أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عماد الدين رائف - بين الحزب الشيوعي اللبناني وأبي حبيب.. نقدان ذاتيان انتخابياً














المزيد.....

بين الحزب الشيوعي اللبناني وأبي حبيب.. نقدان ذاتيان انتخابياً


عماد الدين رائف

الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 06:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لو لم يقم المعلم أبو حبيب، الملقب برب الحلاقة، بجهود جبارة في مراجعة حساباته التي وصلت، على حد قوله، إلى "جلد الذات"، وكانت نتيجتها تزكيته لنفسه مجدداً حلاقاً "واحداً أوحد"، لما كان من المستحب تخصيص هذه المساحة للحديث عنه. من هو أبو حبيب؟ هو حلاق "حي المعترين"، الحلاق العتيق الذي حلق رؤوس ثلاثة أجيال من العمال المتعبين، الذين يكتظ بهم الحي إلى جانب عاطلين عن العمل والحياة، وكان يحشو رؤوسهم بأفكاره النيرة، فمع كل ضربة مقص من يده المحنكة كان لسانه الذي لا يهدأ يتكفل بقص زوائد أفكار "البروليتاري" المستسلم على الكرسي. وكان محله الصغير يمتلئ بالمستمعين المنتظرين دورهم وغير المنتظرين، وربما كان كثيرون يستهويهم حديثه المشوّق عن مستقبل الطبقة العاملة على أنغام "يا رياح الشعب"، التي يصدح بها المسجل الكبير الجاثم أمام المرآة المزينة بصور شهداء وقديسين. واكب الختيار تطورات مهنته عن بعد، فهو وإن تنازل عن "البيضة الخشب"، عندما رضخ لحديث عن الأمراض والجراثيم التي قد تنقلها، إلا أنه لم يتنازل بعد عن استعمال المقصات الطويلة، الخيط المصيص، البودرة التالك، والموسى والمستحد، والماكينة اليدوية "الكرّاتة".. بل وحتى الطاسة. في المقابل ربّى أجيالاً من الحلاقين منهم من "فتح على حسابه"، منهم من بات يعمل أجيراً في صالونات حلاقة "عصرية وعليها القيمة"، ومنهم من ترك المهنة إلى غير رجعة.

مشكلة غير مستعصية

انتهت الحرب الأهلية، وتغيرت الدنيا، وفجأة صار "الشغل ماشي والبلد ماشي!"، لكن أبا حبيب وجد نفسه في الجورة..، فلم تعد أفكاره نيرة، أو غير نيرة، انعقد لسانه إلا عن "كل واحد صار مشغول بحاله".. حتى أنه لضيق ذات اليد طرد الشغيلة – المتدربين، واكتفى بزبائن قليلين، تعاقد معهم على أن يدفعوا له آخر الشهر، أو "لما بيقبضوا". لكنه لم يقطع علاقته بالرأسماليين القلة الذين يعرفهم "من أيام الخير"، فكان يحمل حقيبته الخشبية الكبيرة المحشوة بأدواته القديمة إلى بيوتهم قِبَلَ المشرق والمغرب، "والرزاق الله".
في كل مرة حاول شاب ما، "ينتحل صفة حلاق" أن يفتح صالون حلاقة في الحي كان الختيار يستجمع قواه ويستنجد بطابور العمال وبأوادم الحي ويقوم بطرد من ينغص عليه عيشه، ثم يتبع ذلك بخطبة عصماء يكون قد استنقذها من جارور السبعينات.. هكذا قضى التسعينات وما بعدها. ومع مرور الأيام لم يتجرأ كثيرون على تلك الفعلة الشنعاء، وبات وحده، ولا يأتيه الزبائن إلا فيما ندر، ولم يعد لديه همّة كي يحمل حقيبته الخشبية.. إلا في المناسبات الحرجة. بات شبه منسي، حتى أنه لم يجد من يحلق له لحيته ويهندم صلعته. المارة أمام محله المتهالك باتوا يتندرون عليه، ومنهم من ألف عدداً من النكات اللاذعة، وبقليل من التجرد، كان الختيار ليجدها مضحكة عندما سمعها، لكنه ولج سرداب الاكتئاب بكل جوارحه. لم يشف غليله أن كثيرين من العمال ما زالوا يذكرونه بالخير.. ويتداولون بين بعضاً من أفكاره، وبعضهم يأتيه إن دعاهم في عيد العمال. حار الرجل في أمره، طرق أبواب أترابه في أحياء أخرى مستعينا بحكمتهم.. لم يشيروا عليه بشيء يذكر.. رغم ذلك تجبر على نفسه وأقنعها بأنه لم يشعر بالمشكلة المستعصية. قال، "أنا رب الحلاقة، وسأثبت للجميع أنني أهل لها".

مسابقة حلاقة

حلّ حزيران، وانعقدت مسابقة الحلاقة الوطنية، استغرب كثيرون أن يجدوا أبا حبيب مشاركاً فيها، وزع ملصقاته على الطرقات والأزقة بعد أن وجد من يحلق له، ومن يصوره مبتسماً مستبشراً.. أخرج أدواته القديمة وحاول أن يعيد إليها بريقها، وتقاطر المتفرجون.. على الكرسي القديم تموضع "البروليتاري" القديم نفسه، أطلق منظم الحفل صفارة البداية، صفق راعي المسابقة، صفق الجمهور القليل العدد.. لحظة، اثنتان، كانتا كافيتان ليقطع أبو حبيب أذن الزبون، ويجرح رأسه جرحاً عميقاً.. لحظة ثالثة.. هرب المعتر. وقف الختيار حائراً من أمره، نظّم انسحاباً تكتيكياً، لعن قانون المسابقة والمنظمين والراعي.. وتضبضب.. ناله من الانتقاد والتقريع ما ناله.. حار في أمره من جديد "شو هل العلقة اللي فوتت حالي فيها". قرر أن يجتمع بنفسه، ثم قرر أن يتعبر الاجتماع مفتوحاً، وأن يكون رأسه في حالة انعقاد دائم.. فلفش جارور السبعينات شهرين متتاليين، ورقة ورقة.. طرح الثقة بنفسه أمام نفسه مرات، وضع نفسه بتصرف نفسه.. وخلص إلى نتيجة بديهية، كانت واضحة منذ البداية، حتى أنه سخر من نفسه كيف أنه لم يحزرها.. "أنا ربّ الحلاقة، ولا داعي أن أثبت لأحد ذلك".. لكنه، ربما غفل عن نتيجة بديهية أخرى تقول "من هو الذي سيسلمك رأسه يا رب الحلاقة؟".




#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الجنسية- إحدى أكبر معارك الحركة النسائية اللبنانية
- حول الانتخابات اللبنانية وقضايا المرأة
- لبنان: ما قبل أزمتي الغذاء والاقتصاد العالميتين.. وما بعدهما
- متى ننصف المرأة.. ولو على الورق؟!
- حول أهمية التكييف الوظيفي في دمج الأشخاص المعوقين اقتصادياً. ...
- نساء لبنانيات يروين قصص تعرضهن للعنف والتعذيب
- التمييز القانوني ضد المرأة في لبنان
- بين المجتمع المدني العربي وقمة الكويت القادمة
- ستون عاماً على انتهاكات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- تشي غيفارا يحتفل في بيروت بألوان عربية
- في يوم الغذاء العالمي: دعوة الى الاستيقاظ دعماً للجياع حول ا ...
- زيادة أجور هزيلة تقدم كإنجاز حكومي
- في الرهان على المجتمع المدني اللبناني
- حراك المجتمع المدني اللبناني .. نحو -وطن لجميع ابنائه-
- المجتمع المدني اللبناني يناقش البيان الوزاري
- أي قانون انتخاب يريده المهمّشون في لبنان
- رسالة المجتمع المدني اللبناني إلى السياسيين
- حول -النداء العالمي لمكافحة الفقر-.. عربياً
- حملة لا للحرب في لبنان... بين السياق والنتائج
- المجتمع المدني اللبناني ينتصر!


المزيد.....




- الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة ...
- عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير ...
- كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق ...
- لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟ ...
- مام شليمون رابما (قائد المئة)
- مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
- مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة ...
- إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا ...
- نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن ...
- وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عماد الدين رائف - بين الحزب الشيوعي اللبناني وأبي حبيب.. نقدان ذاتيان انتخابياً