|
من نماذج الغزو الغربي لبلاد المسلمين -الزواج المدني-
عاهد ناصرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 03:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال تعالى:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء270 منذ زوال سلطان الإسلام عن الكرة الأرضية ،وتحكم الرأسمالية ،والمشاكل التي تعتري الشباب والفتيات تزداد وتتفاقم ،حتى أن كثيرا منهم وقع في الرذيلة طوعا أو كرها . ولجأ إلى ما يغضب الله – عزوجل- وإلى غير الطريق الشرعي، فسارعوا إلى الفساد ، ووقعوا في حبائل الدعوة إلى تحرير المرأة وانعتاقها من أوامر الله واستسلامها إلى وساوس المفسدين، الذين يبشرون بنمط الحياة الغربية وطراز عيش الغرب في لباسهم وعلاقاتهم ونظمهم. لقد تم هدم دولة الخلافة التي تطبق الإسلام كاملا في معترك الحياة ، دولة الخلافة التي تطبق أنظمة المجتمع، والتي تشمل الاقتصاد، والحكم، والسياسة، والتعليم، والعقوبات، والمعاملات، والبيّنات والنظام الإجتماعي الذي ينظم علاقة اجتماع المرأة بالرجل ،والرجل بالمرأة، وينظم العلاقة التي تنشأ بينهما عن اجتماعهما ، وكل ما يتفرع عنها . وتعرضت الأمة إلى غزوة كاسحة استطاع الكافر المستعمر من خلالها أن ينفث سمومه وحضارته ومفاهيمه الغربية فتغيرت المقاييس عند الناس وتبدلت، وسيطرت المادية والنفعية عليهم ،وتمكنت الأعراف والتقاليد منهم وعلى تصرفاتهم ، مما أدى إلى الكلفة المادية التي لا تُطاق في أغلب الأحيان ، فاستئجار الفنادق والقاعات والصالات لاستقبال المهنئين والمهنئات قبل الزواج وبعده مثلا، أضف إلى ذلك الكثير من تقاليد وعادات الزواج التي يمكن الاستغناء عنها . يسعى الغرب الكافر عدو الأمة الإسلامية اللدود لتحطيم وهدم الناحية الإجتماعية بشكل خاص عند المسلمين وبكل ما أوتي من قوة، بعد أن هدم خلافتهم، ومزق بلادهم، وجعلهم في ذيل الأمم. وها هم المسلمون اليوم يتعرضون، إضافة إلى الحملات العسكرية التي تقودها أميركا، إلى حملات فكرية رأسمالية، ومنها حملة تطالب بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل، والهجوم المكثف على أحكام النظام الاجتماعي ؛ فيدعو إلى الزواج المدني ويحارب الزواج المبكر ويزعم أن له أضرارا على الصحة الإنجابية ، ويهاجم تعدد الزوجات الذي شرعه رب العالمين في الوقت الذي يدعو فيه ويروج ويشجع الحريات الشخصية ويسهل كل طرق الفاحشة ، تلهج بها وسائل الإعلام المختلفة في كل وقت وحين ، وتُعقد المؤتمرات من أجلها، وتُنفق الأموال الطائلة عليها. والمسلمون يجب أن يكون عيشهم في طراز معين وهو الطراز الذي بينه الله – تعالى- ورسوله – صلى الله عليه وسلم - ، ليس الطراز الغربي وليست الحضارة الغربية التي تبيح الزنا والإختلاط لغير حاجة يقرها الشرع ،وأن يجتمع الرجال بالنساء كالحيوانات0 والإسلام الذي أكرمنا الله – عز وجل – به بين لنا الأعمال التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة ، أوجب أعمالا مثل لبس الجلباب عند خروج المرأة للحياة العامة وغض البصر والزواج ،وحرم أعمالا أخرى مثل الزنا والتبرج والإختلاط لغير حاجة يقرها الشرع ، وأن تسافر المرأة وحدها دون زوج أو محرم . وقد جاءت آيات القرآن منصبَّة على الناحية الزوجية، أي على الغرض الذي كانت من أجله غريزة النوع. فجاءت الآيات مبينة أن الخلق للغريزة من أصله إنما كان للزوجية أي لبقاء النوع، أي أن الغريزة إنما خلقها الله للزوجية فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }. فإذا كانت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على صلة الذكورة والأنوثة، أي على الصلة الجنسية كما هي الحال في المجتمع الغربي، كان إيجاد الواقع المادي، والفكر الجنسي المثيرين عند الرجل والمرأة أمراً ضرورياً لإثارة الغريزة حتى تتطلب إشباعاً، وحتى يجري إشباعها لتتحقق هذه الصلة، وتوجد الراحة بواسطة الإشباع. وإذا كانت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على الغرض الذي من أجله وجدت هذه الغريزة، وهو بقاء النوع، كان إبعاد الواقع المادي والفكر الجنسي عن الرجل والمرأة أمراً ضرورياً في الحياة العامة، حتى لا تثور الغريزة، لئلا تتطلب إشباعاً لا يتاح لها، فينالها الألم والانزعاج. وكان حصر هذا الواقع المادي المثير في حالة الزوجية أمراً ضرورياً لبقاء النوع، ولجلب الطمأنينة والراحة، في تحقيق الإشباع عند تطلبه. ومن هنا يتبين إلى أي حد تؤثر نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة في توجيه الحياة العامة بين الجماعة وفي المجتمع. وقد كانت نظرة الغربيين الذين يعتنقون المبدأ الرأسمالي والشرقيين الذين يعتنقون الشيوعية إلى الصلات بين الرجل والمرأة نظرة جنسية لا نظرة بقاء النوع. ولذلك دأبوا على تعمد إيجاد الواقع المادي والفكر الجنسي أمام الرجل والمرأة لإثارة غريزة النوع من أجل إشباعها. ورأوا أن عدم إشباعها يسبب الكبت الذي يؤدي إلى أضرار جسمية، ونفسية، وعقلية على حد زعمهم. ومن هنا نجد الجماعة الغربية والشيوعية والمجـتمع الغربي والشيوعي تكثر فيهما الأفكار الجنسية في القصص، والشعر، والمؤلفات، وغير ذلك. ويكثر فيه الاختلاط بين الرجل والمرأة لغير حاجة في البيوت، والمتنـزهات، والطرقات، وفي السباحة، وما شاكل ذلك. لأنهم يعتبرون هذا أمراً ضرورياً ويتعمدون إيجاده، وهو جزء من تنظيم حياتهم، وجزء من طراز عيشهم. أما نظرة المسلمين الذين يعتنقون الإسلام مؤمنين بعقيدته وأحكامه، وبعبارة أخرى نظرة الإسلام إلى الصلات بين الرجل والمرأة، فإنها نظرة لبقاء النوع لا نظرة للناحية الجنسية، وتعتبر الناحية الجنسية أمراً حتمياً في الإشباع، ولكن ليست هي التي توجه الإشباع. ومن أجل ذلك يعتبر الإسلام وجود الأفكار الجنسية بين الجماعة أمراً يؤدي إلى الضرر، ويعتبر وجود الواقع المادي الذي يثير النوع أمراً يؤدي إلى الفساد. ولذلك جاء ينهى عن الخلوة بين الرجل والمرأة، وجاء ينهى عن التبرج والزينة للأجانب، وينهى كلاً من الرجل والمرأة عن النظر للآخر نظرة جنسية، وجاء يحدد التعاون بين الرجل والمرأة في الحياة العامة، وجاء يحصر الصلة الجنسية بين الرجل والمرأة في حالتين اثنتين ليس غير، هما: الزواج، وملك اليمين. فالإسلام يعمل على الحيلولة بين غريزة النوع وبين ما يثيرها في الحياة العامة، وعلى حصر صلة الجنس في أمور معينة. بينما الرأسمالية والشيوعية تعملان على إيجاد ما يثير غريزة النوع من أجل تحقيق إشباعها وتطلقها في كل شيء. وفي حين أن نظرة الإسلام للصلات بين الرجل والمرأة إنما هي لبقاء النوع، فإن نظرة الرأسمالية والشيوعية للصلات بين الرجل والمرأة نظرة ذكورة وأنوثة، أي نظرة جنسية. وشتان بين النظرتين وفرق شاسع بين ما يعمله كل من الإسلام وهذين المبدأين. وبهذا يظهر ما في الإسلام من نظرة الطهر والفضيلة والعفاف ونظرة هناء الإنسان وبقاء نوعه. شيء حتى ولا ألم وانزعاج، فيكون علاجها هو عدم إثارتها بالحيلولة بينها وبين ما يثيرها إذا لم يتأتَ لها الإشباع. وبهذا يتبين خطأ وجهة النظر الغربية والشيوعية التي جعلت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على صلة الذكورة والأنوثة، وبالتالي خطأ علاج هذه النظرة بإثارة الغريزة في الرجل والمرأة بإيجاد ما يثيرها من الوسائل كالاختلاط والرقص والألعاب والقصص وما شابه ذلك. كما يتبين صدق وجهة النظر الإسلامية التي جعلت نظرة الجماعة إلى الصلات بين الرجل والمرأة مسلطة على الغرض الذي من أجله وجدت هذه الغريزة وهو بقاء النوع، ويظهر بالتالي صحة علاج هذه النظرة بإبعاد ما يثيرها من الواقع المادي والفكر الجنسي المثيرين، إذا لم يتأتَ لها الإشباع المشروع بالزواج وملك اليمين. فيكون الإسلام وحده هو الذي يعالج ما تحدثه غريزة النوع من الفساد في المجتمع والناس علاجاً ناجعاً، يجعل أثرها محدثاً الصلاح والسمو في المجتمع والناس. والنظام الوحيد الذي يضمن هناء الحياة، وينظم صلات المرأة بالرجل تنظيماً طبيعياً تكون الناحية الروحية أساسه، والأحكام الشرعية مقياسه، بما في ذلك الأحكام التي تحقق القيمة الخلقية، هذا النظام هو النظام الاجتماعي في الإسلام. فهو ينظر إلى الإنسان رجلاً كان أو امرأة بأنه إنسان، فيه الغرائز، والمشاعر، والميول، وفيه العقل. ويبيح لهذا الإنسان التمتع بلذائذ الحياة، ولا ينكر عليه الأخذ منها بالنصيب الأكبر. ولكن على وجه يحفظ الجماعة والمجتمع، ويؤدي إلى تمكين الإنسان من السير قدماً لتحقيق هناء الإنسان. والنظام الاجتماعي في الإسلام وحده هو النظام الاجتماعي الصحيح، على فرض أن هناك نظاماً اجتماعياً غيره. لأن هذا النظام يأخذ غريزة النوع على أنها لبقاء النوع الإنساني. وينظم صلات الذكورة والأنوثة بين الرجل والمرأة تنظيماً دقيقاً، بحيث يجعل هذه الغريزة محصورة السير في طريقها الطبيعي، موصلة للغاية التي من أجلها خلقها الله في الإنسان. وينظم في نفس الوقت الصلات بين الرجل والمرأة، ويجعل تنظيم صلة الذكورة والأنوثة جزءاً من تنظيم الصلات بينهما، بحيث يضمن التعاون بين الرجل والمرأة من اجتماعهما معاً، تعاوناً منتجاً لخير الجماعة والمجتمع والفرد،ويضمن في نفس الوقت تحقيق القيمة الخلقية، وجعل المثل الأعلى، رضوان الله، هو المسير لها حتى تكون الطهارة والتقوى هي التي تقرر طريقة الصلات بين هذين الجنسين في الحياة، وتجعل أساليب الحياة ووسائلها لا تتناقض مع هذه الطريقة بحال من الأحوال. فقد حصر الإسلام صلة الجنس، أي صلة الذكورة والأنوثة بين الرجل والمرأة بالزواج، وملك اليمين. وجعل كل صلة تخرج عن ذلك جريمة تستوجب أقصى أنواع العقوبات. ثم أباح باقي الصلات التي هي من مظاهر غريزة النوع ما عدا الاجتماع الجنسي، كالأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة، وجعله رحماً محرماً. وأباح للمرأة ما أباحه للرجل من مزاولة الأعمال التجارية والزراعية، والصناعية وغيرها، ومن حضور دروس العلم، والصلوات وحمل الدعوة، وغير ذلك. وقد احتاط الإسلام للأمر، فمنع كل ما يؤدي إلى الصلة الجنسية غير المشروعة، ويخرج أياً من المرأة والرجل عن النظام الخاص للعلاقة الجنسية، وشدد في هذا المنع، فجعل العفة أمراً واجباً، وجعل استخدام كل طريقـة أو أسلوب أو وسيلة تؤدي إلى صيانة الفضيلة والخلق أمراً واجباً، لأن ما لا يتم الواجـب إلا به فهو واجب ،وحدد لذلك أحكاماً شرعية معينة وحصر الصلة الجنسية في ملك اليمين والزواج فحث الإسلام على الزواج و ورغب فيه فقال تعالى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور (33) . وحث على الزواج المبكر وأمر به لحصر الصلة الجنسية في سن مبكرة بالزواج ، فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء . ونهى عن التبتل فعن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتُّل ( الانقطاع عن النكاح والملاذ إلى العبادة ) ، أخرجه أحمد وقرأ قتادة (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية)، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ثلاثةٌ حق على الله إعانتُهم؛ المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستَعِفَّ، والمُكاتِب يريد الأداء) أخرجه الحاكم وابن حِبان. وحث على تقليل المهور وتيسير سبل الزواج قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خير النكاح أيسره) رواه ابن حبان . وصححه الألباني في صحيح الجامع وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خير الصداق أيسره ) رواه الحاكم والبيهقي . وصححه الألباني في صحيح الجامع . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد الزواج : ( التمس ولو خاتماً من حديد ) . متفق عليه . وروى أبو داود والنسائي – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ : تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنِ بِي – وهو الدخول بالزوجة - . قَالَ : أَعْطِهَا شَيْئًا . قُلْتُ : مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ . قَالَ : فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ ؟ قُلْتُ : هِيَ عِنْدِي . قَالَ : فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ . صححه الألباني في صحيح النسائي فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة . وروى ابن ماجه أن عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ قال : لا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ. صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (لا تُغَالُوا)( أَيْ لا تُبَالِغُوا فِي كَثْرَة الصَّدَاق . . . ( وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى يُعَادِيَهَا فِي نَفْسه عِنْد أَدَاء ذَلِكَ الْمَهْر لِثِقَلِهِ عَلَيْه حِينَئِذٍ أَوْ عِنْد مُلاحَظَة قَدْره وَتَفَكُّره فِيهِ . شرع تعدد الزوجات ، قال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }النساء(3) إلا أن مخالفة هذه الأحكام وعدم التقيد بها ، أدى بكثير من الشباب والفتيات إلى الإنحراف عن جادة الفضيلة ،ناهيك عن الغزوة الغربية الكاسحة لأبناء الأمة الإسلامية ،ومن ذلك الزواج المدني الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة ، وهذا واضح من واقع النظام المدني وواقع نظام الإسلام. فواقع النظام المدني هو اتفاقية تعقد بين رجل وامرأة على المعاشرة وعلى الطلاق وعلى ما يترتب على ذلك من تصرف وخروج من البيت وطاعتها له وطاعته لها وما شابه ذلك، ومن بنوّة ولمن يكون الابن ولمن تكون البنت وما شاكل ذلك، ومن إرث ونسب، وغير ذلك مما يترتب على المعاشرة الزوجية حسب شروط يتفقان عليها ويلتزمان بالتزامها. وفوق ذلك فالزواج المدني يطلق لكل رجل أن يتزوج أية امرأة ولأية امرأة أن تتزوج أي رجل حسب الاتفاقية التي يتراضيان عليها في كل شيء يريدانه حسب اتفاقهما، ولا يشترط فيه وجود شاهدَين فيصح بدونهما، وإذا وُجدا لا يشترط فيهما أن يكونا مسلمين إذا كان طرفا الاتفاقية أو أحدهما مسلماً. وعلى هذا فيكون ما يسمى بالزواج المدني ليس اتفاقية زواج فحسب بل اتفاقية زواج ونسب ونفقة وإرث وبنوّة وحضانة وطلاق، فهو ليس عقد زواج بل هو نظام معاشرة رجل لامرأة أو امرأة لرجل وما يترتب على هذه المعاشرة وكيفية تركها. أما واقع الإسلام فهو فيما يتعلق بالزواج عقد خاص بالزواج لا يتعداه إلى غيره ولا تشمل أحكامه أحكام غيره. وأما النسب والنفقة والإرث والبنوّة والحضانة والطلاق، كل منها باب على حدة وموضوع غير الآخر ولكل منها أحكام معينة خاصة به ولا تشمل غيره ولا يدخل فيه غيره. وعلى هذا فإن نظام الزواج المدني هو غير نظام الإسلام وهما متباينان كل التباين، إذ كل منهما نظام متميز غير الآخر وطراز خاص من......... عليها غير الآخر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن نظام الزواج المدني يخالف أحكام الإسلام كل المخالفة. ففي عقد الزواج في الإسلام يشترط الشرع لانعقاد الزواج شروطاً منها أن يكون الشرع قد أباح تزوج أحد العاقدين بالآخر، فاشترط في المرأة حتى ينعقد زواج المسلم بها أن تكون مسلمة أو كتابية لقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يُؤمنّ) ولقوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنين والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولِما روي عن الحسن بن محمد قال: ٍ”كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم قَبِل منه ومن لا ضُربت عليه الجزية في أن لا تؤكل له ذبيحة ولا تنكح له امرأة”، واشترط في الرجل حتى ينعقد زواج المرأة المسلمة به أن يكون مسلماً، ومنع من سوى ذلك، فمنع أن ينكح المرأة المسلمة كافر مطلقاً سواء أكان كتابياً أم غير كتابي، قال تعالى: (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حِلّ لهم ولا هم يحلون لهن) وهذا نص لا يحتمل إلاّ معنى واحداً ليس غير وهو أن المسلمة لا تحل للكفار وأن الكفار لا يحلون للمسلمات. وكون أهل الكتاب من النصارى واليهود كفاراً ثابت بصريح القرآن، قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً). والنصارى واليهود لا يؤمنون بنبوّة محمد ورسالته فهم الكافرون حقاً، وهذا علاوة على الآيات الكثيرة التي نصت على أنهم كفار من مثل قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وقوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وقوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) إلى غير ذلك من الآيات. فزواج المسلم بالكافرة غير الكتابية وزواج المسلمة بالكافر مطلقاً زواج باطل لا ينعقد ولا يحصل فيه زواج على الإطلاق. والزواج المدني يجعل هذا الزواج صحيحاً، فهو يخالف أحكام الإسلام. وأيضاً فإن الشرع يشترط لصحة الزواج إذا انعقد شرعاً شرطين: أحدهما أن تكون المرأة محلاً لعقد الزواج، أي أن لا تكون محرمة على الرجل بأن لا يرد نص في تحريمها على الرجل مثل قوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء...) الآية وقوله تعالى: (حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم...) الآية، ومن مثل قوله عليه السلام: (لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها) الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة). والشرط الثاني الذي يشترط الشرع لصحة الزواج حضور شاهدين مسلمين بالغين عدلين سامعين لكلام العاقدين فاهمين أن الغرض من هذا الكلام هو عقد زواج، لأن القرآن قد شرط الشاهدين المسلمين في إرجاع المطلقة طلاقاً رجعياً إلى زوجية زوجها، قال تعالى: (فإن بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذويْ عدل منكم)، فإذا كانت الرجعية وهي استدامة عقد النكاح يشترط فيها شاهدان مسلمان (منكم) فإن إنشاء الزوجية -أي إنشاء عقد النكاح- من باب أولى أن يشترط فيه شاهدان. على أن عقد النكاح واستدامة عقد النكاح هما من باب واحد، فهما كالحكم الواحد فكانت الآية دليلاً عليها. فهذان الشرطان إذا لم يتوفرا وانعقد النكاح كان فاسداً والعقد الفاسد يفسخ. والزواج المدني لا يشترط هذين الشرطين لصحة الزواج فهو يخالف أحكام الإسلام. هذا من حيث الزواج، أما من حيث باقي اتفاقية الزواج المدني وهي الطلاق والنفقة والإرث والبنوّة والحضانة والنسب فإن أحكام الزواج المدني في شأنها تخالف أحكام الإسلام. فالشرع جعل الطلاق للرجل يقع على المرأة متى أوقعه الرجل عليها مطلقاً بأية حالة من الحالات وجعله للمرأة في حالات معينة، والزواج المدني يجيز أن يمنع الرجل من إيقاع الطلاق في حالات ولو أوقعه فيها لا يقع على المرأة وتظل زوجة له. والشرع لم يوجب النفقة للزوجة إن كانت في دار كفر أي تحمل تابعية غير التابعية الإسلامية والزوج يحمل التابعية الإسلامية، في حين أن الزواج المدني إذا اتفقا على إيجابها تكون واجبة. والشرع منع الكافر أن يرث المسلم، والزواج المدني يجيز أن يشترط فيه أن يرث الكافر المسلم. والشرع منع الكافر من حضانة الطفل المسلم بعد الفطام، والزواج المدني يجيز أن يجعل الطفل المسلم تحت حضانة الكافر. والشرع جعل الولد يتبع خير الأبوين ديناً أي لا يتبع الولد إلاّ المسلم من الوالدين ذكراً كان أم أنثى، في حين أن الزواج المدني يجيز للولد أن يتبع أحد أبويه الكافر. وهكذا فيكون الزواج المدني من هذه الجهة أيضاً مخالفاً لأحكام الشرع. هذا واقع كل من النظامين، نظام الزواج المدني ونظام الإسلام، وواضح فيه مخالفة الزواج المدني لنظام الإسلام، ولذلك كان العقد الذي يحصل فيه عقداً غير شرعي ولا يعتبر شرعاً ولا قيمة له. وأما العلاج الجذري لمشكلة الزواج المدني فيكمن بالإنعتاق من التبعية للغرب وإيجاد الإرادة السياسية للأمة بتنصيب خليفة عليها يطبق عليها الإسلام كاملا ومنه النظام الإجتماعي ، ولن يكون بمقدورنا أن نشرع في تطبيق نظام اجتماعي إسلامي متكامل إلا بعد أن تكون أسس هذا النظام هي نفس الأسس التي يقوم عليها النظام السياسي عند المسلمين، وهذا يعني ضرورة وجود دولة الخلافة الإسلامية التي تطبق الكتاب والسنة في الدولة والمجتمع. فإلى العمل لإيجاد هذه الدولة أدعوكم أيها المسلمون. قال تعالى في سورة طه : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } (127)
#عاهد_ناصرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها الإعلامي
-
الحضارة الغربية ...أس الداء ومكمن البلاء
-
رسالة الإسلام الخالدة ..عالمية البعد والخطاب
-
أوباما ... الأزهروجامعة القاهرة
-
رسالة مفتوحة إلى كل أب وأم
-
الإسلام والديمقراطية لا يلتقيان
-
التسول السياسي
-
الأسر الفكري
-
القِوامة ديكتاتورية أم رعاية ؟؟
-
الداء والدواء
-
انتصار الإسلام السياسي
-
هل حقا أن الإسلام يبيح التحرش ؟!
-
الإسلام السياسي بين القبول والرفض
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|