عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 08:09
المحور:
القضية الفلسطينية
هذا الوضع القائم قلّما يؤول إلى ترشيد تنظيم الأمور. إلحاق الهزيمة بالاحتلال العسكري يتطلب نفس القدر من المقاومة، تصميم دؤوب للحركة الوطنية، وعزيمة قوية على إنجاز التحرير بأي ثمن وبأية وسيلة. هذا هو القانون غير المدون الذي يحكم ويحمي نجاح مشاريع التحرير الوطني عبر التاريخ. وعلى أي حال، فإن القائمين على حركة فتح في ظل رئيس السلطة التنفيذية- محمود عباس- يبغون تغيير هذا القانون.. اجتماعات مع الاستعمار الإسرائيلي في سياق "براغماتية" غير محدودة.. العنف الشديد المستمر (ضد الفلسطينيين).. تصريحات صحفية "معتدلة" مليئة بإخفاء الحقائق.. وعزم إسرائيل المستمر على سحق التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني، في ظروف الانقسامات الفئوية، العشائرية، السياسية والانقسامات الداخلية.
وبالفعل، فإن تأخر مؤتمر فتح لفترة طويلة وانعقاده في بيت لحم (4 آب/ أغسطس الجاري) جاء ليؤكد ما يعرفه الجميع: اجتماع الحركة بصورة شاملة كان يعني بالضبط ضمان الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولكن فيما إذا تجسدت الحصيلة في أي شيء، فإنها ستستمر في تعطيل المشروع الوطني الفلسطيني. وهذا الأمر يأتي في وقت يتمثل في أن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة إلى: الاستجابة الجماعية وبالقوة الكافية لتحمل (ومقاومة) الضغط العسكري الإسرائيلي والقهر في الداخل، علاوة على تحقيق التواصل باتجاه النشر الواسع لرسالة الفلسطينيين إلى الجمهور العالمي لتعبئة الدعم الدولي والتعاطف مع الشعب الفلسطيني لصالح تحقيق حريته واستقلاله.
لكن ما شاهدناه في بيت لحم هو مظهر غريب للشقاق والسعي الذاتي self-seeking، وفرض الذاتself-imposed بين النخب المتنافسة للحصول على ألقاب خاوية empty titles، مواقع وظيفية جوفاء worthless positions، ومقامات فارغة hollow prestige. بدأت المهزلة عندما تمت دعوة أعداد إضافية بالمئات من المندوبين للمشاركة في توزيع المناصب الانتخابية المتضخمة أصلاً للمنظمة، على أمل أن وجودهم من شأنه أن يُعزز موقف قادة هذه الفصائل أو تلك. وتمثّل المظهر الشاذ في تحديد مكان الاجتماع- بيت لحم المحتلة (كحال بقية الوطن الفلسطيني).. مندوبوا حركة "المقاومة" من المفترض، في هذه الحالة، أنهم قد اجتازوا نقاط التفتيش الإسرائيلية للوصول إلى مكان الاجتماع، وليتحدثوا عن الثورة الوهمية والمقاومة الصورية، باستثناء أعضاء من فتح لم يستطيعوا اجتياز الحواجز الإسرائيلية، وهؤلاء ربما لم يكونوا ثوريين بما فيه الكفاية من وجهة النظر الإسرائيلية!!
ثم بدأ العرض.. كان الأمل أن يُجسّد المؤتمر ولو ذرة من الكبرباء iota of prideالوطني بالعلاقة مع حقيقة أن المندوبين لم يكونوا مشاركين في مؤتمر حزبي على شاكلة الأحزاب الحاكمة في المنطقة. لكن الأمور سارت في سياق خداع النفس self-deceiving.. المناقشات الساخنة التي تطورت إلى مبارات في الصراخ screaming matches، كانت ذات أهمية ضحلة لقضية النضال الوطني والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. لم تلتفت هذه المناقشات لكارثة غزّة، ولا لمعضلة اللاجئين، ولا لمناقشة أفضل وسيلة لحشد التضامن الدولي.. هذه المثالب التي أثارت حنق الكثيرين من المخلصين والحريصين.. دارت المناقشات في معظمها حول الخلافات الشخصية بين ما يُسمّى بمحاولة الجيل الجديد تحقيق تمثيل أكبر في الحركة المتضمنة 21 عضواً في اللجنة المركزية و 120 عضواً في المجلس الثوري وبين ما يُسمى بالحرس القديم..
تقارير إخبارية عديدة حذفت الكثير من المعلومات المتعلقة بالاضطرابات الحاصلة في حركة فتح في سياق معلومات ناقصة تحتوي على أنصاف الحقائق.. البربرة (الثرثرة غير المفهومة) gibberish بالعلاقة مع فتح "المعتدل" moderate أُعيد تدويرها مرة أخرى في مواجهة حماس "المتطرف" extremist- عنف حماس تجاه استثمار "عملية السلام".. بين هؤلاء ممن يُريدون العيش بسلام، جنباً إلى جنب مع إسرائيل وبين مَنْ يُريدون إبادة "الدولة" اليهودية (الصهيونية العنصرية).
"والآن، الشعب الفلسطيني- مثل الإسرائيليين والجهات الدولية الداعمة لحركة فتح- ينتظرون رؤية النتائج،" حسب تقرير نيويورك تايمز.. هذا صحيح، لكن انتظار الفلسطينيين يكمن في أسباب مختلفة.
فتح تغيرت عبْر السنين. بدأت في الخمسنات والستينات، مجسّدة حركة مقاومة تضم أعضاء لديهم مقاصدهم الواضحة، ومعظمهم من الطلاب والمهنيين الشباب. القيادة الشابة لديها دوافع تُحركها عوامل متباينة، وأكثرالعوامل ارتبطت بمعضلة اللاجئين، غياب القيادة الفلسطينية المستقلة وفشل الحكومات العربية تنفيذ تعهداتها باتجاه تحرير فلسطين.. كانت المقاومة، في الواقع، جوهر برنامج حركة فتح باتجاه تحرير الوطن الفلسطيني.
كتب أحد مؤسسي حركة فتح: "لم تكن تجارب وأخطاء أسلافنا، فقط، التي ساعدت على توجيه أولى خطواتنا، بل أن حرب العصابات في الجزائر التي استمرت على مدى خمس سنوات قبل تأسيس حركة فتح، كان لها كذلك تأثيرها الضخم علينا.. الثورة الجزائرية خلقت لدينا انطباعاً impressed قوياً بقدرة الوطنيين الجزائريين تشكيل جبهة صلدة لشن الحرب ضد جيش يفوقهم ألف مرة، والحصول على أشكال عديدة لمساعدات من الحكومات العربية، وفي نفس الوقت نجحوا في تحاشي التبعية dependent لأي منها."
على مر السنين، سواء من منطلق الضرورة العسكرية، الانقسامات الداخلية، أو أية عوامل أخرى، فقد نشأت فتح في بوتقة تضم ثوريين رومانسيين romantic revolutionaries وشعراء، نخبة ثرية وسياسيون مراوغون shifty politicians. كان توازناً غريباً، ولكن مع ذلك فهو توازن، منح الأمل للفلسطينيين من المرتابين والنزاعين للشك suspicious بأن العناصر الثورية في فتح يمكن أن يُهيمنوا على الحركة. ولكن بعد توقيع ياسر عرفات معاهدة اوسلو العام 1993، فقد فاز أصحاب الملايين وحلفاؤهم السياسيون المشكوك فيهم dubious، وحولوا فتح إلى شركة عملاقة giant company تُغذي باستمرار اللهجة الفارغة "السلام" والتي تمولها الجهات الدولية المانحة، وتحالفوا مع إسرائيل للحفاظ على مكاسبهم، وإن كانت تافهة..
ذاك هو "سبب انتظار الفلسطينيين" على أمل أن تعود حركة فتح مرة أخرى لمبادئها التي قامت عليها، في إطار مشروعه الوطني المتماسك والذي ينص على وحدة ووضوح الهدف. وهذا لا يعني أن الفلسطينيين كانوا متعطشين لمقاومة عنيفة وتواقين eager لتفجير الوضع، بل تطلعوا أن تعود حركة فتح مرة أخرى إلى تبني المقاومة فكراً، وثقافة، بكل مظاهرها، مدفوعة بحسب الضرورة. أرادوا أن تعود حركة فتح إلى الوراء بإلتزام الأساسيات الخاصة لنضال شعبها، بدلاً من النبرة الخيانية quisling rhetoric التي حوّلت فلسطين إلى مجموعة قبائل سياسية كل منها مسلّحة بأخبار المنظمات الدولية غير الحكومية المتخصصة بالمساعدات "الإنسانية" NGO’s، وحسابات مصرفية متضخمة في مختلف العواصم الأوربية.
يحتاج المرء هنا إلى أن يشجب decry هذه الحالة المشينة في تاريخ حركة الكفاح الوطني الفلسطيني، ولكن على المرء أن يتذكر أيضاً بأن التاريخ يُعيد نفسه.. (على شكل مهزلة/ ماركس).. إن تعثر حركة فتح بعد أن أُنشأت ابتداءً لتجسد تطلعات اللاجئين الفلسطينيين المسحوقين، تواجه الأن نفس "الحتمية" التاريخية الني انعكست في فشل حركات وطنية أخرى عبر التاريخ.. من هنا، إذا فشلت في إصلاح ذاتها لتعود حركة تحرير وطنية حقيقية، مظلّة جامعة توحد كل جانب من جوانب المجتمع الفلسطيني، عندئذ فسرعان ما ستنتهي إلى انقسامات، وفي نهاية المطاف إلى الذوبان فعلاً، إذا لم تنته إلى الاضمحلال والتلاشي disappear التام. لكن التحدي الحقيقي سيبقى سواء تعلم هؤلاء ممن سيحملون الشعلة من "تجارب وأخطاء الماضي لأسلافهم." أم لم يتعلموا.. فـ ..الزمن سيقول كلمته..
ممممممممممممممممممممممممممـ
Fatah: A New Beginning or an Imminent End?By Ramzy Baroud,uruknet.info, August 13, 2009.
- Ramzy Baroud (www.ramzybaroud.net) is an author of several books and editor of PalestineChronicle.com. His work has been published in many newspapers, journals and anthologies around the world. His latest book is, "The Second Palestinian Intifada: A Chronicle of a People s Struggle" (Pluto Press, London), and his forthcoming book is, "My Father Was a Freedom Fighter: Gaza’s Untold Story" (Pluto Press, London), which is now available for pre-orders at Amazon.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟