مذكرات طفل من قرية مصرية

ويصا البنا
مقدم برامج _ اعلامى _كاتب - مشير اسرى -قانوني
(Wisa Elbana)

الحوار المتمدن-العدد: 2741 - 2009 / 8 / 17 - 05:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

اسمي بيشوى

نشأت فى قرية من قرى الصعيد الهادئة التى تحتضنها الأشجار والزراعات من كل جانب ...

نحن ثلاثة إخوة نبيل هو الأكبر وقد ترك التعليم منذ أن كان فى السنة الثانية الاعدادى ليساعد والدى الذى يعمل أجير ( رزق يوم بيوم ) ...

وشرين فى اولى دبلوم تجارة وانا ...

أما والدتى فهى سيدة مريضة تعانى من فشل كلوي وخشونة فى الركبة فهى لا تستطيع الحركة إلا بصعوبة أو مساعدة احد إلا أنها دائما راضية وشاكرة وبتقول( كل اللي يجيبه ربنا كويس ) ...

البيت المجاور لنا بيت عم إسماعيل وعنده ابنة احمد وهو من سن شرين وزميل لها فى مدرسة التجارة وكان ابنة عبد الرحمن من سني أنا واتربينا مع بعض وكان زميلى وصاحبى جدا ...

وكانت خالتى أم احمد ست طيبة جدا وكانت بتساعد ماما فى البيت فكانت تطبخ لنا وتغير لها هدومها وتساعدها فى كل حاجة وكانت حنينه وطيبة زى ماما بالضبط ...

المهم كنت انا وعبد الرحمن دائما مع بعض فى البيت وفى المدرسة عبد الرحمن كان نفسه يبقى دكتور علشان يعالج ماما وانا كان نفسى ابقى ضابط علشان ارجعلهم الجاموسة بتاعتهم اللى اتسرقت وامسك الحرامى وادخله السجن ...

وكنت كل يوم أقوم من النوم وأروح لعبد الرحمن نلعب فى الأجازة أو نروح المدرسة ونرجع نلعب لحد ما كل واحد فينا يروح ينام . كان الموضوع دة بيحصل كل يوم إلا يوم الجمعة لان عبد الرحمن كان بيلبس الجلابية البيضا ويروح الجامع يصلى الجمعة مع أبوة وأنا كنت أفضل لوحدى منتظرة لما يصلى علشان نلعب سوا ...

المهم فى يوم اتاخر ولما رجع اتكلمنا سوى وقالى

عبد الرحمن : انتوا مش بتصلوا معانا فى الجامع ليه ؟

بيشوى : علشان إحنا مسيحيين وبنصلى فى الكنيسة

عبد الرحمن : هى فين الكنيسة دى ؟

بيشوى : دى بعيدة من هنا خالص خالص ومش بلاقى حد يودينى ومش بنروح غير يوم العيد انا واخواتى

عبد الرحمن : هو انتوا كفرة

بيشوى : يعنى اية كفرة ؟

عبد الرحمن : مش عارف بس انا سمعتهم فى الجامع بيقولوا كده .. يمكن معناه مسيحيين

بيشوى : هبقى اسأل عنها وأقولك وبعد كده روحت البيت وسالت أبويا هو إحنا ليه مش عندنا كنيسة في البلد نروح نصلى فيها زى عبد الرحمن ما بيروح الجامع ؟

الوالد : ربنا يسهل يا ولدى وناخد تصريح ونبنى كنيسة

بيشوى : يعنى اية تصريح يا ابويا ؟

الوالد : يعنى البوليس يوافق إننا نبنى كنيسة ؟

بيشوى : هو البوليس ماله ومال الكنيسة هو عبد الرحمن خد تصريح للجامع بتاعهم

الوالد : يا حبيبى الجامع ملوش تصريح الكنيسة بس اللى بتتبنى بتصريح

بيشوى : ليه يا أبويا ؟

الوالد : مش عارف أقولك اية يا ولدى بس ربنا موجود ويهديهم علينا

بيشوى : خلاص يا أبويا متزعلش انا بكرة هكبر وأبقى ضابط واعمل تصريح للكنيسة ...ولقيت أبويا عيونه اتملت دموع وقالى بكرة تكبر وتفهم يا ولدى وربنا يجعل ايامكم أفضل من أيامنا ...المهم إننا فضلنا على الحال دة سنة كاملة وفى يوم احد أبويا قالى لما يجيلك عبد الرحمن علشان تروحوا المدرسة قوله انا تعبان بطنى وجعانى ومش رايح .

بيشوى : بس انا مش تعبان وعايز أروح المدرسة

الوالد : اسمع الكلام وبعدين أبقى أفهمك

بيشوى : يعنى اكدب يا أبويا

الوالد : انت تعمل اللى بقولك علية وخلاص

بيشوى : حاضر ولما جه عبد الرحمن قولتله إن بطنى بتوجعنى ومش رايح المدرسة ...

بس أنا كنت زعلان جدا لانى كدبت على عبد الرحمن وكمان كنت زعلان علشان أبويا اللي علمني ان اللي يكدب بابا يسوع يزعل منة ...

المهم أبويا اخدنى انا وشرين ونبيل ورحنا بيت عم سليمان اللي فى اخر البلد ودخلنا لقيت ناس كتير وكان معاهم أبونا بولس فعرفت إن البيت دة زى كنيسة صغيرة نصلى فيها ونسمع كلمة ربنا وأبونا قال وعظة جميلة عن الحب وأننا نحب كل الناس وبعد القداس أبونا نبه علينا إننا منقولش لحد إننا بنصلى هنا لأنة لو حد عرف مش هيخلنا نصلى ...

فانا قولت لأبونا

بيشوى : يعنى نكدب يا أبونا ؟

أبونا : لا يا حبيبى بس إحنا مش هنقول لحد

بيشوى : ولو حد سالنى ؟

أبونا : محدش هيسالك يا حبيبى

بيشوى : لا عبد الرحمن صاحبى هيسالنى وانا مش هعرف اخبي علية

أبونا : معلش يا حبيبى ربنا يسامحك بس متقولش اننا بنصلى هنا

بيشوى : هو إحنا بنعمل حاجة غلط يا أبونا ؟

أبونا : لا يا حبيبى بس قانون البلد بيمنعنا نصلى من غير تصريح

بيشوى : هى الكنيسة مش زى الجامع بيت ربنا وانا زى عبد الرحمن صاحبى لازم يبقى عندى كنيسة زى ما هو عنده جامع

أبونا : مش عارف أقولك اية ولا أفهمك ازاى بس ربنا موجود ويحافظ عليك( وسابنى ومشى )وطول الطريق أبويا يوصيني مقولش لحد إننا بنصلى فى بيت عم سلمان ...

وقالى أبوس ايدك متودناش كلنا فى داهية ...

المهم رجعنا البيت وكنت فرحان قوى إن بقى لينا كنيسة وفى نفس الوقت كنت زعلان انى مش هقول لعبد الرحمن حبيبى علشان يفرح معايا بالكنيسة ...

المهم استمرت الحياة لمدة سنة بدون أي مشاكل وفى يوم صحيت من النوم لقيت بيتنا مليان ناس كتير وناس بتتكلم وسمعت وحدة بتقول دى بتموت وعرفت إن الكلام على امى وكنت خايف إن ماما تموت وتسبنا وبعدين لقيت الستات بتصوت وعرفت إن امى ماتت واني بقيت يتيم وانى مش هشوفها تانى ...

وقعدت على الارض وفضلت أبكى للصبح ونمت وانا ببكى وبعدين فى الصبح طلعت الجنازة وكان أبونا بولس موجود وقال لابويا نصلى عليها هنا فى البلد اقرب بدل البهدلة وكمان علشان المدافن بتاعتكم قريبة من هنا وربنا يسترها معانا وطلعت الجنازة على بيت عم سليمان وإحنا ماشين وكنا انا واخواتى بنبكى وراء ماما وفجاءه لقينا طوب وظلط بيتحدف علينا والناس اللي كانوا شيلين الصندوق بتاع ماما سابوه على الأرض وجريوا من الطوب وسالت اخويا نبيل هو فى اية ؟ ...

قالى المسلمين مش عايزنا نصلى على أمك وسابنى وراح يشوف أبويا .. وأنا قعدت جنب الصندوق بتاع ماما لأنهم كلهم سابوها ومشيوا وقولتلها متخافيش يا ماما هنصلى عليكى متخافيش متزعليش يا امى عمى أبو عبد الرحمن هيجى ويخلينا نصلى عليكى وسمعت أبويا بيزعق وبيقول يا ناس حرام عليكم مفيش دين يمنع إننا نصلى على وحدة ميتة دة حتى إكرام الميت دفنه ...

وبعدين الناس هاجت ومسكوا أبويا ضربوه وقالوله يا كافر عايز تنجس لنا البلد وتعمل لنا فيها كنيسة وبعد ساعتين من الضرب جه البوليس فانا فرحت خالص وقولت لماما خلاص الضابط جه وهنصلى عليكى يا امى متخافيش وجريت على الضابط وقولتله الحمد لله انك جيت ماما ليها ساعتين على الأرض ومش عايزينا نصلى عليها ...

فضربنى برجله ومشى وقال للعساكر لموا المسيحيين ولاد الكلب اللي عاملين مشاكل وحطوهم فى البوكس ومحدش هيصلى من غير ترخيص ...

وهنا أبونا بولس راح للضابط ...

أبونا : طيب الست دى ملهاش ذنب ممكن نصلى عليها فى الشارع

الضابط : لا طبعا هو الشارع بتاع أبوك

أبونا : يا حضرة الضابط استعمل روح القانون والرحمة ودى ست ميتة وليها ثلاث ساعات فى الشمس فحرام

الضابط : انشالله تعفن انا مالى وبعدين روحوا لقحوها فى المدافن بتاعتكم ما هى فى كل الحالات رايحة النار..

لما قال كده على امى انا اتغظت ومسكت حجر صغير وضربت بية الضابط وهنا لقينا الناس والعساكر وحتى عبد الرحمن صاحبى وأبوة بيضربونا بالحجارة ويقولونا يا كفرة ...

وبعدين جة أبونا بولس معاة عربية واخدنا امى ورحنا صلينا عليها فى كنيسة بعيدة ودفناها . ورجعنا لقينا بيت عم سليمان محروق والعساكر واقفين بيمنعوا الناس تطفى البيت ...

وانا اللي كنت عايز اطلع ضابط بوليس لانى كنت فاكر إن الضابط بيحمى الناس وفهمت أبويا لما قالى بكرة تكبر وتفهم وفهمت هما كانوا خايفين انى اقول إننا بنصلى فى بيت عم سليمان ليه ؟ ...

وبعدها بكام يوم رجعت المدرسة ولقيت كل اصحابى محدش بيكلمنى منهم وكانوا بيضحكوا عليا وكل ما يشوفونى يقولوا الكنيسة وقعت والقسيس مات ...

كل دة مش مهم المهم انى رحت لصديقى عبد الرحمن وسالتة أنت مش بتكلمنى ليه ؟...

انت كنت بتضربنى بالطوب وانا صاحبك ليه ؟...

فقال لى انت كافر وانا مش بحب الكفار وسابنى ومشى ...

فانا لما رحت بيتنا دخلت اوضتى وقفلت الباب ووقفت قدام صورة بابا يسوع وسالتة :

ليه يارب مش عايزين يخلونا نعمل كنيسة فى البلد ؟

ليه حرقوا بيت عمى سليمان ؟

ليه عبد الرحمن صديقي بيقول عليا كافر ؟

ليه الضابط خد المسيحيين وحبسهم مع إنهم هما اللي اتضربوا ؟

ازاى هروح المدرسة وكل اللي فيها بيكرهونى ؟

انت مش بتحمينا منهم ليه يارب ؟...

انتهى

هذه قصة من وحى الخيال تجسد ما يحدث مع أقباط مصر من اضطهاد وتعنت عند بناء كنيسة أومنزل صغير للصلاة وتجسد أيضا المعاناة لدى الأطفال الأقباط وهم لا يجدوا رد على سؤال مهم لماذا يحدث لنا ذلك ونحن مصريين ؟...

وهنا أريد أن اسأل هل هؤلاء الأطفال سوف يصبحون أشخاص طبيعيين أسوياء ؟...

آم أن الحقد والمرارة ستصنع منهم قنابل موقوتة ستنفجر عاجلا آم أجلا ؟...

أهدى قصتى هذه لكل صاحب ضمير حى من مختلف الأديان ...

اتقوا الله فى أطفالنا ..

اتقوا الله فينا ..

فمصر للجميع ..

#ويصا_البنا (هاشتاغ)       Wisa_Elbana#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات