|
عداء لافت
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2740 - 2009 / 8 / 16 - 10:11
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ما إن تثار تهمة أو شبهة ما حول مسؤول أو موظف رسمي وفي مختلف مفاصل الدولة السياسية والامنية والادارية حتى تجد إن الشعور العام أو موقف عامة الناس يتجه الى تأييد الشبهة أو التهمة بل وتحويلها الى حقيقة يستشهد بها وتؤرشفها الذاكرة الجمعية وتتحول الشبهة أو التهمة الى إدانة مباشرة لا تحتاج الى أدلة وبراهين حتى لو جاءت التهمة في سياق الجدل السياسي والمناورات الانتخابية، وهذا الموقف العام لا يقتصر على حزب أو شخص أو طائفة أو مستوى من المسؤولية ولا على مرحلة سياسية معينة، بل هو الموقف المعتاد من عامة الناس تجاه الساسة في العراق عبر مراحل وحقب تاريخ الدولة العراقية. لا يمكن وصف موقف العامة تجاه النخبة السياسية بغير "العداء" وهو عداء لا يقتصر توجيهه على الاشخاص بل يمتد الى المؤسسات العامة والمال العام والعلاقة مع الدولة، ويبدو إن هذا العداء هو نتيجة لتراكمات تاريخية تتمثل في السلوك القمعي للدولة تجاه المواطنين من جهة، وسلوك الرفض من المواطنين تجاه الدولة من جهة أخرى، وإذا كانت الدولة العراقية في السابق وقبلها الدول التي قامت داخل جغرافية بلاد الرافدين قادرة على كبح تعبير المواطنين عن مشاعرهم ومواقفهم بصورة علنية فإن المرحلة الراهنة لا تسمح بممارسة مثل هذا الكبح، وعليه لا بد من التعامل مع تشنج العلاقة بين النخبة السياسية وعامة المواطنين بجدية أكبر. لقد انفجر موقف عداء العامة تجاه الدولة في عمليات النهب والحرق التي تعرضت لها المؤسسات الرسمية ومقرات النظام في 9/4/2003 واستمر هذا الموقف من المال العام حتى بعد استقرار النظام السياسي الجديد عبر سلوكيات الفساد المختلفة التي شاركت فيها النخبة أحيانا ربما تحت تأثير الشعور بمظلومية سابقة أو من باب الرد على الشعور الشعبي بمثيله، أي الرد على العداء بالفساد الذي قد يمثل بشكل ما عدم إطمئنان النخبة للعامة أو رغبة في إستيفاء الاستحقاق عن مواقف ضد النظام السابق فضلا عن إمكانية تأويل الفساد بمسارات أخرى تتعلق بالتكوين النفسي للشخص. موقف العامة من النخبة السياسية ومشاعر العداء النائمة تحت جلد رقيق هي حالة يفسرها العامة بأمرين، الاول هو خيبة الامل عند المقارنة بين المتحقق من انجازات وسلوكيات نخبوية من جهة وحجم الآمال والوعود من جهة أخرى، أما الامر الآخر، فهو التصور الشعبي عن إن النخبة السياسية تأخذ من الاستحقاقات المالية والسلطوية أكثر مما تعطي، وبالتالي فأن العامة يعتبرون النخبة تمارس نوعا من الازدواجية في التعامل مع ثنائية الحقوق والواجبات. النظم الاستبدادية التي تعيش في مظلة الرجل الاوحد والحزب الوحيد لا تهتم كثيرا بمشاعر عامة الناس تجاهها ولا بمواقفهم منها ما دامت هذه النظم قادرة على قمع الناس وتكميم أفواههم وفي كل الاحوال هي ليست بحاجة إليهم لإكتساب الشرعية لكن في النظم الديمقراطية العكس هو الصحيح ومن هنا يحتاج السياسي الفرد والتنظيم معا الى عناية خاصة بآراء عامة الناس خاصة وإن المعارك الانتخابية تمثل مناسبة لإندلاع الحروب الاعلامية وترويج التهم، ومع توفر كم هائل من الفرقاء السياسيين، والكثير من القضايا الشائكة ووجود أطراف تسعى لهدم كل شيء عبر التشكيك بالذمم والاخلاق والكفاءة، يكون الرأي العام أمام محنة للتدقيق بالاتهامات والشبهات وهي محنة غالبا ما تكون مضرة بالسياسي عندما تقارن أقواله بأفعاله مع الميل الجارف لدى الساسة الى الاغداق بالوعود وتعظيم ذواتهم الفردية وبناء سيرة "نضالية حافلة". يحتاج الساسة الى تغيير منهج تعاملهم مع الرأي العام وعدم حصر الاهتمام بفترة الانتخابات، فمن الناحية العملية لا يمكن تغيير مواقف ومشاعر العامة في فترة وجيزة مع هذا الارث من العداء بين المواطن والدولة وممثليها. ومشاعر العداء قد تنمو الى كراهية ومن ثم تتحول الى نفور من العملية السياسية وهذا يطور حالة الاغتراب بين الدولة والمواطن، وعندها سيكون الباب مشرعا للعمل العدائي والارهابي. عدم اهتمام الساسة بمشاعر العامة يعني الاستخفاف بهذه المشاعر وهو ما سيرفع من العدوانية تجاه النخبة الحاكمة، وقد لا يرضى معظم الساسة الاعتراف بوجود حالة العداء، أو إن كل سياسي سيستثني نفسه منها ويقتنع بما تسربه إليه الحلقة المحيطة به من محبة جماهيرية عارمة، بينما هذه الحلقة من المقربين نفسها تساهم في إيقاد العداء بسبب تصرفاتها السيئة التي تحسب على السياسي أو بسبب ما تنقله هذه الحلقة من معلومات حقيقية أو مختلقة عن السياسي نفسه وتمررها الى العامة.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات..الضرب تحت الحزام
-
الدولة والاحزاب
-
مذبحة عادية
-
لعبة الرقابة
-
قائمة بالحساب
-
العراق والكويت..دوران مستمر
-
زعماء وكتل
-
أزمة مياه..أزمة وطن
-
رد الحكومة على التدخلات الخارجية
-
حلول بسيطة ونوايا معقدة
-
تجاهل الخطر
-
الانسحاب.. تأويلات متطرفة
-
حرائق بايدن
-
المهمة تذهب في إتجاه مختلف
-
مخاطر الجمود السياسي
-
تكليف بايدن
-
عذر التسييس
-
تحذيرات..توقعات..لاجدوى
-
حكومة قوية..دولة قوية
-
مناطق ساخنة ومنسية
المزيد.....
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية.. كيف يؤثر ذلك على المستهلك؟
-
تيم حسن بمسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
السيسي يهنئ أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا.. ماذا قال؟
-
-الثوب والغترة أو الشماغ-.. إلزام طلاب المدارس الثانوية السع
...
-
تظاهرات شعبية قبالة معبر رفح المصري
-
اختراق خطير تكشفه -واتساب-: برنامج قرصنة إسرائيلي استهدف هوا
...
-
البرلمان الألماني يرفض قانون الهجرة وسط جدلٍ سياسيٍ حاد
-
الرئيس المصري: نهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة سوريا خلال الم
...
-
إسرائيل.. تخلي حماس عن السلاح أو الحرب
-
زكريا الزبيدي يتحدث لـRT عن ظروف اعتقاله
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|