظارية الحكومة وسلبيتها .
-
البيجيديون وخطيئة الاحتماء بالأجنبي .
-
إستراتيجية تأهيل الأئمة ضرورة أم غاية ؟
-
هل ثقة الملك في الحكومة تحميها من كل تعديل أو إسقاط ؟
-
شهادة البكالوريا بوابة مفتوحة على المجهول .
-
هل فعلا لفظ الجلالة وتقبيل يد الملك هما ما يمنعان جماعة العد
...
-
فتاوى شيوخ التطرف دليل إدانتهم .
-
التحالف بين الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة يقتضيه المن
...
-
براءة شيوخ التطرف المفترى عليها .
-
ما الذي يمنع التحالف بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الأصالة والم
...
-
المغرب كان محصَّنا ضد المشرقيات وعليه أن يبقى
-
حتى لا يبقى المغرب حضنا لضلالات الوهابية ومخاطرها .
-
الجزائر وهوس الزعامة الإقليمية .
-
لوهابية تأكل أبناءها وتحاكم عقائدها .
-
أخطار المد الوهابي على وحدة الشعب واستقرار الوطن .
-
المد الوهابي والمد الشيعي فكا كماشة واحدة .
-
حزب العدالة والتنمية أية مصداقية ؟(2)
-
العدالة والتنمية أية مصداقية ؟(1)
-
إبداعات فقهية لتكريس شقاء المرأة واستغلالها.
-
لتكن إجراءات الدولة شاملة ومستمرة .
المزيد.....
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|