|
عقد من الأداء الاقتصادي، أية حصيلة؟ 1999 - 2009
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 06:15
المحور:
الادارة و الاقتصاد
طلب مني المساهمة في صحيفة النهج الديموقراطي بموضوع حول تقدير الحصيلة الإقتصادية لبلادنا خلال العشرية الأخيرة، لم يكن الوقت كافي لإعطاء الموضوع كامل حقه فكانت المساهمة المتواضعة التالية التي صدرت بداية شهر غشت الجاري:
يتساءل العديد من المراقبين محليا عن مدى تأثير الأزمة المالية والاقتصادية على بلادنا، سواء على مستوى الإنتاج أوالتسويق أوالتشغيل، ومدى نسبة تأثر الاقتصاد المغربي بالأزمة. لكن مثل هذا التساؤل يطرح علامة استفهام أخرى تتعلق بمدى صلابة البنيات الإقتصادية والإجتماعية القائمة القادرة فعلا على الصمود في وجه الأزمة الراهنة للنظام الرأسمالي. لكن تقييم مدى صلابة هذه البنيات يحيلنا على التحولات التي عرفها الأداء الاقتصادي في المغرب منذ خروج الاستعمار سنة 1956. ودون الدخول في التفاصيل يمكن القول بأن المرحلة الممتدة من 1956 إلى سنة 1983 تميزت بالتدخل الكبير لجهاز الدولة في جميع المجالات، فكان القطاع العام هو السائد، ونمط التدبير العمومي للاقتصاد كان يقتضي الاحتكار والحماية الجمركية والتسويق العمومي، أما بعد سنة 1983 وتحت برنامج التقويم الهيكلي وتحت وصاية صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، بدأ المغرب في تفكيك قطاعه العمومي، وتراجع الدولة تدريجيا عن تدخلاتها تاركة المكان للقطاع الخاص الرأسمالي المحلي والدولي. لقد كانت الخلفية التي حكمت هذا التحول تقوم على عجز الأداء الاقتصادي العمومي، وأن المديونية الخارجية التي انفجرت أواخر عقد السبعينات جعلت الدولة عاجزة تماما عن مواصلة تدبيرها للقطاع العام نظرا للمجهود المالي الكبير الذي يجب أن تبدله مقابل مردودية ضعيفة. من هنا اقترحت المؤسسات المالية الدولية إسناد مهام تدبير الشؤون الاقتصادية للرأسمال الخاص، الأجنبي منه على الخصوص نظرا لما سيضخه من نقذ أجنبي ستكون لها انعكاسات ايجابية. وهذا بالإضافة إلى الإطراء المفرط في حسنات اقتصاد السوق وقانون العرض والطلب. إذن فالعشرة سنوات الأخيرة 1999 – 2009 تعتبر بمثابة المرحلة الثالثة من النهج الاقتصادي القائم على تحكم القطاع الخاص في مختلف وسائل الإنتاج سواء على مستوى القطاع الأولي في مجال الفلاحة والصيد البحري واستخراج المعادن، أو على مستوى القطاع الثاني في مجال الصناعة أو على مستوى القطاع الثالث في مجال الادارة والخدمات. فما هي إذن أهم المؤشرات الذي أفرزه هذا النمط من الأداء الاقتصادي خلال العشر سنوات الأخيرة؟
القسم الأول: المؤشرات العامة للاقتصاد المغربي خلال 10 سنوات وانعكاساتها دون الدخول في الكثير من التفاصيل يمكن الاعتماد فقط على الجوانب الأكثر دلالة وأحصرها هنا في نسبة النمو الاقتصادي السنوي، والانتاجية الاقتصادية، وتقييم سياسة الانتاج من أجل التصدير وكذا دور السياسة المالية والإقتصادية للدولة في دعم هذه الجوانب.
أولا: اقتصاد يعيد نفسه من دون نمو يعتبر نمو الناتج الداخلي الإجمالي السنوي وهو ما تحققه القطاعات الاقتصادية الثلاث: الفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والخدمات من نتائج، أحد المؤشرات على تقدم أو تراجع الاقتصاد.
وفي هذا الإطار نجد أن وتيرة نمو الاقتصاد المغربي على امتداد العقود الثلاثة الماضية معدلات نمو ضعيفة، بحيث أن النمو الحقيقي للناتج الداخلي الإجمالي كان بمعدل 3,9 % في الفترة الممتدة بين 1980 - 1989، وبمعدل 1,3 % في فترة 1990 – 1998 وبمعدل 3,1 % في الفترة 1999 – 2009. إن هذه النسب الضعيفة من معدلات النمو تؤكد على الكساد والبطالة السائدين كما تؤكد على كون الاقتصاد غير قادر على الإقلاع والحد من البطالة. وبالتالي فإن ذلك يعيق تنمية البلاد أكثر مما يعرقل مستوى النمو نفسه، فضلا عن كونه يؤدي إلى انعدام القدرة التوقعية لمجريات التدابير الاقتصادية. ويمكن إرجاع ضعف النمو الاقتصادي إلى عدد من العوامل نذكر من بينها ما يلي: - هشاشة الاقتصاد الناجمة عن التقلبات المناخية؛ - تقلب الظرفية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي الذي يشكل المنفذ التجاري الأساسي للمغرب؛ - ضعف الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي ؛ - ضعف الاستثمارات العمومية والخاصة؛ - النقص الحاصل في ميكانيزمات تمويل الاقتصاد؛ - محدودية القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني؛ - ضعف نجاعة السياسات الضريبية والنقدية، وعدم ملاءمة الموارد المرصودة؛ – التوجه الخارجي للاقتصاد المغربي على حساب تنمية السوق الداخلي؛ – تراجع دور الدولة كقاطرة لجر باقي مكونات الاقتصاد الوطني. ويظهر ضعف نمو الناتج الداخلي الاجمالي على الخصوص من خلال الناتج الداخلي الخام لكل مواطن؛ فلم يتجاوز هذا المعدل طيلة العشر سنوات السابقة 1 % وهذا المعدل لا يمثل اليوم سوى خمس الناتج الداخلي الاجمالي للمواطن الاسباني. إن التوجه الخارجي للاقتصاد المغربي على حساب التنمية الداخلية وكذا تراجع دور الدولة كقاطرة لجر باقي مكونات الاقتصاد الوطني يشكلان عاملين أساسيين كرسا ضعف النمو الاقتصادي، فالتوجه الخارجي للاقتصاد المغربي من خلال الإنتاج من أجل التصدير يقلص من إمكانية تطوير إنتاج فلاحي وصناعي يلبي الحاجيات الأساسية للمواطن المغربي ويخلق علاقات عضوية بمختلف النسيج الاقتصادي الوطني ويرفع من حجم السوق الداخلي مما يزيد من حركية عوامل النمو الاقتصادي. أما بالنسبة لتراجع دور الدولة كقاطرة والمراهنة على الاستثمارات الأجنبية الخاصة والقطاع الخاص عموما فقد أبان عن سلبية كبيرة نتيجة انتشار الكساد وعدم اقبال المستثمرين الأجانب بأحجام معقولة. وتؤكد مؤشرات الأداء الفلاحي خلال العشر سنوات الفارطة على فشل دريع لهذه السياسات، فمختلف الاستراتيجيات المعتمدة قبيل هذه الفترة لم تعرف طريقها للتنفيذ نظرا لغياب إرادة حقيقية للإصلاح الزراعي. ومن بين المؤشرات الدالة على التطور السلبي للقطاع الفلاحي هناك ما يلي: 1 - لم يتحقق أبدا هدف الاكتفاء الذاتي الغذائي ، بل عوض هذا الهدف بهدف تحقيق الأمن الغذائي وهو ما يعنى مواصلة استيراد الحاجيات الغذائية ويجعل السوق الداخلي عرضة لتأثيرات السوق الدولي؛ 2 - تراجع إنتاج الحبوب قياسا بالفرد الواحد الذي يبلغ حوالي 203 كيلو، وهو ما يمكن أن يعتبر تعميقا للتبعية الغذائية لبلادنا ، فنسبة تغطية الإنتاج المحلي للاستهلاك الداخلي يبقى أقل من % 50 بالنسبة للقمح الطري مثلا؛ 3 - وإذا كان انتاج اللحوم البيضاء قد تزايد بنسبة %41 وزاد على غرار ذلك الإنتاج الحليبي، إلا أن أعداد رؤوس الماشية تقلصت بنسبة %27 بالنسبة للأبقار والماعز، بينما تم تسجيل استقرار في عدد رؤوس الأغنام؛ 4 - كما أن انعكاس اندثار الفرشة المائية على أوضاع الفلاحين باتت واضحة للعيان وتكتسي طابع الخطورة الداهمة، فهناك حوالي %43 من الساكنة القروية تستغل أراضي ضعيفة المردودية، الأمر الذي لا يوفر لها شروط العيش الكريم، وأن %54 من المناطق القروية تعيش شبه عزلة، وأن %16 فقط من الأسر القروية تتوفر على الكهرباء؛ 5 - وتحتل زراعات الحبوب 57 % من المساحات القابلة للزراعة؛ إلا أن مساهمتها في القيمة المضافة الزراعية لا تتجاوز 23,8 %، وبذلك يلجأ المغرب إلى استيراد الحبوب من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يكرس المزيد من التبعية الغذائية. 6 - كما أن الخضراوات والحوامض التي تعتبر من المنتجات الرئيسية في المناطق المسقية توجه في الغالب نحو التصدير.
إن هذه الوضعية مازالت مرشحة للتفاقم حيث أن جميع القرائن تثبت أن دولة الكمبرادور والملاكين الكبار والرأسمالية التبعية ماضية في تطبيق سياسة مراكمة الأرباح السريعة على حساب مستقبل البلاد والتوازنات البيئية والجهوية، وتفريطا بالأمن الغذائي للمواطن.
فنحن نستورد الآن القمح سواء كانت السنة جيدة أو سنة سيئة، فحتى عندما نعيش سنة جيدة من حيث الأمطار نقوم باستيراد القمح، حيث نستورد في المتوسط 30 مليون قنطار وهذا يعني أن المغرب أصبح مستورد بنيوي للحاجيات الغذائية الأساسية، وأنه أصبح هشا أمام تقلبات الأسعار الدولية وقد عانى الشعب المغربي ارتفاع هذه الأسعار بشكل حاد خلال عشرة سنوات السابقة. ثانيا: ضعف مساهمة القطاع الصناعي في النمو أ - صناعات لا تستجيب للحاجيات الأساسية للمواطنين فالقطاع الزراعي ليس هو العامل الوحيد المسؤول عن ضعف النمو فقد تم تسجيل ركود الصناعة ونقصان التنافسية في قطاع الانتاج الصناعي في التسعينات. فقد بقي قطاع الصناعة قارا إذ مثل 30 % من الناتج الداخلي الإجمالي في حين انتقل قطاع الانتاج الصناعي من 17 % الى 7%. ويرتكز النسيج الصناعي المغربي على الخصوص في مدينة الدار البيضاء، حيث تتجمع الصناعات الفولاذية والميكانيكية والكهربائية والفلاحة الغذائية والنسيجية. وإذا كانت السياسة الصناعية التي انطلقت من مبدأ إعطاء الأولوية لإحلال الواردات قد استقطبت الصناعات التحويلية الخفيفة ولاسيما منها الفلاحة الغذائية والنسيجية إلا أن الجهود المبذولة في هذا المجال تصطدم بضعف قدرة الاستهلاك المرتبطة بطلب الأسر المغربية، لذلك تحولت حاجة السياسات الصناعية نحو تنمية الصادرات بارتباط مع استغلال وتصدير الموارد الطبيعية للبلاد (معدنية، فلاحية، صيدية... الخ ) بينما ضلت آليات السياسة الصناعية تستغل وسائل الاحتراز والتحفيز والاستثمار العمومي . ففي ظل محدودية السوق الداخلية، تم تشجيع الصناعات الموجهة نحو التصدير، وفي هذا الإطار برزت مجموعات رأسمالية احتكارية (كمجموعة أونا مثلا) تنشط وتتطور في محيط محمي ومحفز من طرف الدولة لكن تكوين أقطاب احتكارية أو شبه احتكارات يحد من وتيرة تصنيع البلاد، لأن الاحتكار يتعارض مع مفهوم المنافسة الذي يتغنى به الخطاب الليبرالي السائد، والذي صدر بشأنه قانون حول الأسعار والمنافسة منذ سنة 2001 لكنه ظل حبرا على ورق. ويؤدي هذا الواقع بطبيعة الحال إلى تكريس المزيد من هيمنة ما يسمى بالمخزن الاقتصادي وتحالفاته الطبقية التي تشكل البرجوازية على قطاع صناعي موجه أساسا نحو الخارج ولا يلبي إلا استثناء الحاجيات الأساسية للمواطنين . ب - أسباب تراجع الصناعة المغربية خلال السنوات العشر الماضية : 1 - الانفتاح المطلق على الواردات، حيث تدمر المصنوعات الأجنبية المصنوعات المنتجة محليا؛ 2 - نهج سياسة الباب المفتوح وتفكيك الرسوم الجمركية والذي تستفيذ منه فقط المنتجات الصناعية الأجنبية؛ 3 - إبرام اتفاقيات التبادل الحر من موقع التبعية؛ 4 - منافسة الشركات متعددة الاستيطان للشركات المحلية. وقد أدى ذلك إلى : تفاقم أزمة النسيج؛ إغلاق المئات من المؤسسات وتشريد المئات من العمال؛ ارتفاع أسعار المحروقات التي رفعت من كلفة الإنتاج ومن الأسعار؛ ونتيجة لهذه العوامل ازدادت نسبة النمو انخفاضا. ثالثا: عجز متواصل للميزان التجاري رغم مراهنة السياسة العمومية على سياسة التصدير فقد سجلت المؤشرات الرسمية مساهمة سلبية للطلب الخارجي، فقد تزايدت واردات السلع والخدمات بوتيرة أكبر خلال مرحلة 2001-2004 ، حيث بلغ معدل نموها 7,6 % مقابل 5,9 % بين 1997 و .2000 . بينما عرفت الصادرات ارتفاعا متواضعا من مرحلة لأخرى منتقلة من 4,9 % إلى %.5,8 مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري. وهكذا تراجعـــت مساهمــة التجــارة الخارجية في النمو بـ 0,4 نقطة لتسجــــل (ناقص 1%) من الناتج الداخلي الإجمالي. فحسب المنظمة العالمية للتجارة، بلغ معدل النمو السنوي المتوسط للصادرات بالمغرب 4,1 % ، وهو معدل أقل من نظيره المسجل في تونس(6,9 %) وماليزيا (6,3 % ) والمكسيك (7,1 %) وتركيا (11,5 % ) وهنغاريا (13,1 % ) والصين (19 %). ثم إن 71 % من الصادرات المغربية خلال العشر سنوات الأخيرة تهم الصناعات الغذائية والنسيج والكيمياء وهي قطاعات لا تمثل سوى 28 % من التجارة العالمية حسب مركز التجارة الدولي. القسم الثاني: أسباب الوضع الاقتصادي الراهن وآفاق التغيير المنشود أولا: أسباب الوضع الاقتصادي الراهن تتداخل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لتنتج لنا الوضع الاقتصادي الراهن الذي يتسم بضعف النمو والانتاجية وينتج الفقر والبطالة والكساد. ويمكن إجمال أهم الأسباب المسئولة عن هذا الوضع فيما يلي: 1 – طبيعة الاختيارات الاقتصادية المعتمدة تخضع السياسات الاقتصادية والمالية المعتمدة في المغرب للفكر الاقتصادي والمالي المهيمن على الصعيد العالمي، وهو فكر يميني متطرف يقوم على هيمنة رأس المال عالميا ونزع جميع العراقيل أمامه. ومعلوم أن رأس المال يعيش في أزمة دائمة، لأن بقاءه واستمراره رهين بما يولده من فوائد وأرباح تنتجها فوائض القيمة المنتزعة من أجور العمال والكادحين، وبما أن الفوائض المالية المتراكمة في الأبناك الدولية أصبحت تصل إلى أرقام خيالية، بينما مجالات استثمارها تبقى محدودة علما أن هناك فائض وفرة المنتجات التي اكتسحت كامل الأسواق العالمية جعلت العالم قرية صغيرة لا تستطيع امتصاص هذه الوفرة، لذلك فإن فوائض رأس المال التي لا تجد لها منفذا للاستثمار والربح فإنها أصبحت مهددة دائما بالتبخيس وحدوث أزمات تهدد النظام الرأسمالي بكامله، لذلك فإن استراتيجية رأس المال تستهدف التغلغل والهيمنة على المقدرات الاقتصادية لجميع الشعوب وتشديد استغلالها وحرمانها من مكملات الدخل من صحة وتعليم وسكن ... ومن تم اخضاعها لشروط تراكمه وشرهه الى المزيد من الأرباح مما دفع رأس المال الى مضاربات مجنونة في جميع المجالات وعلى رأسها المواد الغذائية الأساسية وهي نوع من سرقة فائض القيمة الذي ستنتجه الأجيال المقبلة فتضخمت الفقاعة المالية وانفجرت في أزمة مالية واقتصادية لم يشهد لها العالم مثيلا منذ سنة 1929، وذلك دون الاهتمام للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة للشعوب. ونظرا لأن مصالح التحالف الطبقي الحاكم في المغرب تلتقي مع مصالح رأس المال العالمي المتوحش سياسيا واقتصاديا سواء بسبب التبعية، أو من أجل الحفاظ على الهيمنة السياسية الداخلية، فإن الاختيارات الاقتصادية المعتمدة ببلادنا قامت على استراتيجيات تكيف البلاد كلها لخدمة شروط التراكم الرأسمالي العالمي وفي يد الأقلية الحاكمة. وفي هذا الإطار يمكن قراءة سياسة الميزانية كأداة لخدمة هذا التوجه. 2 – دور سياسة الميزانية في تكريس الاختيارات الاقتصادية السائدة أ – ميزانية عامة انكماشية في اطار جهوده الهادفة إلى الاستقرار على مدى السنوات الأخيرة حافظ المغرب على العجز في الميزانية في مستوى دون 3 % سنويا ونجح في تقليص مديونيته الخارجية إلى حدود 6,42 % من الناتج الداخلي الاجمالي. لكن وضعية الميزانية أقل ملائمة مما قد توحي به هذه المعدلات. فتقليص عجز الميزانية والمديونية الخارجية لم يتم إلا بفضل ضغط متصاعد على الموارد الداخلية ومعدلات الفائدة. وبالتالي ففي مدة 15 سنة ارتفع معدل المديونية الداخلية للخزينة بأكثر من الضعف بحيث انتقل من 20,4 % من الناتج الداخلي الاجمالي في سنة 1985 إلى 95,45 % في 2001. فهذا الصعود الصاروخي للمديونية الداخلية العامة تثير ملاحظتين، الأولى تتعلق بإمكانية احتماله لأنه بالنظر إلى وتيرة نمو هذه المديونية فقد تؤدي إلى أزمة حادة في المالية العامة بل قد تفضي إلى هز الثقة في الدولة، إضافة إلى ذلك فالعجز المسجل في الميزانية في السنوات الأخيرة كان يخضع لإجراءات غير متواترة، ومن دون هذه الاجراءات لعل العجز كان سيرتفع إلى 5 % من الناتج الداخلي الاجمالي. فالسؤال المطروح إذن هو : ماذا سوف يكون مآلنا عندما نبيع كل مقدراتنا؟ والملاحظة الثانية ترتبط بانخفاض موارد الدولة، إن الوضع قد يزداد سوءا مع الانفتاح التدريجي للإقتصاد المغربي على الاقتصاد العالمي. إن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة قد تزيدان من مستوى حساسية المغرب لتقلبات المحيط الدولي دون أن ننسى تداعيات ذلك على الوضعية العامة. وفعلا فإن فقدان المداخيل الجبائية على إثر رفع الحواجز الجمركية قد يصل إلى 1,9 % من الناتج الداخلي الاجمالي لفترة 2000 إلى 2012 فقط بما يرتبط بأوروبا، وقد يصل إلى 2,6 % في حالة الانفتاح على العالم كله.
ب – توازنات مالية غير مضمونة للتحكم في العجز المتواتر في الميزانية العامة خلال الفترة 1998 – 2007، اعتمدت الدولة على الخصوص، على عائدات الخوصصة، والتي غطت جزئيا منذ 1993 ضياع الأرباح المرتبطة بإعادة جدولة الدين . ولقد أسهم بيع هذه الموجودات من أصول الدولة في تقليص كبير للعجز المتواتر في الميزانية وفي مقابل ذلك فقدان الدولة لعائدات المؤسسات المالية المخوصصة ومحاولة تعويض هذه الموارد برفع معدلات الضرائب على المنتجات والخدمات الأساسية واسعة الاستهلاك. فعبر عائدات الخوصصة الاستثنائية تراجع عجز الميزانية بمعدل %3,1 من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفترة 1996 – 2006. لكن هذه العمليات المتعلقة بالخوصصة قد توهم بتقديم صورة أسلم للمالية العمومية .غير أن العجز لم يستقر في نسبة % 2,6 إلا بفضل تفويت % 35 من اتصالات المغرب لفيفاندي، مما وفر مداخيل جديدة لصناديق الدولة . ج – انفاق عمومي مختل ظل هامش التصرف في الميزانية العامة ضعيفا خلال العشر سنوات السابقة، بسبب عدم قابلية تقليص نفقات التسيير وخدمة الدين . وقد زادت نفقات التسيير في تصاعدها لتصل إلى 18,2 % من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2003 كما أنها ظلت تحظى بالحصة الأكبر في نفقات الدولة وكتلة الأجور 12 % من الناتج الداخلي الإجمالي طوال فترة 1998 – 2007 وفرضت هيمنتها على بنية النفقات: فلقد فاقت النفقات ضعفي ما كانت عليه ما بين 1990 و2003وبذلك، أضرت هيمنة نفقات التسيير بنفقات الاستثمار، التي انتقلت من %7,8 من الناتج الداخلي الإجمالي في 1993 إلى 4,8 % سنة 2003 ؛ ومن المؤكد أن هامش تحرك الدولة في تحويل الاقتصاد قد تأثر بشكل خاص من هذه الحالة د – مداخيل عمومية في انخفاض مستمر رغم انخفاضها نسبيا ظلت الضرائب غير المباشرة مهيمنة على بنية العائدات الجبائية ، وذلك خلافا لما هو عليه الحال في البلدان النامية حيث تمثل الضريبة المباشرة أكبر حصة من العائدات الجبائية . ويعزى هذا الوضع إلى حجم الاقتصاد غير المهيكل في بنية الناتج الداخلي الإجمالي، وإلى عدم التحكم في وعاء الضرائب المباشرة الرئيسية، وإلى غياب ضرائب على الثروة وعلى التركات، فالضريبة على الشركات تشكل موضوع غش وتهرب جبائيين كبيرين كما تم مؤخرا تخفيض معدل الضريبة على الشركات من 35 % إلى 30 % لكي تحرم الدولة من أزيد من 24 مليار درهم؛ أما الضريبة العامة على الدخل فتركز جلها على مداخيل الأجور بينما تعاني المداخيل الضريبية من الصعوبات المرتبطة بالاقتطاعات الجبائية في حالات المهن الحرة التي يصعب ضبط مداخيلها. وهكذا بلغت حصة الضرائب غير المباشرة في العائدات الجبائية إلى %46 في 2003 مقابل %47,3 سنة 1993 . سجلت الضرائب المباشرة انخفاضا ملموسا بسبب حصول نقص في معدل الإخضاع الجبائي للضريبة على الشركات أساسا . ولقد زادت حصة الضرائب المباشرة بشكل ملموس في المداخيل الضريبية، منتقلة إلى %36,5 سنة 2003 ومن جهتها، عرفت حصة الرسوم الجمركية تراجعا مستمرا وبالفعل سجلت العائدات الجمركية انخفاضا، ابتداء من 1995 لتتضخم سنة 1998 ، نتيجة تفعيل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي . ويظل النظام الجبائي المغربي يعكس موازين القوى والصراع الطبقي السائد بحيث ترتفع الضرائب على ذوي الدخل المحدود والتي يسهل اقتناصها عند المنبع سواء تعلق الأمر بالضرائب على الإنفاق كالضريبة على القيمة المضافة التي تمت مراجعة معدلاتها نحو الزيادة سنة 2006 أو الضريبة على الدخل؛ أما أرباح الشركات وأرباح ذوي المهن الحرة والسلع والخدمات الكمالية فتتمتع بتفضيل يفضح الطبيعة الطبقية للنظام السياسي. فتقليص معدل الضريبة على الشركات من 35 % إلى 30 % كان بمثابة هدية لرأس المال تصل قيمتها الاجمالية إلى 24 مليار درهم. 3 – تواطؤ السياسيين والمثقفين يساهم في تكريس الوضع الحالي الانتهازية الواضحة للطبقة السياسية والمثقفون حيث أن 90 % من هذه الفئة تتسابق نحو خدمة التوجهات السياسية والاقتصادية القائمة طمعا في التسلق الاجتماعي والاقتصادي ومن ثم الاصطفاف الى جانب البرجوازية في مواجهة الطبقة العاملة، في حين أن الدور التاريخي للمثقفين والسياسيين يكمن في تفكيك أسباب التدهور القائم والثورة عليه من أجل تغييره وبالتالي الالتحام بالطبقة العاملة. ثانيا: أفاق التغيير المنشود إن تغيير الوضع الإقتصادي والاجتماعي القائم هو سياسي بالضرورة، فإذا كنا اليوم نلاحظ أن السياسي يخضع للمصالح الاقتصادية للباطرونا والشركات متعددة الاستيطان فيجب قلب المعادلة حتى يتمكن السياسي القوي ديموقراطيا في التحكم في الاقتصادي، على أن هذه الديموقراطية المنشودة لن تتحقق من دون الأداة السياسية للطبقة العاملة التي تشكل أغلبية الشعب المغربي والتي يجب أن تتحكم في الاقتصادي عبر نقل ملكية وسائل الإنتاج الكبرى من الملكية الفردية إلى الملكية الجماعية. 1 – دور الحركة الاجتماعية في التغيير التغيير لا يأتي من القمة ومن طرف البرجوازية المتحكمة في دواليب الدولة خصوصا في ظروف الأزمة التي تجعل هذه الطبقة أكثر توحشا ولجوءا لاقتطاع أكبر جزء من فوائض القيمة من العمال وقهرهم بحرمانهم من المرافق العمومية الأساسية المكملة في الواقع للأجر الزهيد، لذلك فإن أطر التغيير تكمن في وعي القاعدة الاجتماعية الواسعة بالافقار المنهجي المتواصل وخاصة لدى الطبقة العاملة المكتوية بالانعكاسات السلبية للنظام الاقتصادي والاجتماعي القائم، فوعي الطبقة العاملة يتولد يوميا عبر احتداد الأزمة وتشديد استغلالها وعبر ردود أفعالها من خلال تنظيم حركاتها الاجتماعية المناهضة لأسباب فقرها واستغلالها وضرب قدرتها الشرائية. كما أن هذه الحركة الاجتماعية يجب أن تواكبها بالضرورة تنظيمات سياسية تعبر سياسيا عن طموحات الطبقة العاملة وتدعمها في معاركها من أجل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فإن توجيه هذه الحركة الاجتماعية وتقويتها وابعادها عن التوظيفات الانتخابوية الضيقة يمر عبر تحصينها وتنظيم تحركاتها، وبالتالي التعبير سياسيا عن مطامحها. 2 – دور الطبقة السياسية والمثقفين في التغيير تلعب المصالح المتضاربة دورا مركزيا في تحديد التعبيرات السياسية للطبقة السياسية والمثقفين، كما يلعب الانتماء الطبقي كذلك دورا في تحديد أبعاد هذه التعبيرات وتناقضاتها. كما أنه في ظل نظام سياسي استبدادي ينحرف الوعي لدى الكثير من السياسيين والمثقفين إما خوفا أو تزلفا للنظام القائم. وتلعب المنظومة التعليمية هي الأخرى دورا في ظهور المثقف والسياسي العضوي، أو المثقف الانتهازي الخنوع. وأعتقد أن تغيير الواقع يتحقق من خلال التحام المثقف العضوي الثائر بالطبقة العاملة للمساهمة في صياغة النظريات والحركات الثورية سياسيا واقتصاديا وبناء الأداة السياسية للطبقة العاملة. فالتغيير الجدري يأتي عبر الوعي والتنظيم والنضال الميداني والنفس الطويل حتى وان اقتضى الأمر عشرات السنين، علما أن الرأسمالية بلغت حدودها التاريخية ولن تنتج للبشرية سوى المزيد من القهر والفقر والحروب، وأن مشروع مجتمعي اشتراكي بدون استغلال ولا طبقات أصبح ضروريا. 3 – بناء اقتصاد معتمد على الذات يصعب تحديد معالم نظام اقتصادي يستجيب لطموحات الجميع، خارج منظور اقتصادي اشتراكي ينتفي فيه التفاوت الطبقي كما هو قائم حاليا وتسود فيه الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. كما أن أي منظومة اقتصادية إذا لم تكن تلبي الحاجيات الأساسية للطبقات الكادحة في الأجر العادل والحياة الكريمة فلا يمكن اعتبارها اقتصادا بل استغلالا مقنعا. فالاقتصاد الاشتراكي يجب أن ينطلق من الاعتماد على الذات ومن التحرر الاقتصادي الفعلي من التبعية سواء في الميادين الفلاحية أو الصناعية أو الخدمات، وبطبيعة الحال فإن قدرة الاقتصاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية الحاجيات الأساسية سيكون قادرا على تحقيق تبادل متكافئ مع الشعوب الأخرى .
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجاوز الماركسية للفكر البرجوازي المتعفن
-
تعفن النظام الرّأسمالي العالمي وطابعه الطفيلي يستدعي قلبه
-
الأزمة، وضعية العمال وقانون الشغل، الغلاء وحقوق الإنسان
-
أزمة الإمبريالية وفرص الثورة البروليتارية
-
يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انتفضوا
-
الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة
-
إضراب النقل جاء نتيجة للإفلاس السياسي
-
ماذا عساي أن أفعل لوكنت مكان وزير الاقتصاد والمالية لإنقاذ ا
...
-
القروض الاستهلاكية أداة سياسية لتدبير أزمة النظام الرأسمالي
...
-
لماذا مقاطعة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009
-
ارتفاع الأسعار عصف بكل الزيادات في الأجور
-
الحملة التطهيرية شكلت عملية انتقامية وسط التحالف الطبقي الحا
...
-
قانون حرية الأسعار فشل في ضبط السوق
-
قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009
-
في الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان
-
الأزمة المالية وآفاق الرأسمالية المأزومة
-
الحد من الجريمة والإجرام لا يعالج بالوسائل الأمنية
-
اندثار الأمل
-
وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب
-
السياسة الاجتماعية في المغرب ومواجهة الفقر
المزيد.....
-
الصين تحظر تصدير مواد للصناعات العسكرية إلى أميركا
-
فايننشال تايمز: هل بدأت روسيا بدفع فاتورة الحرب؟
-
الوون الكوري الجنوبي يهوي عقب إعلان الأحكام العرفية
-
مصر تكشف عن موعد استحقاق ودائع سعودية بقيمة 5.3 مليار دولار
...
-
تونس.. عائدات السياحة تتجاوز 2.2 مليار دولار وسط توقعات قياس
...
-
وزير مالية إسرائيل: البرلمان سيصوت الأحد على موازنة 2025
-
قرار صادم.. رئيس كوريا الجنوبية يعلن الأحكام العرفية بالبلاد
...
-
استمرار تدهور مناخ الأعمال بقطاع السيارات في ألمانيا
-
بحضور ماكرون.. السعودية توقع اتفاقيات مع شركات فرنسية
-
مصر.. ساويرس يمنح الجامعة الأمريكية أكبر تبرع في تاريخها ويت
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|