|
قرع الأجراس .. لطرد الأرواح الشريرة أم إثارة إنتباه الرب
قيس مجيد المولى
الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 06:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يرى فريزر أنَ هناك صراعاً مابين الكهنة والأرواح الشريرة والشياطين وهذه الأرواح الشريرة والشياطين هي أشكالٌ غير مرئية تتحينُ الفرص للإنقضاض على الكاهن لتحمله معها إلى عالمها الخاص.لذلك وحسب المعتقدات القديمة إحتاط الكهنة ووجدوا ب (الأجراس) وسيلة دفاعٍ مضمونة لدفع الأذى عنهم لذا علقوا في أطرافِ ملابسهم الكهنوتية أجراسا تقرعُ أثناء سيرهم وتحدثُ(جلبةً) إذ إن هذه الأصوات أو الجلبة ما أن تسمعها الأرواح الشريرة والشياطين حتى تولي هاربةً ولا تعود لعملها الشيطاني في محاولتها للإستحواذ على جسد الكائن البشري. كما ذكر فريزر إن وسائل الدفاع تلك لم تقتصر على الأجراس بل شملت هذه الوسائل الأصوات الصادرة من الطبول وقوقعة الحديد أو أي شكل من أشكال المعادن التي تخرج أصواتاً شبيهه لما تخرجه الأجراس. ولقد تم التعامل قديماً مع ظاهرة قرع الأجراس كأحد الوسائل لمعالجة المرضى وشفائهم من أمراضهم لاعتقادهم بالقوة التضادية التي تحملها تلك الأصوات إتجاه الأرواح الشريرة وقدرتها على التطهير ولكن مانلاحظهُ من خلال العديد من الحكايا الأسطورية حول هذه الظاهرة (ظاهرة قرع الأجراس)بأنه لم تتم الإشارة لأهمية وماهية هذه الأصوات التي تندحر أمامها الروح الشريرة والشياطين وهل أن الروح الشريرة قد فسرت أن هذه الأصوات أصوات نشاز وفوضى لاتستطع إحتمالها لذلك تهرب منها أم هي أصوات جميلة والأرواح الشريرة تكره الجمال لذلك كانت غير قادرة على الإنسجام مع تلك الأصوات لدحرها وفضلت الهروب عند سماعها أم أن الأرواح الشريرة قد أدركت أن هذه الأصوات ستثير في داخلها الخوف والفزع الأمر الذي جعلها تغاير خططها لأجلٍ ما. ثم لم يشر فريزر إلى الأسباب التي دعت الفكر البدائي إلى تقديس المعدن دون سواه وهل كان بسبب قوة الصوت المنبعث عنه أم لأسباب أخرى لها علاقة بالنسق العبادي للكهان أم أسباب أخرى ؟بعد ذلك يتبلور مفهوم قرع الأجراس في (عصر المسيحية)فالأصوات التي تصدر عن قرع النواقيس هي أصوات وقورة وجميلة لذلك كانت الأرواح الشريرة والشياطين تهرب منها. في حين لم تشر المفاهيم قبل المسيحية إلى هذا المفهوم والذي كان من الممكن الإشارة إليه سابقاً كون البداية الأولى تدرك مالتأثير قرع الأجراس من أثر على هذه الأرواح. كما يرى فريزر ومستنداً إلى العديد من الحكايات الأسطورية إن قرع الأجراس له علاقة أيضاً بالعواصف والرياح وأن الأرواح الشريرة هي التي تقوم بإثارة العواصف والرياح العاتية وحال سماع أصوات الأجراس التي كانت تقرع عند بدء هذه الظواهر الطبيعية فسرعان ماتخفت العواصف والرياح وبذلك ومثلما تعالج الأرواح الشريرة التي تريد الإستيلاء على الجسد البشري تعالج بقرع الأجراس فإن معالجة العواصف والرياح تتم أيضاً بهذه الطريقة.والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا بما أن الأجراس كانت تشكل عدواً مزمناً للأرواح الشريرة والشياطين وتحول دون تنفيذ مأربهما فهل كانت هناك ردودَ أفعال ما من قبل تلك الأرواح تجاه الخصم اللدود ؟لقد ذكرت في بعض الأدبيات القديمة إن هناك محاولات بذلت من قبل الأرواح الشريرة لإيقاف قرع الأجراس ولكن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح رغم أنها محاولاتٍ محدودة كما يشير فريزر إلى أن هذه المعتقدات الأسطورية إكتنفها الخشوع والقدسية وكانت عاملاً منتصراً في قلب الإنسان البدائي على أي من مؤثرات قوى الطبيعة. ومن الحكايات التي لها أهمية من وجهة نظرنا ماتقوم به قبائل شمال هنكاريا وحسب ما ذكرته أسطورة هذه القبائل فعند الشعور بدنو أجل مريض يدق جرس صغير يحملُ باليد قرب جسد الميت وبعد ذلك يدق جرسٌ أخر خارج باب غرفة المتوفي ثم يرافق الجرس أي صوته روح المتوفي بعد ذلك يُخبر رجل الكنيسة بقرع جرس الكنيسة ونفسرُ هذا الإجراء بأنه يهدف إلى ضمان بقاء الروح في منأى عن الشياطين والأرواح الشريرة لحين تسلم الجرس الأكبر جرس الكنيسة مهمته في ملازمة الروح لحين وصولها لعالم الأرواح وهنا أيضاً لابد من إثارة بعض التساءولات ومنها مامدى تحسس تلك الأرواح الإنسانية بتلك الحماية وهل تنتهي هذه الحماية بمجرد وصولها لعالم الأرواح وهل أن هناك بديلا أخر يحل فيما بعد لحماية هذه الأرواح وفوزها بالنعيم الموعود. إن الدافع البدائي في الأساطير يقوم على أساس وجود خطر غير مرئي يتمثل (الأرواح الشريرة- الشياطين)وكذلك وجود وسيلة دفاع (أصوات تخرج من أجسام معدنية)وأن الجلبة والضوضاء هما أداة تلك الوسائل لشل حركة الأرواح الشريرة. إن الحكايات الأسطورية القديمة تتضمن الكثير من الفلكلور والذي يأخذ أحيانا مجاله التطبيقي في حياة الأقوام البدائية ويصبح جزءاً من حياتهم العملية وفي مرتكزات ثقافتهم الأولية وقد أشار فريزر في أصل النار إن الناس آنذاك يعتقدون إن النار لم تكن من أجل تدفئة البشرأو من أجل استخداماته بل كانت من أجل طهي أضحية الألهه وهذا التحليل أيضا يثير العودة لسؤالنا في مقالنا السابق عن أصل الخلود وهو تقصد الألهه على الاستحواذ الاستحواذ على الحياة والإستحواذ على موجودات الطبيعة ولاشك ومن خلال الإعتقاد بالتدرج الطبيعي الذي مر به الإنسان ينبه فريزر إلى أن تعامل الفكر البدائي هو الأخر مر بمراحل ثلاث (مرحلة الجهل بالأشياء)وهي المرحلة التي نسميها بالمرحلة الصورية والتي يرى الإنسان البدائي صور الأشياء دون تفاعل يذكر ثم (مرحلة الإكتشاف)حيث بدأت مخيلة الإنسان وذهنه تذهب إلى مابعد تلك الصور وبدأ بالتعليل والإستنباط الأولي وإثارة الأسئلة ثم (مرحلة الإستخدام) وبها بدأ يؤمن وسائله التي تكفل إستمراره في الحياة على صعيد الإحتياجين المادي والفكري والتخطيط لغده.ولا بد من الإشارة إن تأثير أساطير الأجراس قد إمتد إلى العصر الوسيط وكذلك العصر الحديث وبنفس التقاليد الأسطورية التي كان عليها التفكير البدائي لدى العديد من القبائل البدائية أي أن هناك سحرة ومشعوذون غير مرئيين يريدون إلحاق الشر بالإنسان وأن هولاء المشعوذون يجعلون من الليل ملجأ لهم لاجتماعاتهم السرية لتدمير بني البشر لذلك كانت أجراس الكنائس تقرع طوال الليل لتشتيت الجهد الذي تقوم به الأرواح الشريرة ورغم فاعلية هذه القوة(الأجراس) لكن التفكير البدائي لم يذكر شيئاً عن تقديس هذه الأجراس او نوعية العلاقة بينهما من قريب أو بعيد ولم يذكر لنا من أنه كان يقدسها أو يقدم لها الأضحية أو أي فعل أخر لينال رضاها لكن فريزر ذكر مثل هذه الصلة تحديداً في العصور الوسطى والحديثة ومما ذكره عنها بأنها قدسية وتسمى بأسماء عديدة وتغسل بالزيت. ولقد كان تأثير هذه الأساطير وما إحتوته من الفلكلور واضحاً في النشاط الأدبي للإنسان وخصوصاً الشعر منه وعن ذلك يقول الشاعر الأمريكي (بريت هارتي): أجراس الماضي لاتزال تملأ الفضاء الشاسع لا تعثر على أنة أو عفن فطري أيها الأجراس الرهيبة يامن تستغيث أجسامها المقدسة بإيمان القدماء إننا نشق طريقاً عبر أمواجك الطويلة نتلمس الماضي السحيق وبالتأكيد فأن هذه الحكايات قد ألهمت الشعراء الفضاء المفتوح لمساعدة المخيلة على الإبحار في عوالم غير مكتشفة ومقارعة المجهول للوصول المفترض إلى نقطة الرجوع الأولى لإرضاء الذات بخزين جديد مثلما ترى بعض الأقوام البدائية إن ظاهرة قرع الأجراس لجلب إنتباه الرب.
هامش: - المعتقدات في الأديان القديمة / جو فريزر - أصل النار / جو فريزر - المخيلة البشرية صموئيل هنري هوك
#قيس_مجيد_المولى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأدب الروسي
-
فرويد ..وأخطار النشوء الأول في اللامعقولية المعاصرة
-
هيجل .. . بلوغ مستوى الضرورة العميقة
-
ماركس وأنجلز .. والتضمين الباطني لنظرية الأدب
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|