أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد يونس خالد - قراءة نقدية في كتاب ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ للمفكر الإسلامي د. محمد عمارة















المزيد.....


قراءة نقدية في كتاب ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ للمفكر الإسلامي د. محمد عمارة


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الناقد شخص يعرف معالم الطريق، لكنه لايستطيع قيادة السيارة ( كينبيت تينان).
كانت الأنامل الذهبية لموزانت تعزف على البيانو في عمر الخمس سنين، لكنه كان يعجز أن يأكل بالشوكة والسكين.

تمهيد
المفكر الإسلامي د. محمد عمارة أحد أشهر المفكرين الإسلاميين السنة في عصرنا الحديث. يعتبر مجددا في كثير من الأفكار الإسلامية، وهو محاور بارع وقدير في مجال تخصصه، وأحد أبرز الذين تصدوا لأعداء الإسلام. أقر أنني أقرأ كتاباته الفكرية، وأشك أنه كان مقتنعا بأفكاره حين كتب كتابه (التيار القومي الإسلامي)، لأن أغلب كتاباته اللاحقة لا تتفق مع أفكاره الواردة في هذا الكتاب.
كان الدكتورعمارة شيوعيا أمميا في شبابه، ثم تحول إلى الإسلام الحنيف، هداية من الله تعالى، فأصبح مع الأيام واحدا من أشهر مفكري الإسلام المعاصرين. إنضم إلى صفوف الإخوان المسلمين، ولكن بعد تدخل حزب الإخوان في مسيرته الإسلامية، ترك صفوفهم، وبدأ يكتب كمفكر إسلامي، فكانت كتاباته اللاحقة، بشكل عام، منهجية إلى درجة تبوأ مركز الصدارة في مجال الفكر والتأليف والنشر حتى بلغت مؤلفاته ما يقارب المئة في بضعة سنين. ويبدو أن التحول الفكري لهذا المفكر يحول بين فكره القومي الإسلامي المرفوض، وبين سماحة الإسلام ورفضه للقومية والعنف.

أشير هنا إلى وجهة نظر إمامين إثنين عن التصور الإسلامي، ليس من باب المقارنة مع موقف د. محمد عمارة مؤلف كتاب ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘، إنما من باب الموازنة بشكل يكون الموضوع أقرب إلى ذهن القارئ في إتخاذ موقف عقلاني للتمييز بين الإسلام عقيدة، وبين ممارسات بعض المفكرين وأئمة الدين في الواقع العملي.
أمامنا نموذج محمد متولي الشعراوي المتوفي عام 1998، الإمام والشاعر والمفكر المجدد الذي إحتجت عليه إسرائيل، وقالت عنه أمريكا ‘‘أسكتوا الشعراوي‘‘، عمل مع الإخوان المسلمين، ثم ترك العمل الحزبي بعد أن إطلع على خفايا العمل السياسي المتحزب، فأنكره وقال: ‘‘حين أجد شخصا يقول: أنا عايز أَحكم (الفتحة على الألِف) علشان أطبق الإسلام، أقول له أنت كذاب !!! قل أنا أريد أن أُحكَم (الضمة على الألف) بالإسلام أُصدقك !!! لكن أنك تحكم أنتَ بالإسلام ، لا ، لا تنفعني !!! ولهذا فأنا أقول وأنادي بأنه أريد أن أُحكَم بالإسلام (الضمة على الألف)، لماذا؟ لأن الذي يريد أن يتهافت على حكم دولة، نعرف أنه يريد خيرها لنفسه‘‘. (راجع: الشيخ الشعراوي من القرية الى القمة، ص 78).
أما عن وجهة نظر علماء الشيعة، فأكتفي هنا بالإشارة الى رأي أحد أبرزهم، وهو الإمام محمد مهدي شمس الدين الزعيم الروحي للشيعة ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، أو كان كذلك: إنه ‘‘يشدد على عدم جواز دخول الحركات الإسلامية الأصولية في لعبة السياسة والسلطة، وبالتالي عدم لجؤوئها إلى العنف كتعبير عن معارضتها لأي سبب من الأسباب، مشددا على أن إستراتيجية الصهيونية، وأدوات النظام العالمي الجديد هي زرع التفرقة والإقتتال في العالم الإسلام‘‘. (راجع: مجلة الوطن العربي، العدد 1029 ، 22 نوفمبر 1996 ، ص 4).

ويوضح باختصار هذه الحقيقة قائلا:‘‘العنف ممنوع كوسيلة للتعبير عن المعارضة السياسية. نصحتُ قيادة (حزب الله) بعدم دخول الانتخابات. أحذر من استخدام الحركات الإسلامية بشكل خفي من قبل قوى شريرة. ما يجري في الجزائر لايخدم الإسلام في شئ، بل تحول الى عصبية قاتلة‘‘. (راجع: مجلة الوطن العربي، المصدر نفسه، ص 5-7). وكلنا نرى صحة ماقاله، فما يجري اليوم في العراق بعد سقوط الطاغوت صدام وحزب البعث، من عمليات ارهابية باسم الإسلام خراب للإسلام، وتشويه للعقيدة الإسلامية.

‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ أكذوبة لإضطهاد الشعوب

نحن نفهم الإسلام كدين سماوي جاء لهداية الناس إلى الطريق القويم وعبادة الإنسان للرحمن. ولكننا لا نفهم الإسلام كتحزب مشرزم لعبادة الإنسان للإنسان. ولا نفهم الإسلام بالإرهاب وزهق الأرواح الأبرياء بأسم الدين الذي هو براء من ظلم الإنسان للإنسان. فالتلاعب بالمصطلحات وخداع الناس لا يؤدي إلى التعليم الحواري. وصدق التربوي فرايري في كتابه (تعليم المقهورين) قوله عن التعليم الحواري:
‘‘ليس الجدل العقيم الذي يمارسه بعض الناس إنما الوعي بالواقع الإنساني. فالإنسان عندما يتبين واقعه يدخل في حوار مع نفسه وزملائه وخصومه والعالم الذي يعيش فيه. هذه العلاقة الحوارية هي التي تخدم الوعي وهي التي تؤدي إلى التفاهم والحرية. وبالتالي تغيير العالم أي أن يحرر الإنسان من نفسه والقيود التي تتحكم فيه. والوعي يجب أن يقترن بالعمل. الوعي والعمل في مرحلة واحدة وليس في مرحلتين‘‘.

هل يأخذ بعض الناس من مراهقي الدراوشة الذين يلبسون أثواب الدين من المتورطين في معركة المصطلحات بالحوار التعليمي وهم في الوقت نفسه يأخذون بالسلاح والتكفير والقتل؟
لقد جاءوا بمصطلحات جديدة بعيدة عن أسلمة المجتمع، وهي تدخل في خانة التوجه القومي المتطرف تحت العمامة الإسلامية، ومصطلحات تصب في مستنقع العنف بأسم التحزب الديني، ومصطلحات تجري في جداول الدماء في ظل العمامة المزيفة من أجل الصراع على السلطان الدنيوي. كلمات جميلة، في حوار بعيد عن ما ذكرنا أعلاه: ‘‘الوعي والعمل في مرحلة واحدة وليس في مرحلتين‘‘. فنسمع اليوم مصطلحات مثل ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘، ‘‘أسلمة العلوم‘‘، ‘‘علمنة الإسلام‘‘، ‘‘أسلمة العلمنة‘‘، ‘‘أسلمة المعرفة‘‘ والخ.
من الصعب الدخول في تفاصيل هذه المصطلحات في قراءة نقدية هادئة كهذه التي نحن فيها. ولكنني أحاول أن أناقش مصطلحا من هذه المصطلحات، وهو مصطلح ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘. وأترك المصطلحات الأخرى إلى أن يشاء الله أن ندرسها في الوقت المناسب.
مصطلح ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ من إبتكار المفكر الإسلامي د. محمد عمارة الذي تحول من الأممية إلى العالمية، ثم عرج إلى التقوقع القومي تحت العمامة الإسلامية في فترة زمنية معينة. فجاء بما أسماه ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ وهو عنوان كتابه الذي طبع في دار الشروق لأول مرة عام 1997 بالقاهرة. يقع الكتاب في مئتي صفحة مدحا وتبجيلا لمؤسس البعث العربي الإشتراكي ميشيل عفلق، معتبرا إياه من رواد التيار القومي الإسلامي.

يقول المفكر الإسلامي د. محمد عمارة في ص 155 من كتابه (التيار القومي الإسلامي) مايلي:
‘‘والإسلام الحضاري هنا هو مجرد مكون من مكونات القومية يغذيها بتراثه الروحي، وهو متضمن فيها‘‘.
ويقول الدكتور عمارة مدافعا عن فكرة ميشيل عفلق، بعد إتساع مساحة الحديث عن الإسلام ما يلي:
‘‘فلقد أصبح الإسلام أكبر مكون من مكونات القومية العربية. أصبح أباها الذي ولدت منه ولادة جديدة، كما أصبح الإسلام الحضاري خيارا قائما بذاته ضمن خيارات النهضة الثلاثة، كما تحدث عنها ميشيل عفلق وهي: القومية، والتقدم، والإسلام الحضاري. لقد كانت العروبة في المرحلة الأولى هي الأصل، وكان الإسلام مجرد مُفصح عن رسالة الأمة العربية إبان ظهوره. وكانت القومية – وليس الإسلام – هي المُفصح عن رسالة الأمة في العصر الحديث. أما في المرحلة الثانية – مرحلة "الحقبة العراقية" في تطور ميشيل عفلق. فلقد تحدث عن الإسلام باعتباره الأب الشرعي للعروبة – وليس المُفصح عنها- وباعتباره المكون لها، وجوهر مشروعها النهضوي. بل وباعتباره وطن الأمة والسياج الحامي لوحدتها، في الماضي والحاضر والمستقبل على السواء. لقد أصبح دينا ، ووطننا ، ووطنية، وقومية، وحضارة، وثقافة، بل ومبرر الوجود للأمة العربية‘‘. (راجع: د. محمد عمارة، التيار القومي الإسلامي، ص155- 156 من الكتاب).

هنا نتساءل: هل هذا هو الإسلام الذي جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار؟
ماذا يقول مبدع التيار القومي الإسلامي عن مهزلة الحكم الفاشي البعثي الصدامي في العراق؟
كان ميشيل عفلق رائدا للفكر القومي الإسلامي طبقا لإبتكارات المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة. التيار الذي شق طريقه وعَبَر المراحل الأخرى في طريق التيار القومي الإسلامي المتشدد في العراق في عهد صدام حسين على هدى أفكار ميشيل عفلق إلى مرحلة المقابر الجماعية ودفن الاطفال العراقيين أحياء، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين الكرد في حلبجة الشهيدة، والشيعة من النساء والأطفال في مدن الجنوب العراقي التي لا تزال تنزف دما في الجبهة القومية الإسلامية وعمامة التيار القومي العفلقي الإسلامي.

ارتبط ميشيل عفلق ومن بعده صدام حسين الفكر القومي بالدين الإسلامي لإستخدام الدين في الممارسات الإرهابية وتشويهه وتصفيته. فبينما اعتبر موسوليني بأن ‘‘الفاشية هي مفهوم ديني‘‘ (حين يسئ استخدام الدين)، فإن عفلق جعل الإسلام تغطية لتحقيق الهدف.
يقول عفلق: ‘‘إن الفضل في نشوء حركة البعث يعود إلى إكتشافنا للإسلام‘‘. وبيت القصيد هنا أنه كشف الإسلام لمخاطبة شعور المسلمين كوسيلة ديماجوجية لتحقيق غاية حزب البعث العراقي. وهذا ما فعله صدام حسين بإطلاق أسماء إسلامية على حملات الإبادة الجماعية ضد الشيعة في الجنوب، وضد إيران في حربها التي دامت ثماني سنوات بأسم ‘‘قادسية صدام‘‘ وضد الكويت بأسم ‘‘أم المعارك‘‘، وضد الشعب الكردي بأسم ‘‘الأنفال‘‘ وهو أسم لسورة في القرآن الكريم، وهي سورة مدنية رقم 8 وتبدأ ب الآية التالية:
((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ))
وجعل نظام البعث البائد الحرب على الشيعة والكرد من اوليات مهمه. (ينظر: التقرير السري في ملحق هذه القراءة).

أقتبس ما طرحه المفكر العربي (الدكتور محمد عابد الجابري) هذا السؤال: (مَن هو العربي)؟ للتأكيد على صحة قراءتي النقدية. يقول (المفكر الجابري) بصدد فكرة العرب والعروبة في المرجعية التراثية، (مسألة الهوية): ‘‘إن البنية المعرفية الخاصة بالمرجعية التراثية بجعلها (العرب) مفهوما ينتمي إلى الماضي أكثر من انتمائه لحاضر الإسلام، في أي عصر من عصوره، تقدم الأمور بصورة توحي بأن مفهوم (المسلمين) قد حلَّ محل مفهوم العرب، قد تجاوزه واحتواه ليصبح وحده الحقيقة الحاضرة حضورا أبديا‘‘. (راجع: د. محمد عابد الجابري، مسألة الهوية، ص29).

أرجع إلى (الدكتور محمد عمارة) في كتابه ‘‘التيار القومي الاسلامي‘‘ وتحليله لأفكار هذا التيار العروبي في موضوع: ‘‘أيهما أولاً .. العروبة؟ أم الإسلام؟‘‘.
قال الدكتور محمد عمارة:
‘‘أن الرجل كان يرى في العقود التي سبقت عقد السبعينات انفراد القومية وحدها كمحرك للأمة العربية نحو الثورة والنهوض. والإسلام الحضاري هنا هو مجرد مكون من مكونات القومية يغذيها بتراثه الروحي، وهو متضمن فيها. أما منذ عقد السبعينات وبعد إتساع مساحة الحديث عن الإسلام في مشروعه الحضاري، فلقد أصبح الإسلام أكبر مكون من مكونات القومية العربية. أصبح أباها الذي ولدت منه ولادة جديدية‘‘. (راجع: محمد عمارة، نفس المصدر، ص 155).
ويقول الدكتور (محمد عمارة) ما يمثل فكر (ميشيل عفلق) في سنين عمره الأخيرة:
‘‘ومن أجل قوميتنا، ولكي تكون صحيحة وصادقة ومكتملة الجوانب والأبعاد الروحية والأخلاقية والحضارية، نظرنا إلى أعماق هذه القومية وإلى جذورها والينابيع التي تنهل منها، فوجدنا الإسلام أهم وأعمق حقيقة في تكوينها وأنه روحها وأفقها الأخلاقي والإنساني‘‘. (راجع: نفس المصدر، ص 178).

يبدو أن ميشيل عفلق يريد أن يتغاضى الطرف من أن أبرز مؤسسي ومنظري القومية العربية هم من العلمانيين المسيحيين اللبنانيين أمثال شبلي الشميل، ونصيف اليازجي ويعقوب صروف وغيرهم من طلاب المدرسة اليسوعية الأنكليزية، ومن بعدها الجامعة الأمريكية، مطالبين بضرورة فصل السياسة عن الدين تحت شعار ‘‘الدين لله والوطن للجميع‘‘، وهو الشعار المرفوع من قبل الجميع في الوقت الحاضر. أما ما طرحه ميشيل عفلق، وما كتبه د. محمد عمارة، ليس أكثر من دعاية حزبية سياسية لخداع العرب والمسلمين على حد سواء، ولاضطهاد الأقليات العراقية تحت مظلة الإسلام ، والإسلام بريئ من الظلم والعدوان.

إذن التطور الجديد الذي حدث بالنسبة للقومجيين العروبيين، هو ‘‘أن العروبة هو الأسلام‘‘، بل أن (عفلق) يشدد كما نقله الدكتور (عمارة):‘‘العروبة وجدت قبل الإسلام‘‘. وينقل الدكتور عمارة بصراحة متناهية العبارة التالية:
‘‘فالوطنية هي العروبة بعينها، والعروبة – هي الإسلام في جوهره‘‘.

هل نشكو ونصرخ: أيها الكرد والتركمان والكلدو آشور والأيزيديون ووو أتركوا العراق لأنكم لستم عروبيين، ومَن لم يكن عروبيا ليس وطنيا، ومَن لم يكن وطنيا ليس عراقيا بهذا المفهوم العروبي. أخرجوا من العراق ‘‘لأن العروبة هو الإسلام‘‘ولأن ‘‘الوطنية هي العروبة بعينها، والعروبة – هي الإسلام في جوهره‘‘ . هكذا يقول ميشيل عفلق، وهكذا قرأنا في كتاب ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘.

عندما نحلل أسطورة (عفلق) نجد أنها تفتقد للمصداقية والمنهجية، لأن العروبة رابطة عرق ودم أما الإسلام فعقيدة ونظام حياة، فالإسلام ليس دينا قوميا محصورا للعرب وحدهم. وتقول الأية القرآنية الكريمة: ((وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)). (سورة الأنبياء/ آية 107). فأين العروبة في هذه الآية؟ أين القومية في هذه الآية؟ ورسيول الله صلى الله عليه وآله قال عن القبلية ‘‘دعوها إنها نتنة‘‘. إنها القبلية التي تطورت إلى القومية بالمفهوم الأوربي أولا، ثم بالمفهوم الشرقي بعد الحرب العالمية الأولى ثانيا.

وأشاد الشيخ الراحل إبن باز إلى إشكالية القومية في معرض التضاد بين الفكر القومي والفكر الإسلامي بالشكل التالي:
‘‘ومن زعم من دعاة القومية أن الدين من عناصرها، فقد فرض أخطاء على القوميين، وقال عليهم ما لم يقولوا لأن الدين يخالف أسسهم التي بنوا القومية عليها، ويخالف صريح كلامهم ويباين ما يقصدونه من تكتيل العرب، على اختلاف أديانهم تحت راية القومية. ولهذا تجد من يجعل الدين من عناصر القومية يتناقض في كلامه، فيثبته تارة وينفيه أخرى، وما ذلك إلا أنه لم يقله عن عقيدة وإيمان، وإنما قاله مجاملة لأهل الإسلام، أو عن جهل بحقيقة القومية وهدفها، وهكذا قول من قال: إنها تخدم الإسلام أو تسانده، وكل ذلك بعيد عن الحقيقة والواقع، وإنما الحقيقة
أنها تنافس الإسلام وتحاربه في عقر داره، وتطلي ببعض خصائصه ترويجاً لها وتلبيساً أو جهلاً وتقليداً‘‘. (راجع: إبن باز، كتاب التوحيد، ص 134- 135).

أقتبس ما أجاد الأستاذ (فتحي يكن) ما يلي:
‘‘أما العرب فلم يكن لهم أسم جامع أو تعبير قومي يعرفون به قبل الإسلام ... يتأكد لنا من استعراض التاريخ
الجاهلي انعدام الشعور لدى سكان الجزيرة بأنهم أبناء قومية واحدة، وأن العروبة قاسمهم المشترك على صعيد الجنس واللغة والمصالح المشتركة‘‘. (راجع: فتحي يكن، حركات ومذاهب في ميزان الإسلام، مؤسسة الرسالة، ص 102).

أرجع مرة اخرى إلى ما كتبه الدكتور محمد عمارة مايلي:
‘‘والإسلام الحضاري هنا هو مجرد مكون من مكونات القومية يغذيها بتراثه الروحي، وهو متضمن فيها‘‘. (راجع: محمد عمارة، التيار القومي الإسلامي، ص 155).
وأتساءل، ومن حقي أن أتساءل، وألح أن أتساءل، أي إسلام حضاري هذا الذي تبناه نظام البعث العراقي البائد في شن حملات الأنفال على الشعب الكردي عامي 1987-1988 بحرق حوالي أربعة ألاف قرية كردستانية وقتل حوالي 180 ألف كردي من أطفال ونساء وشيوخ وشباب. وكان الغرض من استخدام البعث الصدامي أسم الأنفال هو لتشويه صورة الإسلام، والإسلام من كل ذلك براء. فانظروا إلى أي درجة من الإنحطاط الفكري كان يعيش فيه البعث العراقي وصدام حسين، حين جعل قتل الكرد ونهب ممتملكاتهم أنفالا، وكلمة أنفال تعني (الغنائم).

الإسلام الحنيف الذي هو دين الوحدانية والسماحة والعدالة والمساواة، وهو الدين الذي رضي الله تعالى للمسلمين في كافة ارجاء المعمورة، ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)) (سورة المائدة/آية 3)، جعله البعث العفلقي أداة لخدمة الفكر البعثي ولسحق المسحوقين. فبإسم الإسلام شكل البعث الصدامي تشكيلات من المرتزقة الكرد بأسم ‘‘فرسان صلاح الدين‘‘ لتشويه أسم القائد الكردي المسلم المجاهد صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس الشريف، وهو القائل لقياداته، حين سألوه: أيها الناصر صلاح الدين، مالنا نراك عابس الوجه متجهما ورسول الله كان لا يُرى إلاّ باسم الثغر. أجاب أتريدونني أن أبتسم ومسجد الأقصى يحتله أعداء الله. لا والله لا أبتسم حتى أحرره أو أهلك دونه. (راجع التفاصيل: د. محمد التيجاني السماوي، ثم اهتديت، ص26).

لجأ النظام البائد بتشكيل مرتزقة عرب أيضا بأسم ‘‘فرسان خالد بن الوليد‘‘ لتشويه أسم الصحابي الجليل خالد بن الوليد، وإستخدام هؤلاء المرتزقة للقتل والنهب والسلب وحرق القرى. وفي كل ذلك فلا لوم على الإسلام ، فالإسلام براء من القتل والتهجير والمجازر الجماعية، ولكن المنافقين يحاولون عبر الأزمان تشويه أسم وصورة الإسلام لأغراض دنيوية. وهذا ما شجع المظلومين من كرد وشيعة عرب وكرد أن يجدوا لهم طرقا أخرى يلتمسونها ويسلكونها من أجل البقاء والحرية . فلا لوم على المظلومين أن يستنجدوا بمَن يحميهم ، طبقا للمقولة المعروفة ‘‘كافر عادل خير من مسلم جائر‘‘ ، والحديث النبوي يقول ‘‘عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة‘‘. وكان حقا على رسول الله صلى الله عليه وآله: الكفر يدوم والظلم لا يدوم . وبشر القاتل بالقتل. والله لا يهدي القوم الظالمين.

وأخيرا، أعتز أن أكون من المؤمنين برسالة الوحدانية التي رفعها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار، ولكنني أرفض أن يحاول البعض تشويه الإسلام وتفريغه من محتواه الإلهي وعدالته ودعوته للسلام والهداية. نحن البشر لم نُخلق لنحارب الله بل لنؤمن به تعالى، وقد منحنا الله جل عُلاه العقل لننقد ونعبر عن ما ينبغي أن نفعل لخيرنا في الدنيا والآخرة بعيدا عن الديماجوجية وورطة المصطلحات والتحزب الديني وتجارة الدم من أجل السلطان.

ملحق للتاريخ:
مقتطفات من التقرير السري للقيادة القطرية لحزب البعث االعربي الإشتراكي العراقي الداعي لإبادة الشيعة والكرد:
نظرا لطول هذا التقرير أقتطف منه المقدمة التالية:
‘‘وقد خصت القيادة منذ وقت مبكر يمتد إلى عام 1972 بأن أهم مخبأين لقوى مضادات الثورة في العراق وعلى وقت طويل نسبيا هما:
1. الغطاء الديني
2. القضية الكردية
وقد وضعتها القيادة في جانب القوى المضادة هكذا وحسب التسلسل (القضية الدينية، وثم القضية الكردية).
وقد استخدمت القوى المضادة هذين المخبأين في أكثر من مناسبة، ولكن همة مناضلي الحزب وحصانتهم المبدئية وتضحياتهم الباسلة كانت تقف بوجه تلك المحاولات كالجدار الصلد الذي تتحطم عليه سهام الضربات الخبيثة واللئيمة. ومع كل هذا فإن القوى المضادة لم تشأ من إمكانية ما تستخرجه من نتائج من هاتين القضيتين مجتمعتين وفي آن واحد أو متفرقتين حسب معطيات كل مرحلة من مراحل الزمن التي مرت بها الثورة، وتنهك قواها من خلال هذين المخبأين تمهيدا لإسقاطها كما تحلم هذه القوى بعد أن فشلت كل وسائلها الفنية الخبيثة التي استخدمتها منذ ابثاق الثورة وحتى الآن.
لقد تصورت القوى المضادة من حساباتها المتيسرة أن الجو مهيأ لتحريك مخابئها من خلال الأغطية الدينية متخذة من الوضع الجديد في إيران المعادي للثورة كالأنظمة الأخرى، وواقعة مرة أخرى في مهاوي التقديرات المخطئة لقوى الثورة ومبدئية البعثيين ... لذلك بدأت تُحرِك قواها من الخونة وكلابها السائبة مرة أخرى.

أيها البعثيون في كل مكان إلى :
التصدي الحازم بمبادراتكم الذاتية لكل فعل مضاد مهما كان لونه أو نوعه، وقمعه بالعصي والهراوات إذا كان لا يستخدم الأسلحة، والتصدي بالسلاح لمن يشهر السلاح بوجهكم، وإبادة أي مجموعة مسلحة إذا كان تسليحها جماعي واستخدامها للسلاح الجماعي. وأن يكون الرفيق عضو القيادة القطرية في كل مكتب مسؤولا عن إعطاء التوجيه ورسم الخطط للطوارئ المقتضية ضمن دائرة منطقته، وأن ينوب عنه ويعاونه نواب المسؤولين للفروع وأعضاء (الفروع والشُعَب) غير المرتبطة بالفروع في كل محافظة. وأن يبادروا في مواجهة الحالة بشكل فوري، وكذلك يفعل الرفاق أعضاء القيادات الأخرى وصولا إلى قيادة الفرقة عندما تستوجب الحالة المبادرة، والتصدي الفوري للفعل المضاد في وقت يقدر المسؤول احتمال تأخر رد الفعل للقيادة في التسلسل الأعلى على تبليغ القيادات حسب التسلسل وصولا إلى القيادة القطرية عبر الهاتف ووسائل اإتصال السريع... ينبغي أن تتذرعوا بالصبر المحسوب لكي تجبروا عدوكم أن يخرج من خنادقه إلى الألرض المكشوفة... أن ينزع الأقنعة عن وجههه لكي يراه كل الشعب على حقيقته، ولكي تصبح كل البنادق قادرة على تأدية مهمتها تجاهه بيُسر لكي تصيب منه مقتلا. ينبغي أن تحسبوا بتأني أي تصرف تقومون به تجاه القوى المضادة، لكي تجَردوها من أي احتمال لتعاطف الشعب معها... إن التأني والصبر الذي ندعوا إليه ليس ضد الثورية الذراع القوية من التصدي للعملاء، إذ أن هذا قد ورد في تعليماتنا وتوجيهاتنا كما في النقطة الأولى، ولكننا ندعوا إلى التأني الذي يوفر لكم أوسع الفرص وأفضلها لكي تسحقوا بلا رحمة أولئك العملاء في الوقت الذي يكون الشعب معكم وليس معهم، ومع كل هذا فإن خطأ غير متعمد لا يُقاس بتردد متعمد‘‘.
التوقيع
القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي/ حزيران 1979







#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الثقافة وأزمة المثقف العراقي والبؤس الاجتماعي
- اليتيم
- بغدادُ العَفةُ في روحكِ والكُلُّ يُريدُكِ
- الديمقراطية والخبز - أيهما اختياره أولا؟
- لنتعظ من التاريخ حتى لا تتكرر المأساة بعد سقوط الصنم
- محاضرة مفتوحة بعنوان ‘‘نظرة في الاتجاهات والأساليب النقدية‘‘
- محاضرة عن ‘‘فرضية طه حسين حول الشعر الجاهلي والتحقق من منهجه ...
- يا غزة أصرخ لألمك ولا أستكين!!
- هل يغيب النقد لصالح سلطة النقد أو لصالح الشاعر نفسه؟ قراءة ن ...
- تفاوت القيم الثقافية الوطنية وآليات العقل الأوربي المؤثرة في ...
- هل نقرأ بوعي تاريخ الأدب العربي؟ قراءة نقدية
- حوار مع الناقد والإعلامي الفلسطيني نبيل عودة في بحثه -حتى يج ...
- أسمع محمود درويش يهمس في أذني
- استراتيجية حركات المجتمع المدني في العراق ودورها في البناء و ...
- حب كبير في عينيك
- تفكير في زمن النسيان – لقاء مع الفقيد الكاتب ناجي عقراوي
- زواج المسيار الإسرائيلي التركي وعدائهما للعراق والكرد بمبارك ...
- الخطوط التي تحكم التركيبة التركية في هويتها الثقافية المتباي ...
- لم تبق لي منها إلاّ الذكريات
- نحو مجتمع مدني ديمقراطي لكل العراقيين القسم الثاني


المزيد.....




- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد يونس خالد - قراءة نقدية في كتاب ‘‘التيار القومي الإسلامي‘‘ للمفكر الإسلامي د. محمد عمارة