|
صدام حسين والسلطة؟
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 165 - 2002 / 6 / 19 - 20:16
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
صدام حسين في سباق متعثر مع الزمن، لا يغير من الأمر شيئا احتمال كونه يختار الاتجاه الصحيح، فهو قد تأخر كثيرا جدا، وها هو يطرح برنامجه ليس كقائد مباشر للسلطة مقررا ان يفعل اليوم ما كان عليه ان يفعله بحماس قبل احدى عشرة سنة ومع ان الاشاعات في بغداد كثيرة وبعضها تتداوله الاوساط الدبلوماسية في العاصمة العراقية مؤكدة ان الرئيس العراقي ينوي الرحيل وتسليم ابنه الأصغر مقاليد الحكم (هذا ما نقله مراسل ال <<إكسبريس>> الفرنسية مؤخراً) الا ان الدلائل لا تشير الى قرار ب <<التقاعد>> اتخذه صدام حسين بين ليلة وضحاها، فهو يحفر مكانا آخر، حيزا آخر للسلطة على شكل <<أب قائد>> ربما يكون <<مجرد زعيم>>، ربما يصبح رئيسا لمجلس شورى يأخذ اليه معظم الاسماء القديمة في الحزب ليبقي رئاسة الجمهورية فارغة من المحتوى وباهتة بازاء مركز سيستقر القرار النهائي عنده من دون ان يكون من الناحية الدستورية هو المسؤول الاول في الدولة. مهما يكن فنحن على الأرجح لسنا بعيدين عن رؤية صدام ما بعد رئيس للجمهورية. الصورة طبعاً مبهمة وتحتمل اكثر من نهاية، لكنها ليست معقدة الى الحد الذي يستحيل معه رؤية الضغوط والمخاطر وتلمّس بعض المخارج المحتملة والمتاحة او المفروضة. فمسألة تغيير المنصب الرسمي الذي يحتله الرئيس العراقي قد تكون احد الخيارات <<العملية>> اذا ما اعتبرنا ان ذلك يلبي من الناحية الشكلية مطالب تبني الولايات المتحدة عليها اليوم حملتها العسكرية المزمع شنها على العراق. والفكرة ليست جديدة وتجري تسريبات بشأنها منذ أكثر من ثلاث سنوات لكنها ما كانت يوما ولن تكون من قبيل الاجراء الذي يمكن ان يقدم عليه صدام حسين نزولا عند رغبة الولايات المتحدة الاميركية، وكما تريد او تفكر، ومع انه يعرف جيدا، وتلقى خلال السنوات الاخيرة اكثر من رسالة واضحة عبر اطراف عربية ودولية صديقة تقول كلها صراحة ان هذا المطلب لا يمكن التراجع عنه، غير انه يعلم يقينا ايضا ان تنفيذ مثل هذا الطلب مستحيل عمليا لأن العراق يعاني فراغا شاملا وغيابا مريعا على مستوى البدائل الممكنة داخل النظام وخارجه. وفكرة قيام قصي صدام حسين بمهام رئيس الجمهورية كما يتصورها الاميركيون لا يفوت الاب ان يلمس فيها مدخلا يريد الاميركيون النفاذ منه لكي يعمقوا ازمة النظام المستفحلة اصلا على امل تفجيره بالمزيد من الضغوط. فقصي صدام حسين ابعد من ان ينهض بمسؤولية كهذه وبنية جهاز الدولة والحزب والمجتمع وآليات عملها تتعدى بسنوات ضوئية قدراته او مكانته او استعداده لضمان استمرار الضبط وتأمين الطاعة، وهو سيكون مجبرا، اذا قرر احتلال هذا المنصب، على ان يشرع قبلا بحملة تغييرات في المواقع والاشخاص تصل حد احداث <<انقلاب شامل>> من الواضح ان نتائجه ستكون خطرة للغاية وتفتح الباب واسعا في الظروف الحالية على تداعيات عكسية يحرص النظام على تحاشيها تماما. هذا يعني ببساطة ان ما يظنه البعض خصوصاً من <<الاصدقاء>> والوسطاء حلا هو بالاحرى لقمة سمن مغمّسة بالسم. فتخلي صدام حسين عن السلطة لابنه قصي هو بأقل تعديل حكم على النظام برمته ببداية التداعي قبل الانفجار. لكن هذا لا يعني بأية حال ان الرئيس العراقي يمكن ان يبقى بعد هذا كله <<مجرد رئيس للجمهورية>>. وهو حسب دلائل وإشارات كثيرة اصبح على اقتناع تام بأن مراهنة كبرى على الزمن قد ذهبت ادراج الرياح. فلقد ظن انه قادر على الخروج من ورطة 2 آب 1990 كما خرج من سواها بما ملكت يداه وبما في حوزته من وسائل الدولة والحزب وموارد العراق وحساسية موقعه الاستراتيجي فرفض الاقتناع بأن الزمن قد انقلب وان ما مضى من عهود قد مضى ولم يعد يصلح للتداول وأغلق سمعه دون كل نداء الى تغيير وطني يبدل قواعد المواجهة ويقلب التوازنات ويؤمن تعديلاً لا يمكن ان يحدث في موازين القوى من دون <<انقلاب ذاتي على النظام>> يجعل هذه العملية الاجبارية المفروضة تصبح اقرب الى الانتصار الوطني بدل ان تنتهي كما هو الحال الحاضر الى حجة ووسيلة لتكرار العدوان على البلاد وإغراقها في المزيد من الدمار والموت. في هذا السياق تبدو <<الرئاسة>> اليوم محوراً تتركّز عنده ومن خلاله احتمالات الموت المجاني او قبول التحدي بوسائل راهنة ومن نوع التحدي المفروض. فطلب رأس صدام حسين هو اول الحجج على الجبهة الاميركية والزمن وضغط المتغيرات الداخلية والنهاية التي تلوح في الأفق تجعل هذا الهدف على جدول اعمال السلطة اذا كان الافراط المعهود في حساسية وموهبة الحفاظ على السلطة لا يزال حيا والمخاطر مجسدة في ذهن رأس النظام الى الحد اللازم لجعله يعتمد شعار التخلي عن الرئاسة شرطا للحفاظ عليها ويحول هذا الاجراء الى مناسبة للتحرر من قيود يفرضها تمثيل الدولة او قيادة الحزب مع كل ما يلازم مسؤوليات كهذه من خضوع لآليات لم تعد بطيئة وحسب بل معيقة، في وقت الاستعجال فيه هو سيد الاحكام والخطوات المطلوبة مشروطة كلها بأثر رجعي وعاجل. الرئيس العراقي ينتسب الآن الى <<حقبة الرواية>> كأنه يحاكي حقيقة اصبحت تتجاوز تماما في ظروف العراق اليوم فعل الاحزاب المنظمة وقد انتمى الى الكتاب حين <<أشار عليهم>> بأن يعلنوا في <<بابل>> وعلى صفحتها الاولى ما اعلنوه قبل اكثر من ثلاثة اسابيع انتصاراً لحرية الابداع او حين يكرم البارزين وكبار المبدعين، ومنهم نازك الملائكة، او عندما يحاكي مطلبا يطرحه الوطنيون المعارضون منذ سنوات ويريدون بموجبه حشد الطاقات في اطار عملية <<تنمية ديمقراطية مقاومة>> تبدأ من تأمين الغذاء وإعادة هيكلة الاقتصاد والحياة وبعث مناسب لدور الحركة الوطنية، وهو ما قاربه في واحد من آخر توجيهاته في مجلس الوزراء، ولعل هذا يكون من قبيل التمهيد لتكريس منظور في قرارات معدّة للتنفيذ على مستوى الدولة وتوجهاتها. الا ان الأهم منه هو الاشارات التي اطلقها في الفترة الأخيرة وقال بموجبها انه لا يريد للحزب ان يكون <<حزب فرد أيا كان بل يريد مع القائد قادة ومع السيف سيوفا>> او حين اراد ان يوحي بتحولات داخلية قائلاً إن <<قضية التغيير داخل الحزب مهما تكن هي من صنع ارادة الحزب نفسه ولا علاقة لها بما يريده او يطرحه الاميركيون>>. مفهوم اليوم ان تحركا لصدام حسين خارج حيز السلطة المباشر هو تكريس لسلطته وقد اصبح ما فوق رئيس للجمهورية، فليكن من يريد ان يكون رئيسا وليكن إن اراد ان يتزعم الحزب اذا كان الزخم الاساسي للحياة السياسية يميل الآن الى الفيض خارج اطار الحزب والدولة وهو ما لا شك فيه على الاطلاق بناء على المتغيرات الغنية التي عرفها الواقع العراقي في السنوات الاحدى عشرة المنصرمة. لقد حسم هذا الأمر نهائيا وأقر صدام حسين انتقالته الجديدة فأوحى بأن تطلق عليه صفة جديدة وردت في جريدتين من جرائد عدي صدام حسين، فالرئيس العراقي من هنا وصاعدا <<سيد الشمول>> وهو القادر على الانتقال من شخصية الى اخرى ومن حقبة الى التي تليها وها هو يعد عدته لكي ينتقل نحو طور لا يمكن تصور امكانية لاستمرار السلطة اذا فكر بالتأخر عنه او انصاع لإيقاع الحقبات الماضية وأضاع وقتا لا يقدر بثمن ويحسب بالثواني. لعل الرئيس العراقي مقبل على عهد يراه بمثابة رئاسة عليا او رئاسة رؤساء، فهل سيعني ذلك تحسساً بمدى تجاوز الوطنية العراقية لحدود الحزب والدولة بصيغتها الحالية، وتناغما مع ضرورة تهدد ادوات السلطة فيكون الرئيس الجديد اقرب الى ما بعد الأحادية السياسية، ام انه سيوقف تحوله عند حدود مرهونة بالتهديد المباشر المسلّط عليه من الخارج. مهما يكن فإن صدام حسين الرئيس العراقي فقط لا غير، قد انطوى من سجل تاريخ العراق، وهذا التطور سيكون من بين احداث الشهور القريبة المقبلة، وهو شبه مؤكد لأسباب داخلية اولا وعدوانية محفّزة من الخارج ايضا. وفي معادلة او خلفية كهذه يجب ان يكون خوفنا من مثل هذه الخطوة أقل مما يُشاع.. () كاتب عراقي مقيم في فرنسا.
جريدة السفير
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعارضة العراقية والمدخل العربي لإنقاذ العراق
-
عراق صدام حسين في حقبته الروائيه
-
العراق: قضية ملتهبة فوق صفيح بارد
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|