أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هاني مشتاق - مسألة التحول: التطور والاشتراكية وسياسة لينين الاقتصادية الجديدة -النيب-















المزيد.....


مسألة التحول: التطور والاشتراكية وسياسة لينين الاقتصادية الجديدة -النيب-


هاني مشتاق

الحوار المتمدن-العدد: 2738 - 2009 / 8 / 14 - 06:16
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بقلم: سي. جي. اتكنز
ملاحظة المحرر: هذا المقال اقتطف من أطروحة أكبر أعدت من قبل اتكنز بعنوان "الأجندات المتنافسة: الصراع الطبقي والدولة الصينية واقتصاد العالم".
يمكن أن تعرف الاشتراكية على أنها مرحلة من التطور الاجتماعي الاقتصادي يجري خلالها تمكين أو تفويض أعداد دائمة الازدياد من الناس في المجتمع من القيام وبشكل جماعية بالمراقبة والتحكم بتوجيه وإدارة حياتهم ومعيشتهم من خلال عملية الصنع التزايدي المتجدد للسبل الديمقراطية الجديدة للملكية والمؤسسات من أجل إدارة وتوجيه الاقتصاد والجوانب الأخرى من الحياة الاجتماعية. إنها المجتمع الذي يتم فيه نقل العمل الفائض بعيداً عن الفرد والربح الخاص باتجاه التوزيع المستند على الاحتياجات الاجتماعية والمصلحة العامة، وبالتالي باتجاه حل تناقضات العلاقات الاجتماعية الرأسمالية.
لكن الاشتراكية ليست الديمقراطية والجماعية المجردة، وهي ليست ببساطة مشروع من أجل الحرية الروحية أو الاكتفاء النفسي المساواتي. إنها أيضاً تعنى وإلى حد كبير بضمانة وصون مستويات دائمة الارتقاء للمعيشة والأمن المادي لأفراد المجتمع ككل. وبكلمات أخرى، المساواتية هي هدف جدير بالثناء والتقدير، ولكن فقط إذا ما كان المجتمع يمتلك بالفعل الموارد المادية لتعطيها الجوهر والأهمية والقوة. ولا بد من وجود القدرة على إنتاج الفائض الاقتصادي الكافي لإشباع حاجات المجتمع دائمة التزايد والنمو. وعلى ذلك الفائض أن ينتج بأسلوب له فعاليته في استخدام وتوظيف الموارد الطبيعية والقوى المنتجة (وسائل الإنتاج وقوة العمل) والذي يزود قيم عمل بالتوافق مع الحاجة الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية والواقعية لهم. وهي النقطة التي غالباً ما لا تحققها البلدان الاشتراكية القائمة. إن النظام "الاشتراكي" للفقر العام ولتقاسم التخلف والتبذير ليس بالشيء الجدير بالكفاح والنضال من أجله. وبينما تعريفات الاشتراكية هي بالطبع ليست بالمخططات أو برامج العمل لكي يتم وضع مسودات مسبقاً لها مع كل التفصيلات المقررة سلفاً، فإن هناك أوجه قليلة أساسية يمكن أن توصف أو تصور بدقة. فالاشتراكية كنظام اقتصادي – اجتماعي يلي النظام الرأسمالي، يمكن أن تميز أو توصف من خلال الملكية الاجتماعية والسيطرة على قطاعات الاقتصاد الهامة مثل أكثر المؤسسات الصناعية أهمية، والبنوك والمؤسسات المالية وصناعات الطاقة والموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية ومن الممكن أجزاء كثيرة من النظام الوطني للتوزيع / النقل. وإن دمقرطة مكان العمل ستكون مركزية بالتغيير التدريجي للعلاقات الاستغلالية التي تميز المؤسسة التجارية أو الصناعية الرأسمالية، وتجعل من الممكن البدء في التطوير العملي لنمط جديد من الاقتصاد الذي يكون فيه أولئك الذين يخلقون القيمة يمتلكون السيطرة الجماعية ذات المغزى على ظروف عملهم وتقرير مصير فائض القيمة النهائي من خلال السيطرة الاجتماعية على الاستثمار. وعندما تصبح الاشتراكية معززة وقوية، فإن الخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم حتى المستوى الجامعي، والقضاء على الأمية وسوء التغذية والبطالة ستكون في قمة الأولويات إذا لم تكن قد تحققت بالفعل. وليس من الضرورة أن تكون الملكية الاجتماعية مقيدة بصنفين بسيطين من "ملكية الدولة" و "الملكية الجماعية" كما كان التميز المرسوم في الاقتصاد السياسي السوفياتي. الملكية التي يمكن تصورها تأخذ أشكالاً متنوعة اعتماداً على أهداف الإنتاج المخطط والاحتياجات الاجتماعية: ملكية عامة أو ملكية دولة على المستويات المختلفة، الشركات الصناعية والتجارية الخاضعة للاستثمار والسيطرة العامة، وأشكال الملكية التعاونية / الجماعية والمشتركة، ودور ما يحتمل للملكية الخاصة في أعمال أو صناعات معينة على الأقل لبعض الوقت. ولا يمكن التنبؤ في أعمال أو صناعات معينة على الأقل لبعض الوقت ولا يمكن التنبؤ بالأشكال المضبوطة للملكية وبشكل دقيق سلفاً. وعلى الأصح يجب أن يتم صياغة شكل الملكية أثناء التطور السياسي وفي توافق وانسجام مع احتياجات اقتصاد متوازن وقدرة متوازنة على الديمومة والثبات. والنظام السياسي سيكون ذلك النظام الذي تسيطر فيه مصالح الطبقة العاملة في المجتمع ولكن ليس بالضرورة أن تكون القوة السياسية الوحيدة. ومؤسسات الدولة يمكن أن تختلف وتتفاوت على أساس مؤقت وجغرافي وأن تتميز من خلال فترات التغيير المتواصل كتغيير المهمات السياسية والاقتصادية. ويكون الحزب أو التحالف الحكومي خاضع للانتخابات النظامية والحاجة إلى الفوز المطرد والمتواصل وبتجديد تكليفه الشعبي. وكما يذكرنا ويتشنغ: "الاشتراكية دون ديمقراطية ذات معنى وهدف تكون غير معقولة وغير محتملة".
إن تعريف الاشتراكية المذكور أعلاه، قدم كما هو كمرحلة تلي النظام الرأسمالي، تقتضي ضمناً الوجود المسبق للقوى المنتجة عالية التطور وسبل الازدهار العام – أو على الأقل إمكانية الوصول إليها من بلدان أو اقتصادات أخرى. وبينما قد يكون صحيحاً أن مستويات عالية من التطور الإنساني (الاجتماعي والاقتصادي والثقافي) تحققت من قبل البلدان الاشتراكية مع مستويات متدنية من الدخل في الماضي، فالواقع أنه ومن أجل منع الركود والكساد وتعزيز التطور الأبعد، فإن مؤسسة صناعية عصرية برهنت على أنها ضرورة ملحة.
إن النظرة إلى المحاولة الأولى في بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي بعد ثورة 1917 وكيف واجهت جداراً من التخلف الاقتصادي يمكن أن توفر رؤية في بعض التحديات التي تجد الكثير من البلدان المتخلفة نفسها تواجهها في الوقت الحاضر. وعلى سبيل المثال، كثيرون في الوقت الحاضر ينبذون الإصلاح الاقتصادي الصيني على أساس أنه عودة إلى النظام الرأسمالي. وقد واجه لينين والبلاشفة، من ناحية ثانية، الاقتصاد أيضاً خلال السنوات الأولى من السلطة السوفياتية في غضون مسيرة برنامجها الاقتصادي، وكانت سياسة لينين الاقتصادية الجديدة (النيب) غالباً ما وصفت في خارج وداخل الحركة الشيوعية على أنها تخل عن الاشتراكية والإيديولوجية الماركسية. ويبدو أن الحال يتمثل في أن أي اعتراف بالأساسيات المذكورة آنفاً للمادية التاريخية والسياسة العملية التي تنشأ عنها (سواء في موسكو في عام 1921 أو بكين في 1978) ستعطي حتماً نهوضاً لتهمة الهرطقة في قطاعات معينة.
في بدايات الثورة الروسية، أدرك لينين الوضع المتخلف لروسيا السوفياتية وكان مدركاً لصعوبة بناء الاشتراكية في ظل ذلك النوع من الظروف التي آمن ماركس وإنجلز أنها غير ملائمة لنجاحها. في البداية، كان لا يزال مؤمناً بأن الثورة ستندلع في بلد أو أكثر من البلدان الصناعية الرأسمالية وأنها بعد ذلك ستساعد روسيا. وقال: "سريعاً، بعد انتصار الثورة البروليتارية في بلد واحد على الأقل من البلدان المتقدمة، فإن تغييراً واضحاً سيحدث وستكف روسيا عن أن تكون نموذجاً ومرة أخرى ستصبح بلداً متخلفاً ورجعياً". وعندما فشلت مثل هذه المساعدة في النهاية فقد كان لينين مجبراً على البحث عن ظروف جديدة لبناء قوى روسيا المنتجة بتمهيد الأرضية لتحول اشتراكي نهائي. واستنتج أنه لا يمكن أن يكون هناك تقدم ناجح لعلاقات الإنتاج الاشتراكية والشروع في صياغة استجابة واقعية وبراغماتية. وقد قال لينين في خطابه الموجه للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الروسي في آذار عام 1921، حول ضرورة التعاون مع العوامل الرأسمالية الداخلية والخارجية، "إننا الآن في مرحلة تحول، وثورتنا محاطة من قبل بلدان رأسمالية. وطالما نحن في هذه المرحلة، فإننا مجبرون على البحث عن أشكال عالية التعقيد من العلاقات". وتكون هذه "الأشكال عالية التعقيد من العلاقات، طبعاً، كان إنشاء أساليب السوق للتوزيع أولاً في القطاع الزراعي وفيما بعد القطاعات الأخرى من الاقتصاد". وفي ملاحظات أخرى للمؤتمر، أكد لينين للمندوبين أن المشكلة الأهم والأخطر في المرحلة الحالية لم تكن سياسة التنازلات للرأسمالية كما يحذر البعض وخاصة أولئك الذين على اليسار. وعلى الأصح كان المستوى المتدني جداً للقوى المنتجة الذي يهدد بقاء ثورة أكتوبر: "يجب أن لا نخاف من نمو البورجوازية الصغيرة ورأس المال الصغير. وما يجب أن نخافه هو المجاعة، الحاجة ونقص الغذاء، لأمد طويل، وهو ما يخلق الخطر المحتمل في أن البروليتارية تنهار فاسحة الطريق لتردد ويأس البورجوازية الصغيرة". وقد أظهرت كتابات لينين الكثيرة منذ مطلع العشرينات أنه توصل شيئاً فشيئاً إلى الاستنتاج بأنه في بلد خاضع للهيمنة الفلاحية ومستويات متدنية من حيث القوى المنتجة والتعليم والثقافة، يمكن أن لا يكون هناك قفزة لخطوط الإنتاج أو التوزيع الاشتراكية أو الشيوعية وبدأ في رؤية أن التأميمات السريعة والآمال العالية للتخطيط الواسع في الاقتصاد التي ميزت السنوات الأولى قد ذهبت "بعيداً جداً" و "سريعاً جداً". وبدلاً من ذلك، كان على التحول أن ينفذ على مراحل. وهذه الأصناف من المعايير معدة لبناء القواعد المادية – الفنية للاشتراكية التي تصورها ماركس وإنجلز قد تطورت بالفعل من خلال النظام الرأسمالي في المجتمعات الصناعية المتقدمة، حيث توقعا حدوث الثورات الاشتراكية الأولى. إن الثورة البروليتارية، كما رأينا، كان المتوقع حدوثها في أكثر البلدان الرأسمالية تقدماً من الناحية التكنولوجية والاقتصادية بسبب تطور طبقة عمالية صناعية كبيرة والتناقضات الحادة لعلاقات الإنتاج الرأسمالية المتقدمة والتي ستخدم كحافز ومسرع لنهوض الوعي الطبقي. طبعاً إن انتصار الثورات الاشتراكية في بلدان فقيرة ومتخلفة وعادة تكون زراعية يظهر تحدياً جديداً، وما أن نجحت الأحزاب ذات القاعدة العمالية في الإمساك بسلطة الدولة، فقد جوبهت بمهمة محاولة تطوير الاشتراكية في اقتصادات لم تكن بأي شكل من الأشكال مجهزة لدعمها وتأييدها. لقد كان لينين والشيوعيون السوفييت هم أول من واجه الوضع على أرض الواقع أثناء بناء نظام اشتراكي على أساس متخلف.




مسألة التحول: التطور والاشتراكية وسياسة لينين الاقتصادية الجديدة "النيب" (2-2)
وبعيد انتصار ثورة أكتوبر، أصبحت روسيا السوفييتية متورطة في حرب أهلية ووقعت تحت هجوم من قبل جيوش التدخل التابعة لأربع عشرة دولة، ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا واليابان. وفي ظل هذه الظروف مع تفشي نقص الغذاء والعجز الصناعي كالوباء في البلاد، جرى تقديم نظام قاسٍ وجاف لاستخلاص الفائض من الفلاحين ووصلت الأجور إلى مستوياتها الدنيا – أي سياسة "شيوعية الحرب". وكانت كل الشركات والمشاريع الصناعية تقريباً قد تم الاستيلاء عليها وجرى تدبر أمر الإنتاج حيث تواصل على أساس السيطرة الصارمة والكاملة.

وكانت النقود والأسواق، لكل الأغراض العملية، قد تم التخلص منها في كل مجال من مجالات الاقتصاد، وقد آمن البعض بين البلاشفة بأن شيوعية الحرب لم تكن فقط زمن النضال والضيق ولكنها تمثل في الواقع بدايات الاشتراكية والشيوعية – تحقيق هدف الثورة. آخرون – مثل تروتسكي – رأوا مثل هذه المعايير كنتيجة لا يمكن تجنبها للوضع الاستثنائي والخاص الذي وجدت حكومة البلاشفة نفسها فيه وليس الطريقة المفضلة لبناء الاشتراكية. ومع كون قوى الثورة المضادة المحلية تحاول شق طريق العودة في لحظة وقوع هجوم عسكري خارجي على وجه الدقة، ولم تكن الحكومة السوفياتية في وضع يسمح لها بالشروع في اتباع أي من النماذج النظرية مسبقة التخطيط. وقد كتب عام 1920 قائلاً "إذا ما تم الإمساك بالسلطة، فإنه لمن المستحيل قبول مجموعة من النتائج متى ما شاء المرء ورفض قبول أخرى. وإذا كان البرجوازيون الرأسماليون يحاولون عن تعمد وحقد تشويش واختلال الإنتاج إلى نضال سياسي، مع هدف الاحتفاظ بالسلطة لذاتها، فإن البروليتاريا مجبرة على اللجوء للتأميم وعلى نحو مستقل سواء كان هذا مفيداً أو خلاف ذلك في لحظة معينة.
وبعد أن انتصر الجيش الأحمر في الحرب الأهلية وتم دحر فلول التدخل الأجنبي إلى خارج البلاد، كانم الاقتصاد السوفياتي في حالة خراب ودمار. وقد تقلصت الطاقة الإنتاجية للدولة، وكانت الزراعة أدنى حتى مما قبل مستويات 1914. وكانت الطبقة العاملة التي ادعى الحزب أنه يمثلها قد أبيد القسم الأكبر منها، تاركة فقط الحزب نفسه وبيروقراطية الدولة القديمة لالتقاط ما تبقى. وكانت الفلاحة الزراعية جزءاً أكثر هيمنة في الاقتصاد ولكنه كان بحاجة للمنتجات الصناعية التي كانت الدولة غير قادرة على توفيرها. وكان هناك حاجة ملحة لرفع رأس المال وإطلاق عملية تطوير القوى المنتجة إذا ما أريد للبلد أن يبقى حياً ويصمد. وبع هذه السنوات القليلة من الصعوبة والعسر الهائلين اقترح لينين ما وصف مؤخراً "باقتصاد السوق الاشتراكي في صورة بدائية وغير ناضجة".
وفي عام 1921 قدم السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب) لتحل مكان الإجراءات المفرطة والصارمة لشيوعية الحرب، و "التي بسببها" وحسب كلماته، أرهقت البلاد من خلال ظروف الحرب التي لا يمكن تجنبها!! وقد أخذت (النيب) في الحسبان نزع التأمين والشراكة الأجنبية المحلية وبعض المشاريع والمؤسسات التجارية المملوكة لأجانب والتعاونيات المدارة حسب مبادئ السوق واستخدام الإداريين الاقتصاديين الذين تدربوا حسب طرق الإدارة الرأسمالية. والكثير من هؤلاء الإداريين جاؤوا من الطبقة البيروقراطية والإدارية التي جرت إزاحتها من مواقعها بعيد الثورة ولكنهم كانوا في حينها الوحيدين الذين لديهم المعرفة والخبرة لإدارة الاقتصاد الوطني. أما ما تبقى من مؤسسات ومشاريع تملكها الدولة، والتي في معظمها كانت حينها تحتل المواقع الآمرة في الاقتصاد، فكان عليها أن تعتمد على نفسها وأن تعمل حسب مبادئ الربح والخسارة. وقد أشارت المواقع الآمرة تلك إلى القطاعات التي تمثل حبل السلامة للاقتصاد، مثل الطاقة والنقل والبنوك / الموارد المالية والفولاذ – تلك القطاعات التي تضبط أو تدعم بفعالية أغلب القطاعات الأخرى في الاقتصاد. وفي ظل (النيب) كانت الدولة مع ذلك قد صاغت خطة شاملة للاقتصاد، إلا أنها تحققت بشكل رئيسي من خلال أساليب السوق وليس الأساليب الإدارية. أما إنتاج السلع والخدمات الفردية فقد استندت إلى مبادئ العرض والطلب وليس إلى مراسيم وقرارات سلطة التخطيط المركزي. وقد ميزت المنافسة الاقتصادية العلاقات بين القطاعين العام والخاص، والذي يحتل الأهمية الرئيسة في هذه المنافسة هو القطاع الذي ينجح ويفوز. وفي خطابه الموجه للمؤتمر الثاني لدوائر الثقافة السياسية الذي عقد في خريف 1921 طرح لينين الموضوع بكل صراحة حيث قال: "يجب علينا أن نواجه هذه القضية بأمانة – من الذي سيحتل القمة؟ إما سينجح الرأسماليون ... أو سلطة الدولة البروليتارية، وبدعم من الفلاحين، ستثبت قدرتها على حفظ سلطة مناسبة على هؤلاء السادة، الرأسماليين ... القضية يجب أن توضع بشكل واقعي ورزين".
اعترف لينين أن مثل هذا الترتيب لم يكن هذا النمط من الاشتراكية الذي كان يدور بداية في أذهان البلاشفة. "التراجع أمر صعب، وخاصة بالنسبة للثوريين الذين اعتادوا التقدم". لقد أدرك، من ناحية ثانية، أن علاقات السوق والاقتصاد السلعي كانا ضروريين إلى أن يمكن بناء وضمانة القدرة والبنية التحتية لاقتصاد اشتراكي بالكامل. وهذه هي المهمة التي توقع القيام بها لسنوات، بل عقود من التحول. وقد أشارت نوف إلى أن لينين آمن بأن "السياسة الجديدة يجب أن تنفذ من خلال العمل الجاد ولزمن طويل". وقد أمضى لينين الكثير من الوقت وهو يحاول شرح ماهية السياسة الجديدة (النيب) ولماذا كانت ضرورة مطلقة:
ما هو التبادل الحر؟ إنه التجارة غير المقيدة، وهذا يعني العودة باتجاه الرأسمالية ... فكيف عندها يمكن للحزب الشيوعي أن يعترف بالحرية للتجارة وأن يقبلها؟ وهل الرأي المعروض للمناقشة لا يحتوي على تناقضات متضاربة؟ الجواب يتمحور في أن الحل العملي للمشكلة من الطبيعي أن يظهر صعوبات كبيرة متزايدة. فكيف يجب القيام بهذا العمل، إن الممارسة والتطبيق سيظهران ذلك.
وحيث أن الدولة لا تستطيع تزويد الفلاح بالسلع من المعامل الاشتراكية مقابل ما لديه من فائض، فإن الحرية للتجارة مع هذا الفائض تعني بالضرورة الحرية لتطور النظام الرأسمالي. وضمن القيود المشار إليها، مع ذلك، فإن هذا ليس خطراً بالمرة على الاشتراكية طالما أن النقل وقطاعات ضخمة من الصناعة بقيا في أيدي البروليتاريا.
إن تطور مثل هكذا نمط من الرأسمالية الخاضع لسيطرة وتنظيم الدولة والذي أشار إليه لينين مرة بعد الأخرى "كرأسمالية الدولة"، إذا ما وجه بحرص ووعي من قبل دولة اشتراكية، لن يكون مفيداً فقط، بل ضرورياً، وبخاصة في بلد متخلف.
وبالرغم من ذلك، انتهت (النيب) فعلياً في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي، لأسباب سياسية واقتصادية. وفي السنوات التي أعقبت وفاة لينين، وضع جوزيف ستالين نفسه كشخص اعتدالي ووسطي بين قيادة الحزب، يروج لنفسه دائماً كتلميذ ومريد مخلص للينين. وتحالف في البداية مع بوخارين في الدفاع عن السايسات الناصرة للفلاحين وتمديد وتوسيع (النيب). طالما أن طريق (النيب) بدا أنه فعال في جهوده لإحياء وتنشيط الزراعة والصناعة، وقد انتقد ستالين المقترحات المقدمة من قبل تروتسكي وآخرين بخصوص زيادة الاستثمارات في الصناعة الثقيلة إلى جانب المقترحات المقدمة من قبل اي. بريوبرازنسكي بخصوص "التراكم الاشتراكي البدائي" للضغط على الفلاحين الخصوصيين لصالح الصناعة، مصوراً نفسه كإنسان براغماتي، وقطع بشكل تدريجي الدعم لتروتسكي ومعارضيه الآخرين. وكلما بدأت (النيب) تعاني من اختلال والتطور الصناعي يصل إلى مرحلة من الاستقرار النسبي كان ستالين ينتقل بسرعة إلى اليسار، متبنياً تلك السياسات نفسها التي انتقدها عندما اقترحها تروتسكي والآخرون، وتخلص من حليفه السابق بوخارين. وكان زينوفييف، رئيس الأممية الشيوعية من منتقدي (النيب) بالإضافة إلى خطة ستالين بوخارين لبناء "الاشتراكية في بلد واحد". وعندما قرر ستالين أن يتخلى عن (النيب) ولكن ليس "الاشتراكية في بلد واحد"، كان على زينوفييف أن يسير بنفس الاتجاه. وخلال سنوات قليلة، استطاع وبنجاح أن ينتقل من موقف سياسي معين الى آخر استناداً لحاجات اللحظة بالتزامن مع التخلص (أولاً سياسياً وبعد ذلك مادياً) من جميع قادة الحزب الآخرين من أية مواقع في السلطة. وفي صراعات النفوذ والسلطة مع قادة الحزب الآخرين هؤلاء، بدأ ستالين يحاول أن يبرهن بأن الإجراءات الامتيازية لسياسة لينين الاقتصادية الجديدة (النيب) كانت معدة فقط لتكون ذات طبيعة مؤقتة إلى حد بعيد جداً، وليس لتوجيه سياسة تطويرية وتنموية. وقد اتهم أولئك الذين أرادوا مواصلة (النيب) أو توسيعها لتشمل قطاعات أكثر من الاقتصاد، مثل بوخارين، بأنهم يريدون إحياء وترميم النظام الرأسمالي ونشر "تفسير" (النيب) المعادي للينينية والأكثر ضررا. وكان هذا واحدة من الفرص المناسبة الأولى التي تم خلالها وسم أولئك الذين اتبعوا أفكار لينين بـ "المعادين للينينية"، التهمة التي دمغت عهد ستالين. وعندها كان هناك وريث واحد فقط معترف به لقضية "اللينينية". واتهم تروتسكي وغيره من الناقدين بأنهم "معارضة برجوازية صغيرة" وواجهوا إما النفي أو الإعدام وعانى تروتسكي نفسه في آخر الأمر من الاثنين معاً.
وبدلاً من مواصلة بناء القوى المنتجة المدعومة من خلال سياسة لينين الاقتصادية (النيب) فقد دفع ستالين الحزب إلى اختيار الزراعة الجماعية الإجبارية وملكية الدولة الكاملة أو الملكية التعاونية الكاملة لكل موارد الإنتاج الأخرى بتوافق مع تصنيع سريع تحت الخطة الخمسية الأولى – الخط "اليساري" نفسه الذي أمضى أكثر عشرينات القرن الماضي يجادل ضده وإلى جانبه بوخارين. وكان المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي السوفييتي قد انعقد في كانون الثاني 1927، وتحت إلحاح ستالين قرر أنه "وفيما يتعلق بعناصر الاقتصاد الرأسمالي الخاص التي ازدادت بكل ما في الكلمة من معنى ... فإن سياسة تقوم على التقشف وضغط الإنفاق يمكن ومن الواجب اتباعها وممارستها". وقد ميز هذا بداية التدفق الاستثنائي لفكر يساري متطرف والذي وسم السوق بالمتعارض الأبدي مع الاشتراكية ودشن الخطة الشمولية والملكية العامة التامة كشروط ضرورية وكافية لبناء نظام اشتراكي.
تعريب هاني مشتاق

عن مجلة البوليتيكال أفيرز
المجلة النظرية للحزب الشيوعي
في الولايات المتحدة




#هاني_مشتاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هاني مشتاق - مسألة التحول: التطور والاشتراكية وسياسة لينين الاقتصادية الجديدة -النيب-